You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

مروان حبش: استقالة الوزراء السوريين في عهد الوحدة

مروان حبش– التاريخ السوري المعاصر

   أخذ البعثيون كلام الرئيس عبد الناصر لهم قبل الوحدة على محمل الجد، فلما طرح عليه الأستاذ صلاح البيطار رؤيته بأن قيادة الوحدة يجب أن تكون مناصفة بين السوريين والمصريين، وافق الرئيس ناصر وقال طبعاً: “إن تجربة مصر الحزبية حديثة وحزب البعث مؤهلاً لأن يعطينا تجربته وأنا لا أعرف غير حزب البعث في سورية”.

   لاحظ البعثيون أن كل ما تم الحديث حوله والاتفاق عليه تغيّر بعد شهرين من قيام الوحدة، كما أن أجهزة عبد الناصر الأمنية وجدت فرصتها في انتخابات الاتحاد القومي، إذ قامت بتزوير نتائجها، واتخذت منها وسيلة لإضعاف شعبية حزب البعث وقياداته، وإنجاح الفئات اليمينية والرجعية ورجال المال، كما يقول الأستاذ أكرم الحوراني.

   حاول وزير الثقافة والإرشاد الإقليمي الأستاذ رياض المالكي “البعثي”، دون جدوى، وضع حدٍ للتجاوزات المتكررة التي يقوم بها مدير الاستعلامات عدلي يكن حشاد “مصري” الذي يريد تهميش الوزير وفرض سيطرته على الوزارة، كما أراد أن يمارس صلاحياته كوزير كُلِّف بالإشراف على مديريتي الإذاعة والدعاية والأنباء، ولكنه تلقى أكثر من مرة رسائل بأنه وزير تنفيذي في نظام رئاسي و لا يحق له أن يُصرح تصريحات سياسية،  وعلى إثر ذلك ألغى الرئيس عبد الناصر هذا التكليف وربطهما بوزير الدولة لشؤون الرئاسة في القاهرة، وبعدها جاءت انتخابات الاتحاد القومي واعتُبر الوزراء جميعاً مرشحين حكماً، ونجح المالكي عن حي المهاجرين ورغم دعوته أكثر من مرة لحضور اجتماعات لجنة الحي لكنه اعتذر عن تلبية تلك الدعوات.

   تجاه رفض المالكي التهميش وإصراره على ممارسة صلاحياته كوزير، وهذا موقف لا يُرضي الرئيس الذي أصدر قراراً في شهر أيلول  1959، يقضي بإقالته.

   على إثر إقالة الوزير المالكي اجتمع في شهر أيلول 1959 في الزبداني، بعض البعثيين القياديين، الأساتذة عفلق والحوراني والبيطار ومصطفى حمدون وأمين المنظمة الحزبية في لبنان عبد الوهاب شميطلي، لدراسة وتقييم الأوضاع في دولة الوحدة وفي نهاية المناقشة تبلور رأيٌ بضرورة استقالة الوزراء البعثيين من الحكومة.

   وعقب هذا الاجتماع، قابل أكرم الحوراني بعد عودته إلى القاهرة، الرئيس عبد الناصر وأبلغه أن أواصر الوحدة بين الشعب في الإقليمين دبّ في أوصالها الضعف والوهن، بسبب المركزية الشديدة التي تعالج بها شؤون سورية، ونشاط أجهزة المخابرات الطاغي لكتم أنفاس المواطنين الذين بدؤوا يشعرون بتسلط إقليم على آخر، والفراغ السياسي الذي لم يستطع الاتحاد القومي أن يملأه. واقترح عليه بصفة شخصية التراجع عن الوحدة الاندماجية وتطبيق صيغة الاتحاد الفيدرالي.

  بعد هذا الاجتماع بفترة، أصدر الرئيس عبد الناصر بتاريخ 22 تشرين الأول، قراراً بتعيين المشير عبد الحكيم عامر حاكماً عاماً في سورية وتخويله كل صلاحيات رئيس الجمهورية.

   في أعقاب جلسة للوزراء المركزيين المصريين والسوريين في قصر القبة برئاسة الرئيس عبد الناصر بتاريخ 29 تشرين الثاني، جرى نقاش حول ما تقوم به إسرائيل من أعمال لتحويل نهر الأردن، وكان موقف الرئيس ناصر، بسبب حاجته للمعونات الأمريكية، غير حاسم، وكان هذا الموقف هو الدافع الأخير لتقديم الاستقالات.

   تقدم نائب رئيس الجمهورية، وزير العدل المركزي أكرم الحوراني، والوزراء البعثيون، المركزيون والإقليميون (صلاح البيطار- مصطفى حمدون- عبد الغني قنوت)  باستقالاتهم في 24 كانون الأول 1959.

  استدعى وزير الدولة علي صبري، بتوجه من الرئيس ناصر، الوزيرين المركزيين السوريين أمين النفوري وأحمد عبد الكريم لاستطلاع رأيهما حول استقالة الوزراء البعثيين، فكانت إجابتهما “بضرورة رفض الاستقالة كمخرج للأزمة، لأن البعث أحد الدعائم الأساسية لتهيئة ظروف قيام الوحدة، وهو مسؤول الآن أمام هذه الجماهير عن مصير هذه الوحدة”. كما أكدا له اتفاقهما التام مع الوزراء البعثيين حول الأسباب الموجبة التي دعتهم للاستقالة، وهي: “عدم التكافؤ والمساواة بين الإقليمين، وعدم إشراك السوريين في السلطة على مستوى الجمهورية بإقليميها، وعدم وضوح نظام الحكم بسبب تداخل السلطات وإبطال فعاليات أجهزة الدولة وتحول النظام الرئاسي إلى ديكتاتورية مطلقة تعتمد أساساً على الأجهزة الأمنية، وتحول الحكم في سورية إلى إدارة مصرية صريحة وصلت ذروتها بتعيين المشير عامر حاكماً مطلق الصلاحيات، واقترحا تشكيل لجنة عليا لدراسة المشاكل التي نشأت منذ قيام الـ ج. ع. م ووضع الحلول لها.

   بعد يومين من هذه المقابلة قبل الرئيس ناصر استقالة الوزراء البعثيين، ولم يولِ رأي من استطلعهم أي أهمية.

  علّل عبد الناصر أسباب استقالة البعثيين بأنها ” كانت بغرض فرض قيادة حزب البعث رأيها عليه، وأنه لا يمكن أن يرضخ لمثل هذه الأساليب، ولا يقبل مشاركة أحد في المسؤوليات والحقوق التي خوله إياها الشعب عند الاستفتاء على الدستور والرئاسة… وأنه لا يهتم باستقالة الحزبيين لأن الشعب إلى جانبه”، و”الشعب حين نادى بالوحدة إنما نادى بإلغاء الحزبية”، كما اعتبرها انسحاباً من الوحدة، وأعقب ذلك حملة إعلامية قامت بها وسائل الإعلام على حزب البعث.

   فوجئ الشعب في سورية بوصول الرئيس عبد الناصر وبرفقته رئيس مجلس الأمة أنور السادات، برحلة بحرية إلى مدينة اللاذقية قبل أيام من حلول موعد الذكرى الثانية لقيام الوحدة، وقيل إن هذه الزيارة المبكرة كانت بسبب وصول معلومات إلى الرئيس ناصر مفادها أن السياسيين السوريين من مختلف الاتجاهات الحزبية يعزمون تقديم مذكرة إلى الرئيس يطالبون فيها بإلغاء الاتحاد القومي ومجلس الأمة المعين، وإلغاء المكتب الخاص الذي أسسه عبد الحميد السراج، وإلغاء قانون الطوارئ المفروض على أراضي الجمهورية، وإطلاق الحريات، وتشكيل حكومة انتقالية مهمتها إجراء انتخابات نزيهة.

   كان استقبال عمال المرفأ للرئيس باهتاً، واتهم البعثيين بأنهم حرضوا العمال على عدم المشاركة في استقباله، وصدر أمر بتسريح رئيس النقابة  البعثي خالد الجندي. ومن هناك ألقى خطاباً شنّ فيه هجوماً عنيفاً على البعثيين، ولقد قال في خطابه: “إن الذين يحاولون أن يفرقوا أبناء هذه الأمة هم الحزبيون والمستغلون ولن نسير بأي حال وراء حزبي قتل قلبه الحقد والبغضاء، لأنه يريد أن يرفع الشعارات ليتحكم أو يحكم أو لأنه يريد أن يسيطر على هذه الأمة ولا يريد أن يحقق أهدافنا، إننا سنحقق أهدافنا ومن يقف في طريقنا سندوسه بالجزم، وإن الوحدة السورية المصرية هي اليوم أقوى من كل وقت مضى… لا أقول أسماء ولكن كل واحد منّا يعرفهم، ونحن نعرفهم واحداً واحداً وأنتم أدرى وقد عرفتم ألاعيبهم السياسية”. ويقصد الرئيس البعثيين، واعتبر استقالتهم  طعنة له وجريمة في حق الوحدة.

   بعد حوالى الأسبوع من قبول استقالات البعثيين، وفي جلسة لمجلس الوزراء المركزي والتنفيذي المصري برئاسة الرئيس عبد الناصر، خُصصت لمناقشة خطة التنمية لوزارة الشؤون البلدية والقروية، حدث فيها تجاوز وتهميش الوزير المركزي أحمد عبد الكريم، إذ قال الرئيس: “مَن لا يريد التقيد بالحدود التي رسمتها له فما عليه إلاّ أن يستقيل”.

   في اليوم التالي لتلك الجلسة، قدم الوزير أحمد عبد الكريم استقالته إلى رئيس الجمهورية، وعلى إثر مقابلة الرئيس للوزير واطلاعه على أسباب استقالته طلب منه تأجيلها على أمل معالجة تلك الأسباب، ولمّا لم يتحقق أي شيء من هذا الأمل تقدم ثانية باستقالته في 2 أيار 1960 وتضامن معه في تقديم الاستقالة الوزير أمين النفوري، وقبل الرئيس استقالتيهما في اليوم نفسه، وبعدهما وللأسباب نفسها قدم وزير الصحة المركزي “سوري” الدكتور بشير العظمة استقالته.

ويورد الوزير أحمد عبد الكريم في الصفحة 237 من كتابه “أضواء على تجربة الوحدة” أن نائب وزير الخارجية المركزي “سوري” الدكتور فريد زين الدين زاره في مكتبه وأعلمه بأنه سوف يقدم استقالته لأن وضعه في وزارة الخارجية لم يعد يُطاق، وأنه لم يستلم أية صلاحية منذ تسميته نائب وزير حتى الآن.


انظر:

بطاقة مروان حبش عضو المجلس الوطني للثورة عام 1965

اقرأ:

مروان حبش: الشركة النفطية التي كانت تتدخل لإسقاط وتعيين حكومات

مرسوم منع منح امتياز استثمار الثروة المعدنية والنفطية في سورية

قانون تشكيل المجلس الوطني للثورة وتسمية أعضائه عام 1965

مروان حبش: حول اللجنة العسكرية

مروان حبش: استثمار النفط وطنياً .. بترول العرب للعرب

اقرأ ايضاً:

مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 وكلمة ميشيل عفلق (20)

مروان حبش: أزمات حزب البعث بعد الوحدة (19)

مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 (18)

مروان حبش: السير نحو الوحدة (17)

مروان حبش: البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام 1955(16)

مروان حبش: البعث والانتخابات النيابية عام 1954 (15)

مروان حبش:البعث والانقلاب على نظام حكم الشيشكلي (14)

مروان حبش: البعث والقيادة القومية (13)

مروان حبش: قضية انسحاب جلال السيد من حزب البعث (12)

مروان حبش: قضية الضابط داود عويس (11)

مروان حبش: قضية البعث وحسني الزعيم (10)

مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)

مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)

مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)

مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)

مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)

مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)

مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)

مروان حبش: عصبة العمل القومي  (2)

مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)

حزب البعث

مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)

مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (2)

مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (3) 

المصدر
حبش (مروان)، البعث وثورة آذار



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

مروان حبش

وزير وعضو قيادة قطرية سابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى