You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

د. عادل عبدالسلام (لاش): المواقيت والأزمنة عند الشركس

د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر

إن الحديث عن تتابع الفصول والتقويم السنوي الذ ي كان الأديغة يعملون به ليس باالأمر الهين كما قد يتوقعه المرء، لرمادية المعلومات المتوفرة، وطبيعتها الثقافية والتاريخية القديمة جداً، ولأنها مرويات شفهية متناقلة عبر الأجيال وعشرات القرون، تشهد اليوم ومنذ نيف وقرنين فقط… إحياءها وتوثيقها كموروث ثقافي للأمة الأديغية. ولعل أهم عقبة تعيق تقديم صورة واضحة للموضوع هو افتقار الأديغة إلى أبجدية للكتابة، حتى بداية القرنين الماضيين. بحيث لا نمتلك قبل ذلك وثاثق او مخطوطات تنير لنا الطريق. إلا ما سجله الرحالة وزوار إديغييا من أفراد أجانب، من شذرات وأخبار عابرة. لكن موضوع التقويم عند بقية الشعوب ليس بأفضل حال كثيراً..إذ ما زلنا إلى يومنا هذا في جدال لم يتوقف عن التقويم القمري (السنة القمرية أقصر من السنة الشمسية بمِقدار 11 يومًا فالأشهُر القمرية غير ثابتة بالنسبة لفصول السنَة؛ فهي دائمًا تتنقَّل بين الفصول) والتقويم الشمسي، والميلادي والهجري… ومواعيد الشعائر الدينية حتى في الديانات السماوية كمواعيد الأعياد والمناسبات المختلفة، والنسئ، والسنة الكبيسة وغيرها….إضافة إلى اختلاف التقاويم بين الكثير من البلدان والشعوب القديمة والحالية، إذ تحوي قوائم التقاويم أكثر من 90 تقويماً حديثاً وقديماً (أحيل المستزيد على النت)، أذكر منها الغريغوري واليولياني والصيني والياباني والقبطي والعبري والبوذي والأمازيغي والهندي، والروماني والرومي والأزتيكي (السنة 260 يوم) والبالي (210 أيام)… وغيره وغيره.

والتقويم كما هو معروف هو نظام حساب الزمن وتواريخ الأيام والأسابيع والشهوروالفصول والسنين، لخدمة أغراض اجتماعية أو دينية أو زراعية أوتجارية وغيرها. وعادة ما تكون تلك الفترات (مثل الأشهر والسنين وغيرها) متزامنة مع دورتى القمر والشمس، علماً أن هناك تقاويم يعتمد نظامها على كواكب أخرى معينة، وغيرها. ولما كان إنسان العصور الحجرية يعيش قبل 300.000 سنة في أديغيا الحالية حيث أكتشفت آثاره في وادي شحه كواشه шъхьэ гуащэ في موقع أبزاخ حابل، فإن ارتباط أسلافنا بالوسط الجغرافي الطبيعي… بأرضه ومائه وهوائه ونبيته ووحيشه، واستغلاله كجامع للثمار في ماقبل التريخ ثم صياداً… قديم قدم وجوده. واستمر هذا الارتباط مع تحوله للانتاج في مجال الزراعة وتربية الحيوانات وظهور صناعة الأدوات الخادمة لمرحلة الإنتاج منسوبة إلى رب الحديد (تلبش Лъэпщ)، المتزامنة مع مرحلة تعدد أرباب العهد الوثني والطقوس التعبدية ذات العلاقة بالبيئة والعناصر الجغرافية الطبيعية. إذ يصل عدد أرباب الظواهر الطبيعية والسماوية المعروفة وحدها إلى اثني عشرة رباً، من أصل أكثر من ستين رباً، نذكر منها (رب الشمس والقمر والأجرام الفضائية мохъ-хьэхъ- حَخ-موخ)، و(رب الأمطار والثلوجутхъой /къес-къес وتخوَي: قِس قِس)، و( الرعود،رب الخير أيضاًщыбл شِبلَه)، و(رب الصــــــــــواعق афы آ ف)، و( رب الرياح والعواصفжъытхьэ جِ تحَه)، و( رب البحار والمياه чэтыпэ تشَتِ بَه).

كل هذا وغيره يؤكد كون أسلافنا أبناء الأرض والريف بالدرجة الأولى، يعتمدون في حياتهم على البيئة الطبيعية، وعلى السماء والغلاف الغازي والأنظمة الفلكية والأجرام السماوية…وفي مقدمتها الشمس وحركتها الظاهرية وتعاقب الفصول والمواسم، وانتظام حدوث الليل والنهارعلى مدار السنة.. ولقد عرف الشركس الكثير من الكواكب والنجوم وسموها أسماء مشتقة من بيئتهم، فدرب التبانة أو ألدرب الحليبي فهو (درب سوق الخيول) و الدب الأكبر هو (نجوم الأخوة السبع/ أسرة النجوم) التي قالوا بانتهاء دورتها الليلية الكاملة مع بزوغ الفجر..كما اعتمدوا الأبراج في معرفة مواعيد الفصول، إذ:

“عرف أسلاف الأديغة القدماء في تجوالهم وترحالهم ونشاطاتهم الحياتية منذ أكثر من 4500 – 5000 سنة، الكثير من النجوم والكواكب والأبراج، واسترشدوا بها وبحركاتها الظاهرية وتغير مواقعها على مدار السنة ، كما رسموا خطط مناحي حياتهم حسب الفصول والمواسم، والنشاطات المناسبة ليس للفصول الأربعة فحسب بل ولكل شهر، بما يتفق مع موطنهم واختلافاته النوئية والطقس حسب اختلاف المواقع الجغرافية بين غربي أديغيا الكبرى ووسط، وشرقيها، وبين جبلها وسهلها وسواحلها. وتعكس أسماء الشهور واختلاف بعضها في بعض اللهجات هذا الواقع البيئي. ومع تطور ملاحظاتهم الفلكية الطابع تعرفوا على أبرزالأبراج، وبصورة خاصة برج (الحوت Pisces) المعروف بـ: (ظوغوابه) Жъогъуабэ، الذي تمكن أسلافنا بواسطته من تحديد يوم 22 من شهر كانون الأول/ ديسمبر المعروف بيوم الإنقلاب الشتوي، وهو اليوم الذي يتميّز بأنه أقصر فترة نهار، وأطول فترة ليل طوال العام، ويقابله الانقلاب الصّيفي في يوم 22 من شهر حزيران/ يونيو، ويتميّز بأنه أطول فترة نهار، وأقصر ليل من كل عام. فظهور نجوم برج الحوت في الأفق عندهم كان هواليوم الذي يصادف انتهاء فصل الشتاء وبداية فصل الربيع أيضاً. أما اختفاء البرج المذكور ونجومه من السماء وكأنها غارت في أفق الأرض فيعني انتهاء فصل الخريف ودخول فصل الشتاء”
(ر.مقالتنا وعنوانها:(مع حلول سنة )2020)- 19 كانون أول -2019).

ومما يؤكد هذه الحقائق هو واقع أسماء أشهر السنة باللغة الأديغية بلهجتيها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن اسم شهر شباط يعني (الشهر السئ – شباط ماع كلامو رباط)، وشهر آذار (بداية الربيع)، وشهر نيسان (موسم ولادة الغنم)، وشهر حزيران (موسم الحصاد وجزالحشائش)، وشهر كانون الأول (رجوع أو انقلاب الشمس)….. فكلها تسميات تتفق مع تقويم مواسم حيوية حددت الثقافة الشعبية وتراكم الخبرات أزمنتها عبر آلاف السنين من عمر الأمة الأديغية.
1. January: Щылэ
2. February: Мэзай
3. March: Гъэтхапэ
4. April: Мэлылъфэгъу
5. May: ЖъоныгъуакI
6. June: Мэкъуогъу
7. July: Бэдзэогъу
8. August: ШышъхьаIу
9. September: Iоныгъу
10. October: Чъэпогъу
11. November: ШэкIогъу
12. December: Тыгъэгъаз

كذلك أجاد الأديغة التنبؤ بأحوال الطقس من ألوان الغسق والشفق، ومن هيئة القمر في كبد السماء: فإن كان قرناه نحو الأسفل فهذا مؤشر لفترة ممطرة قادمة وإن كان نحو الأعلى مهو مؤشر الطقس الصحو والجاف، وإن كان القمر مائلاً فدليل الخير، وظهور قوس قزح في الغرب دليل المطر….كما استدلوأ من تغير سلوكيات الحيوانات والطيورعلى اقتراب البرد وهطل المطر…والأمثلة على التنبؤ بالطقس كثيرة دليل تراكم الخبرات الشعبية والممارسات والطقوس المتصلة بالظواهر الجوية والفلكية.

ومع هذا لا نعرف للأديغة تقويماً محدداً كالتقاويم التي نعرفها اليوم، فمع وصول مؤثرات تتار القرم والعثمانيين إلى القفقاس ظهر انتشار استعمال التقويم الهجري عند الأديغة في الوثائق والرسائل إلى جانب الكتابة بالأحرف العربية المطعمة بالكتابة العثمانية. لكن تسرب التقويم اليولياليني/ الغريغوري الذي ترافق مع وصول المؤثرات الأوروبية مع الاحتلال الروسي، أصبح هو التقويم الميلادي الذي يعمل به الأديغة في الوطن الأم وبلدان المنافي. ( السنة في التقويم اليولياني تعد 365,25 يوماً أما التقويم الغريغوري فهو أدق ويعد السنة 365,2425 يوماً). و يذكر شورا نغومه (تاريخ الشعب الأديغي، ص. 82) (1844) أن الأديغة “على الرغم من افتقارهم للعلوم كانوا يحسبون الزمن كالأوربيين”. وحين يتكلم عن أيام الأسبوع عندهم يرى أنهم اعتمدوا في ذلك على اليونان، والأرضية المسيحية. فيوم (الأحد: هويوم الرب، والأربعاء: يوم الصوم الصغير، والجمعة: يوم الصوم الكبيرعند الأديغة الغربيين، ويوم مريم عند الأديغة الشرقيين).

أما ما ذهب إليه بعضهم من أن معارف الأديغة في الفلك والكواكب والمواقيت ذات جذور بعيدة وتعود إلى السومريين (قبل 5000 سنة) وورثتهم من البابليين، فهو قول ضعيف ويفتقرإلى أدلة وبراهين وشواهد تدعمه. كما أنني لم أجد سنداً لمن ذكر أن السنة عند الأديغة كانت (372 يوما) أيضاً.

وتجدر الإشارة إلى أن الأديغة عرفوا نوعا من التقاويم عُرف بـ (الجِل Джыл) ، يعتمد الأبراج الاثني عشرة في تعاقب السنوات فقط، تتميزفيه كل سنة باسم حيوان، وتذكر الأخبار أن هذا النظام كان يستعمل عند الأديغة لمعرفة عمر الفرد. كما تذكر أنه تسرب إلى الأديغة من قبائل النغوي، وهؤلاء أخذوه عن التتر والمغول الذين كانت لهم صلات بل وحروب معهم…. ومهما يكن طريق وصوله الى الأديغة في القرون الوسطى، فإن أصله صيني/ ياباني، وما زال معمولاً به. ولرموز الحيوانات الممثلة لكل سنة سوق رائجة كهدايا تذكارية في البلدين، لم نحرم منها أثناء إقامتنا في اليابان..

فالتقويم غير المكتوب الذي عمل به الأديغة قديماً كان في تقديري (تقويماً زراعياً- مناخياً)… نشأ من تراكم الخبرات الحياتية في بيئة القفقاس الشمالي. ولم أعرف عن أسلافنا انهم كانوا يضيفون أياماً أو شهراً لتصحيح المواقيت أو تعديلها بالحسابات الفلكية المعروفة اليوم…إلا ما وصلهم من بحوث االعصر الحديث. لعل غيرنا من العارفين يصحح معلوماتنا أو يغني هذا الجانب من ثقافتنا…وفوق كل ذي علم عليم.

أنصح المستزيد حول أسماء الكواكب والنجوم باللغة الأديغية الرجوع إلى مقالة (نيللي لِقوَج) في النت بعنوان (سماء الأديغة)
( Лыкъуэжъ Нелли и тхыгъэ “Адыгэ уафэ”)
November 9, 2017
عادل عبد السلام لاش
دمشق 27-6-2020


اقرأ:

د. عادل عبدالسلام (لاش): العرس الأديغي (الشركسي) التقليدي في سورية

د. عادل عبد السلام (لاش) : تهجير الشركس إلى سورية وتوطينهم في شريط الليمس الشركسي

د. عادل عبد السلام: من جعبة الذاكرة.. المظاهرات الطلابية السورية

د. عادل عبد السلام: ظاهرة لغوية اجتماعية أديغية (شركسية)

د. عادل عبدالسلام (لاش) : بدايات كرة القدم في مرج السلطان

د. عادل عبد السلام : آداب الطعام و قواعد المائدة الشركسية

د. عادل عبد السلام : الحاتيون أسلاف الشركس 

د. عادل عبد السلام : حول الأمير الأديغي ينال الكبير، والسلطان الأديغي (الجركسي) الأشرف ينال العلائي

د. عادل عبد السلام (لاش) : على هامش أحداث الجزائر

د. عادل عبد السلام : أول مسجد في مرج السلطان

د. عادل عبدالسلام (لاش) : بين الجامعة والكلية الحربية وقاسم الخليل

د. عادل عبدالسلام (لاش) :مرج السلطان وعيد الأضحى

د. عادل عبدالسلام (لاش): في ذكرى إبادة الشركس

د. عادل عبدالسلام (لاش): نزوح الشراكسة من الجولان في صيف 1967

د. عادل عبدالسلام (لاش): رحلة مجانية أحن إلى مثلها

د. عادل عبد السلام (لاش) : يوم الحداد الشركسي

د. عادل عبد السلام (لاش) : رحلة شتوية إلى جبال صلنفة

د. عادل عبد السلام (لاش) – مسيرة تربوية تعليمية.. زرعنا فحصدنا

عادل عبد السلام (لاش): حكمت شريف حلمي شاشأه في ذكرى رحيله

د. عادل عبد السلام (لاش): غياض الحَور في مرج السلطان

د. عادل عبد السلام (لاش): اللواء محمد سعيد برتار رجل المهمات الصعبة والملمات الإنسانية

د. عادل عبد السلام (لاش): الضائقة المالية وقرار طردي من معهد غوتة

د. عادل عبد السلام (لاش) – حسن يلبرد

د. عادل عبدالسلام (لاش) : شكري القوتلي في مرج السلطان

د. عادل عبد السلام  لاش- مراحل رسم الحدود السياسية لسورية منذ زوال الإمبراطورية العثمانية

د. عادل عبد السلام (لاش) : من رجالات الشركس .. الفريق الركن أنور باشا أبزاخ

د. عادل عبد السلام (لاش) : صورة….. واعتقال



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

عادل عبد السلام

الدكتور عادل عبدالسلام لاش من أبناء قرية مرج السلطان، من مواليد عسال الورد عام 1933. يحمل دكتوراه في العلوم الجغرافية الطبيعية من جامعة برلين الحرة. وهو أستاذ في جامعة دمشق منذ عام 1965. له 32 كتاباً منشوراً و10 أمليات جامعية مطبوعة، بالإضافة إلى أكثر من 150 مقالة وبحث علمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى