You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

أنطون سعادة: رأي الجيل الجديد – الجامعة العربية والسيادة القومية

أنطون سعادة

 من مدة وجيزة تقدم رئيس الوزارة الشامية [جميل مردم] إلى مؤسسة الجامعة العربية باقتراح مشروع خطير يلزم الدول السورية والعربية المشتركة في مؤسسة الجامعة الامتناع عن مباشرة مفاوضات وتوقيع اتفاقات إنترناسيونية الصفة إلا بعد أن تنال موافقة مؤسسة الجامعة العربية على ذلك. ونص الاقتراح المذكور منشور في مكان آخر من هذا العدد ننشره كي لا يفوت القراء نصه.

تستهل الحكومة الشامية مشروعها بالقول: “إنّ جامعة الدول العربية قائمة على أساس وحدة مصالح الدول العربية في دعم استقلالها، إلخ”. إنّ هذه العبارة التي تجعل المصالح واحدة لا متبادلة تُخْرج مؤسسة الجامعة العربية عن كونها مؤسسة لتنظيم جبهة مصالح أمم العالم العربي، وتجعلها مؤسسة تشريعية وتنفيذية مركزية لجميع دول العالم العربي التي تصبح في حكم “ولايات” متَّحدة في دولة واحدة.

أما القرار الذي تقترح حكومة الدولة الشامية اتخاذه في مجلس مؤسسة الجامعة العربية فهو كما يلي:

“لا يجوز لدولة من دول الجامعة أن تدخل في مفاوضات مع دولة أجنبية تستهدف قبولها التزامات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية مالية إلا بعد إعلام الجامعة رسمياً، برغبتها هذه. وليس لها أن توقّع اتفاقية من هذا النوع إلا بعد أن يقرر مجلس الجامعة أنّ الالتزامات التي تحويها الاتفاقية لا تتعارض مع مصالح الجامعة أو مصالح أحد أعضائها”.

يتضح من هذا الاقتراح، الذي أصبح اليوم موضع بحث في مؤسسة الجامعة العربية، ما يأتي: أولاً ـ قبول الأمر المفعول الحاصل قبل اتخاذ قرار في مؤسسة الجامعة العربية بجميع التزاماته. فجميع دول العالم العربي التي عقدت معاهدات واتفاقات تكون قد أمّنت مصالحها وعقودها مع الخارج، فلا يبقى إلا الدول التي نشأت حديثاً كلبنان والشام وشرق الأردن تبتدىء حياتها السياسية من الآن فتحرم هذه الدول من المساواة مع الدول الأخرى المرتبطة بمعاهدات واتفاقات إنترناسيونية بغير واسطة مؤسسة الجامعة العربية. ولو أنّ الاقتراح اشتمل على نقض دول العالم العربي جميع العهود والالتزامات وجعل العلاقات الإنترناسيونية بواسطة مجلس الجامعة العربية لكان الاقتراح قريباً إلى العدل بقدر ما يكون قريباً إلى الوهم.

ثانياً ـ تعطيل السيادة القومية في جميع أمم العالم العربي ونقلها الفعلي إلى المجلس الإنترناسيوني في العالم العربي المسمى “مجلس الجامعة العربية”. فتتحول برلمانات دول العالم العربي إلى مجالس ولايات للنظر في بعض المسائل الداخلية لا فيها كلها، وتصبح الوزارات مجالس إدارية فقط أو في هذه المنزلة.

تقول مذكرة الحكومة الشامية في مقدمتها للاقتراح المذكور، إنه “ليس في ذلك ما يمس بوجه من الوجوه مبدأي سيادة الدول واستقلالها. فمعاهدات التحالف المعقودة أو التي يطلب عقدها مع الدول الأجنبية (أي الأجنبية عن دول العالم العربي) تتضمن من القيود المحددة لحرية العمل أكثر ما يحويه قبول المبدأين المذكورين أعلاه”.

إنّ القول المتقدم يحوي كل السطحية التي عولجت بها المسائل القومية في الدول السورية وفي دولة الشام بصورة خاصة. إنّ هنالك فرقاً عظيماً بين العقود التي لها دائماً شروط ومدّات محدودة وتعقد بحريّة تامة مطلقة، وبين التنازل عن حق عقد العقود وحرية التعاقد لهيئة تتخذ شكل دولة منتدبة لتسيير سياسة الدول الواقعة تحت انتدابها.

يقال إنّ اقتراح حكومة الشام ناشىء عن أسباب في مقدمتها المعاهدة العراقية ـ البريطانية التي أثارت ضجة ولم تصدق. إنّ حادث المعاهدة المذكورة لا يمكن أن يكون سبباً صحيحاً لاقتراح خطر من هذا النوع. وإنّ دولة ما بين النهرين لم تصدق المعاهدة المذكورة ليس بسبب ضغط مجلس الجامعة العربية، بل بسبب رفض الشعب العراقي نفسه نصَّها وبسبب تأثير الرأي العام السوري في جميع الدول والمناطق السورية التي أصبحت تدرك أنّ مصير ما بين النهرين لا ينفصل عن مصيرها العام الموحد الذي يختلف شأنه عن شأن مصير كل أمة أخرى من أمم العالم العربي في القارتين الآسيوية والأفريقية.

إنّ الخطر الذي تريد الحكومة الشامية أن تتجنبه بواسطة مؤسسة الجامعة العربية تتجنبه الأمم بنهضاتها ووعيها القومي.

وإنّ التضامن في العالم العربي يجب أن يخضع لتبادل المصالح بين أممه لا لتوحيد هذه المصالح توحيداً استبدادياً اعتباطياً يفيد بعض هذه الأمم ويضرّ البعض الآخر، وتستفيد بعض الأمم فيه من أضرار البعض.

لا يمكن قبول نظرية الحكومة الشامية القائلة إنّ التنازل عن حق التعاقد يوازي حق التعاقد نفسه إلا بقلب المنطق رأساً على عقب. فالاقتراح يعطِّل مبدأ السيادة القومية لأمم العالم العربي. ولا وجه لأخذ قول مذكرة الحكومة الشامية إنّ الاقتراح لا يمس مبدأي السيادة والاستقلال والاعتراض على المعاهدة العراقية ـ البريطانية التي لم تبرم، بعين الاعتبار إلا على أساس الشك في صحة إرادة الأمم، أي في صحة تعبير العقود عن الإرادة القومية. وجواباً على هذه الحجَّة نقول: إما أنّ الحكومات تمثّل إرادة أمم العالم العربي تمثيلاً صحيحاً وإما أنها لا تمثلها. فإذا كان الأول وأرادت إحدى الدول عقد محالفة أو معاهدة فيها مصالحها الرئيسية، كان الوقوف في وجه إرادتها حداً لسيادتها وتعطيلاً لإرادتها. وإذا كان الثاني فإن إلزام الأمم ارتباطات بواسطة حكومات لا تمثيلها تمثيلاً صحيحاً هو تكبيل لها، سواء أكان هذا التكبيل لمصلحة الجامعة العربية أو لمصلحة أية دولة من خارج العالم العربي. وهذا يعني تقرير مصير الأمة من الخارج.

لا يمكن التسليم بأنَّ مؤسسة الجامعة العربية أدرى بحاجة كل أمة ممثلة فيها من الأمة نفسها، إلا على أساس اعتبار المؤسسة المذكورة الممثلة الصحيحة الكلية لجميع الدول المشتركة فيها. وهذا يعني نزع السيادة القومية فعلياً من كل أمة من أمم العالم العربي، ووضعها في مؤسسة الجامعة العربية التي يسيطر فيها في الوقت الحاضر نفوذ السياسة المصرية وأغراضها.

المصيبة في اقتراح الحكومة الشامية هي في أنه لا يميّز بين المصالح المتبادلة والمصالح الموحدة. إنّ مؤسسة العالم العربي تضم اليوم مصالح متبادلة، لا مصالح موحدة. ويجب أن ننتظر الوقت الذي تصير فيه المصالح موحدة، إذا أمكن أن تصير، لقبول اقتراح مثل اقتراح الحكومة الشامية.

نعتقد أنه يحسن بحكومة الشام إعادة النظر في اقتراحها وموقفها. ويحسن بالحكومة اللبنانية والحكومة العراقية والحكومة الأردنية درس الموضوع مليّاً من الوجهة القومية وحق السيادة قبل الإقدام على وضع إمضاءات تلزم شعوبها بما يعطل حرية تطورها ونموها.


انظر :

بيانات ووثائق الحزب السوري القومي الإجتماعي

كلمات وخطب أنطون سعادة

مقالات أنطون سعادة:

أنطون سعادة: آمال الوطن

أنطون سعادة: الوطنية

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

أنطون سعادة: غورو وسورية

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: السوريون في عالم الاقتصاد

أنطون سعادة: الفاتح العربي الجديد

أنطون سعادة: القضية الوطنية .. الصهيونية وامتدادها

أنطون سعادة: سورية تجاه بلفور

أنطون سعادة: الجنسيات السورية واللبنانية والفلسطينية    

أنطون سعادة: بدء النهاية – ثورة الشرق

أنطون سعادة: نص كتاب استقالة أنطون سعادة : إلى «محفل نجمة سورية» 

أنطون سعادة: المناطق الأجنبية المستقلة في سورية.. سورية صين جديدة

أنطون سعادة: معرض التلوين الصوري

أنطون سعادة: ذكرى الهدنة

أنطون سعادة: موقف فرنسة من سورية .. الحدث الجديد

أنطون سعادة: عصران يتصارعان.. مبادىء أساسية في التربية القومية

أنطون سعادة: الصحافة السورية

1933 أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية الأزمة الاقتصادية في بلادنا 
1933 أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية أزمتنا الاقتصادية عوامل أخرى
1933 أنطون سعادة: بعث الأدب السوري
1933 أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية المهاجرة وتأثيرها الاقتصادي
1936 نداء أنطون سعادة إلى القوميين بمناسبة الفتنة الدينية
1936 مذكرة الحزب السوري القومي إلى جمعية الأمم حول لواء إسكندرون 
1937 أنطون سعادة: شرق البحر السوري
1937 أنطون سعادة: البلاد السورية سيدافع عن سلامتها جيش سوري لا جيش تركي
1937 أنطون سعادة: السياسة الخارجية – العقبة بين سورية والمملكة العربية
1937 أنطون سعادة: السياسة الخارجية على المتوسط .. الخطر التركي
20.10.1937 أنطون سعادة: السياسة الخارجية على حدود مصر

انظر ايضاً:

أنطون سعادة: الغول الروسي مشروع السنين الخمس

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: غورو وسورية

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

أنطون سعادة: محافظة اللاذقية وحق المنتصر

المصدر
الجيل الجديد، بيروت، العدد 1، 3 ـ الصادر في الرابع من نيسان عام 1948



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى