مقالات
مروان حبش : إنقلاب الانفصال 28 أيلول 1961
مروان حبش– التاريخ السوري المعاصر
اعتبر عبد الحميد السراج، أن تعيين المشير عامر حاكماً لسورية وله كامل صلاحيات رئيس الجمهورية، اعتبر ذلك بداية النهاية له ولسلطته الأمنية التي أرْهَبَ بها شعب سورية، وعين الرئيس بعض كبار الضباط السوريين وزراء تنفيذيين لإضعاف سطوته وهو ما أكد مخاوفه، وبدأ الصراع يزداد حدة بين السراج وهؤلاء الوزراء العسكريين الذين طلبوا من الرئيس عبد الناصر أثناء اجتماعه معهم في القاهرة، التقليص من صلاحيات السراج وسلطاته الواسعة، ولكنّ الرئيس عيّن السراج رئيساً للمجلس التنفيذي في سورية ورئيساً للمؤسسة الاقتصادية إضافة إلى وزارة الداخلية ورئاسة اللجنة التنفيذية للاتحاد القومي.
على إثر قرارات التأميم في 20 تموز 1961، قرر الرئيس عبد الناصر إلغاء المجلس التنفيذي في سورية وإدارة شؤونها من القاهرة مباشرة، وتعيين عبد الحميد السراج نائباً لرئيس الجمهورية للشؤون الداخلية.
لم يرق للسراج هذا المنصب الجديد الذي لا صلاحيات له، لذلك قرر العودة إلى دمشق، وبدأ الصراع بينه وبين المشير يطفو على السطح، خاصة، بعد تصريح المشير أنه بحكم صلاحياته هو المسؤول عن الإتحاد القومي في سورية، فما كان من السراج إلاّ الإعلان بأن الاتحاد القومي هيئة منتخبة، وهذه الهيئة كانت قد انتخبته أميناً لسرها، وفي اجتماعه مع أعضاء اللجنة التنفيذية شكا السراج لهم بأنه في منصبه الجديد لم يجد أي عمل له.
أخذ السراج يحرض أعوانه الذين زرعهم في الأجهزة الأمنية، وأعضاء الاتحاد القومي لانتقاد نظام الرئيس عبد الناصر ولمقاومة المشير عامر، كما حرض بعض النقابات ليقوموا بإضرابات، تجاه ذلك أصدر الرئيس ناصر قرارات بدمج الاتحاد القومي وبتوحيد الأجهزة الأمنية في الإقليمين، وأصدر وزير الداخلية قراراً نقل بموجبه بعض ضباط الأجهزة الأمنية إلى القاهرة، ولكن هؤلاء وبإيعاز من السراج امتنعوا عن التنفيذ وتمردوا على الأوامر، فأمر المشير عامر بإلقاء القبض عليهم وإحالتهم إلى المحكمة بتهمة التمرد. وهذا ما دفع السراج إلى تقديم استقالته يوم الثاني والعشرين من أيلول 1961م.
عمّت الشائعات في سورية عن عزم السراج القيام بانقلاب ضد الرئيس ناصر، وساهمت قوى عديدة معادية لنظام الرئيس ناصر في ترويجها، وفي هذا الجو المليء بالغيوم قام عدد من الضباط الذين قربهم إليه المشير عامر، وسلمهم مناصب حساسة في القوات المسلحة بدلاً من الضباط البعثيين*،
وعُرفوا بـ “الكتلة الدمشقية” برئاسة المقدم عبد الكريم النحلاوي، في 28 أيلول 1961 بانقلاب أدى إلى فصل الوحدة.
اعتبرت قيادة حزب البعث في بيانين لها صدرا في 5 و 14 /10/ 1963 أن ما وقع في سورية يوم 28 أيلول قد كشف من جهة، عن مواضع ضعف الحكم في ااـ ج.ع.م ومن جهة أخرى، وضع قضية الوحدة على بساط البحث، وخاصة قضية أسلوب تحقيقها والمحافظة عليها،كما اعتبرت أن ما وقع في سورية كان انقلاباً رجعياً فتح باب سورية لمخاطر استعمارية قوية وسيدفع إلى ضرب القوى التقدمية وعزلها وتعطيل فعالية الشعب الثورية، ودعت القيادة القومية، لمجابهة تلك المخاطر، إلى تشكيل جبهة قومية واسعة تحفظ للشعب وحدته الوطنية، كما دعت القوى الوحدوية الديمقراطية في سورية،لأن تضع في مقدمة مطالبها موضوع الحريات الديمقراطية والجبهة القومية، وحين ينتصر الشعب في موضوع الحريات لن يختار غير الوحدة طريقاً، كما دعت القيادة إلى ممارسة النقد الذاتي من قبل الحزب.
كانت باكورة عمل النحلاوي، بعد تشكيل الوزارة الثالثة في عهد الانفصال برئاسة معروف الدواليبي، أنْ تقدم إلى مجلس الدفاع بقائمة تضم حوالي الـ 120 ضابطاً وطلب تسريحهم أو نقلهم إلى وظائف مدنية بذريعة “تنظيف الجيش من السياسيين”، وكانت الأكثرية الكبيرة من هذه الأسماء ضباطاً ينتمون إلى حزب البعث، ووافق مجلس الدفاع على تسريح ونقل 62 ضابطاً من القائمة، من بينهم أكثر أعضاء اللجنة العسكرية، وبقي الآخرون ممن وردت أسماؤهم في القائمة لعدم وجود معلومات موثوقة تؤكد انتماءهم للبعث.
رفضت القاهرة أن تمد يدها لأية حكومة من حكومات ما عرف بعهد الانفصال، والدخول معها بمفاوضات جدية، وتمادت في حملاتها الإعلامية، ورغم ذلك، سافر وفد من الضباط الذين نفّذوا حركة الانفصال ضمّ “العميد زهير عقيل, العقيد محمد منصور، الرائد فايز الرفاعي” وبالتنسيق مع النحلاوي إلى القاهرة، وطرح الوفد على الرئيس عبد الناصر الاعتراف بالوضع الحالي في سورية ليُصار إلى الانتقال لمعالجة عودة الوحدة وفق أسس جديدة، وعاد أعضاء الوفد، مرة ثانية، إلى القاهرة واجتمعوا مع الرئيس عبد الناصر الذي أملى شروطاً رآها ضرورية للبدء بالمباحثات، وأولها العودة إلى الوحدة لأن في ذلك انتصاراً للقومية العربية، وأيضاً, معالجة أوضاع الضباط الذين سُرحوا عقب انقلاب الانفصال، والمقصود “جاسم علوان وحكمت الداية وكاظم زيتونة ورفاقهم من ذوي الاتجاه الناصري”، ولم يشمل هذا المطلب الضباط البعثيين المسرحين.
رجع أعضاء الوفد إلى دمشق برأي مفاده: أنهم لا يرون ضرورة للسرعة بخصوص عودة الوحدة ويجب التفكير بهذا الموضوع.
وقررت قيادة الجيش تأجيل البحث بشأن مفاوضات الوحدة إلى فرصة أخرى، وشاركهم الرئيس السوري ناظم القدسي هذا الرأي.
نشر الأستاذ محمد حسنين هيكل، عن عمد، في جريدة الأهرام نصوصاً عن المحادثات، ومما ورد في النصوص المنشورة، تساؤل للرئيس عبد الناصر: “وكيف نعيد الوحدة، هل نعيدها بانقلاب جديد؟ في الحقيقة لا أتصور أن يحدث ذلك … وصحيح أن العودة للوحدة بانقلاب قد يرضي شعورنا جميعاً … ولو قام انقلاب وحدوي في سورية أعادها إلى الوحدة فوراً، إن الجماهير العربية التي صدمها ما حدث في سورية سوف تهب حماساً لها مرة ثانية”.
لقد أوحى الرئيس عبد الناصر بضرورة القيام بانقلاب، وفي الوقت نفسه كان جهاز الاستخبارات المصري ينسق مع مجموعة من الضباط السوريين الناصريين للقيام بانقلاب على الانقلاب وإعلان إعادة الوحدة كما كانت، ومن دون إعلام الضباط البعثيين الذين كانوا ينسقون معهم، كما أن النحلاوي وكتلته، وتحت شعار عودة الوحدة، كانوا يطمحون إلى حكم سورية بأسلوب أديب الشيشكلي نفسه، وكان النحلاوي على يقين تام بأن عبد الناصر لن يقبل حتى مجرد التفاوض وفق الأسس المطروحة من قبل الوفد السوري.
ساد التوتر بين الكتل العسكرية في الجيش، من جهة، وبين بعض هذه الكتل وخاصة كتلة النحلاوي وحكومة الدكتور معروف الدواليبي، من جهة ثانية, ونشأت بينهم خلافات حادة أدت إلى مطالبة النحلاوي وكتلته بـ:
– إلغاء المراسيم التي أعيدت بموجبها بعض الشركات المؤممة إلى مالكيها السابقين.
– إقالة الحكومة والاستعاضة عنها بحكومة حيادية غير سياسية، ومن ذوي الاختصاص.
– حل المجلس النيابي الذي يعمل كجمعية تأسيسية، بعد ستة أشهر من تاريخ انتخابه.
لم يوافق رئيس الجمهورية الدكتور ناظم القدسي على تبنّي أي من تلك المطالب مستقوياً بكتلة أخرى من ضباط الجيش الذين لا يرون رأي زملائهم الآخرين، ووضحت لهم،أيضاً, أهداف النحلاوي الذي استمر في مناورته وبدأ في عقد عدة لقاءات مع سياسيين محسوبين على الاتجاه الناصري مثل “هاني الهندي، نهاد القاسم، راتب الحسامي، فريد زين الدين”، وكان هؤلاء يتحدثون عن ضرورة العمل المثمر لإعادة الوحدة، ونتيجة تلك اللقاءات كُلِّف الدكتور فريد زين الدين بإعداد مشروع للمباحثات المزمع إجراؤها مع الرئيس عبد الناصر، وعلى ضوء ذلك عقد أبرز ضباط الجيش اجتماعاً لهم في مدرسة المدرعات في القابون، للتداول فيما تم الاتفاق عليه مع السياسيين الناصريين، وانقسم المجتمعون إلى فئتين، مؤيد ورافض, كما أن أكثريتهم استهجن طرح نائب رئيس شعبة المخابرات العميد شرف الزعبلاوي، المتضمن “ضرورة القيام بانقلاب تُعاد على إثره الوحدة، خشية من المد الوحدوي الذي قد يطيح بالجميع بصورة مفاجئة”، وعارض الآخرون ذلك التقييم واستهجنوه، وخاصة العقيد زياد الحريري الذي أكد بأن لواءه خال من أي ضابط ناصري، وانتهى الاجتماع من دون أن يحقق النحلاوي مأربه.
انظر:
بطاقة مروان حبش عضو المجلس الوطني للثورة عام 1965
اقرأ:
مروان حبش: الشركة النفطية التي كانت تتدخل لإسقاط وتعيين حكومات
مرسوم منع منح امتياز استثمار الثروة المعدنية والنفطية في سورية
قانون تشكيل المجلس الوطني للثورة وتسمية أعضائه عام 1965
مروان حبش: حول اللجنة العسكرية
مروان حبش: استثمار النفط وطنياً .. بترول العرب للعرب
اقرأ ايضاً:
مروان حبش: استقالة الوزراء السوريين في عهد الوحدة (21)
مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 وكلمة ميشيل عفلق (20)
مروان حبش: أزمات حزب البعث بعد الوحدة (19)
مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 (18)
مروان حبش: السير نحو الوحدة (17)
مروان حبش: البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام 1955(16)
مروان حبش: البعث والانتخابات النيابية عام 1954 (15)
مروان حبش:البعث والانقلاب على نظام حكم الشيشكلي (14)
مروان حبش: البعث والقيادة القومية (13)
مروان حبش: قضية انسحاب جلال السيد من حزب البعث (12)
مروان حبش: قضية الضابط داود عويس (11)
مروان حبش: قضية البعث وحسني الزعيم (10)
مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)
مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)
مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)
مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)
مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)
مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)
مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)
مروان حبش: عصبة العمل القومي (2)
مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (2)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (3)