مقالات
د.عادل عبدالسلام (لاش): مدني الخيمي ومنح الأسد الدكتوراه الفخرية
د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
عين مكتب التعليم العالي في حزب البعث الحاكم، كما هي العادة، الدكتور مدني الخيمي رئيساً لجامعة دمشق (1970 – 1971)، أقول تعييناً وليس انتخاباً أو نتيجة ترشيح، لأن شغل أي منصب في إية دائرة في سورية لم يعد يتم في عهد البعث بالترشيح أو القدم أو الكفاءة أو الإنتخاب، بل بتعيين شخص حزبي أو من يرضى عنه الحزب، ولو كان من أوباش البشر وأفسدهم. ومقابل هذه الثقة التى أولاها الحكم للخيمي، تفتقت قريحة طموحه للوصول إلى منصب وزارة الصحة عن خطة، تقضي بمنح جامعة دمشق ولي نعمته رئيس الجمهورية حافظ الأسد شهادة الدكتوراه الفخرية.
ففي أحد أيام ربيع عام 1971 دخل مكتبي في كلية الآداب مستخدم (مخبر أيضاً) طالباً مني 75 ليرة سورية مقابل الحصول على رداء (روب) جامعي لارتدائه بمناسبة منح رئيس الجمهورية درجة الدكتوراه الفخرية، بحسب الكتاب الذي كان يحمله مع قائمة المدفوعات.
فقلت له لن أشترك بالحفل، ولا أريد الرداء، ومع ذلك أعطيته المبلغ. فذهل من موقفي وأخذ ينبهني إلى خطورة ما أقول، فشكرته على ذلك وكررت له قولي، وطلبت منه أن ينقله إلى العميد الأستاذ الدكتور عادل العوا، الذي أرسله.
فإذا بثلاثة من أصدقائي الأساتذة هم الدكاتره نبيه العاقل ومحمد خير فارس وعربي درقاوي يدخلون مكتبي بعد زمن قصير، ليثنوني عن قولي وموقفي، وعن السبب في ذلك، فشرحت لهم حجتي القائمة على (عدم جواز منح الشهادة لشخص في موقع يمكِّنه من إكراه جامعة تخضع لحكمه، أن تمنحه الشهادة).
وجرى نقاش حول هذه المسألة، أقنعتهم في نهايته بصحة وجهة نظري ومشروعيتها، لكنهم ومع ذلك حذروني من العواقب الخطيرة، التي يمكن أن يكون فصلي من الجامعة أبسطها. كذلك تلقيت بعد ذلك تهديدات بالويل والثبور من جهات مختلفة، ومع ذلك بقيت متمسكاً بموقفي، فلم أقبل استلام الرداء ولم أشارك بالحفل.
ولقد علمت أن زميلاً من أساتذة كلية العلوم اتخذ موقفاً مماثلاً، هو الدكتور عدنان الأسود من درعا. لكني عرفت أيضاً أنه اتخذ موقفه لا من الخلفية القانونية التي استندتُ إليها فحسب، بل ومن موقفه السياسي المناهض للحكم، إذ عُرف عنه اتجاهه الإسلامي، الذي غادر بسببه البلاد ليعمل في جامعة سعودية فيما بعد. وذلك بعد اعتقاله في زمن وزارة محمد السيد .
كان سبب اعتقاله صورة مأساوية عما كان يجري، وظل يجري إلى يومنا هذا من ظلم وجور واذلال بحق الشعب.أنه كان يلقي محاضرته ونوافذ القاعة المطلة على الشارع مفتوحة فمرت شاحنة تحمل رهطاً من جنود النظام يمل الجو زعيقا بالهتافات الممجدة للرئيس. فتوقف عن إلقاء المحاضرة حتى ابتعد الضجيج. وفسر زبانية الحكم العملاء من الطلاب ذلك احتجاجاً، وكتبوا بحقه أكثر من تقرير، فاعتقل في الليلة نفسها. لكن جمعاً من الأساتذة، وأنا من بينهم قابل وزير التعليم العالي د. محمد السيد وطلب منه التدخل لإطلاق سراحه من سجن الشيخ حسن في الميدان قبل حلول عيد الأضحى. فوعدنا الوزير خيراً ووفى بوعده، وخرج الدكتور عدنان ليلة الوقفة ونحن بين مصدق ومكذب. لأن الوزراء في سورية لايفون بوعودهم أولاً، ولأن المعتقلين يعتقلون من دون محاكمة أو ذنب، ولايفرج عنهم عادة ثانياً.
وبالمناسبة لم أكن أعرف الدكتور عدنان قبل الإفراج عنه، فبعد مرور العيد دخل رجل ممتلئ الجسم وكبيره مكتبي من دون استذان، وبادرني بالقول بلهجة حورانية: إنْت عادل عبدالسلام ! فأجبته : صح ! و من أنت، فقال: آني عدنان الأسود. ومنذئذ وحتى اعتقاله ثانية ومغادرته البلاد و كلانا على علاقة صداقة صادقة.
وبالعودة إلى حفل منح الدكتوراه، فلقد مُنح حافظ الأسد الشهادة في حفل لم يتخلف عن حضوره سواي وعدنان الأسود. وقد تجاوز بعض المتملقين المنافقين حدود النفاق المطلوب، فقام أحدهم أثناء لقاء مابعد حفل تسليم الشهادة واحتساء الشاي بالقاء كلمة ضمنها قوله : بأن في الجامعة عناصر احتجت على منحك الدكتوراه، ورفضت حضور الحفل يجب استئصالها لمواقفها السلبية من الحكم. وذكر اسمينا، أنا والدكتور عدنان. فلما انتهى سأل حافظ الأسد: ما حجة هذين الأستاذين ؟؟؟،- وأنا واثق تمام الثقة أنه كان يعرف بأمرنا من أجهزة مخابرته-، فقال أحد الذين كنت حاججتهم حول مشروعية المسألة، للرئيس: أنا لاأعرف حجة عدنان الأسود، لكني أعرف حجة عادل عبدالسلام ، وذكر له حجتي في عدم جواز المنح المذكور أعلاه. ولعجبي كان رد حافظ الأسد على ذلك مفاجأة للمنافق المتملق ولكافة الحاضرين حين قال:
” هذان هما الأستاذان الجامعيان الصحيحان، لايجوز المساس بهما”. ولقد نُقل كلام الأسد إلي بعد عشر دقائق إذ لم يتوقف رنين هاتف المنزل، وكان أغلب المتكلمين من الأصدقاء، وبعضهم من المداهنين والمنافقين ومن كتبة التقارير. والعهدة في صحة ما نقل لي هي على الناقل !!!!!!.
ما مضت أشهر معدودات إلا وتشكلت وزارة جديدة توشحت بتسمية مدني الخيمي وزيراً للصحة مكافأة له على صنيعه ونفاقه .. هكذا تسير الأمور في سورية ومثيلاتها من بلدان الحكم الديكتاتوري العسكري.