You dont have javascript enabled! Please enable it!
عام

د. عادل عبد السلام (لاش) : من رجالات الشركس .. الفريق الركن أنور باشا أبزاخ

د. عادل عبد السلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر

من رجالات الشركس في بلاد الشام.. الفريق الركن أنور باشا محمد إسماعيل غوتوق أبزاخ

كانت الأردن من أوائل البلدان العربية التي زودت طرقاتها وشوارعها في سبعينات القرن الماضي بأجهزة تصوير لمراقبة حركة سير المركبات، بجهود مدير الأمن العام اللواء أنور محمد أبزاخ، الذي ولغريب الصدف كان من بين أول من وقعوا في شراك عدسة تصوير طريق الأغوار، ففي إحدى الليالي أوقفه شرطي سير لتجاوزه السرعة القانونية، ولم يعرفه لأنه كان يقود سيارته، إذ لم يستعمل سيارة الخدمة وسائقها خارج الخدمة قط. وما أن قرأ الشرطي في رخصة القيادة الاسم حتى بدأ بالاعتذارله وامتنع عن مخالفته… لكن أنور أصر على الشرطي بل وأمره بتسجيل المخالفة باسمه و دفع الغرامة المترتبة عليه…. هذا ما حدث مع مسؤول في بلد عربي..؟؟؟؟ وليس مع رئيس وزراء أو مسؤولين في كندا أو هولندا.. أو غيرها؟
قرأت ما كتب عن هذا الرجل رحمه الله، فوجدتها زاخرة بمشاعر تمجد أخلاقه وتشيد بخصاله الحميدة بكلمات عاطفية، من بينها قصيدة رثاء عصماء رائعة للشاعر الأردني سليمان المشيني. وبعضها بيان وتقرير إداري عن سيرته المهنية، يصب معظمها في خانة أعماله وخدماته لوطنه الثاني، بلاد الشام، التي استقبلت أرضها أجداده المهجّرين من وطنهم الأصلي. أقول بلاد الشام لأن فقيدنا سوري من مواليد الجولان ( القنيطرة 1929 جاء في أحد المراجع ان سنة ولادته هي 1926، ومكانها عمان، وهذا غير صحيح ) – أردني المهاجرة والهوية، شركسي الأصول والجذور…. وعلى الرغم من كون أنور واحداً من القلائل الذين كانت لقاءاتي بهم قليلة، فإنها كانت ثرية المحتوى، عميقة الأبعاد ترسم معالم أفكار إنسان غيور، يحلم كل أحفاد شركس الشتات بتحقيقها، محورها العيش الحر والكريم في الوطن الأم….فرأيت التعريف بأنور من هذا الجانب، وبما كان يكنه من مشاعر حب وإخلاص لوطنيه الأردن/ سورية ولأديغييا، وأهلهما.
نشأ أنور يتيماً فقد حنان الأم (هاجر) وعطفها بوفاتها وعمره نحو سنتين، وحرم من رعاية الأب (إسماعيل) بوفاته وهو في السادسة من عمره. فعاش طفولة قاسية حتى اشتد عوده وهاجر وهو فتى الى الأردن حيث انتسب الى الجيش العربي وتسنم مناصب رفيعة كثيرة وهامة لإخلاصه وتفانيه بالخدمة فيه، وفي القصور الملكية والاستخبارات العسكرية … والحرس الملكي الخاص ثم مديرا للأمن العام. كما شارك في حروب العرب في فلسطين عام 1948 وحرب حزيران عام 1967 وحرب الكرامة عام 1968.
كان ذكر أنور يرد بين حين وآخر على لسان أقرباء له من جيراننا في حي المهاجرين بدمشق، ومن غيرهم من عارفيه من أبناء الجولان وخاصة من تِربه صهرنا المرحوم إديب عيسى جموق، الذي كان كثيرا ما حدثني عن منجزاته ونشاطه في الأردن، وأنه لصيق، بل صديق ملكها الصدوق، وأنه من مؤسسي الحرس الملكي الخاص والفرقة النسائية فيه، وظل رئيسه منذ عام 1957حتى سنة 1971، وأنه كان موضع ثقة الملك حسين بن طلال وأمينه، ومميت أسراره .
أما معرفتي الشخصية به فتعود إلى صيف سنة 1967. حين زارنا زيارة خاطفة (مدة ساعتين) إلى دمشق، بهدف الاطلاع على أحوال النازحين الشركس من الجولان. اجتمع فيها بالمرحوم محمد علي عزمت قائد الدرك السوري المتقاعد (رئيس شرف اللجنة الشعبية العليا لشؤون النازحين الشركس). وبحضوري كأمين سر اللجنة المذكورة، ونقل لنا خبر المعونة الأردنية وتعاطف الملك حسين مع النازحين. غادر بعدها وفي نفس اليوم رحمه الله. ولمست فيه حينها تعاطفه مع العاملين في النشاط الاجتماعي والغوثي الشركسي لا في الأردن وحدها بل وفي سورية. وكان لأنور إلى جانب رجالات شركس الأردن فضل تقديم المعونة السخية لنازحي شركس الجولان التي حفظت في المصرف لصالح النازحين حين عودتهم إلى الجولان . ولقد كنت بحكم موقعي في اللجنة، على اطلاع وصلة بالمرحوم، الذي كان الظهير الخلفي لرجالات الشركس الأردنيين الغيورين على النازحين الجولانيين، الذين زارنا بعده وفدهم لدراسة الوضع وجمع المعونات. وكان أنور من المتحمسين لشعار اللجنة المذكورة القائل بـ 
” العمل على عدم إيواء أي شركسي في خيمة، أو توطينه في مخيم “. 
والتزم به كل شركسي في بلدان الشتات…. ولا أذيع الآن سراً يعرفه ناشطو تلك الفترة، انتشار إشاعة عن أن شراكسة تركيا كانوا مستعدين للمساعدة لاستعادة القرى الشركسية والعربية المحتلة، الأمر الذي رفضته اللجنة. وكان المرحوم أنورقد سمع بها ، لأنه انتحى بي جانباً وسألني، عن إمكان رفد المتطوعين الشركس/ الأتراك بشباب شركس من الأردن. فأخبرته أننا رفضنا العرض، ولا يمكن قبوله لا من قبل الجانب التركي ولا الجانب الأردني جملة وتفصيلاً، لأن الأمر يتجاوز المسألة الشركسية، ويدخل في إطار سيادة الدولة السورية.. ولما كانت العلاقات السورية – الأردنية شباطية الطبيعة (نسبة لطقس شهر شباط المتقلب)، انقطع حبل الوصل بعدها مع أنور زمناً دام حتى سنة 1982. 
ففي شتاء تلك السنة تلقيت دعوة لحضور مؤتمر أطلس الوطن العربي ممثلاً لسورية، في عمان- الأردن. فكانت مناسبة لزيارة الجمعية الخيرية الشركسية فيها، ولقاء رئيسها الفريق المتقاعد أنور محمد. الذي كنت قررت الاتصال به بعد يوم العمل الأول للمؤتمر، لكنني فوجئت به في بهو فندق عمرة مساء يوم وصولي يرحب بي ويصر علي قبول ضيافته في منزله، ثم حضور لقاء استقبالي في الجمعية، فاعتذرت له عن الأولى لطبيعة نشاطي في المؤتمر، ورحبت باللقاء في الجمعية. فكان لقاءاً حاراً وحميمياً تصدره أنور كرئيس للجمعية الخيرية الشركسية الأردنية، وأنا كرئيس للجمعية الخيرية الشركسية السورية. وبعد مناقشة العديد من المسائل ذات العلاقة المشتركة طلب المرحوم أنور تلبية رغبات الحضور واستفساراتهم عن زيارتي في الصيف المنصرم لشركس يوغوسلافيا في مقاطعة كوسوفو، التي وصلتهم أخبارها. فحدثتهم عن مشاهداتي ولقاءاتي وآرائي عن أوضاع أبناء جلدتنا. وتطرقت في حديثي إلى زيارتي لدار آل ميرزا في كوسوفو من القرن السابق، والمشغول حالياً من قبل أسرة صربية في بلدة ستانويتسا. فما كان منه إلا أن اتصل بوصفي ميرزا باشا ابن صاحب البيت ونقل له الخبر. لأجد في مساء اليوم التالي وصفي باشا بانتظار عودتي من المؤتمر إلى الفندق والترحيب بي، حيث انتحينا من بهوه جانباً وأخبرت وصفي باشا عن أمر منزل والده، وتشعب الحديث بعدها إلى الشأن الشركسي، حيث فاجأني بآرائه المتحمسة تجاهه. خاصة وأنه، بحسب علمي لم يكن ناشطاً في القضايا الشركسية. ومما زاد الأمر تعمقا وتوسعاً كان انضمام المرحوم أنور إلينا بعد منتصف الليل، حيث استمعنا معاً لأفكار وصفي ميرزا حول اقتراح تشكيل مجموعة تأسيسية مصغرة تقوم باختيار ممثل واحد عن شراكسة كل بلد شتات شركسي، يستبعد منهم كل من يثبت أنه يخضع لأي تأثير غير شركسي. للوصول إلى ترتيب العودة إلى شركسيا. ولقد بدا لي حينها أن أنور كان ملماً بأفكار ميرزا باشا. 
بعد ذلك تكررت لقاءاتي مع أنور باشا على إثر وفاة المرحومة زوجته، ومن ثم زواجه سنة 1989 من السيدة الفاضلة نهلة حميد شوك ابنة قريتي مرج السلطان. إذ كانا كثيراً ما يزوران أهلها فيها، ويقضي مع رجالات المرج وقتاً طيباً، حيث أقام معهم صداقات وعلاقات ود واحترام متبادل. واكتسب محبتهم وتقديرهم بتواضعه الجم والتزامه الشديد بأخلاقيات الأديغة هابزة، وغيريته، و مساعدة الملهوفين. وكان مجلسه مقصوداً لطلاوة حديثه وغزارة أخباره، كما كان يجيد الاستماع، مرحاً مع المهابة المتواضعة. ودبلوماسيا هادئاً خفيف الظل سريع البديهة حاضر الدعابة. ولقد صادف وجود المرحوم أنور في مرج السلطان، بعد عودتي من زيارتي الأولى لأديغييا (في 22 تشرين الأول من عام 1991) بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث توافد الزوار علينا، لسماع حديثنا عن الأوضاع المستجدة هناك، والتساؤل عن احتمالات العودة إلى وطنهم المحتل. ونظراً لكثرة تكرار شروحي، وحديث زوجتي إلى زائراتها. قررت عقد اجتماع في يوم الجمعة الموافق لـ 27 /10/ 1991 يحضره كل راغب في القرية ومساكن نازحي الجولان. حضره الأخ أنور. وكان أكثر الاسئلة طرحاً هو :
” ما رأيك في العودة إلى الوطن الأم – هكوظХэкужъ – بعد زوال كابوس الاحتلال السوفييتي، وهل تنصحنا بالعودة…”.
فلخصت ردي للحضور بجوابين، الأول بتكراري ما قالته لي سيدة شركسية تدعى (نورية بيبولت)، كانت رفيقة سفري من شِ تحاله (بيلو ريشينسك) إلى موسكو بالقطار، بعد ما بينت لها نيتي بالعودة إلى أديغييا، إذ قالت بالحرف والألم يعتصرها وينطبع على وجهها وفي صوتها:
” إنني أشفق عليك وعلى من يفكر مثلك من دخول جحيم الفقر والبؤس في أديغييا وروسيا برضاه، ولا يغرنك ما حصل إذ سترى أن الاضطهاد والفقر سيزدادان شراسة !!!”.
أما الجواب الثاني للحضور فكان قولي:
” لا أنصح أحداً بالعودة ولا بعدم العودة، لكن الباب أصبح اليوم مفتوحا أمام الجميع بزوال الجدار الحديدي. فعلى الراغب بمعرفة الأوضاع زيارة الوطن وعليه اتخاذ القرار الذي يناسبه..”.
وهنا طرح أحد المشاركين سؤال (من يرغب منهم بالعودة أو عدمها)، فكانت الحصيلة مشجعة على العودة، عدا عدة أصوات اشترطت للعودة شروطا كان أبرزها كلمة المرحوم أنور محمد. باشتراطه للعودة منح الشركس حريات أوسع. وعلى الرغم من ذلك لم ينقطع أنور عن زيارة الوطن للتعرف على أوضاعه، وإمكانات العودة إليه. إذ كان بعد تقاعده (1-11-1976) محبا للسفر والاستجمام ومواظباً على رحلة الشتاء لقضاء العمرة وعلى رحلة الصيف الى بلاد الأجداد القفقاس…. 
كنت رجوت في هذا السياق زوجته نهلة، ابنة قريتنا التي نشأت على تعاليم العادات والتقاليد الشركسية الراقية، تزويدي بشيء عن سجاياه، فهل تعلمون ما أجابتني به ؟؟ …كتبت لي هذه المرأة الشركسية الأصيلة تقول:
“لدي الكثير لأقوله، لكني عند الكتابة أتراجع، حيث لا يليق بي أن أمدح زوجي أو أثني عليه، علماً باني لو استطعت لكتبت عنه الكتب… لكن هي الدنيا وعاداتنا”… نعم هذه عاداتنا.. 
أحب أنور مرج السلطان، حيث شاءت الأقدار أن يلقى منيته فيها ويوارى الثرى في مقبرتها في الـ (بجش أواشحه Бэджъэщ Iуашъхьэ) في شتاء عام 2005. تلبية لرغبة خجولة أبدتها زوجته، في دفنه قريبا منها كي تتمكن ويتمكن أهالي القرية من زيارة ضريحه في الأعياد والمناسبات، وذلك على الرغم من قرار الأردن دفنه في المقابر الملكية في الأردن. 
يحتل المرحوم الفريق أنور محمد أبزاخ مكانة مشرفة في سلم خدمة الشركس للبلاد العربية والإسهام في تطويرها ورفعتها. كواحد من أبرز شخصيات شراكسة الشتات، التي شاركت أبناء البلاد في مسيرة النمو والتقدم، جنباً إلى جنب في كفاحها للحفاظ على هويتها القومية وخدمة أبناء جلدتها الشركس.
رحمك الله يا أنور رحمة واسعة وغفر لك وآهَلَك في جنته بإذنه تعالى.

عادل عبد السلام (لاش)
دمشق: 11-12-2017

أنور محمد أبزاخ والعازفة الكبيرة عبيدة عمر في رقصة القاما (الخنجر) الشركسية



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

عادل عبد السلام

الدكتور عادل عبدالسلام لاش من أبناء قرية مرج السلطان، من مواليد عسال الورد عام 1933. يحمل دكتوراه في العلوم الجغرافية الطبيعية من جامعة برلين الحرة. وهو أستاذ في جامعة دمشق منذ عام 1965. له 32 كتاباً منشوراً و10 أمليات جامعية مطبوعة، بالإضافة إلى أكثر من 150 مقالة وبحث علمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى