You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

نشر في صحيفة الجريدة- سان باولو، العدد 34، الصادر في الخامس والعشرين من حزيران 1921م.

نص المقال:


(يتخوف اللبنانيون من الانضمام إلى سورية، لأنهم يعتقدون أنّ بالانضمام تُسلب أوطانهم وامتيازاتهم وحقوقهم، ويصبحون عبيداً لشعب آخر ومستعمرة لدولة أجنبية. وقد كثرت مخاوفهم إلى حد صاروا معه ينظرون إلى سورية نظرهم إلى غولة تريد ابتلاعهم أو وحش يريد افتراسهم.

لا نعلم ما الداعي لهذه المخاوف والأوهام، وما السبب الذي يحمل اللبنانيين على الاستقلال عن سورية. فإذا كان ذلك السبب هو تجنّب المذابح التي تحدث بسبب التعصب الديني، فإنهم بالانقسام يزيدون تلك النار استعاراً ولهيبها اندلاعاً، من حيث يظنون أنهم يخمدونها. وإذا كانت الأسباب غير ما ذكرت، فإنني لا أعلم أنّ هناك أسباباً سياسية أو غير سياسية تدعو إلى هذا الانفصال. وإذا كان يظن اللبنانيون أنّ باتحادهم مع سورية تسلب حقوقهم ووطنهم، فهم بذلك على ضلال مبين، لأنهم باتحادهم مع سورية يتسع وطنهم ولا تعود حقوقهم منحصرة في لبنان فقط، بل تكون حريتهم ووطنهم كل سورية من ترعة السويس حتى بر الأناضول ومن البادية إلى البحر المتوسط، يؤلفون دولة عظيمة ذات شأن وقوة ينظر إليها العالم بعين الاعتبار.

بينما نحن نرى في هذا الوقت العصيب امبراطوريات عظيمة وممالك قوية تريد الانضمام إلى امبراطوريات وممالك أخرى لتصبح أقوى وأعظم، نرى في ذات الوقت أنّ هنالك أمماً ليست مستقلة، ولم يتقرر مصيرها بعد، تريد الانقسام على بعضها وكل مقاطعة منها تريد أن تكون دولة مستقلة عن الأخرى تمام الاستقلال مع أنهم شعب واحد وبلاد واحدة. والغريب في هذه أنّ مصيرها ليس بيدها، وأنها لا تقدر أن تأتي أمراً إلا بمصادقة الدولة الوصية أو الحامية، وهذه لا تصادق عليه إلا إذا كان يوافق مصلحتها الاستعمارية.

غورو مندوب وصيّتنا يقول للبنانيين إنّ لبنان يقدر أن يكون دولة ضخمة ذات قوة وعظمة متناهية إذ إنه أمنع حصون الشرق. أما أنا فأقول إنّ باتحاد لبنان مع سورية يصبح دولة أضخم وذات قوة وعظمة غير متناهية، ولا يعود أمنع حصون الشرق فقط، بل الدولة ذات الأراضي الواسعة والجيوش الكثيرة التي تجعل حداً لمطامع فرنسة الاستعمارية.

أيها اللبنانيون إفتحوا أعينكم وانظروا ــــ انظروا إلى امبراطورية النمسة، تلك الامبراطورية العظيمة ذات الحصون المنيعة والقوة الهائلة التي كانت صدمات جيوشها في الحرب العالمية تزعزع الجبال والتي كانت تعدّ نفسها أعطم دول العالم طراً. ها هي اليوم تريد الانضمام إلى ألمانية، ليس لتكون مستعمرة لألمانية ولا لتهب ألمانية أراضيها بل لتصبح أعظم وأقوى وأمنع. أيعلم اللبنانيون لماذا أرسل الحلفاء بلاغاً إلى النمسة يتهددونها به باحتلال أراضيها إذا هي ظلت تعمل على الانضمام إلى ألمانية؟ ليس ذلك شفقة منهم عليها لكي لا تهب نفسها لألمانية بل خوفاً وارتياعاً من نتائج ذلك الاتحاد.

ما هي الأسباب التي دعت اللبنانيين لطلب الاستقلال عن سورية؟ أليس اللبنانيون والسوريون شعباً واحداً؟ فلماذا هذا الانفصال الذي لم يغيّر حال لبنان من الشقاء إلى السعاده، بل زاد شقاءه شقاءً حتى أصبح أبناؤه يودون بيعه للصهيونيين، ليدفعوا ثمنه (أجرة ناولون) إلى أميركة أو أوروبة أو أي محل آخر يستنشقون فيه نسيم الحرية اللطيف. أليس الأجدر أن تكون جميع البلاد السورية دولة واحدة مستقلة ذات حصون وقلاع وجيوش وأعلام وطنية من أن تكون مقسمة إلى دويلات مستعمرة من الأجانب؟

لو علم اللبنانيون عواقب تشبّثهم بالانفصال عن سورية والحالة التي سيصلون إليها بفضل عناية فرنسة، لما أبدوا ذلك التشبث مطلقاً. غير أنهم تسرّعوا في الأمر حاسبين أن استقلالهم تحت عناية فرنسة يكون أفضل لهم من استقلالهم التام المطلق مع إخوانهم السوريين، وأن يكون لبنان وحده وطناً لهم أحسن من أن يكون لبنان وسورية معاً.

كيف يقبل اللبنانيون أن يكون لهم قسم محدود من الأراضي السورية يعيشون فيه مع أنهم سوريون ووطنهم سورية بأجمعها ولهم فيها من الحقوق ما لإخوانهم السوريين؟ هذا شيء تحار فيه العقول لأنه لا يوجد أسباب تقضي على اللبنانيين بذلك، والظاهر أنهم يريدون هذا الانقسام لمجرد أنهم يريدونه فقط.

لا شك بأن اللبنانيين مخطئون باستقلاله عن سورية. ولكن تبعة هذا الخطأ لا يجب أن تقع على جميع اللبنانيين، بل على نوابهم وقادة الرأي الذين لا ينظرون إلا إلى كل ما يعود عليهم بالنفع الشخصي ولو أدى ذلك إلى هلاك اللبنانيين بأسرهم.

يوجد فريق من اللبنانيين الذين إذا سألتهم لماذا تريدون للبنان الاستقلال عن سورية، يجيبوك على الفور إنّ لبنان جدير بالاستقلال. ويؤيدون قولهم باتخاذهم استقلال الجبل الأسود برهاناً على ذلك، مع أنّ هذا لا يصح أن يُتَّخذ حجة أو برهاناً لأن سكان الجبل الأسود أرادوا أن يتحرروا من نير الأتراك لأنهم ليسوا أتراكاً، وأرادوا أن يستقلوا في بلادهم ويحكموا أنفسهم بأنفسهم لأنهم لا يريدون أن يُستعبدوا لشعب آخر. ولكن ممن يريد اللبنانيون أن يتحرروا، ولماذا يريدون أن يستقلوا عن سورية؟ هل هم شعب والسوريون شعب آخر لا يريدون أن يُستعبدوا له أم ماذا؟ أليسوا هم والسوريون شعباً واحداً؟ إنني لست من الذين ينكرون جدارة لبنان بالاستقلال، ولكنني أرى أن يكون لبنان وسورية دولة واحدة هو الأجدر إذ هما شعب واحد في بلاد واحدة غير قابلة للتجزئة).


اقرأ:

أنطون سعادة: المناطق الأجنبية المستقلة في سورية.. سورية صين جديدة

أنطون سعادة: سورية تجاه بلفور

نص كتاب استقالة أنطون سعادة : إلى «محفل نجمة سورية» 

أنطون سعادة: الجنسيات السورية واللبنانية والفلسطينية 


 

المصدر
أنطون سعادة- الأعمال الكاملة، المجلد الأول 1921-1934



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى