You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958

من كتاب البعث وثورة آذار (18)

 أذاع الأستاذ ميشيل عفلق الأمين العام للحزب في 23 شباط 1958، أي في اليوم التالي للاستفتاء على الوحدة ورئاسة عبد الناصر البيان التالي:

   “في الساعة السادسة من مساء الأحد 23 / 2 / 1958 عقد مجلس حزب البعث العربي الاشتراكي بالقطر السوري اجتماعاً استمع فيه إلى بيان القيادة القومية وقرارها بحل فروع الحزب في الـ “ج. ع. م” وبذلك يعتبر حزب البعث في الـ ج. ع. م منحلاًّ بكافة منظماته ومؤسساته”.

   وارتجل الأستاذ ميشيل خطاباً في الاجتماع الحزبي المذكور تناول فيه أسباب الحل وغاياته، وبرّر الوحدة الاندماجية بأن الأحداث تحركت بأسرع مما رسمه المشروع الذي أعده الحزب فتعذرت دراسته بعناية، وأخذ كل من الأساتذة الثلاثة يبرر سبب قبول حل الحزب وهو الاتفاق مع الرئيس ناصر على أن يتولى البعثيون قيادة التنظيم السياسي لدولة الوحدة “الاتحاد القومي” أو أن تكون هناك قيادة بعثية – مصرية، أو أن تُطلق يدهم في سورية، وقال الأستاذ البيطار إن القيادة ستكون مشاركة بين السوريين والمصريين، وأن الرئيس ناصر قال: “إن تجربة مصر الحزبية حديثة – المقصود بعد ثورة يوليو – وحزب البعث مؤهل لأن يعطينا تجربته، وأنا لا أعرف غير حزب البعث في سورية”.

   كان للبعث آماله ومطالبه، وكانت لدى القادة البعثيين آمال ببعثية التجربة في دولة الوحدة، ومن هذه الآمال جرى حديثهم عن انتماء عبد الناصر إليهم، ويشير بعض الضباط البعثيين إلى أن الأستاذين أكرم الحوراني وصلاح البيطار نقلا إلى التنظيم البعثي في الجيش أن القيادة وافقت على حل الحزب لأن عبد الناصر أقنعهما بأنه سيقيم اتحاداً قومياً ليس بديلاً عن حزب البعث، ولكنه يقوم بدور حزب البعث، وقالا أيضاً: إن عبد الناصر كرر أمامهما عدة مرات بأنه يعتبر نفسه بعثياً، وقد

قال عبد الناصر أمام الأساتذة الثلاثة: “إنني بعثي ومؤمن بمبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي، واعتبِروني بعثياً رغم أنني لا أدفع اشتراكاً للحزب”، وكان الأساتذة الثلاثة يكررون: “إن عبد الناصر تنطبق عليه كل مواصفات البعث”.

   ويرى المفكر المصري محمد عودة، أن البعث كان حزباً بلا قائد، وكان عبد الناصر قائداً بلا حزب.

   انتقدت القواعد تخطّي القيادة لإرادة الحزب، في مواقف كثيرة، ولعلّ أخطرها قرار حل الحزب وأن الأساتذة الثلاثة لم يدعوا المؤسسات القيادية لمناقشة خطوة مصيرية كهذه، وهذا يكشف عن الخلل التنظيمي في الحزب، وكان من المفروض بالقيادة الحزبية أن تدعو مجلس الحزب لطرح هذه الموضوعات المصيرية عليه، وأن تستشير قيادات الحزب في الأقطار العربية الأخرى بطلب عبد الناصر حل الحزب في مركز ثقله في سورية, وأن المجلس الذي دعته القيادة لهذا الغرض لم يكن المجلس المنتخب من قبل قواعد الحزب، وإنما كان مجلساً منتقى بشكل كيفي، ورغم ذلك برز بين الحضور من اعترض على قرار الحل، فانهالت القيادة عليهم تهشيماً واتُّهِموا بالعمالة والخيانة.  ويقول الأستاذ الحوراني في مذكراته: “إن عدداً من الحزبيين خاطبوه بأنه لا يجوز حل الحزب دون توضيح وتبرير مكتوب يعمم على الفروع الحزبية في سورية وعلى كل الأقطار العربية”.

   بعد اختلاف البعث مع الرئيس عبد الناصر الذي انتهى باستقالة الوزراء البعثيين في كانون الأول 1959، بسبب الهيمنة السياسية وإبعاد الحزب الذي كان له الباع الطويل في تحقيق الوحدة، وكانت أسباب الاستقالة، وفق الرؤية البعثية:

  • تجاهل الحكم للمنطق القومي.
  • اعتماد الحكم على شخص الرئيس والأجهزة الفنية والمخابراتية.
  • عدم وجود أساس عقائدي للحكم.
  • إفراغ المنظمات النقابية من مضمونها.
  • الاتحاد القومي جهاز تابع للسلطة والمخابرات.

   وكانت الاستقالة تعني إعلان استحالة تصحيح أوضاع الحكم عن طريق المشاركة فيه، وعدم المشاركة في تحمل مسؤولية الانحراف رسمياً، في الوقت الذي لا يتحمل البعثيون في الحكم أية مسؤولية حقيقية عن هذا الانحراف، وعدم تغطية هذا الانحراف أمام الشعب.

   تزايد نقد القواعد البعثية لقرار الحل، مما اضطر القيادة القومية، التي كانت تنشط من بيروت لعدم وجود تنظيم في سورية، لإصدار نشرة في آذار 1959 جاء فيها: “أن الوحدة بين سورية ومصر لم تكن سهلة، لأن الوحدة فكرة ثورية يتطلب تحقيقها تخطي كل الاعتبارات المحلية والمصالح المرتبطة بالتجزئة، وإزالة كل ما خلفه وضع التجزئة من آثار في الفكر والثقافة، والتغلب على المشكلات والصعوبات التي تنشأ عن الوحدة”. كما أخذ القادة يطرحون أسباباً أخرى يبررون بها قرار حل الحزب، ومما كتبه الأستاذ الحوراني في مذكراته: “كنا نأمل بأن تدفع ثورة الوحدة جمال عبد الناصر في طريق تبني أيديولوجية حزب البعث واستكمالها، من خلال بناء الاتحاد القومي كتنظيم ثوري وحدوي متقدم على البعث، والذي كان يمدنا بهذه الأحلام ما كنا نعانيه داخل الحزب من مشكلات وهشاشة الجبهة الوطنية التي تزايدت بعد أن ساءت العلاقة مع الحزب الشيوعي والاتحاد السوفييتي، حيث بلغ إحراجنا حداً لا نرى فيه من مخرج إلا الإقدام على انقلاب يتولى فيه حزب البعث العربي الاشتراكي الحكم، ولكن الحزب لم يكن قادراً على تحمل أعباء الحكم بمفرده في سورية،  بالإضافة إلى ما يؤدي إليه حكم الحزب الواحد من نتائج”.

   أما الأمين العام للحزب الأستاذ ميشيل عفلق، فقد تحدث في المؤتمر القومي الخامس الذي انعقد في ايار 1962، قائلاً: “لم يكن الحزب يجهل أن النظام القائم في مصر لم يكن نظاماً ديمقراطياً، وهو مع ذلك تحمس للوحدة واعتبرها، كما اعتبرها الشعب العربي كله، عملاً تاريخياً … وقال: “نقطة مهمة وأساسية كان الحزب يعرفها ولا يصرح بها، يعرفها ويغالط نفسه أحياناً في التغاضي عنها… هي أن الحزب في أوائل 1958 عند قيام الوحدة لم يكن موجوداً الوجود الحقيقي السليم … إن الحزب كان يعاني من التناقضات والضعف والميوعة والهجانة، بمعنى أن أصالته الثورية قد شابتها الشوائب التي فعلت فعلها الكبير.

   كانت عناصر كثيرة في الحزب، وأقصد في سورية بالدرجة الأولى, والموضوع كان محصوراً في سورية بالذات، كانت ترى في تحقيق الوحدة إجازة لها من النضال وإراحة وخاتمة ومفترجاً للمشاكل المستعصية في الحزب…. وأضاف: وأما القبول بحل الحزب فكان خطأً بلا شك وخطأً كبيراً، إلا أنه، في واقع الأمر، كان تكريساً لشيء موجود وحاصل … المقصود أن الحزب في ذلك الوقت كان يعاني من عوامل التناقض والتشويه والانحلال بداخله مما كان ينذر بأنه سيحل نفسه، فلو افترضنا بأن الحزب كان موجوداً بتكوين سليم، وباتصال وثيق حي مع الشعب، هل تعتقدون أن قرار الحل كان سينفذ بتلك السهولة التي نفذ بها؟”.

   وأخيراً، يمكن إيجاز ما تقدم بأن البعثيين فوجئوا بالشرط الذي وضعه الرئيس عبد الناصر كي يوافق على الوحدة، ألا وهو شرط حل الأحزاب في القطر العربي السوري، وهذا يعني بالتحديد حل تنظيم حزبي البعث والشيوعي، لأن الأحزاب الأخرى لم يكن لها امتداد جماهيري على الساحة السورية، وأن السبب في ذلك القبول، هي الثقة التي كان يوليها قادة الحزب للرئيس عبد الناصر، الذي كان يبدي إعجابه بالفكر القومي الاشتراكي لحزب البعث، خلال لقاءاته مع قادة الحزب، بعد حرب السويس، ولأن البعث كان المهندس الرئيس للوحدة، ظن بأنه سيكون صاحب اليد الطويلة في دولة الوحدة، وما حماس البعث القومي لزعامة عبد الناصر المطلقة إلا دليلاً على أنه كان قد حصل على تأكيدات حول هذا الأمر.


(1)من بيان القيادة القومية 22 أيلول 1962.


اقرأ :

مروان حبش: السير نحو الوحدة (17)

مروان حبش: البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام 1955(16)

مروان حبش: البعث والانتخابات النيابية عام 1954 (15)

مروان حبش:البعث والانقلاب على نظام حكم الشيشكلي (14)

مروان حبش: البعث والقيادة القومية (13)

مروان حبش: قضية انسحاب جلال السيد من حزب البعث (12)

مروان حبش: قضية الضابط داود عويس (11)

مروان حبش: قضية البعث وحسني الزعيم (10)

مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)

مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)

مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)

مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)

مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)

مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)

مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)

مروان حبش: عصبة العمل القومي  (2)

مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)

حزب البعث

مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)

مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (2)

مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (3) 



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى