You dont have javascript enabled! Please enable it!
شهادات ومذكرات

من مذكرات أكرم الحوراني – ثورة عام 1925 في حماة

الجزء الأول (15)

من مذكرات أكرم الحوراني – ثورة عام 1925 في حماة


ثورة عام 1925 في حماه

استمرت حالات التوتر وأجواء الثورة وحملات الفرنسیین التأديبیة حتى سنة 1925 . وكان فوزي القاوقجي ضابطا برتبة كابتن في القوات الفرنسیة بحماه. وكان الناس يتعجبون كیف أن ضابطا مسلما يتطوع في الجیش الفرنسي ويشترك في حملات إخماد الثورات. وكانوا يعتبرون ذھابه إلى جامع المسعود أيام الجمع وفي رمضان رياء وكذبا ووسیلة من وسائل التغرير بالناس وخداعھم والتجسس علیھم.

وبعد عشاء يوم الأحد، الرابع من تشرين الأول 1925 سمعنا ونحن في البیت أصوات الرصاص والقنابل وعندما خرجنا نستطلع الخبر قیل لنا: لقد اشتعلت الثورة، والمجاھدون يھاجمون سرايا الحكومة والثكنات العسكرية في قلب المدينة. فصعدنا على السطح المطل على المدينة نشاھد ما يحدث فیھا وقلبي يطیر فرحا… وبعد ساعات شاھدنا قوة من الجیش المختلط[1] تدخل المدينة من الناحیة الجنوبیة، من حي المحالبة، فلم يعترضھا أحد، بینما كان أزيز الرصاص يسمع حول السرايا. واستمر إطلاق النار طیلة تلك اللیلة ونحن ساھرون قلقون، فتمكن الثوار من احتلال السرايا، فنھبت وأحرقت وضاعت من جراء إحراقھا وثائق وسجلات وحقوق كثیرة للمواطنین.

تحرقت كثیرا وأنا واقف على سطح المنزل في تلك اللیلة، وتمنیت لو كنت كبیرا لأتصدى لھؤلاء الجنود، وكنت أقدر أن كمینا من بضع ثوار في تلك الأزقة الضیقة كان يستطیع أن يقضي علیھم ويمنع وصولھم لثكنة خان الشعبة التي تحصنوا فیھا.

استمرت المعركة حتى الیوم الثاني، وأرسل الفرنسیون بعض الطائرات فقصفت المدينة قصفا ذريعا، فتھدمت بعض البیوت والمنازل، وذھب من جراء ذلك أكثر من خمسمائة قتیل وجريح من الأھلین. وقد اشترك شباب عائلة الحريري بالثورة مع بعض الفلاحین والبدو، وكانوا يطلقون النار على الطائرات المغیرة من الزاوية الحريرية المشرفة على المدينة، فقصفتھم الطائرات وھدمت بعض جوانب الزاوية وقتلت وجرحت عددا منھم فاضطرت عائلة عز الدين الحريري أن تلجأ إلى بیتنا وكانت فرحتي شديدة باستضافة نعسان الحريري رفیقي في مدرسة دار العلم.

القاوقجي يتحدث عن ثورة حماة[2]:

قرأت فیما بعد في مذكرات الشھید الدكتور عبد الرحمن الشھبندر ما يلي عن ثورة حماه 1925:”غني عن البیان أن حركة حماه كانت فريدة في بابھا بین جمیع الحركات التي حدثت في ھذه الثورة (السورية) من حیث تعیین الوقت واتفاق كلمة الزعماء وتطوع موظف كبیر مثل الكابتن فوزي بك (القاوقجي) للعمل، وقد كتب إلي الكابتن فوزي بك عن ثورة حماه ما خلاصته : تقرر نھائیا أن تكون الثورة مساء الأحد الواقع في 4 تشرين الأول سنة 1925 وقت العشاء، فطلبت الى القومندان كوستلیه، المستشار الاداري لحماه، أن أخرج لتفتیش البدو بحجة منع اضرارھم عن القرى فلبى طلبي، وخرجت مع مفرزة خیالة “الاسكادرون” الذي كان تحت قیادتي وطفقت أطوف بین ھذه العشائر وأبث فیھم روح الكفاح بصورة علنیة، فاتفقت مع المشايخ، وقد تخصص لكل منھم راتب ووظیفة يقوم بھا ثاني يوم  الثورة في حماه. وفي مدة خمسة أيام كانت جمیع الاستعدادات تامة. فلما أزفت ساعة العمل أعطیت التعلیمات المفصلة لجمیع الزعماء.

وفي نحو الساعة الثامنة مساء دخلنا حماه وھاجمنا جمیع المخافر وتسلمنا أسلحتھا وقبضنا على الدرك والشرطة ، ثم سرنا إلى دار الحكومة حیث فیھا كل قوة الدرك وفرقة من الجیش المختلط فھاجمناھا أيضا. وبعد معركة دامت حتى الساعة الثانیة بعد نصف اللیل استولینا علیھا عنوة وأحرقناھا وقتلنا من فیھا من الجنود ثم أخذنا نستعد لمھاجمة المواقع العسكرية الحصینة.

وفي الصباح خرج فرسان البدو من الثكنات لملاقاتنا فرددناھم بخسارة عظیمة بعد معركة دامت نصف ساعة على جسر السرايا. ثم إننا طوقنا الثكنات فبدأت المعركة تشتد والنجاح حلیفنا حتى تكبد العدو خسائر فادحة، وفقد اكثر من ثلثي جنده، واستسلم بعض المحافظین خارج الثكنات مع رشاشاتھم ولم يعد في طاقة المحصورين الدفاع … ثم وصلت طیارات العدو فأخذت تلقي قنابلھا على المدينة فأسقطنا منھا طائرتین، وقبیل الظھر وصلت نجدات قوية تمكنت من إنقاذ المحصورين بعد معارك دامیه.

وقد ازداد في آخر الأمر عدد الأعداء زيادة عظیمة أدت إلى امتناع الكثیرين من وجوه حماه الذين جبنوا وحافظوا على الحیاد، عن القیام بوعودھم وعھودھم. ولما أصبح الاستیلاء على الأماكن العسكرية المملوءة جنودا متعذرا قررنا الانسحاب الى خارج المدينة لنقوم بالحركات الثورية مشتركین مع البدو. وكانت خسائر العدو لا تقل عن أربعمائة بین قتیل وجريح، في حین كانت. ( خسارتنا خمسة وثلاثین[3].

وفي لیل السابع من الشھر انسحبنا إلى جھة الشمال وحملنا عربان الموالي على مھاجمة الفرسان الفرنسويین المتحصنین في مركز قضاء المعرة، وبعد معركة دامت أربع ساعات قھرنا العدو وغنمنا منه 35 رأسا من الخیل و 42 بندقیة وغیر ذلك.

وقد خسر العدو في ھذه المعركة ثلاثة ضباط فرنسويین وسبعین جنديا وخسارتنا بدوي واحد”.

ثم يعلق الدكتور الشھبندر على ذلك بقوله :” إن السبب الجوھري في فشل ثورة حماه فشلا ذريعا ھو إحجام الزعماء الأعیان الذين تآمروا على تنفیذھا فلما ظھرت إلى حیز الوجود اختبأوا في بیوتھم لیروا ما يكون من أمرھا. فإن نجحت فھم المؤسسون لھا وأصحاب الشأن فیھا، وأن فشلت فھم عنھا معرضون.

على أن ذلك لا يعني أبدا أن ثورة حماه لم تأت بثمرة، بل على العكس كانت ثمرتھا من أطیب الثمار لأنھا ما أن ھبت ريحھا حتى صدمت أشرعة غاملان المنشورة في جبل الدروز فأقلعت بھا عنه. وتفصیل ذلك أن الجنرال سراي على أثر ھبوب ثورة حماه طلب نصف القوى الموجودة مع غاملان على جناح السرعة. فأبى ھذا، وطلب إما الانسحاب كاملا أو البقاء كاملا. لكن الجنرال سراي أصر فاضطر غاملان إلى الرجوع عن الجبل بقضه وقضیضه.

ثم إن ھذه الثورة سببت تجزئة الجیش الفرنسوي وأرغمته على اتخاذ خطة الدفاع بعد ما كان مھاجما، ومكنت الثوار فیما بعد من العمل في المرج والغوطة، والدخول إلى دمشق بذلك الظفر الذي كاد يقضي على فرنسا في سورية[4].

الفجیعة الكبرى باستشھاد الدكتور صالح قنباز :

كان اشد ما آلمنا في ذلك الیوم الأسود نبأ استشھاد الدكتورصالح قنباز بینما كان خارجا من منزله لیحمل من الطريق أحد الجرحى لإسعافه فعاجله الجنود السنغال بإطلاق النار علیه، واحتلوا منزله ونھبوا محتوياته ومكتبته القیمة، فكانت خسارة المدينة به من أكبر ما منیت به، فبكیناه في البیت جمیعا، صغارا وكبارا.

أما “ذاوات” حماه فإن تخلیھم عن الثورة بعد اشتعالھا، وتھديدھم للقاوقجي بتسلیمه للفرنسیین بعد اخفاقھا، لم ينجھم من انتقام الفرنسیین، فقد اعتقل معظمھم ووضعوا في معسكر الشرفة، وشكل الفرنسیون مجلسا عسكريا كان يعقد جلساته في مقھى الصالون، وھو صالة تحیط بھا حديقة واسعة مطلة على العاصي.


[1] غزت فرنسا سورية بجیش مؤلف في معظمه من الفرقة الاجنبیة ومن أبناء مستعمرات (سنغال، مراكشیون، جزائريون) بقیادة فرنسیة، وبعد احتلالھا سورية انشأت ما سمي بالجیش المختلط الذي تكون من أبناء سورية مع من تبقى من العناصر السابقة، وقد حاولت فرنسا أن يكون الجیش من الاقلیات الطائفیة والمذھبیة والعنصرية والقبلیة، ثم اطلق على ھذا الجیش اسم جیش الشرق.

[2] فوزي القاوتجي من أبناء طرابلس في لبنان، انتسب إلى الجیش المختلط، بعد دخول الجیش  الفرنسي الى سورية برتبة كابتن أي رئیس كان القاوقجي ذا كفاءة عسكرية نادرة في حرب العصابات التي اشترك فیھا بسورية والعراق وفلسطین ولمزيد من المعلومات عن فوزي القاوقجي يمكن الرجوع إلى مذكراته التي كتبتھا له الدكتورة خیرية قاسمیة وقد نشرت ھذه المذكرات في الثمانینات.

[3] يلاحظ أن القاوقجي يشیر إلى عدد الخسائر في صفوف المجاھدين فقط. بینما سقط عن  السكان الآمنین أكثر من خمسمائة ضحیة في مختلف أحیاء حماه.

[4] مذكرات الشهبندر، صـ 81 -84


اقرأ:

من مذكرات أكرم الحوراني (25) – ذكريات من مكتب عنبر

من مذكرات أكرم الحوراني (24) –  في الكلیة الوطنیة بعالیه في لبنان  

من مذكرات أكرم الحوراني (23) – فجیعة سوريا باغتیال الغزي

 من مذكرات أكرم الحوراني (22): التعرف على الشعراء والزعماء الوطنیین في دمشق

من مذكرات أكرم الحوراني (21) : فرنسا تصطنع الشیخ تاج 

من مذكرات أكرم الحوراني (20) : بدء تفتح الوعي السیاسي للقضیة الوطنیة

من مذكرات أكرم الحوراني (19) – من ھم مواطنونا الدروز؟

من مذكرات أكرم الحوراني (18) – البطل رزوق النصر ينتقم

من مذكرات أكرم الحوراني (17) – فظائع الفرنسیین في حماه

من مذكرات أكرم الحوراني (16)- عثمان الحوراني يتحدث عن ثورة حماة عام 1925

من مذكرات أكرم الحوراني (15) – ثورة عام 1925 في حماة

من مذكرات أكرم الحوراني (14) – الحسین بن علي

من مذكرات أكرم الحوراني (13) – الثورة الوطنیة والثورة الاجتماعیة معاً

من مذكرات أكرم الحوراني (12) – في قصر العظم

من مذكرات أكرم الحوراني (11) – الثورات والأمل

من مذكرات أكرم الحوراني (10) – الإنكليز والفرنسيون في حماة

من مذكرات أكرم الحوراني (9) – طائرة ترمي منشورات في حماة

من مذكرات أكرم الحوراني (8) – مرحبا يا ابن الحسین

من مذكرات أكرم الحوراني (7) -الأمير فیصل يتبرع لانشاء مدرسة في حماه

من مذكرات أكرم الحوراني (6) – صفعة ظالمة من جندي الماني وحاكم سورية في ضیافتنا 

من مذكرات أكرم الحوراني (5) – في مدرسة ترقي الوطن وأيام كئیبة عند الشیخة

من مذكرات أكرم الحوراني (4) – خلفیة الأوضاع الاجتماعیة بحماه في أواخر العھد التركي

من مذكرات أكرم الحوراني (3) – لماذا لم ينجح أبي في الانتخابات؟

من مذكرات أكرم الحوراني (2) – يا حوراني يا أكحل

من مذكرات أكرم الحوراني (1) – من ذكريات الطفولة 



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى