You dont have javascript enabled! Please enable it!
دراسات وترجمات

مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (1)

تمهيد تاريخي:

صدر فرمان التنظيمات الخيرية (1839) بأمر من السلطان عبد المجيد بعد أشهر من حلّ المسألة المصرية وعودة الحكم العثماني إلى سورية. وقد أعلن هذا الفرمان بشكل واضح عن انقلاب جذري في الهيكلية التقليدية للدولة على جميع الأصعدة. حيث نصّ الفرمان على أمن الأموال والأعراض لجميع أفراد الرعية، وأُعلن عن نظام القرعة العسكرية ضمن حركة التجنيد الإلزامي، وعن أن المحاكمات ستكون علنية، وأحكام الإعدام لن تتم بأي شكل من الأشكال دون محاكمة، بالإضافة إلى العدل في جمع الضرائب ومحاربة الرشوة.  ولكنّ أهم ما يرد في هذا الفرمان هو مغزاه، وهذا المغزى هو تنازل السلطان عن جزء من سلطته لمجلس الأحكام العدلية، وبذلك دخلت الدولة رسميًا في المرحلة الدستورية.

ورغم أن فرمان التنظيمات كان حجر الدومينو الأساسي في سلسلة الفرمانات والقوانين الإصلاحية للدولة العثمانية؛ إلا أنه لم يكن وليد اللحظة، بل كان نتيجةً لجهود قديمة قام بها السلاطين السابقون. فسليم الثالث (وفاته: 1808) كان أول من تنبّه إلى الضرورة الملحّة لإحداث تغيير في هيكلية الدولة، فأسس “مجلس المشورة” (1789) وأعطى لجميع الحاضرين فيه من رجالات الدولة حقّ التكلّم[mfn]KARAL, Enver Ziya, Selim III’ün Hatt-ı Hümayunları, – Nizam-ı Cedid -, Türk Tarih Kurumu, Ankara (1988), 149[/mfn].

واستحدث ما عرف بـ “لائحة قوانين الوزراء” لتنظيم تعيينات الولاة ضمن مناطق الدولة وتحديد مقدار الأموال التي يجب على الوالي ألّا يتجاوزها أثناء تحصيل الضرائب من الأهالي. كما عمل على إنشاء كتائب مشاة عسكرية جديدة ومنظّمة وفق الأنظمة العسكرية الأوروبية سمّيت بـ “النظام الجديد”، لتحلّ محلّ فرق الإنكشارية التي كانت تسبّب قلقًا كبيرًا للحكّام والأهالي[mfn]A.Cevdet Paşa, Tarih-i Cevdet, (4/2067)[/mfn].

ورغم أن جهوده لم تكلّل بالنجاح تمامًا، بل على العكس، أدّت إلى مقتله على يد المتمردين من الفرق الإنكشارية، إلا أن ابن أخيه محمود الثاني (وفاته: 1839) قد عزم على إنهاء ما بدأ به عمّه؛ فعمل أولًا على التفاهم مع الأعيان والمتنفذين عبر ما عرف بـ “سند الاتفاق” (1808) الذي شبّهه بعض المؤرخون بالوثيقة الحقوقية (Magna Carta 1215)[mfn]ALDIKAÇTI, Orhan, Anayasa Hukukmuzun Gelişmesi ve 1916 Anayasası, İstanbul (1973), 36-37[/mfn]، حيث قيّد سند الاتفاق صلاحيات وسلطة السلطان، بينما شرّع وجود السلطات المحلّية من المتنفذين. إلا أن السلطان عمل من جهة أخرى على تقويض نفوذهم عبر عزل وإبعاد كلّ من يخالف الفرمانات السلطانية من المتنفذين بشكل تدريجي، ومكافأة المخلصين للدولة منهم بالترفيعات والتعيينات[mfn]ERYILMAZ, Bilal, Tanzimat ve Yönetimde Modernleşme, 56[/mfn].

وقد أتبع السلطان محمود الثاني “سند الاتفاق” بعدة تغييرات عملية تسعى إلى إعادة بناء مركزية الدولة، فألغى مبدأ “توسيع السلطات” الذي يعطي للولاة صلاحيات كبيرة ضمن مناطق إدارتهم، وأسرى لاحقًا نظام المعاش للولاة والموظّفين، بعد أن كانوا يحصّلون رواتبهم من الضرائب التي يحصّلونها من الأهالي. وأنشأ أول صحيفة رسمية تحت اسم “تقويع الوقائع” عام 1831م، وأجرى عام 1831م أول إحصاء شامل للسكان والأراضي في سبيل تنظيم التجنيد والضرائب[mfn]ERYILMAZ, Bilal, Tanzimat ve Yönetimde Modernleşme, 64-65[/mfn].

وأنشأ أولى الوزارات عام 1836م تحت اسم “نظارة الأمور المدنية، التي ستصبح لاحقًا نظارة الداخلية. واستحدث مقام المشيخة الإسلامية ليكون الجهاز الاعلى في المؤسسة العلمية الدينية. وبشكل عام كانت كل الإجراءات التي كان يتخذها السلطان محمود الثاني ضرورية لتحقيق التكامل/ الوحدة الجيوسياسية للإمبراطورية العثمانية وتقوية  قبضة المركزية الممثلّة بسلطة قصر السلطنة والباب العالي.

ولكنّ أبرز آثاره كانت في المجال العسكري، حيث سحق الفرق الإنكشارية وأبادها فيما عرف بـ “الواقعة الخيرية” (1826) وأنشأ بدلًا منها فرقًا عسكرية منظمة أطلق عليها اسم “العساكر المنصورة المحمّدية”. وافتتح الكلية الحربية (1834) ومنشآت تدريس الطب العسكرية والجراحة العسكرية، ومدرسة العلوم العسكرية، ولاحقًا؛ مدارس الجوقة العسكرية السلطانية لتكون بديلًا عن جوقة “المهتر” الإنكشارية[mfn]KARAL, Enver Ziya, Osmanlı Tarihi, (5/162)[/mfn].

وبسبب ذلك كانت الأرضية مهيّئة لنجله السلطان عبد المجيد كي يعلن فرمان التنظيمات الخيرية عام 1839م، ويتبعه بـ “فرمان الإصلاحات” (1856) الذي أعلن مبادئ الدولة الجديدة، وأكّد على مفهوم المواطنة والمساواة أمام القانون لجميع الرعايا مسلمين وغير مسلمين.

وجاءت الفرمانات التي أصدرها السلطان عبد العزيز (وفاته: 1876) متمّمة لجهود أخيه وسلفه في الحكم عبد المجيد، حيث أُعلن قانون الولايات (1864) الذي نصّ على وجود مجالس إدارية منتخبة من مستوى القضاء إلى مستوى الولاية. وتبعه سلسلة من القوانين الأخرى التي تنظّم أحوال التبعة العثمانية/ المواطنين العثمانيين، وتنظم القضاء وتوزّعه بين محاكم شرعية (إسلامية) وملّية (غير إسلامية) ومحاكم نظامية، وتؤكد على إلغاء نظام السخرة، وتفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية[mfn]محمد عوض، (عبد العزيز)، الإدارة العثمانية في ولاية سورية (1864-1914)، 31-33[/mfn].

كلّ تلك التغييرات السريعة ضمن أقل من مئة عام جعلت إعلان الدستور العثماني “القانون الأساسي” عام 1876م وافتتاح مجلس المبعوثان (النوّاب) نتيجة طبيعية لما سبقها من أحداث.

كيف تأسس مجلس المبعوثان؟

بعد انقلاب عسكري خلع فيه السلطان عبد العزيز بتاريخ 30 أيار 1876م، اعتلى عرش السلطنة مراد الخامس، ابن أخيه عبد المجيد. إلا أن سلطنة مراد لم تدم أكثر من 93 يومًا، خلع فيها هو الآخر لأسبابٍ تتعلّق بصحّته العقلية، وتقرّر تنصيب أخيه عبد الحميد بدلًا منه.

وعلى كل حال فإن مدحت باشا (وفاته: 1884) الذي سيصبح صدرًا أعظم بعد فترة قصيرة، كان قد أعدّ بالفعل مسودة دستور من 57 مادة أثناء فترة السلطان مراد، وكان قد اشترط على الأمير عبد الحميد لتنصيبه سلطانًا إقرار الدستور واستحداث “مجلس عمومي” عند اعتلائه العرش.

قام عبد الحميد فعلًا بتشكيل هيئة خاصة لإعداد الدستور برئاسة مدحت باشا في 8 تشرين الأول 1876م، وقد اعتمدت تلك الهيئة الصيغة النهائية للدستور العثماني الأول والأخير، المسمّى بـ “القانون الأساسي” في 23 كانون الأول، بعد 4 أيام من تعيين مدحت باشا في منصب الصدر الأعظم. وبإعلان الدستور دخلت الدولة المرحلة الدستورية المسمّاة بـ “المشروطية الأولى”.

وقد أقرّ القانون الأساسي وجود مجلس نيابي عام سمّي بـ “المجلس العمومي”. كان هذا المجلس يتألف من مجلسين اثنين: مجلس الأعيان ومجلس المبعوثان. وكلمة مبعوثان جمع كلمة مبعوث باللاحقة الفارسية “ان”. وبذلك يصبح معنى الكلمة: مجلس المبعوثين.

أما المجلس الأول (الأعيان) فيعيّن أعضاؤه من قِبل السلطان شخصيًا، وأما الثاني (المبعوثان) فينتخب أعضاؤه من قبل الأهالي، على أن لا يتجاوز عدد أعضاء الأول ثلث أعضاء الثاني.

وكان مدحت باشا قد أعدّ لائحة تعليمات مؤقتة من 7 مواد لانتخاب أعضاء مجلس المبعوثان في 28 تشرين الأول 1876م. وحدّدت تلك اللائحة أعضاء المجلس فكانوا 130 عضوًا، يكون 80 منهم مسلمين، و50 منهم من غير المسلمين، أي بنسبة 60/40[mfn]AKYILDIZ, Ali, Meclis-i Mebusan (TDV İS.A.), (28/245) (2003)[/mfn].

أول انتخابات برلمانية في تاريخ سورية:

رغم إعلان الدستور قبل الانتخابات، إلا أنه قد تقرّر اعتماد اللائحة المؤقتة لانتخاب الدورة الأولى ثم الثانية، رغم بعض الاختلافات الطفيفة بينها وبين قوانين الانتخاب في القانون الأساسي. وحدّدت اللائحة المؤقتة آلية الانتخاب غير المباشر لاختيار أعضاء مجلس المبعوثان. بحيث أن أعضاء مجالس إدارة الأقضية والألوية والولايات، الذين تم انتخابهم سابقًا من قبل الأهالي، هم من سيقومون بعملية التصويت في الانتخابات النيابية. ويقوم أعضاء المجلس بكتابة اسم المرشّح على ورقة توضع ضمن ظرف ممهور، وترفع الأصوات من مجلس إدارة القضاء إلى القائم مقام، ومن أقضية اللواء إلى المتصرّف، ومن الألوية إلى والي الولاية، الذي يقوم بدوره بتشكيل هيئة من أعيان الولاية لإحصاء الأصوات وإعلان الفائزين.

واشترط على المرشّح أن يكون قد أتمّ الخامسة والعشرين من عمره، وأن يكون من أصحاب الأملاك ولو قلّت، بالإضافة إلى نظافة السجلّ العدلي، المعرفة باللغة التركية، وعدم الارتباط بالدول الأجنبية.

ورغم أن القانون قد حدّد في البداية لولاية سورية 7 نوّاب (4 مسلمين- 3 غير مسلمين)[mfn]الأرشيف العثماني الرسمي: COA, DUIT. 91/9 – 3[/mfn]، إلا أن الانتخابات جرت فيما بعد على أساس اختيار 5 نواب (3 مسلمين- 2 غير مسلمين).

أجريت انتخابات الدورة الأولى في اسطنبول بين منتصف محرّم ومنتصف صفر، أي من 30 كانون الثاني إلى 1 آذار، وعلى ذلك كانت تلك فترة الانتخابات بشكل عام في مختلف أنحاء السلطنة[mfn]صائب، (أحمد)، عبد الحميد اوائل سلطنتى/ بدايات سلطنة عبد الحميد[/mfn].

أما انتخابات ولاية سورية فقد بدى أنها جرت في يوم واحد، حيث قام والي سورية ضياء باشا بدعوة أعضاء مجالس إدارة الأقضية والألوية السورية يوم الثلاثاء 20 شباط 1877م إلى بيروت، مركز الولاية الثاني. وفي مبنى السرايا أجريت الانتخابات بحضور الوالي، فنال أغلبية الأصوات عن المسلمين الشيخ أمين الجندي من دمشق، درويش الشنبور من طرابلس. وعن غير المسلمين نقولا النقاش من بيروت ونقولا نوفل من طرابلس[mfn]جريدة ثمرات الفنون، 22 شباط 1877م[/mfn].

ولكنّ أمين الجندي ودرويش الشنبور قدّما استعفاءهما من النيابة، فانتخب محلّهما بأغلبية الأصوات الشيخ خالد الأتاسي من حمص والحاج حسين بيهم من بيروت، فيما انتخب عن سنجق القدس يوسف ضياء الخالدي[mfn]جريدة ثمرات الفنون، 1 آذار 1877م[/mfn].

أما في ولاية حلب فقد انتخب عن المسلمين المدرّس سعدي المرعشلي، نافع الجابري، حسني باقي زاده. وعن المسيحيين مانوق قراجيان.

هؤلاء التسعة سوف يكونون أول نوّاب في تاريخ البلاد السورية، وسيصبحون رمزًا مهمًا لنشأة الحياة النيابية في تركيا الحديثة.

من هم أول النواب في تاريخ البلاد السورية؟

خالد الأتاسي، ابن مفتي حمص محمد أبو الفتح الأتاسي، درس العلوم الشرعية على أهمّ علماء دمشق وحمص. دخل مجلس المبعوثان وكان قد أتمّ الأربعين من عمره، مستندًا على تجربة سابقة له عام 1867م، حين انتخب نائبًا عن حماة وحمص في المجلس العمومي لولاية سورية المنعقد في بيروت برئاسة الوالي راشد باشا[mfn]عن ترجمة كتبها خالد الأتاسي بنفسه، محفوظة في أرشيف المشيخة الإسلامية باسطنبول، رقم: MA, MŞH.SAİD, 158/ 7[/mfn].

لاحقًا سيساهم في تأسيس أولى المدارس الابتدائية النظامية في حمص (1880)، وسيتولّى منصب الافتاء عام 1883م بعد وفاة والده، وسيقوم بشرح مجلّة الأحكام العدلية ويتمّمها من بعده ابنه طاهر، ويضع الأساس لأول مدرسة ثانوية في حمص (1906). ولا شك أن تجربته السياسة والاجتماعية ستكون عاملًا مؤثرًا في حياة ابنه هاشم؛ الذي سيصبح شخصية رئيسية في أحداث التاريخ السوري المعاصر.

الحاج حسين بيهم عيتاني، من كبار أعيان بيروت. درس العلوم الشرعية ومارس التجارة، ثم اختير لمجلس أيالة صيدا ثم في محكمة استئناف التجارة والمجلس البلدي، كما ترأس الجمعية العلمية السورية خلفًا لمؤسسها محمد أرسلان، وساهم في تأسيس جمعية المقاصد الخيرية. وافق على النيابة رغم مرضه بعد إلحاح الوالي ضياء باشا. وكانت نيابته تلك آخر نشاطاته السياسية، حيث انقطع بعدها إلى الأدب، وتوفّي بعد سنين قليلة (1881).

كان نقولا النقاش أهمّ شخصيات بيروت المارونية في زمانه، وهو أخو مارون النقاش رائد المسرح في العالم العربي. أتقن عدة لغات أجنبية وأحرز شهادة وكالة الدعاوى بعد أن درس العلوم الشرعية الإسلامية على الشيخ يوسف الأسير. تسلّم عدة مناصب ووظائف هامة قبل انتخابه للنيابة، كمنصب كاتب جمارك بيروت، ومدير دائرة جمارك الأمتعة في سورية، وعضوًا في مجلس إدارة متصرفية بيروت، ثم مديرًا لجمارك التبغ، بالإضافة إلى عضويته الطويلة في مجلس إدارة ولاية سورية. كما كان للنقاش مساهمات هامة في مجال الصحافة والترجمة والتأليف الأدبي والقانوني، ممّا دفع الدولة العثمانية لتكريمه بالوسام المجيدي من الدرجة الثالثة.

أما نقولا نوفل، الموصوف بـ “الاقتدار وحدّة المزاج”، فقد انتمى لإحدى أكبر عائلات طرابلس، وهو أكبر نوّاب سورية سنًا (ولد في 1820م)، بالإضافة إلى أنه صاحب تجارب متنوعة في البيروقراطية العثمانية من مصر إلى صيدا وبيروت فحماة، كما أنه اختير مترجمًا لمندوب روسيا أثناء أحداث 1860م، وانتخب بعدها وكيلًا للروم الأرثوذوكس في جبل لبنان. وقد حصل على وسام القديس ستانسلاس من قبل الامبراطورية الروسية[mfn]الأرشيف العثماني الرسمي: COA, DH.SAİDd…4 / 950[/mfn].

وربما كان يوسف ضياء الخالدي مبعوث القدس أكثر نوّاب سورية إثارة للاهتمام، فقد أتى من عائلة أعيان دينية في القدس، سواء من طرف والده الذي كان قاضي مرعش وأرضروم في الأناضول، أو من طرف والدته التي كان والدها قاضي عسكر الأناضول. أما المثير للاهتمام فهو متابعة تعليمه في الكلية البروتستانتية بجزيرة مالطا، ومحاولة دراسته الطب ثم الهندسة في العاصمة اسطنبول. وقد تولى قبل انتخابه للنيابة رئاسة بلدية القدس لست سنوات، ثم عيّن مترجمًا في دائرة الخارجية باسطنبول. ويذكر أنه أوّل من ألّف قاموسًا عربيًا- كرديًا.

تركيبة نوّاب حلب لم تكن مختلفة كثيرة، بل وغلب عليها الطابع المحافظ. فالنائب سعدي المرعشلي– نسبةً إلى مسقط رأسه مرعش- كان من صنف العلمية، تدرّج في الرتب العلمية إلى نهاية حياته حتى نال رتبة “استانبول” العلمية، وهي تعادل رتبة “الفريق” العسكرية، ورتبة “روميلي بكلربكيلكى” القلمية، والأخيرتان تخوّلان صاحبهما حمل لقب الباشاوية.

وكان المرعشلي رائدًا في تثبيت التشكيلات الإدارية المبكرة في مدينته مرعش، حيث أسس وترأس أول مجلس بلدي في المدينة. كما كان مقربًا من السلطان عبد الحميد الثاني، فتولّى إدارة مخزن الحبوب في قصر يلدز، ثم تولّى حتى نهاية حياته إدارة أملاك السلطان في 7 مناطق مختلفة.

نافع الجابري، الشقيق الأكبر لكلّ من إحسان وسعد الله، ينحدر أيضًا من بيئة يمينية محافظة، فوالده عبد القادر لطفي الجابري كان مفتيًا لحلب. ووجود الأب في مجلس إدارة الولاية سهّل الطريق للابن نافع ذو الثالثة والعشرين نحو النيابة عام 1877م، فكان أصغر المبعوثين سنًا في المجلس.

والمثير للاهتمام أن نافع، الذي أصبح نافع باشا لاحقًا، قد انتخب نائبًا عن حلب مرة أخرى بعد أكثر من ثلاثين عامًا بعد إعادة تفعيل الدستور وافتتاح المجلس عام 1908م، فكان النائب الوحيد من المجلس الأول (1877) ولقّب بـ “ِشيخ المبعوثان”.

أما حسني باقي زاده فكان سليل عائلة هي الأولى على مستوى حلب في عدد الباشاوات (الوزير شوكت باشا، المشير اسماعيل حقي باشا، المشير رشيد باشا، الفريق علي رضا باشا، أمير اللواء وصفي باشا). وكان حسني بك؛ خريج مدرسة الفرانسيسكان بحلب، ملمًا بعدّة لغات، وبارعًا في تنظيم الجداول والإحصائيات. وكان قد تسلّم وظائف مهمة في جهاز المحاسبة قبل أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره، ومع دخوله المجلس كان صاحب تجارب إدارية لامعة؛ كإدارة أقضية بيره جك، البستان، أنطاكية. وتجارب من نوع آخر هي مهمّات التحقيق في الأزمات والنزاعات وحلّها، حيث اعتمدت عليه السلطة في حلّ عدة مشاكل بأورفة ودير الزور وأنطاكية وإدلب واسكندرون، واحدة من تلك المهمات كانت ذا طابع سياسي، وهي التحقيق في قضية الباخرة الإنكليزية المشتبه بها في حمل الأسلحة والذخائر إلى منطقة الاسكندرون. ومهمة أخرى تتطلّب الحذر والحكمة، وهي التحقيق في شكاوى المسيحيين من سكان لواء اسكندرون وبيلان للباب العالي.

ومن الجدير بالذكر أنه كان كاتبًا متميزًا، إحدى مؤلفاته كتاب بعنوان: منهاج الأرب في تاريخ العرب” قدّمت إحدى نسخه لملك السويد والنرويج. وله مؤلّف ما زال متداولًا في المكتبات التركية الحديثة إلى اليوم، وهو رواية “عبرة” أو “عُرسيَن في مرسين”[mfn]الأرشيف العثماني الرسمي: COA, DH.SAİD.10/ 277[/mfn].

مبعوث حلب عن الطوائف غير الإسلامية كان الأرمني مانوق قراجيان، الذي ابتدأ مسيرته في الحقل الإداري والسياسي مترجمًا رسميًا للقنصلية الدينماركية في حلب، ثم عيّن عضوًا فخريًا في محكمة التجارة ثم في ديوان التمييز بولاية حلب. واعترف به عام 1875م مترجمًا رسميًا لقنصيلة الامبراطورية النمساوية المجرية في حلب.

بعد فضّ مجلس المبعوثان سيتسلّم رئاسة دائرة البلدية الثانية في حلب، ثم سيصبح محررًا للمقاولات في محكمة البداية بحلب، ثم رئيسًا لمحكمة التجارة في طرابلس عام 1893م، ثم مفتشًا عامًا للضرائب الزراعية (الأعشار) في ولاية آيدين/ إزمير غرب الأناضول، ثم مفتشًا لتحصيلات الضرائب في العاصمة اسطنبول عام 1908م[mfn]الأرشيف العثماني الرسمي: COA, DH.SAİD.10/ 283[/mfn].

بهذه المجموعة المتنوّعة دينيًا واجتماعيًا وثقافيًا وفكريًا، دخلت البلاد الشامية جغرافيًا- ولايتا سورية وحلب إداريًا مجلس المبعوثان لدورته الأولى عام 1877م، فكانوا جزءًا من أول تجربة نيابية على مستوى البلاد السورية والأراضي العثمانية على حدّ سواء.


انظر الأجزاء التالية:

مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (2): جدليّتا المواطنة وفصل الدين عن الدولة

مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (3): الإدارة المحلّية وقضية اللغة

مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (4): حرية الصحافة والنشر – رسم الخطوط الحمراء

مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (5): ما بعد المجلس الأول – الولاية الفينيقية

 



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

فارس الأتاسي

بكالوريوس في الهندسة المعمارية، باحث وكاتب في التاريخ السوري بالحقبة العثمانية fares.atasizade@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى