مقالات
مروان حبش: محاولة عصيان سليم حاطوم عام 1966 – تنفيذ حكم المحكمة العسكرية
مروان حبش– التاريخ السوري المعاصر
حينما بدأت القوات الإسرائيلية في اختراق الجبهة السورية، أوعز وصفي التل إلى سليم حاطوم وبدر جمعة بالإسراع في دخول سورية وأن يستفيدوا من قرار القيادة القطرية بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، بعد أن بيّن لهما أن الفرصة أصبحت سانحة لاستلامهما السلطة نظراً لانهيار الحكم، ووعدهم بالاتصال ببقية السياسيين السوريين المرتبطين بالأردن للعودة إلى سورية لنفس الغرض.
استغل سليم حاطوم وبدر جمعة مراجعة الضباط الفارين لهما والمتحمسين للعودة إلى الوطن للاشتراك بالحرب، استغلا هذا الشعور لتنفيذ المخطط المتفق عليه مع وصفي التل، وفي اجتماع في بيت الفار محمد الأطرش في عمان لحضّ السوريين الفارين على العودة، طلب سليم حاطوم من الرائد فؤاد منذر ونذير نابلسي نقل موافقته على العودة إلى سورية مدعياً أن السلطة في سورية سمحت لهم بالدخول بعد اتصال هاتفي معها، وفي وقت هذا الاجتماع كان سليم حاطوم في اجتماع مغلق مع وصفي التل لتلقي التعليمات منه.
بعد الاجتماع مع وصفي التل اتصل كل من بدر جمعة وسليم حاطوم ومحمود نوفل ونذير النابلسي هاتفياً مع الأستاذ صلاح البيطار في بيروت وأخبروه بقرارهم دخول سورية.
في هذه الأثناء نشطت جيوب وصفي التل في سورية دعماً لسليم حاطوم وتنفيذاً للمخطط الأردني، حيث تداعى أعضاء ما عُرف بالجبهة الدستورية وعقدوا اجتماعات في بيت أحد أعضائها “سليم هارون” بحثوا فيها ما سوف تؤول إليه الأمور عند سقوط الحكم، واستعرضوا وضع البلاد وموقف جبهتهم في حال قيام حكومة ائتلافية وإمكانية اشتراكهم في الحكم، كما ناقشوا ما قاله أحد أعضاء الجبهة من إمكانية قيام حركة مسلحة في حلب أو حماة، وإمكانية استيلاء الضباط المسرحين على الإذاعة لإذاعة بياناتهم.
تسلل سليم وبدر مع بعض الفارين إلى سورية عن طريق درعا حيث أخبروا مخفر الأمن العام هناك بأنهم ضباط من القوات السورية التي انسحبت من الجبهة عن طريق الأراضي الأردنية وعائدون إلى سورية، ومن درعا توجهوا نحو مدينة القريا وبعد مكوثهم بعض الوقت فيها توجهوا نحو دمشق، ولدى دخولهم إليها توجه سليم مع مجموعة من الفارين إلى مقر الشرطة العسكرية في البرامكة، وتوجه البطحيش مع آخرين إلى منزل عبد الوهاب البكري، من الجبهة الدستورية، على أن يلحق بهم حاطوم بعد استطلاعه لمقر الشرطة العسكرية، وتوجه بدر جمعة ومحمود نوفل ونذير النابلسي ونبيل الشويري إلى بيت منصور الأطرش، ومنه اتصلوا مع الفريق أمين الحافظ بمنزله لاستطلاع الوضع، وبين 7 – 10حزيران 1967، دخل بقية الفارين الذين لم يرافقوا سليم حاطوم ومجموعته عن طريق درعا، كما عاد الضباط الذين لجؤوا إلى لبنان عن طريق حمص، وسلموا جميعاً أنفسهم للسلطات المختصة.
وجد سليم وبدر وبعض من اجتمع معهم في بيت البكري أن الأوضاع ليست كما أخبرهم بها وصفي التل، وعندما علموا أن أغلبية من جاء معهم من الأردن قد سلموا أنفسهم للسلطة، قرروا العودة إلى الأردن عن طريق السويداء، فتم القبض عليهم في الطريق من قبل دورية أمن كُلِّفت بملاحقتهم.
بدأ التحقيق مع سليم وبدر من قبل لجنة قيادية، عبد الكريم الجندي ومحمد عيد العشاوي، ولقد عُثر مع بدر جمعة على قائمة بأسماء المقترحين كوزراء فيما لو آلت إليهم السلطة، كما عُثر مع نذير النابلسي على شيك موقع من راضي العبد الله وزير داخلية الأردن ويصرف لحامله .
اطّلعت القيادة القطرية في اجتماع لها(1) خلال فترة التحقيق على رسالة كان قد أرسلها
سليم بواسطة مدير السجن، يرجو فيها مقابلة اللواء حافظ الأسد أو محمد رباح الطويل ولكن الإثنين رفضا الاستجابة.
أُحيل سليم حاطوم وبدر جمعة إلى المحكمة العسكرية الاستثنائية برئاسة المقدم مصطفى طلاس، وصدر الحكم عليهما بالإعدام رمياً بالرصاص.
وتمت محاكمة بقية المعتقلين أمام محكمة أمن الدولة العليا، التي صدر قرار القيادة القطرية بتشكيلها بدلاً من المحكمة العسكرية الاستثنائية، وسمّت القيادة أحد أعضائها “محمد سعيد طالب” لرئاستها. وصدر بتاريخ 4/1/1969 حكم المحكمة بهذه القضية التي عُرفت “بمؤامرة العاشر من حزيران 1967”.
إن الذين تورطوا في هذه المؤامرة عدة فئات، منها فئة حاقدة على الحزب وثورته، وفئة أخرى انطلقت من مصلحتها الشخصية، وثالثة، كان انتماؤها الاجتماعي يؤهلها لأن تزج بنفسها في حمأة التآمر.
وإن من يتتبع طبيعة النشاط في هذه الفترة، يجد أن أعداء حركة 23 شباط استنفروا كل قواهم وزجوها دفعة واحدة لإثارة الأراجيف وقذف الشائعات المضللة المغرضة، بقصد طمس حقيقة المؤامرة وإخفاء أبعادها ومراميها.
كان العديد من ضباط الجيش، الذين لم يكن دورهم في صبيحة الثامن من آذار وقبلها بأقل من دور سليم حاطوم، وكذلك بعض القيادات الحزبية، يحتجون على الدور الذي أُعطي له والمواقع التي تبوّأها بعد 8 آذار، وأدى هذا الاحتجاج إلى عدم انتخابه في عضوية المكتب العسكري من قبل المؤتمر الحزبي للضباط البعثيين الذي انعقد في الأسبوع الأول من شهر نيسان 1965 في معسكرات القابون.
وفي المؤتمر القطري الثاني الذي انعقد بدورة استثنائية، في شهر آب 1965، بذل اللواء صلاح جديد جهداً كبيراً جداً لانتخاب الرائد سليم حاطوم لعضوية القيادة القطرية، ونجح في عضويتها.
ولابد من التنويه بأن القيادة القطرية المؤقتة قبل تنفيذ حركة 23 كانت قد قررت أنه على العسكريين فيها أن يختاروا بين الاستقالة من الجيش وبين العمل السياسي، ورغم الإلحاح على الرائد سليم حاطوم ليكون اختياره السياسة، أصر على الاستمرار في الجيش.
أخلص من ذلك إلى أن الذرائع التي تذرع بها سليم حاطوم لانضمامه إلى تنظيم معاد لحركة 23 شباط ومن ثم عصيانه في السويداء، وهي الخلل الموجود في بنية القوات المسلحة ورجحان طائفة عليها، أنه كان بإمكان حاطوم من خلال قيادته لوحدة عسكرية قوية ولمكانته عند قيادة الحزب وموقعه عند قيادة الجيش، العمل على تصحيح بعض هذا الخلل، وهو من أعضاء القيادة التي خططت ونفذت حركة 23 شباط ويَعرِف أن من بين الدواعي لقيام هذه الحركة هو معالجة أسباب الطرح الطائفي الذي أخذ ينتشر في القوات المسلحة والعمل على تصحيح بنية الجيش وعودة السيادة للقيم والعلاقات الحزبية فيه.
كما كان بإمكانه، لو اختار السياسة، أن يكون عضواً في القيادة القطرية أو وزيراً أو في أي منصب آخر عالي الشأن.
إن شعوره بأن السطوة التي كانت له قبل حركة23 شباط قد زالت لاعتماد منطلقات جديدة للحكم بعد الحركة، إضافة إلى أن عقل المغامرة عنده وطموحه لأن يحكم سورية من خلف الستارة- بدلالة أنه بعد اتفاقه مع الدكتور منيف الرزاز واللواء فهد الشاعر أصرّ على أن يكون قائدا للواء سبعين إضافة إلى قوات المغاوير التي كان قائدها حينذاك- دفعت به لقلب ظهر المجن للقيادة والاستمرار في مغامرته.
تنفيذ حكم المحكمة العسكرية الاستثنائية
في مساء يوم إصدار المحكمة الحكم بالإعدام رمياً بالرصاص على المتهمَين الرائدين سليم وبدر، استدعى وزير الدفاع اللواء حافظ الأسد المقدم الطيار متعب العبد الله وطلب منه، دون معرفة أحد من أعضاء القيادة، السفر إلى جبل العرب والحث على تشكيل وفد شعبي لمقابلة قيادة الحزب والتماسها إعادة النظر في الحكم. ولسبب ما، وبعد سفر المقدم العبد الله، طرأ تبدّل على رأي اللواء حافظ واقترح على الأمين العام المساعد اللواء صلاح جديد دعوة القيادة إلى اجتماع فوري.
بعد وقت قليل من منتصف ليلة 23 حزيران 1967 رنّ الهاتف في المنزل الذي أسكنه مع عضو القيادة القطرية وزير الزراعة والإصلاح الزراعي محمد سعيد طالب، وكان المتصل موظفَ مقسم القيادة القطرية وأبلغنا عن اجتماع فوري لأعضاء القيادة بناء على طلب الأمين العام المساعد اللواء صلاح جديد.
تبادر إلى ذهني، ونحن في الطريق إلى مبنى القيادة أن الاجتماع قد يكون لإبداء رأيٍ أو اتخاذ قرار يطلبه الأمين العام للحزب الدكتور نور الدين الأتاسي والوفد المرافق له الموجود في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي من جدول أعمالها بحث عدوان حزيران 1967.
بدأ الاجتماع بعد الساعة الواحدة من صباح 24 حزيران، وأبلغ رئيس الجلسة الأمين العام المساعد الحاضرين بأن الرفيق وزير الدفاع طلب عقد اجتماع فوري للقيادة، وطلب الأمين العام المساعد من اللواء الأسد أن يشرح أسباب الدعوة.
قال اللواء الأسد: إن المحكمة العسكرية الاستثنائية أصدرت حكمها بالإعدام على كل من سليم حاطوم وبدر جمعة، وخشية من مجيء وفود من جبل العرب تطلب من القيادة إعادة النظر في الحكم الصادر، لذا أقترح أن تتخذ القيادة قراراً بتنفيذ الحكم هذه الليلة.
ناقشت القيادة اقتراح الرفيق وزير الدفاع وكان رأي بعض الأعضاء ومنهم الأمين العام المساعد تأجيل بحث الموضوع ريثما يعود الأمين العام وبقية الرفاق من أعضاء القيادة الموجودين بمهام حزبية خارج دمشق، وفي نهاية المناقشات التي طالت لأكثر من ساعة طُرح اقتراح وزير الدفاع على التصويت ونال موافقة الحاضرين بأكثرية صوت واحد.
تم تنفيذ حكم الإعدام بالرائدين حاطوم وجمعة، رمياً بالرصاص، بعد آذان الصباح من يوم 24حزيران، في سجن المزة العسكري.
ونتيجة للبس الذي حصل في دعوة قيادة الحزب للاجتماع، تكوّن وعي خاطئ وهو أن اللواء صلاح جديد كان وراء قرار الإسراع بتنفيذ الحكم على الرائدين سليم وبدر.
(1) ذهبت في تلك الليلة، بعد انتهاء اجتماع القيادة القطرية، إلى سجن المزة العسكري والتقيت مع سليم حاطوم ودام اللقاء ثلاث ساعات، اعترف خلالها بأن ما قام به من يوم 8 أيلول ألحق ضرراً كبيراً بالحزب وحكمه، ولا يعرف كيف سيكفر عن ذلك.
انظر:
بطاقة مروان حبش عضو المجلس الوطني للثورة عام 1965
مرسوم منع منح امتياز استثمار الثروة المعدنية والنفطية في سورية
قانون تشكيل المجلس الوطني للثورة وتسمية أعضائه عام 1965
انظر ايضاً:
مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)
مروان حبش: عصبة العمل القومي (2)
مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)
مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)
مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)
مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)
مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)
مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)
مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)
مروان حبش: قضية البعث وحسني الزعيم (10)
مروان حبش: قضية الضابط داود عويس (11)
مروان حبش: قضية انسحاب جلال السيد من حزب البعث (12)
مروان حبش: البعث والقيادة القومية (13)
مروان حبش:البعث والانقلاب على نظام حكم الشيشكلي (14)
مروان حبش: البعث والانتخابات النيابية عام 1954 (15)
مروان حبش: البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام 1955(16)
مروان حبش: السير نحو الوحدة (17)
مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 (18)
مروان حبش: أزمات حزب البعث بعد الوحدة (19)
مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 وكلمة ميشيل عفلق (20)
مروان حبش: استقالة الوزراء السوريين في عهد الوحدة (21)
مروان حبش : إنقلاب الانفصال 28 أيلول 1961 (22)
مروان حبش: إنقلاب 28 آذار 1962 (23)
مروان حبش: مؤتمر شتورا عام 1962 (24)
مروان حبش: عصيان كتلة النحلاوي العسكرية 1963 (25)
مروان حبش: انقلاب 8 آذار 1963(26)
مروان حبش: المحادثات من أجل الوحدة عام 1963 (27)
مروان حبش: ما بين اللجنة العسكرية واللواء زياد الحريري (28)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (29)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (30)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (31)
مروان حبش: بعد سقوط حكم حزب البعث في العراق 1964 (32)
مروان حبش: أزمات ما بعد المؤتمر القومي السابع لحزب البعث 1964 (33)
مروان حبش: المؤتمر القومي الثامن لحزب البعث عام 1965 (34)
مروان حبش: خلاف على مفهوم ودور الحزب والسلطة عام 1965 (35)
مروان حبش: شرخ في القيادة القطرية وبين القيادتين (36)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. انفجار الأزمة (37)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. رؤية القيادة القطرية المؤقتة للمستقبل (38)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. دواعي التفكير بالعمل العسكري (39)
مروان حبش: حركة 23 شباط .. انتصار منطق الحسم العسكري وتنفيذ الحركة (40)
مروان حبش: حزب البعث بعد حركة 23 شباط وحتى المؤتمر القومي التاسع (41)
مروان حبش: محاولة عصيان سليم حاطوم عام 1966 – المقدمات (42)
مروان حبش: محاولة عصيان سليم حاطوم عام 1966 – التنظيم العسكري السري (43)
مروان حبش: محاولة عصيان سليم حاطوم عام 1966 – احتجاز وفد القيادة في السويداء (44)
مروان حبش: محاولة عصيان سليم حاطوم عام 1966 – مرحلة الأردن (45)
مروان حبش: محاولة عصيان سليم حاطوم عام 1966 – تنفيذ حكم المحكمة العسكرية (46)
مروان حبش: الشركة النفطية التي كانت تتدخل لإسقاط وتعيين حكومات
مروان حبش: حول اللجنة العسكرية
مروان حبش: استثمار النفط وطنياً .. بترول العرب للعرب