الأديب والقاص مراد السباعي
الولادة والعائلة
ولد الكاتب مراد السباعي في حيّ بني السباعي بحمص القديمة شهر شباط 1914م.
هو مراد بن راغب بن هاني بن عبد القادر السباعي.
والده راغب السباعي تاجر أقمشة، وله دراية جيدة في الأدب؛ كان ينظم الشعر، وعمل مدة رئيساً لتحرير جريدة “حمص”.
والدته السيدة: بديعة صافي
أخوه النيابي والوزير هاني السباعي.
الدراسة
عاش طفولته في خضمّ الحرب العالمية الأولى، وكان شاهدًا على أحوال حمص العصيبة في تلك الفترة، كما شهد تأسيس المملكة السورية ثم دخول الجيوش الفرنسية إلى المدينة.
أتمّ المرحلة الابتدائية في مدرسة “منبع العرفان” بحمص، ثم تابع تعليمه إلى الصف السابع في مدارس حمص، لكنه لم يوفّق في الدراسة فتركها قبل الحصول على الشهادة الإعدادية. لكنه كان شغوفًا بالقراءة، فاطلع على مختلف أنواع الآداب، وخاصة الأدب والروسي والفرنسي. وفي وقت لاحق تلقّى دروسًا خاصة في اللغة العربية عند الأديب الحمصي محي الدين الدرويش (1).
التعرّف على فن المسرح:
يعزو مراد السباعي الفضل في تعريفه على العمل المسرحي إلى القاضي أنيس الملوحي، الذي كان على رأس فرقة مسرحية سياسية في حمص نهاية العشرينات ومطلع الثلاثينات؛ تشكّلت من أعضاء تنظيم “الشباب الوطني” المناهض للانتداب الفرنسي، والذي تألّف أصلًا من بعض أعضاء “النادي العربي” الذي نشط في العهد الفيصلي.
بالنسبة لمراد السباعي؛ فقد استدعاه أنيس الملوحي ذات نهار من عام 1928م دون أي مقدمات، كونه من أصدقاء أخيه الأكبر هاني السباعي، وأبلغه أنهم بصدد تنفيذ مسرحية يرصد ريعها للمشاريع الخيرية، وينقصهم دور فتاة، وقد وقع اختيار أعضاء الفرقة على مراد الذي كان شابًا يافعًا آنذاك، ولم يكن يعرف عن المسرح والتمثيل أي شيء، إلا أن السيد الملوحي طمأنه وشجّعه، وكذلك فعل المخرج الفني مظهر طليمات الذي درّبه على التمثيل والمحاكاة وكذلك الوقوف أمام الجماهير. وأصبح الشاب مراد يتدرب في غرفته على دوره المقبل شهرين كاملين، الذي كان “بازيليد الحسناء”؛ المرأة الطموحة الشرسة التي دفعت جوزها القائد برانكومير إلى خيانة وطنه لتستولي على العرش، ضمن مسرحية بعنوان “في سبيل التاج”.
وكان أن مثّل دوره على خشبة المسرح بكفاءة عالية وإبداعٍ في المحاكاة، فلمّا أسدل ستار المسرحية صعد العديد من أفراد الجمهور الحاضر ليصافحه ويهنئه بنجاحه.
تأسيس فرقة ونادي دوحة الميماس:
توقفت فرقة الشباب الوطني المسرحية بحمص عن العمل أوائل العقد الثالث من القرن العشرين، فدفع حبّ التمثيل الشاب مراد السباعي إلى تشكيل فرقةً تمثيلية أطلق عليها اسم “دوحة الميماس”، وقد كانت هذه الفرقة في البداية فرقة صغيرة ذات عناصر ضعيفة، ولم تستطع إخراج أي مسرحية في البداية لضعف عناصرها، حيث كانوا، على حدّ وصف السباعي، خليطًا، منهم الطالب والبقّال وبائع الأقمشة.
ولكن حالها تغيّر بعض أن انضمّ إليها بعض السياسيين والأدباء والفنانين الموسيقيين، كمظهر طليمات ونوري طليمات، ووصلوا إلى قرار تأسيس نادٍ للموسيقى والتمثيل. وبالفعل طلبوا الترخيص للنادي الذي سمّي بذات الاسم “دوحة الميماس”، وجاء الترخيص الرسمي بتاريخ 6 تشرين الثاني 1933م.
ثم دعي الأعضاء إلى جلسة عامة لانتخاب أول هيئة إداري للنادي، فكانت النتيجة انتخاب أنيس الملوحي رئيسًا للنادي، ورضا صافي أمينًا للسر، ومظهر طليمات مسؤولًا إداريًا، ونوري طليمات مفتشًا ومحاسبًا، ورفيق الحلبي خازنًا، ويوسف شاهين عضوًا عن الفرع الموسيقي، ومؤسس الفرقة مراد السباعي عضوًا عن فرع التمثيل.
وقد اشترك مراد السباعي مع النادي في تمثيل ست مسرحيات خلال سنة واحدة، إلا أنه انسحب من النادي بعد ذلك وأسس فرقة تمثيلية صغيرة اسمها “الرقيّ الفنّي”، وجعل مقرّها في منزله. وكان من أعضائها سامي الدروبي، عبد البرّ عيون السود، سامي سحلول، وطارق الشهابي.
بداية التأليف المسرحي:
بعد عدة تجارب ناجحة في مجال التمثيل على خشبة المسرح؛ بدأ مراد السباعي بالتفكير في تأليف مسرحية محلّية، فكانت محاولته الأولى وهو في سنّ السادسة عشرة، وهي مسرحية بعنوان “سكرة”، تتحدث عن شاب يافع يدفع السكر الشديد إلى سرقة أبيه ليسافر إلى أحد المصايف اللبنانية ويتمتّع بالحياة، وفيما هو يحاول فتح الخزانة يحضر الأب فيرى ابنه متلبسًا بالجريمة. ويتصرف الأب تصرفًا معاكسًا للمتوقع، فلا يعنّف الابن بل يلاينه ويصفح عنه، فيتأثر الأخير بكلمات أبيه ويطلب العفو. وعلى المحور الأخلاقي الذي أسسه للمسرحية أضاف الفكاهة والجدّية ضمن إطار فنّي.
وكان السباعي أثناء كتابته يشطب في الليل ما يكتبه في النهار، وقد يبدّل الجملة الواحدة أكثر من عشر مرات في أقلّ من عشر دقائق، حتى اكتمل عنده النص بعد شهر كامل من الكتابة.
وقد لاقت المسرحية التي عرضها مع مسرحية أخرى مترجمة اسمها “الأعمى”، عن طريق فرقته الجديدة “الرقيّ الفنّي” نجاحًا جيدًا، فكان التصفيق والضحك لا ينقطعان طوال مدة العرض.
وشجّعه ذلك النجاح على المضيّ في كتابة المسرحيات، فكتب “ضحية الخادم” في خمسة فصول، مثّلت لأول مرة على مسرح “منظر جميل” مكان سينما حمص اليوم، و”مضحكات الأقدار” في ثلاثة فصول، مثّلت على مسرح سينما روكسي (الشرق لاحقًا)، وعدد آخر من المسرحيات مثّلت كلّها خلال سنة واحدة.
إلا أن الشاب مراد السباعي، بعكس جمهوره، لم يكن راضيًا عن مستوى مسرحياته الأولى، فأحرقها جميعًا.
وحتى منتصف الأربعينات، أي حتى بلوغه سنّ الثلاثين؛ كان قد كتب عددًا جيدًا من المسرحيات الطويلة والقصيرة، منها “وجوه وأقنعة” التي نالت جائزة الجامعة الأميركية في بيروت، و”شيطان في بيت” التي نالت الجائزة الأولى في مسابقة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عام 1960م، ومسرحيات أخرى التزم فيها بالأسلوب الواقعي الذي يلمس جوهر حياة الناس ويعالج مشاكل المجتمع.
وقد توقّف عام 1945م عن الكتابة المسرحية، بسبب انصراف الناس عنه وانشغالهم بأنباء الحرب العالمية الثانية.فكان أن توقّف العمل المسرحي في حمص بشكل شبه تام.
التوجّه نحو كتابة القصة:
مع نهاية عام 1945م عاد السباعي إلى الكتابة بعد انقطاع طويل، متجهًا نحو القصة. وكانت أول قصة يكتبها “الدرس المشؤوم”، وهي بنمط مشابه للنمط المسرحي، حيث اعتمدت على الحوار أكثر من السرد. ثم كتب “عصفور الرمّان”، وقصة “كاستيجا” التي استلهمها من فتاة برازيلية كانت تجلس يوميًا في حديثة مقهى الروضة، وقد جاءت إلى حمص في زيارة قصيرة لبلد أجدادها، وكانت حديث الشباب الحمصي آنذاك.
ثم أصدر في مطلع الخمسينات مجموعته القصصية “هذا ما كان” عن دار الفكري العربي في القاهرة (1952)، إلا أن وفاة صديقه المقرّب الشاعر الحمصي عبد السلام عيون السود عام 1954م أصابته بحزن شديد، اعتزل على إثرها الناس والأصدقاء، وكذلك الكتابة.
وفي فترات لاحقة؛ قام مراد السباعي بنشر العديد من المجموعات القصصية، منها: الشرارة الأولى (1962)، وقد ترجمت هذه المجموعة إلى اللغة الروسية.
الحكاية ذاتها (1967)، تحت النافذة (1974)، هدية عيد الأم (1978) وهو من الأعمال الرائدة في أدب الأطفال على مستوى سورية، وقد ترجمت إلى الروسية والأوكرانية.
بالإضافة إلى: أسئلة تطرح وأصداء تجيب (1979)، سباق في مسبح الدم (1984).
كما نشر مقتطفات من حياته في عدة كتب، هي: شيء من حياتي (1973)، محطات في حياتي (1990)، من مرآة الذاكرة (1992)، مقاطع من رسائل صديقتي شارلوت (1995).
فرقة مسرح حمص (1961 – 1965):
نهاية عام 1960م عيّن عبد المعين الملوحي مديرًا للمركز الثقافي بحمص، وبدعم من محافظ حمص المرحوم مصطفى رام الحمداني نهض الملوحي بالمركز الثقافي فأصبح المركز يستقطب كل الحركة الثقافية والفنية في حمص، وكان نشاطه شبه يومي، وأصبح بؤرة إشعاع قومي وفكري وثقافي.
وقد ارتأى الملوحي حاجة المركز إلى فرقة مسرحية تكمّل نشاطه وتزامن ذلك مع إرسال وزارة الثقافة السورية رئيس مديرية الفنون الجميلة إلى حمص للإتصال بفنّانيها المسرحيين، وطلب موفد الوزارة من مراد السباعي أن يكون مدير فرقة مسرحية سيتم تشكيلها تحت مظلّة المركز الثقافي بحمص، فوافق. وصدر قرار رئيس بلدية حمص بانتدابه للعمل ضمن المركز، وخلال شهر واحد تم تشكيل فرقة مسرحية أطلق عليها اسم “فرقة مسرح حمص”، وكانت تضمّ عشرين ممثلًا وممثّلة، حيث عمل مراد السباعي وعبد المعين الملّوحي على إدخال العنصر النسائي إليها بشكل تدريجي.
وقد اعتمد السباعي على ماهر عيون السود ومحمود طليمات في العمل، وتمكّن خلال سنة واحدة من إخراج مسرحيات كتبها في وقت سابق، منها “وجوه وأقنعة” و”شيطان في البيت”، وأهمها مسرحية “ضابط عثماني” التي كتبها عام 1935م واعتبرها أول مسرحية كتبها وكان راضيًا عنها، وقد عرضت هذه المسرحية في اللاذقية ثم على شاشة التلفاز في وقت لاحق.
كما كتب للفرقة مسرحيات جديدة منها: وراء الأمل، أنت أبي، قطعة الدانتيل، بائعة أعشاب، المعركة، سجين الدار، الحلم والحقيقة، الفنان والطبيعة، الشاعر واللص، الإنسان والموت.
واستطاعت فرقة حمص، خلال أربع سنوات نشطت فيها، أن تعيد إلى الجمهور ثقته بالمسرح، عبر أعمالها الفنية التي كانت على درجة عالية من الجودة والاتقان، ويعزى ذلك إلى إبداع مراد السباعي وحسن إدارة عبد المعين الملوحي لنشاطات المركز الثقافي. والتزمت الفرقة بالأسلوب الواقعي تأليفًا وإخراجًا وتمثيلًا، فابتعدت بذلك عن “الشعوذة والتهريج المفتعل، وبهلوانية الحركة والإشارة والتكرار المملّ”، وذلك على حدّ وصف السباعي.
توقّفت الفرقة عن العمل عام 1965م، والسبب هو رغبة وزارة الثقافة بحصر اهتمامها وعنايتها بالفرقة القومية التابعة لمديرية الفنون الجميلة، فأقلعت عن فكرة الاستمرار في تشكيل فرق تمثيلية في المحافظات السورية.
رئاسة فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص:
كان مراد السباعي قد عمل لما يقارب ثلاثين سنة موظفًا في ديوان بلدية حمص، طرد خلالها فترة قصيرة أثناء فترة حكم حسني الزعيم، وذلك بسبب موقفه من نظامه الانقلابي. ثم قدّم استقالته من ديوان البلدية عام 1965م، وفي وقت لاحق شغل منصب رئيس المكتب الفرعي لإتحاد الكتاب العرب في حمص بين عامي 1972-1982م.
الجوائز والتكريم :
تم تكريمه من قِبل إتحاد الكتاب العرب، وكرّم كذلك في المهرجان المسرحي الذي تقيمه نقابة الفنانين في حمص، وتضمّن التكريم ندوة اهتمت بمسرحه. كما قدّمت فرقة المسرح العمالي بقيادة مواطنه فرحان بلبل إحدى مسرحياته، وهي سجين الدار.
نالت مسرحيته (شيطان في بيت) الجائزة الأولى في مسابقة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عام 1961.
ووفاته وإرثه:
توفّي في حمص في الخامس عشر من آب 2001م، ودفن فيها.
أقيم له حفل تأبين من فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب في قاعة د.سامي الدروبي بالمركز الثقافي في حمص، وذلك في ذكرى أربعينيته (أيلول 2001م).
سمّيت باسمه مدرسة ابتدائية في حي الدبلان، وشارع في حي باب الدريب بحمص.
قيل عنه:
وقد قال فيه الأستاذ فرحان بلبل:
“لنتذكّر جيّدًا أن لمراد السباعي مِنّة في عنق كل من يأتي بعده من العاملين في المسرح”.
أما مراد السباعي فيقول عن نفسه:
“أنا بالذات لا أعلم من أنا، الواقع أنك لو سألتني من أنت؟ أقول أنا مراد السباعي. ومن هو مراد السباعي؟ لا شيء. إنه جزء صغير من هذا الكون الواسع… أنا كالشجرة. كالصخرة”.
انظر:
محافظ حمص مصطفى رام حمداني والأديب مراد السباعي في حمص عام 1960
رسالة الأديبة كوليت خوري إلى الأديب مراد السباعي عام 1979
مراد السباعي وآخرون في إحدى محاضرات فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص
مراد السباعي وثورة شباب جورة الشياح على الطرابيش
الأديب مراد السباعي .. بريشة الفنان منيف كنوزي
مراد السباعي في دور راهب في الثلاثينات
محطات في حياتي .. سيرة ذاتية .. 1990
المراجع والهوامش:
(1). سومر العلي،"مراد السباعي".. موثق القرن العشرين، مدونة وطن 20 تموز 2016م.
(2). سلوى شبوع، الأديب مراد السباعي،صحيفة حمص 20 حزيران 2022.
المراجع والهوامش:
(1). سومر العلي،"مراد السباعي".. موثق القرن العشرين، مدونة وطن 20 تموز 2016م.
(2). سلوى شبوع، الأديب مراد السباعي،صحيفة حمص 20 حزيران 2022.
أشكرك أستاذ فارس على هذه المقالة الرائعة والجامعة والشاملة