You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر

من كتاب البعث وثورة آذار (9)

مروان حبش:  دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)


    يقول الأستاذ السيد في الصفحة 104 من كتابه المذكور: (كنت على مثل اليقين أن هذه الشروط -ويقصد الأسس التي قدمها البعث العربي للتفاوض- لن تحوز على القبول من جانب الطرف الآخر وكنت كمثل المطمئن أن الصفقة لن تتم ولن يكتب لفكرة الدمج بين الحزبين النجاح.

   وقد غادرت دمشق بعد ذلك عل عجل إلى مدينتي لأتلقى هاتفاً من الأستاذ صلاح الدين البيطار يخبرني فيه أن الشروط قد قبلت وأن الدمج قد تم).

  بعد اكتشاف تنظيم الضباط الموالين للبعث العربي الاشتراكي أصبح أمر اعتقال قادة الحزب وارداً ولا بد لهم من اللجوء إلى لبنان -بعد أن شكلت هيئة قيادية لقيادة العمل النضالي في الداخل- وكان ذلك في أوائل1953، واستغل الأستاذ عفلق فترة وجوده هناك لتشكيل نواة حزبية في لبنان وغالبيتها من الطلاب ومن بينهم الدكتور علي جابر وغسان شرارة وعبد الوهاب شميطلي وحسان مولوي ومحمد عطا الله  من لبنان وكان معهم سعدون حمادي من العراق وعلي فخرو من البحرين وعلي خصاونة من الأردن.

  وفي لبنان، خلال فترة لجوء الأساتذة، عُقدت سلسلة اجتماعات بينهم وبين قادة الحزب في الأردن ” الريماوي ونعواس “، وبعض الحزبيين من لبنان، واقترح الأردنيون أن تسمى هذه الاجتماعات “المؤتمر القومي الأول”.

   ومن لبنان بدأ القادة يكتبون البيانات المعادية لحكم الشيشكلي ويسربونها إلى سورية.

   استجابت الحكومة اللبنانية لضغوط أديب الشيشكلي، وقامت في منتصف عام 1953 باعتقال الأساتذة الثلاثة وترحيلهم إلى المنفى الذي اختاروه في إيطاليا.

   إن الاختلاف في العقلية وأسلوب العمل بين قادة الحزبين كان له انعكاس كبير على ما حدث بينهم بعد الدمج.

   يقول الأستاذ الحوراني في الصفحة 1496 من مذكراته: (بعد دمج الحزبين، شعرت منذ الاجتماعات الأولى أن الأستاذين أصبحا بعيدين عني أكثر من السابق، وأنهما يشكلان قيادة مستقلة).

   بدأ الخلاف يبرز بين الأستاذين ميشيل وصلاح من جهة والأستاذ أكرم من جهة ثانية في لبنان، وعاد ليطفو مجدداً في ايطاليا وانقطعا عن بعضهما لأكثر من شهر، وكان لكل منهما اتصالاته الخاصة بأنصاره من الحزبيين في أوروبا.

  وبعد عودتهما في شهر تشرين الثاني 1953 من ايطاليا إلى دمشق، عاد الأستاذ الحوراني إلى تفرده في العمل، في بعض الأحيان، مثل تصريحه في جريدة التربية الحلبية الذي حمل فيه على الرجعية وعلى مشاريع الاتحاد المشبوهة، وهذا ما اعتبره الأستاذان عفلق والبيطار خروجاً على الانضباط الحزبي، كما شككا في الهدف من التصريح، وبهذا الوقت بالذات الذي كان فيه الحزب طرفاً رئيسياً في الجبهة الوطنية التي تشكلت، وفق ميثاق مؤتمر حمص في منتصف شهر أيلول 1953.

     أثناء اعتقال الأساتذة الثلاثة مع لفيف من شخصيات الجبهة الوطنية في أواخر شهر كانون الثاني 1954، كان الأستاذان عفلق والبيطار يعتبران نفسيهما منفصلين عن الأستاذ الحوراني. ويورد الأستاذ الحوراني في الصفحة 1558 من المذكرات: (قال لي صبري العسلي بعد سنين: إن صلاح وميشيل كانا يصرحان لهم “للمعتقلين” بأن تعاونهما معي “مع الأستاذ أكرم” إنما هو تعاون عابر، وأن البعث هو حزب مستقل عن العربي الاشتراكي).

    في أعقاب سقوط نظام الشيشكلي مباشرة، أُطلق سراح الأساتذة الأربعة “عفلق – البيطار – الحوراني – السيد ” مع السياسيين من الأحزاب الأخرى والعدد الكبير من البعثيين، وكانت نسبتهم تقارب الـ 80% من بين المعتقلين، وعاد الحزب لممارسة نضاله العلني بعد ما يقارب العامين من النضال السري وهو مزودٌ بثقة عالية وبتأييدٍ قويٍ من الجماهير وبسمعة طيبة في صفوف العسكريين والتقدميين.

   أخذ الأستاذ ميشيل يُعبّر للبعض من خواصه عن ندمه على موافقته على دمج الحزبين، ويعتبر أن الدمج قد دنس طهارة عقيدة البعث العربي وأبعده عن كونه مدرسة للتبشير العقائدي والفكري قبل أن يكون حزباً سياسياً، وقبل الانتخابات لمجلس قيادة الحزب في أيلول 1954، قال الأستاذ عفلق لأحد الأعضاء من الصف القيادي الثاني في الحزب: لقد اعتبَرَ بعض الحزبيين أن الخلاف بيني وبين أكرم الحوراني خلافاً شخصياً ووقفتم على الحياد.

   إن اندماج الحزبين في فترة النضال السري لم يتح لقواعدهما التعارف والانسجام، ولذا أُقيم حفل تعارف في أوائل شهر نيسان 1954لمناسبة افتتاح مقر الحزب الجديد في الطلياني وعودته إلى النشاط العلني، وفي هذا الحفل ظهر التباين في كلمتي الأستاذين عفلق والحوراني، حيث ورد في كلمة الأستاذ الحوراني: (إن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا عندما يصبح الشعب سيد نفسه، ولذلك فإن الحزب يتوجه إلى العمال والفلاحين، إذ لا يجوز لفئة أو طبقة لا تعرف إلا مصالحها أن تعبث بمصلحة أغلبية البلاد).

  وجاء في كلمة الأستاذ عفلق، التي أعقبت كلمة الأستاذ الحوراني: (إن حزبنا حزبٌ انقلابي جدي لا يقوم على هواية ولا يقبل في صفوفه الهواة، فالعمل في حزبٍ انقلابيٍٍ ليس هوايةً ولا ميلاً وإنما هو وظيفة هي أخطر من كل وظيفة، وهي كما عرفها الحزب منذ نشوئه رسالة… وليس التنظيم جمعاً فحسب وإنما هو خلقٌ وإبداعٌ، وليكن في بادئ الأمر مختصراً عددياً، ليس في هذا ضير ولكن ليكن جدياً).

   بعد عودة القيادة الثلاثية من إيطاليا بدأت تتسرب الشائعات عن وجود خلاف بينهم، ودعا الأستاذ عفلق هيئة القيادة “الأعضاء القياديون في الفروع” لعقد اجتماع في منزله في حي الميدان، وبعد أن استعرض الوضع السياسي اتهم الأستاذ الحوراني بأنه يدبر لانقلاب على الشيشكلي من خلف ظهر القيادة، واقترح فك الدمج بين الحزبين، ولكن هيئة القيادة التي حملت عبء النضال في غياب القيادة الثلاثية، أثبتت بنضالها أن وحدة الحزب قابلة للاستمرار، ولم يتجاوبوا مع الاقتراح.

   استمر الخلاف بين القادة بعد سقوط حكم الشيشكلي حول الأسس التي يجب اختيار المرشحين باسم الحزب إلى عضوية المجلس النيابي،  وكان يرى الأستاذ عفلق أن الأستاذ الحوراني قد خدعه، وأنه طامعٌ في الاستيلاء على حزب البعث العربي، وعاد إلى تكرار رأيه القديم فيه أمام زواره، وهو رأيٌ يعود إلى عام 1947 حينما طُرِح تنظيم الأستاذ الحوراني في حزب البعث العربي، وكان تقييمه له بأنه سياسيٌ انتهازيٌ أو سياسيٌ مغامر، وطَرَح مجدداً بين أوساط الحزبيين شعار فك الدمج، وبالمقابل كان الأستاذ الحوراني لا يألو جهداً في تشويه صورة الأساتذة عفلق والبيطار وجلال السيد، وكان يعتبر أن الأستاذ السيد وراء الكثير من أحابيل الدس وزرع الكراهية لفك الدمج.

   كان الأستاذ جلال السيد يجهد، دوماً، ليروج رأيه الذي أورده بعد ذلك في كتابه “حزب البعث العربي” ومفاده: أنه لا يميل إلى تضخم الحزب بطريق الدمج، وإنما كان أميل إلى ما يسميه طراز النمو والتكاثر الذاتي.

قاد تناقضُ القادةِ الحزبَ إلى أزمة داخلية، وأصبح محور نقاش الأعضاء الموالين شخصياً للقادة وأحاديثهم يتركز على الخلاف بين أعضاء القيادة وعلى أخلاقهم وحياتهم الشخصية والطعن والغمز والاتهام.

   أما موقف أكثرية أعضاء الحزب من الجيل الثاني، أي قيادات الصف الثاني، إذا أُجيزت تلك التسمية، كان يؤكد على:

  1 – ضرورة رأب الخلاف في وجهات النظر بين الأساتذة، أو تضييقه قدر الإمكان وعدم تسريبه إلى قواعد الحزب.

   2 – إن مصلحة ساحة النضال السياسي في سورية وبقية الأقطار العربية تستدعي استمرار حزب البعث العربي الاشتراكي حزباً موحداً.

  3 – ضرورة استمرار القادة الثلاثة كقيادة للحزب وتعاونهم معاً، لما في ذلك من قوة لتنظيم الحزب الموحد وانسجام أعضائه، وذلك، أيضاً، يعطي للحزب هيبةً وقوةً في الشارع السياسي العربي.

   4 -ضرورة خروج أعضاء القيادة من حالة الشخصنة وتجميع الموالين حول أشخاصهم، إلى تأسيس قيادة جماعية تقود التنظيم الحزبي والعمل النضالي، بصفتها تلك.

   فرضت الانتخابات الحزبية المزمع إجراؤها لمجلس الحزب، وضغط القاعدة الحزبية، والأحداث السياسية الداخلية والخارجية والمؤامرات التي يتعرض لها القطر، ضرورة التعايش والتعاون بين القادة الثلاثة، -كان الأستاذ جلال السيد قد انسحب من الحزب في شهر آب 1955- وغاب عن المسرح شعار فك الدمج، وإن كان حديث القادة لا يخلو، أحياناً، عن الخلاف بين عقليتين، وظهرت بوادر الاتفاق في وجهات النظر حتى نهاية عهد الوحدة.

   ومن بوادر الرضا والتوافق بين القادة كانت تلك اللقاءات السرية في أواخر عهد الوحدة، بين ثلة من البعثيين، استجابة للرسائل التي وجهها الأمين العام للحزب الأستاذ عفلق من لبنان إلى الأستاذين البيطار والحوراني، ويحثهما فيها على البحث في إعادة تنظيم الحزب من جديد في سورية.

  استمرت حوارات إعادة تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي، حتى انعقاد المؤتمر القومي الخامس في أيار 1962.

   انتقد الأستاذ الحوراني هذا المؤتمر لعدم حضور أي بعثي من القطر السوري فيه باستثناء الأمين العام، كما انتقد بعض مقرراته، وهذا دفع القيادة القومية المنتخبة إلى تقرير فصله مع بعض الأعضاء من مجموعته، ولم تُجْد المحاولات التي بُذلت من بعض ناشطي الحزب _رغم قرار القيادة القومية_ باستبعاد الأساتذة الثلاثة عن التنظيم وترك البت بوضعهم إلى أول مؤتمر قومي يعقد بعد إعادة التنظيم في سورية حرصاً على وحدة الحزب.


اقرأ :

مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)

مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)

مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)

مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)

مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)

مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)

مروان حبش: عصبة العمل القومي  (2)

مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)

حزب البعث

مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)

مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (2)

مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (3) 


للإطلاع على تسلسل أحداث التاريخ السوري المعاصر  بحسب الأيام

انظر أيضاً :

أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات

سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى