You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

أنطون سعادة: السياسة الخارجية على المتوسط .. الخطر التركي

نشرت في صحيفة، النهضة، بيروت،  العدد 4، الصادر في السادس عشر من تشرين الأول عام 1937

نص المقال:

إنهار بناء السلطة العثمانية لأنه قام على نظام فاسد هو نظام الخلافة والدولة الدينية. فأدرك الأتراك أنّ الأمة والدولة المتينة لا تقومان على الدين ولا على الروابط الثقافية بل على التجانس الداخلي في الحياة القومية. وعلى الأساس القومي أخذ الأتراك يعيدون بناءهم، فأحدثوا نهضة حركت كل قواهم وحوّلتها إلى العمل لمنفعتهم، وأنشأوا دولتهم الحديثة القومية بدلاً من الدولة الدينية السابقة، وبعد أن قضوا على عناصر الرجعة وعواملها في الداخل تحوّلوا إلى معالجة القضايا السياسية الإنترناسيونية التي لهم فيها مصلحة. ومصلحة الدولة التركية هي في الشرق الأدنى حيث تقوم دول ضعيفة لا خبرة لها بالشؤون السياسية الإنترناسيونية ولا قوة حربية تذكر.

ونهضة تركية قد نبهت في الأتراك حب رفع مستوى معيشتهم، والبحث عن موارد اقتصادية تؤمّن المطاليب الجديدة. فاكتسبت تركية نظرة الدولة العصرية في التوسع وبسط النفوذ على مناطق اقتصادية تكون مجالاً للاستثمار التركي. وعملت للحصول على حاجاتها بالأساليب العصرية في السياسة، فاجتذبت نحوها إيران والعراق تحت ستار تأليف جمعية أمم شرقية، ومدت نفوذها إلى هاتين الدولتين الحديثتين. ووقفت تراقب تطور سورية تحت الانتداب إلى أن كانت المعاهدة السورية ـ الفرنسية الأخيرة التي تضع حداً للانتداب وتعيد السيادة الكاملة إلى الدولتين الشامية واللبنانية، فتحركت مطالبة بحاجتها إلى لواء الإسكندرونة السوري. وكانت تهيّيء لهذه المطالبة بالوسائل الدبلوماسية مع فرنسة وبريطانية منذ زمان. وتمكنت من توليد ضغط كاف، بالنسبة للتطورات الخطيرة في البحر المتوسط، لحمل فرنسة وبريطانية على الاقتناع بأن انتصار المطامع التركية في سورية يقرّب بين مصالح تركية ومصالحهما.

وساعد تركية على اغتنام هذه الفرصة خلو سورية مدة طويلة من الزمن من المنظمات القومية والسياسية الحديثة فلم يقابل مناوراتها شيء مثلها من الجانب السوري. فتمكنت من الحصول على الاتفاق الذي يجعل منطقة الإسكندرونة ذات سيادة محلية منفصلة عن سورية، وخاضعة لحماية كلتا الدولتين الفرنسية والتركية، ويخول تركية حق استعمال مرفأها “إلى أقصى حد ممكن” ولهذه العبارة الدبلوماسية مدلول عظيم الخطورة.

أما سورية فقد هاجت فيها الخواطر لهذا الحادث ولكن الأمر وقف عند هذا الحد لأن حكومة الشام كانت نظاماً مشلولاً بليداً لا يصلح لفعل شيء.

ومن الغريب أن يكون رجال الحكم في دمشق مقتنعين بأن نفاذ الأتراك إلى المنطقة الجبلية الوحيدة الباقية لتحصين الدولة في الشمال، شيء لا يفيد الأتراك كثيراً ولا يحسب خسارة للسوريين. فبعض الوزراء الشاميين يعتقدون أنّ الأمانوس وهضاب أنطاكية لا تصلح لاستحكامات الدفاع. ولا يدور في أدمغتهم أنها تصلح لأن تكون مراكز هجومية دفاعية للجيش المكلف السهر على سلامة الحدود. ومن جهة أخرى هم يعتقدون أنّ الأتراك قد جلبوا لأنفسهم المشاكل بتدخلهم في منطقة جديدة غير متجانسة. وهم يغلطون بتبني هذه النظرية غلطاً فاحشاً، لأنهم لا يحسبون للنظام التركي الحديث حساباً قريباً من الحقيقة.

تجاه هذا الشلل السياسي القومي المصابة به الدولة الشامية لا يقف الأتراك مكتوفي الأيدي بل يتابعون أعمالهم بنشاط عظيم. فهم قد أخذوا منذ الآن يحسبون الإسكندرونة السورية تركية ويوثقون علاقاتهم القومية بها حتى أنهم أطلقوا عليها اسماً تركياً جديداً. ولم يكتفوا بذلك، بل هم يتطلعون الآن إلى ما أمام الإسكندرونة، إلى حلب ـ الجزيرة. والسائح في تلك الجهات يشعر بفعل الدعاوات التركية المستمر بينما إدارة الشام غارقة في المنازعات الداخلية على الأساس الحزبي الضيق.

وقد قام الجيش التركي مؤخراً بمناورات عظيمة على مقربة من الحدود السورية. وحجة الأتراك في الاهتمام بخط حلب ـ الجزيرة هي في وجود جماعات كردية في هذه المناطق قد تقلق راحتها على الحدود، ولو لم يكن هنالك لما عدمت الحكومة عذراً أو حجة. أما رأي بعض الوزراء الشاميين فهو أنّ مشاكل الأتراك ستتكفل بحماية سورية.

الحقيقة أنّ الخطر التركي قد أصبح مداهماً. وفي حالة حرب لا يستغرق زحف الجيش التركي أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام حتى يصبح عند مداخل لبنان!

ترى تركية أنْ لا تقف متبسمة لما يظهر بالقرب من حدودها من منابع بترول. فهي تقول في نفسها على الأقل إني أحوج إلى موارد الثروة من غيري فلا بد لي من الحصول على هذا النصيب من الثروة القريب من متناولي.
إنّ مطامع تركية قد أصبحت واضحة، واستعداداتها الحربية تدل على اتجاهها. والظاهر أنّ انشغال فرنسة وبريطانية بحركات إيطالية وألمانية سيفسح للأتراك مجال التمادي في مطامعهم.

أما الشام فحكومتها مطمئنة إلى المشاكل الداخلية التي يتعرض لها الأتراك.

وأما لبنان فبُعد حدوده مسيرة ثلاثة أو أربعة أيام عن حدود الجيش التركي يعطيه وقتاً كافياً لتحقيق مبدأ التنازع الطائفي اللاقومي أولاً، ثم لاتخاذ التدابير لصدّ الزحف التركي ثانياً.


انظر مقالات أنطون سعادة:

أنطون سعادة: آمال الوطن

أنطون سعادة: الوطنية

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

أنطون سعادة: غورو وسورية

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: السوريون في عالم الاقتصاد

أنطون سعادة: الفاتح العربي الجديد

أنطون سعادة: القضية الوطنية .. الصهيونية وامتدادها

أنطون سعادة: سورية تجاه بلفور

أنطون سعادة: الجنسيات السورية واللبنانية والفلسطينية    

أنطون سعادة: بدء النهاية – ثورة الشرق

أنطون سعادة: نص كتاب استقالة أنطون سعادة : إلى «محفل نجمة سورية» 

أنطون سعادة: المناطق الأجنبية المستقلة في سورية.. سورية صين جديدة

أنطون سعادة: معرض التلوين الصوري

أنطون سعادة: ذكرى الهدنة

أنطون سعادة: موقف فرنسة من سورية .. الحدث الجديد

أنطون سعادة: عصران يتصارعان.. مبادىء أساسية في التربية القومية

أنطون سعادة: الصحافة السورية

أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية الأزمة الاقتصادية في بلادنا 

أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية أزمتنا الاقتصادية عوامل أخرى

أنطون سعادة: بعث الأدب السوري

أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية المهاجرة وتأثيرها الاقتصادي

أنطون سعادة: البلاد السورية سيدافع عن سلامتها جيش سوري لا جيش تركي

أنطون سعادة: السياسة الخارجية – العقبة بين سورية والمملكة العربية

نداء أنطون سعادة إلى القوميين بمناسبة الفتنة الدينية

مذكرة الحزب السوري القومي إلى جمعية الأمم حول لواء إسكندرون عام 1936

أنطون سعادة: شرق البحر السوري

انظر ايضاً:

أنطون سعادة: الغول الروسي مشروع السنين الخمس

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: غورو وسورية

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

أنطون سعادة: محافظة اللاذقية وحق المنتصر



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى