You dont have javascript enabled! Please enable it!
شهادات ومذكرات

من مذكرات أكرم الحوراني – فظائع الفرنسیین في حماه

الجزء الأول - (17)

من مذكرات أكرم الحوراني – فظائع الفرنسیین في حماه


فظائع الفرنسیین في حماه :

أعلن الفرنسیون، بعد انسحاب القاوقجي، السماح للناس برفع جثث القتلى من الشوارع والأزقة، وفرضوا على المدينة خمسة آلاف لیرة ذھبیة وعددا كبیرا من البنادق، وحددوا يوم 8  تشرين الأول 1925 موعدا لتسلیم ھذه الغرامة. ولما تأخرت المدينة عن تسلیم الغرامة في الموعد المحدد أرسل الفرنسیون طائراتھم لقصف المدينة وخاصة حي الحاضر، فدمرت بعض المنازل، وسارع وفد من الأھالي يستمھل لجمع المال والسلاح، فأمھلته السلطة ثلاثة أيام سلمت في نھايتھا الغرامة وجمیع الأسلحة المفروضة.

الفرنسیون ينكلون بأساتذة مدرستنا.

كنت حريصا أنا ورفاقي التلامیذ على تتبع أخبار المحاكمات في المجلس العدلي، لا سیما وأن أستاذنا أحمد الوتار كان من المسجونین الذين تجري محاكمتھم.

وكان بعض أساتذتنا الأخرين قد فروا إلى خارج البلاد، كالاستاذ عثمان الحوارني الذي تولى أخي محیي الدين، بمساعدة قريبنا حسین الشقفة (الذي استشھد في ثورة عام 1945  أمر تھريبه الى العراق عن طريق البادية حیث التقى بالقاوقجي بعد أن اختبأ في بیتنا عدة أيام، وكنت لا أنام اللیل قلقا وخوفا على أستاذنا عثمان. ولما وصل الخبر باجتیازه الحدود تنفست الصعداء.

كان معظم أساتذتنا من خريجي المدرسة الصلاحیة التي أنشأھا الأتراك في القدس أثناء الحرب، وكان أحبھم إلى قلوبنا عمر يحیى وعثمان الحوراني وعبد الرحمن القات.

وقد سمعنا فیما بعد أن عثمان الحوراني عین في البحرين مديرا للمعارف، فاشتعلت أولى المظاھرات الوطنیة في تلك الجزيرة العربیة، فنفاه الانكلیز على أثرھا إلى الھند.. ثم عفي عنه فعاد الى سوريا في الثلاثینات.

كان تأثرنا كبیرا على فراق أساتذتنا، وعلى الذين يحاكمون أمام المجلس العدلي، وكنت أتسقط أخبار الثورة يومیا، في جبل العرب والغوطة والقلمون وجبل الزاوية و شمال لبنان وجنوبه، كما كنت أجمع من الصحف المصرية المھربة سرا إلى سوريا كل ما يكتب من أنباء وتعلیقات عن الثورة السورية، حتى تكونت لدي مجموعة فريدة ظلت في مكتبتي إلى ما بعد عام 1959 حیث  ذھبت مع كثیر من أوراقي الأخرى ضحیة ھجمات التفتیش المتتالیة التي كانت تشنھا على منزلي المباحث والمخابرات.

ودمع لا يكفكف يا دمشق:

بعد أن انطلقت الثورة من جبل العرب بقیادة سلطان الأطرش في حزيران 1925 وسجلت أروع صفحات البطولة، وتبعتھا ثورة حماه بقیادة فوزي القاوقجي، امتد لھیب الثورة إلى غوطة دمشق بزعامة البطل الشعبي الاسطوري حسن الخراط.

ويذكر الدكتور عبد الرحمن شھبندر في مذكراته التي قرأتھا فیما بعد أن مجموع عدد المجاھدين الذين دخلوا دمشق في  1925/10/18 بعد أن بدأت المناوشات في الغوطة لا يزيد عن 400 ثائر من قرى المرج والغوطة وجبل الدروز الذين انضمت الیھم أحیاء المدينة لا سیما أھل حي الشاغور وبوابة السلام، وقد بقي المجاھدون أربعة أيام في دمشق سحقوا فیھا جمیع الجنود

المعتصمین بالمتاريس في حي الشاغور وحي المیدان، بینما لجأ عدد منھم مع أسرھم ونسائھم إلى قلعة دمشق واحتموا

بأبراجھا، ففقد الجنرال سراي توازنه واختلط علیه الأمر فقرر ضرب الشام بالمدافع من القلاع، وقد انطلقت المدافع نقصف بیوت

دمشق على أھلھا فالتھمت النیران والتدمیر ما يربو على ستمائة دار من أجمل الدور الدمشقیة، وخرج الفرنسیون ينھبون ويسلبون المدينة بصورة لم يعھد لھا مثیل، ولا سیما الحوانیت والمخازن المملوءة بالبضائع. وقد استمر اطلاق المدافع من منتصف يوم الأحد إلى مساء الثلاثاء. فانسحب الثوار على أثر ذلك إلى الغوطة خوفا من تدمیر دمشق بكاملھا.

ومنذ ذلك الیوم انطلقت البطولات الاسطورية لحسن الخراط الذي يصفه الدكتور شھبندر بأنه رآه للمرة الأولى في قرية أم ضبیت من قرى جبل الدروز في أوائل شھر ايلول سنة 1925 فإذا ھو رجل ربعة في نحو الخمسین من العمر، بوجه عربي مستطیل، وجبھة بارزة وعینین شھلاوين تشعان ذكاء. وقد خط الشیب شاربیه ورأسه، وكانت الخفة ظاھرة كل الظھور في حركاته، ولعل ذلك ناشيء عن تمرنه على لعبة العصي، وھو دمشقي يعتمر بالعمامة الأغباني ويلبس القنباز وفوقه العباءة. وكان حسن الخراط أمیا، وقد صرف شطرا من حیاته حارسا في الأسواق وناطورا في البساتین، واشتھر عنه في وقائعه مع الفرنسیین أنه لم يحتم بمتراس ولا شجرة بل كان يقف منھم على أبعاد قد لا تتجاوز المائة متر، وقد ظھرت علیه میزات التنظیم والقیادة بحیث كانت عصابته مترابطة تأتمر بأمره وتنتھي بنواھیه، اشتراكي المبدأ، لو تناول تفاحة لعض منھا عضة واحدة وفرق ما بقي منھا على رفاقه. على أنه كان بطاشا بالخونة لا يرحمھم، وقد علق بعضھم على أبواب دمشق .. وقد استشھد اغتیالا من قبل الشركس في قرية يلدا في الحادي والعشرين من كانون الأول 1925م.

كانت حماه تعیش يوما بیوم، وبقلق وتأثر وحزن بالغ، أنباء نكبة دمشق. وقد أصبحت قصیدة أحمد شوقي فیما بعد “سلام من صبا بردى أرق … ودمع لا يكفكف يا دمشق” قصیدة شعبیة تجري على ألسنة الناس جمیعا، ولا سیما البیت المشھور :

وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق

كما كنا نردد كثیرا قصیدة خیر الدين الزركلي التي مطلعھا :

الأھل أھلي والديار دياري وشعار وادي النیربین شعاري

والتي جاء فیھا عن الفرنسیین :

ستروا بضرب الآمنین فرارھم فاعجب لعار ستروه بعار

كما جاء فیھا :

النار محدقة بجلق بعدما تركت حماة على شفیر ھار


اقرأ:

من مذكرات أكرم الحوراني (25) – ذكريات من مكتب عنبر

من مذكرات أكرم الحوراني (24) –  في الكلیة الوطنیة بعالیه في لبنان  

من مذكرات أكرم الحوراني (23) – فجیعة سوريا باغتیال الغزي

 من مذكرات أكرم الحوراني (22): التعرف على الشعراء والزعماء الوطنیین في دمشق

من مذكرات أكرم الحوراني (21) : فرنسا تصطنع الشیخ تاج 

من مذكرات أكرم الحوراني (20) : بدء تفتح الوعي السیاسي للقضیة الوطنیة

من مذكرات أكرم الحوراني (19) – من ھم مواطنونا الدروز؟

من مذكرات أكرم الحوراني (18) – البطل رزوق النصر ينتقم

من مذكرات أكرم الحوراني (17) – فظائع الفرنسیین في حماه

من مذكرات أكرم الحوراني (16)- عثمان الحوراني يتحدث عن ثورة حماة عام 1925

من مذكرات أكرم الحوراني (15) – ثورة عام 1925 في حماة

من مذكرات أكرم الحوراني (14) – الحسین بن علي

من مذكرات أكرم الحوراني (13) – الثورة الوطنیة والثورة الاجتماعیة معاً

من مذكرات أكرم الحوراني (12) – في قصر العظم

من مذكرات أكرم الحوراني (11) – الثورات والأمل

من مذكرات أكرم الحوراني (10) – الإنكليز والفرنسيون في حماة

من مذكرات أكرم الحوراني (9) – طائرة ترمي منشورات في حماة

من مذكرات أكرم الحوراني (8) – مرحبا يا ابن الحسین

من مذكرات أكرم الحوراني (7) -الأمير فیصل يتبرع لانشاء مدرسة في حماه

من مذكرات أكرم الحوراني (6) – صفعة ظالمة من جندي الماني وحاكم سورية في ضیافتنا 

من مذكرات أكرم الحوراني (5) – في مدرسة ترقي الوطن وأيام كئیبة عند الشیخة

من مذكرات أكرم الحوراني (4) – خلفیة الأوضاع الاجتماعیة بحماه في أواخر العھد التركي

من مذكرات أكرم الحوراني (3) – لماذا لم ينجح أبي في الانتخابات؟

من مذكرات أكرم الحوراني (2) – يا حوراني يا أكحل

من مذكرات أكرم الحوراني (1) – من ذكريات الطفولة 



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى