You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

أنطون سعادة: موقف فرنسة من سورية .. الحدث الجديد

أنطون سعادة: موقف فرنسة من سورية .. الحدث الجديد

نشر في اليوم، دمشق، العدد 88/31، الصادر في الثالث والعشرين من تشرين الثاني 1931


 نص المقال:

عاد مفوض الجمهورية الفرنسية في سورية من رحلته الأخيرة إلى فرنسة. ولم تطل به الإقامة بعد عودته حتى أعلن لنا انتهاء أجل الحكومة المؤقتة وضرب موعداً للانتخابات شهر يناير/كانون الثاني القادم.

يحملنا الحدث الجديد على درس موقف فرنسة من سورية، لنعلم الأساس الحقيقي الذي يرتكز عليه كل بناء سياسي شيّدته أو ستشيّده فرنسة في ربوعنا، ولكي لا نغتر بمختلف الصور التي تمثلها هذه الدولة على مسرح سياستنا في الخارج كما في الداخل.

إنّ جميع الأدوار التي مرت بالقضية السورية، منذ انكسار السلطنة العثمانية وعقد مؤتمر الصلح، تبرهن لنا على أنّ فرنسة تشبثت بوجود حقوق تاريخية لها في سورية تجعلها حامية الحق في وضع هذه البلاد تحت حمايتها. ولما رأت فرنسة أنّ مسألة «الحقوق التاريخية» مسألة هراء ادَّعت أنّ سورية تطلب حماية فرنسة.

ويعود عهد اهتمام فرنسة بسورية الكاملة إلى ما قبل الحرب، حين كانت السلطنة العثمانية تدعى «الرجل المريض» وكانت فرنسة وبريطانيةا تنتظران دخوله في طور النزاع لتستوليا على تركته. وكانت فرنسة تؤمل أن تنال، على ساحل المتوسط الشرقي، قطعة كبيرة من الأرض تجعلها موازية في المركز لندّتها العظيمة بريطانية. ولكي لا يحدث بين هاتين الدولتين المتحالفتين في الحرب الكبرى نزاع وصدام من أجل هذه القطعة الخطيرة وضعت معاهدة سايكس ــــ بيكو الشهيرة سنة 1916. فقررت هذ المعاهدة سلخ فلسطين عن سورية وجعل بقية سورية وكل كيليكية من نصيب فرنسة.

فلما وضعت الحرب أوزارها بعد أن دخلت الولايات المتحدة فيها، وجاء ولسن أوروبة حاملاً بنوده الأربعة عشر قاصداً وضع حد تقف عنده سياسة التوسع الامبراطوري، التي كانت أعظم مظاهر القسم الأخير من القرن الماضي وسياسة القسم الأول من القرن الحالي، وجدت فرنسة نفسها تجاه عقبة كبيرة قائمة في سبيل مطامحها في سورية. فادَّعت في مؤتمر الصلح أنّ السوريين يطلبون حمايتها وأيّدت ادعاءها بتقديمها الأديب السوري المتفرنس، شكري غانم، شاهداً على ما تقول.

وكان شكري غانم، الذي توفي منذ بضع سنين في باريس، على ما أظهره من البراعة في ترجمة رواية عنترة للمسرح الفرنسي، أحد بقايا العقلية العتيقة التي نمت تحت تأثير دواعي التعصب الديني وعوامل قتل المبادىء الحرة التي لازمت العهد التركي القديم. فوضع نفسه تحت تصرف فرنسة المطلق، وألّف في باريس جميعة «الاتحاد السوري»، وادّعى التكلم باسم مئات الألوف السوريين الذين يطلبون حماية فرنسة، واتخذه كليمنصو حليفاً له في مؤتمر الصلح.

كانت فرنسة، في ذلك الوقت، تدَّعي عدم قابلية تجزئة سورية، مجيبة بهذه الحجة على المناورة الإنكليزية التي أيّدت فيصلاً في الشمال ورمت إلى حصر المنطقة الفرنسية في لبنان فقط. ولكنها لمّا رأت نجاح قضية استقلال شمال سورية تشبثت بلبنان وصبرت على مضض.

كادت المناورة الفرنسية في ادعاء طلب السوريين حمايتها تنجح لولا الجهاد العظيم الذي قامت به الأحزاب السورية الحرة في المهجر، وعلى الخصوص الحزب الديموقراطي السوري في الأرجنتين. فإن هذه الأحزاب طيّرت البرقيات العديدة إلى ولسن ومؤتمر الصلح مكذبة ادعاءات غانم مؤيدة استقلال سورية، فلما فتح كليمنصو محفظته وفيها وثائق شكري غانم فتح ولسن محفظته وأراه برقيات احتجاج الأحزاب السورية الحرة فسكت كليمنصو.

كان من وراء التضارب بين ما تقوله فرنسة وما تقوله الأحزاب السورية، أنّ الولايات المتحدة اقترحت إرسال لجنة مختلطة تستفتي أهل البلاد في تقرير مصيرهم، فأبت فرنسة الاشتراك في لجنة من هذا النوع، ورأت بريطانية من مصلحتها أن تكون في جانب فرنسة. واضطرت الولايات المتحدة إلى إرسال لجنة أميركةنية بحتة وقفت على آراء السوريين التي كانت أكثريتها الساحقة في جانب الاستقلال وأمر هذه اللجنة مشهور.

بعد انسحاب الولايات المتحدة من جامعة الأمم خلا الجو لفرنسة وبريطانية لتدبير شؤون سورية. وكان ذلك أعظم نكبة أصابت القضية السورية، ولا تقلّ عنها نكبة سقوط روسية في الفوضى البلشفية وبقاؤها بعيدة عن مؤتمر الصلح، فتصرفت فرنسة في سورية تصرفها المشهور الذي انتهى بمعركة «ميسلون»، وكان من توابعه تقسيم البلاد إلى دول إسمية قضى على وحدة العمل القومي الوطني.

يرى المطالع أنّ ما وصلت إليه فرنسة في سورية لم يتحقق إلا بعد جهود عظيمة بذلتها تلك الدولة خلال سنين عديدة.

وهذا التاريخ المملوء بالحوادث العظيمة الأهمية، يجعلنا ننظر إلى الدور الجديد الذي تريد فرنسة القيام به الآن بعين الحذر والاهتمام، خصوصاً ومناقشة لجنة الانتدابات الدائمة الأخيرة تدلنا على أنّ فرنسة تريد إعلان استقلال سورية التام واستبدال الانتداب بمعاهدة تعقد مع هذه البلاد لا تغيِّر شيئاً من سلطة فرنسة فيها. فإن فرنسة تريد عقد معاهدة مع سورية الحالية تجعل لتلك الدولة موقفاً ممتازاً من الوجهة الاقتصادية، من غير أن يكون في ذلك ما يمس نفوذها السياسي والحربي، وهي قد احتاطت للأمر بالإبقاء على الدول التي أنشأتها وأخذت على نفسها حمايتها.

أما الفائدة التي تجنيها فرنسة من الطور الجديد هنا، وفي سياستها الخارجية، فبحث آخر نعود إليه فيما بعد.


اقرأ:

أنطون سعادة: الغول الروسي مشروع السنين الخمس

أنطون سعادة: الفاتح العربي الجديد 

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: الوطنية

أنطون سعادة: آمال الوطن

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

أنطون سعادة: المناطق الأجنبية المستقلة في سورية.. سورية صين جديدة

أنطون سعادة: سورية تجاه بلفور

نص كتاب استقالة أنطون سعادة : إلى «محفل نجمة سورية» 

أنطون سعادة: الجنسيات السورية واللبنانية والفلسطينية    

المصدر
اليوم، العدد 35، صـ 88، 23 تشرين الثاني 1931



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى