You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

أنطون سعادة: ذكرى الهدنة

أنطون سعادة: ذكرى الهدنة

نشر في صحيفة اليوم، العدد 80/28 الصادر في الثالث عشر من تشرين الثاني عام 1931م.


 نص المقال:

كان الأمس يوماً مشهوداً حافلاً بالأعلام مملوءاً بالأنغام. إنه عيد الهدنة لأعظم حرب جرت في التاريخ.

في عيد الهدنة ذكريات مفرحة وذكريات محزنة. فالذكريات المفرحة هي توقّف هرق الدماء والإبقاء على البقية الباقية من رجال كانت تعتز بهم الأمم.

وقد تصرّف الحلفاء في تفسير معنى الهدنة تصرفاً قضى على المعنى المتقدم وحوّلوا ذكرى الهدنة إلى عيد يجددون فيه انتصاراتهم.

أما نحن فلا يمكننا أن نقتصر على المعنى المتقدم، بل تعود بنا الذكرى إلى الزمن الذي سبق الهدنة حين كانت الحرب لا تزال سجالاً وكفة القوة راجحة في جانب ألمانية وحلفائها وسيف ديموقليس معلق فوق جيوش الحلفاء ــــ إلى الزمن الذي عاد فيه كليمنصو الملقب بــ«نمر فرنسة» من ساحة المارن وعرض فيه على بوانكاريه الذي كان رئيساً للجمهورية نقل الحكومة من باريس لأن «العدو على الأبواب».

في ذلك الزمن البعيد القريب، دبّ الرعب في قلب باريس، كما دبّ الذعر قديماً في قلب رومة بعد انتصار هنيبال على أعظم جيش روماني في معركة كاني الشهيرة.

في ذلك الزمن، تحت تأثير الصواعق والبراكين الحربية، بينما مصير دول الحلفاء معلق بين الموت والحياة، رقَّت القلوب القاسية، وتحولت المطامع البربرية إلى نوع من الرغبات الإنسانية النبيلة، فاعتلى سياسيو الحلفاء المنابر وقطعوا على أنفسهم العهود مقسمي اليمين الغموس، مشهدين على أنفسهم الله في السماء والهيئة الاجتماعية على الأرض، أنهم إنما يحاربون في سبيل غلبة الحق على القوة ونصرة الحرية على العبودية.

في ذلك الزمن التجأ هؤلاء السياسيون إلى الأخلاق والشرف بعد أن أفلست المناورات السياسية تجاه الإجراءات الحربية، وعجز منطق المعاهدات عن ردّ منطق المدافع: وما هو مثبوت في أدبنا أنّ السيف أصدق إنباء من الكتب.

فتقدَّم هؤلاء السياسيون إلينا، كما تقدموا إلى غيرنا، وقالوا لنا «أنتم أمة حرة ولكم حقوق الحياة نظيرنا فظاهرونا على أعدائنا وأعدائكم» فنصرناهم وأقبل ألوف المتطوعين السوريين في الجيش الأميركة ني ليبذلوا أرواحهم في الساحة الفرنسية، لأن فرنسة وضعت سورية في مقدمة الأمم الضعيفة التي يجب أن تنال حريتها واستقلالها التام، وزحفت الجحافل من الحجاز وكنا يداً واحدة نؤيد الحق والحرية.

مع ذلك كله فالهدنة لم تتحقق على هذه الكيفية إلا بفضل الجيش الأميركة ني وبنود ولسن الأربعة عشر.

وما كاد الحلفاء يشعرون بعجز القوات الألمانية عن سحق القوات الجديدة الآتية لنجدتهم، حتى اضمحلت جميع المبادىء الإنسانية التي ملأوا الأرض تبجحاً بها وحلّت محلها سياسة المطامع. فإذا الحق القوة، وإذا القوة الحق، بشرط أن تكون القوة قوة الحلفاء وأن يكون الحق حقهم.

بعد الهدنة وأد الحلفاء المبادىء الإنسانية وأداً ودفنوها مع الجندي المجهول حيث يرقد بسلام.

فرأينا العهود منكوثة، ورأينا اليمين يحنث بها، ورأينا حق الحلفاء لا يختلف معناه في القاموس عن قوة أعدائهم.

ينسى الحلفاء حين يكرمون الجندي المجهول أنهم يكرمون رجلاً سفك دمه راضياً، لأنه كان على يقين من أنه يفعل ذلك من أجل الحق والحرية. بل هم لا يذكرون من الجندي المجهول سوى ضريحه يضعون عليه أكاليل الزهر.

في الهدنة ذكريات مفرحة وذكريات مؤسفة، والذكريات المؤسفة أضعاف الذكريات المفرحة.

فالخيبة التي أصيب بها المطلب الأعلى للإنسانية لا تضاهيها خيبة أخرى.


انظر:

أنطون سعادة: آمال الوطن

أنطون سعادة: الوطنية

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

أنطون سعادة: غورو وسورية

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: السوريون في عالم الاقتصاد

أنطون سعادة: الفاتح العربي الجديد

أنطون سعادة: القضية الوطنية .. الصهيونية وامتدادها

أنطون سعادة: سورية تجاه بلفور

أنطون سعادة: الجنسيات السورية واللبنانية والفلسطينية    

أنطون سعادة: بدء النهاية – ثورة الشرق

أنطون سعادة: نص كتاب استقالة أنطون سعادة : إلى «محفل نجمة سورية» 

أنطون سعادة: المناطق الأجنبية المستقلة في سورية.. سورية صين جديدة

أنطون سعادة: معرض التلوين الصوري

انظر ايضاً:

أنطون سعادة: بعث الأدب السوري

أنطون سعادة: موقف فرنسة من سورية .. الحدث الجديد

أنطون سعادة: الغول الروسي مشروع السنين الخمس

أنطون سعادة: الفاتح العربي الجديد 

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: غورو وسورية

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى