You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

مروان حبش: محاولة عصيان سليم حاطوم عام 1966 – المقدمات

مروان حبش– التاريخ السوري المعاصر

في بداية الثلث الثاني من شهر شباط 1966 أصدر وزير الدفاع اللواء محمد عمران، بناءً على قرار القيادة القومية، أمراً بنقل الضابطين الرائد سليم حاطوم والرائد عزت جديد(1) من وحداتهم العسكرية، ويعتبر هذا النقل مساساً بميزان القوى التي كانت في صراع بعد حل القيادة القطرية، وأن هذا النقل يأتي قبل أيام من موعد محتمل لانعقاد المؤتمر القطري في دورة استثنائية  يوم 25/2/1966 لمناقشة الأزمة بين القيادتين القومية والقطرية، وكان هذا القرار من الأسباب التي حملت القيادة القطرية المؤقتة على تبني العمل العسكري كخيار أخير لحسم الصراع في الحزب.

في ليلة 22-23 شباط 1966، وبعد أن قررت القيادة القطرية المؤقتة بكامل أعضائها القيام بعد منتصف الليل بعمل عسكري تنفذه في دمشق وحدتا الرائد حاطوم المتمركزة في معسكر حرستا، والرائد عزت جديد المتمركزة في معسكر القابون .

طلب مني اللواء حمد عبيد، عضو القيادة القطرية المؤقتة ووزير الدفاع قبل حل القيادة القطرية، أن نذهب معاً إلى منزله في جادة الخطيب ليرتدي بزته العسكرية، ثم نعود إلى المنزل الذي اتخُذ كمقر للقيادة، ومن هناك ينطلق اللواء حمد إلى مهمته في معسكرات قطنا. وفي طريق ذهابنا إلى منزله، طلب مني اللواء حمد عبيد أن أرشحه  في اجتماع القيادة بعد تنفيذ الحركة إلى منصب وزير الداخلية(2).

حين وصل اللواء حمد عبيد إلى معسكرات قطنا، أُبلغ من قبل الضباط الموالين للقيادة القطرية المؤقتة أنهم يسيطرون بشكل كامل على المعسكرات ولا حاجة لوجوده، وقد تحتاجه القيادة في مكان آخر.

كلفت القيادة القطرية اللواء حمد عبيد الإشراف على النواحي العسكرية والأمنية في حلب ومطاردة الرائد بدر جمعة، مدير الكلية الحربية في حمص – من أنصار الفريق أمين الحافظ – الذي استطاع أن يسيطر بالتنسيق مع الرائد مصطفى عبدو – قائد وحدة عسكرية في حماة – السيطرة على بعض الآليات والمدافع، ويهربا بها نحو حلب.

وصل اللواء حمد عبيد إلى حلب التي وصل إليها ،أيضاً، عضو القيادة القطرية مصطفى رستم، ليتعاونا في معالجة الوضع القلق في حلب، ولكن اللواء حمد بدأ باتصالات سرية

مع بدر جمعة وعبد الغني برو، رئيس فرع المخابرات في حمص قبل الحركة، وتمت بينهم عدة اجتماعات في بيت أحمد أبو صالح اتفق خلالها السيطرة على حلب، ثم إجراء اتصالات مع المقدم مصطفى طلاس للاستيلاء على المنطقة الوسطى فتكون دعماً للجيوب التي تشكل قوة لهم في المنطقة الجنوبية، وبذلك يقومون بعملية ارتدادية على الحركة.

حضر أحمد أبو صالح يوم 8/3 إلى دمشق والتقى في بيت خالد الحكيم في دوما مع بعض الأشخاص من مجموعة ما عُرف بأدبيات الحزب بـ”مجموعة حمود الشوفي” وأبلغهم عن حركة عسكرية ارتدادية سيقوم بها اللواء حمد عبيد والرائد بدر جمعة.

كان المقدم مصطفى طلاس قد أبلغ القيادة القطرية عن النشاط التآمري للواء حمد، كما أبلغ، أيضاً، بعضُ من تم الاتصال بهم من الحزبيين المدنيين في حلب، القيادة بهذا النشاط التآمري.

دُهشت القيادة من هذا السلوك التآمري للواء حمد، وقررت تحريك كتيبة دبابات من اللواء الخامس بحمص، كما قررت  في الوقت نفسه، أن يتوجه رئيس الأركان اللواء أحمد السويداني إلى حلب لإنهاء الوضع المبلبل.

 لما وجد اللواء حمد عبيد والرائد بدر جمعة وبقية الضباط المتورطين معهم، أن مخططهم لاقى الفشل، ومع وصول اللواء السويداني وتوجه كتيبة الدبابات، فرّ الرائد بدر جمعة إلى تركيا ومنها إلى لبنان.

عاد اللواء أحمد السويداني إلى دمشق جواً برفقة الضباط الذين كانوا قد تورطوا، بينما عاد اللواء حمد يوم 9/4 براً، ووضع نفسه تحت تصرف القيادة القطرية المؤقتة، وهو أحد أعضائها، وقد قررت القيادة اعتقاله، وتمَّت، فيما بعد، محاسبته من قبل لجنة الكسب غير المشروع التي كان قد أقرها المؤتمر القطري الاستثنائي لمحاسبة الحزبيين والمسؤولين الذين استغلوا وجود الحزب في السلطة.

ما إن انتهت مشكلة حلب بفترة وجيزة، وتم تشكيل الوزارة، بدأت الإعدادات لانتخابات حزبية لعقد المؤتمر القطري الثالث، وانصرفت جهود القيادة للاتصال بالمنظمات الحزبية خارج سورية، وخاصة منظمة الحزب في العراق، تمهيداً لعقد مؤتمر قومي، كما انصرفت جهود القيادة والوزارة، أيضاً، إلى وضع البرامج العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، والعمل على تنفيذها.

لقد أقدم حكم الحزب على استثمار النفط وطنياً، بعد أن كان وقفاً على الاحتكارات البترولية، كما أقدم على مطالبة شركة نفط العراق بالملايين من الليرات السورية، وهي حق الشعب الواضح والصريح لقاء مرور النفط في الأنابيب عبر سورية، كما كان الحكم عازماً على اجتثاث كل مظاهر الاستعمار ومصالحه  في سورية وداعياً إلى ذلك في بقية أقطار الوطن العربي، وبدأت الخطوات سريعة في هذا النطاق، كما بدأت عملية تعميق التحولات الاشتراكية، وبناء البنية التحتية لاقتصاد متين، وتمثل ذلك أكثر ما تمثل في توقيع اتفاقية بناء سد الفرات -حلم فلاحي سورية- مع الاتحاد السوفييتي، بعد أن ماطلت المؤسسات الغربية في تمويل إنشائه. وكذلك، فإن من يتبنى قرار حرب التحرير الشعبية إستراتيجية للحزب في تحرير فلسطين وتصفية الوجود الاستعماري في المنطقة وصولاً إلى الوحدة العربية، ويترجم هذه الإستراتيجية إلى وقائع حقيقية وخطوات عملية، يجب أن يدخل في حسبانه أن الأمر البديهي والطبيعي هو أن يتآمر الاستعمار ويحشد كل طاقاته وإمكانياته في معركته وأساليبه التآمرية ضد الحزب وثورته، ويقف جاهداً لإفشال كل المنجزات التي حققتها الثورة للجماهير في سورية، وأن لا يغيب عن باله أنه معرّض إلى تآمر مستمر، وأن تُرصد الملايين من الدولارات لتغذية هذا التآمر بغية تقويض النظام الثوري، والتخلص من قادة هذا النظام الذين أطلقت عليهم الدوائر الاستعمارية “أصحاب الرؤوس الحامية”.

إن قوى الاستعمار تعرف بثاقب نظرها، أنها لا يمكن أن تنال من حركة ثورية أصيلة، بالتآمر الخارجي أو التصدي المباشر، لذلك تلجأ إلى اعتماد أسلوب النَفَس الطويل، وإلى مقتل مضمون النتائج، ألا وهو البحث عن عناصر وقوى تؤجج بها النزاعات الداخلية، حتى ولو لم  تكن مرتبطة بشكل مباشر بها، ولكنها ترعاها وتهيئ لها السبل للتفجير من الداخل. و بحكم المصالح الذاتية التي يكتشفها البعض خارج إطار النضال الثوري، تجعلهم غير قادرين على متابعة النضال ومواكبة مسيرة الحزب والثورة وينزلقون بالتالي إلى المواقع المضادة لمصالح الجماهير الفقيرة التي تقوم الثورات، أصلاً، من أجلها.

كان الرجعيون في أوج نشاطهم، وبدؤوا بتحركات مريبة واتصالات مشبوهة قبل فترة وجيزة من 8 أيلول، وكانوا على صلات دائمة ودؤوبة مع العملاء الهاربين في الأردن ولبنان، وبندواتهم المكشوفة كانوا يبشرون بزوال العهد في مدة لا تتعدى الأيام القليلة، حتى إن البعض منهم كان يحدد يوم المؤامرة.
بدأت الأردن بحشد قوات عسكرية على الحدود السورية، وأُعطيت مهمات لهذه القوات المحتشدة.

عليه أسئلة واستفسارات تتعلق بتصريحات السفير الأمريكي في سورية التي جاء فيها: “إن هذا العهد ذاهب خلال أيام”، أجاب المُحقَق معه: أنه لما قيل للسفير الأميركي، بأن تصريحاتك العلنية، وتأكيدك بزوال العهد،  أمر مناف للأصول الدبلوماسية، وخاصة أن هذه الأقوال ستصل إلى المسؤولين، أجاب: لم يعد يهمني العرف الدبلوماسي، لأن البعث سيذهب عمّا قريب.

 وكان قد صدر أمر بمنع دخول أحد المطارنة المعروف بعمالته للمخابرات المركزية الأميركية، إلى سورية فقال هذا المطران: ما قيمة هذا المنع، إذا كان الوضع سوف ينهار خلال عدة أيام؟، فليضبطوا أنفسهم قبل أن يمنعونا من دخول البلد، وفي اعتراف لجلال السيد، “أحد مؤسسي البعث وأحد الشخصيات البارزة في تاريخ السياسة السورية”، قال: “في المقابلة التي تمت بيني وبين أكرم زعيتر وزير خارجية الأردن، أخبرني بأن الوضع في سورية سينهار، خلال فترة قريبة، ومصير سورية إما إلحاقها بالأردن، أو تقسيمها وضمها للدول المجاورة، وذلك للتخلص من النظام البعثي الشيوعي الذي أصبح سائداً في سورية”.

في هذا الظرف المشحون بالتآمر، تم تهريب الأستاذين صلاح البيطار وشبلي العيسمي من مكان احتجازهما في استراحة وزارة الدفاع بمنطقة القصور في دمشق إلى بيروت، ورغم معرفة القيادة بأن هذا الهرب قد تم بمعرفة الرائد مصطفى الحاج علي رئيس شعبة المخابرات العسكرية، و الرائد سليم حاطوم، لأن عناصر الحراسة من وحدته العسكرية، ولكن القيادة لم تول الأمر اهتماماً لأن المحتجزين سيتم إطلاقهم قريباً.


(1) لا يمت بصلة قرابة للواء صلاح جديد

(2) كان منصبا وزير الدفاع، ورئيس الأركان تقررا قبل أيام من تنفيذ الحركة، بتسمية اللواء حافظ الأسد لمنصب وزير الدفاع  واللواء أحمد سويداني لمنصب رئيس الأركان.


انظر:

بطاقة مروان حبش عضو المجلس الوطني للثورة عام 1965

مرسوم منع منح امتياز استثمار الثروة المعدنية والنفطية في سورية

قانون تشكيل المجلس الوطني للثورة وتسمية أعضائه عام 1965

انظر ايضاً:

مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)

مروان حبش: عصبة العمل القومي  (2)

مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)

مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)

مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)

مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)

مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)

مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)

مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)

مروان حبش: قضية البعث وحسني الزعيم (10)

مروان حبش: قضية الضابط داود عويس (11)

مروان حبش: قضية انسحاب جلال السيد من حزب البعث (12)

مروان حبش: البعث والقيادة القومية (13)

مروان حبش:البعث والانقلاب على نظام حكم الشيشكلي (14)

مروان حبش: البعث والانتخابات النيابية عام 1954 (15)

مروان حبش: البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام 1955(16)

مروان حبش: السير نحو الوحدة (17)

مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 (18)

مروان حبش: أزمات حزب البعث بعد الوحدة (19)

مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 وكلمة ميشيل عفلق (20)

مروان حبش: استقالة الوزراء السوريين في عهد الوحدة (21)

مروان حبش : إنقلاب الانفصال 28 أيلول 1961 (22)

مروان حبش: إنقلاب 28 آذار 1962 (23)

مروان حبش: مؤتمر شتورا عام 1962 (24)

مروان حبش: عصيان كتلة النحلاوي العسكرية 1963 (25)

مروان حبش: انقلاب 8 آذار 1963(26)

مروان حبش: المحادثات من أجل الوحدة عام 1963 (27)

مروان حبش: ما بين اللجنة العسكرية واللواء زياد الحريري (28)

مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (29)

مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (30)

مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (31) 

مروان حبش: بعد سقوط حكم حزب البعث في العراق 1964 (32)

مروان حبش: أزمات ما بعد المؤتمر القومي السابع لحزب البعث 1964 (33)

مروان حبش: المؤتمر القومي الثامن لحزب البعث عام 1965 (34)

مروان حبش: خلاف على مفهوم ودور الحزب والسلطة عام 1965  (35)

مروان حبش: شرخ في القيادة القطرية وبين القيادتين (36)

مروان حبش: حركة 23 شباط.. انفجار الأزمة (37)

مروان حبش: حركة 23 شباط.. رؤية القيادة القطرية المؤقتة للمستقبل (38)

مروان حبش: حركة 23 شباط.. دواعي التفكير بالعمل العسكري (39)

مروان حبش: حركة 23 شباط .. انتصار منطق الحسم العسكري وتنفيذ الحركة (40)

مروان حبش: حزب البعث بعد حركة 23 شباط وحتى المؤتمر القومي التاسع (41)


مروان حبش: الشركة النفطية التي كانت تتدخل لإسقاط وتعيين حكومات

مروان حبش: حول اللجنة العسكرية

مروان حبش: استثمار النفط وطنياً .. بترول العرب للعرب

حزب البعث



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

مروان حبش

وزير وعضو قيادة قطرية سابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى