مقالات
مروان حبش: ما بين اللجنة العسكرية واللواء زياد الحريري
مروان حبش– التاريخ السوري المعاصر
ترقى الاتصالات بين العقيد الحريري واللجنة العسكرية، من الانقلاب على حكم الانفصال، إلى أوائل شهر شباط 1963، حيث زار النقيب مصطفى الحاج علي، وهو أحد ضباط اللواء الذي كان قائده العقيد زياد الحريري،المقدمَ المسرحَ صلاح جديد في منزله والتقى عنده مع العقيد المسرح محمد عمران، وطَرحَ عليهما فكرة التعاون مع العقيد الحريري، وكان من رأي المقدم صلاح جمع معلومات أكثر حول هذا التعاون بينما حبذه العقيد عمران، وتابع كلٌ من النقيب الحاج علي والملازم أول سليمان حداد قائد سرية الاستطلاع في اللواء المذكور هذا المسعى وبدأت الاتصالات.
في مجال تقييمها لضباط القوات المسلحة قيَّمت اللجنة العسكرية البعثية العقيد زياد الحريري بأنه وطني، وغير مسيس، وطموح، لذا قررت التعاون معه ومفاتحته للقيام بانقلاب ضد حكم الانفصال مقابل تحقيق طموحه بتعيينه في منصب عالي المستوى.
بعد الثامن من آذار بدأ زياد الحريري يعمل على تمتين مركزه في السلطة ليصبح الرجل الأول, وظنَّ أن اقتران اسمه بانقلاب آذار يساعده على الوصول إلى غايته، وأخذ يركز مؤيديه في اللواء 70 المرابط في منطقة الكسوة، وأصبح قائد اللواء ورئيس أركان اللواء وثلاثة من قادة الكتائب من أنصاره، وتهيأ له الجو بعد نقل بعض الضباط الناصريين في منتصف شهر أيار 1963 إلى السلك الخارجي, وكان للواء زياد موقف سلبي منهم، وازدادت هذه السلبية، خاصة، بعد تهديد بعض الضباط الناصريين المرابطين قريباً من مبنى الأركان، منهم الرائد عبد الوهاب قطيع بقصف المبنى وطرد الحريري، كما كان للواء الحريري موقف سلبي من الفريق لؤي الأتاسي، أيضاً، لأنه كان يطمح إلى استلام موقعه كرئيس لمجلس قيادة الثورة، كما كان له الموقف السلبي نفسه من العقيد محمد عمران.
بدأ الحريري يخطط لتنفيذ انقلاب لصالحه، على أن يُنفذ خلال فترة ذهابه مع وفد رسمي إلى الجزائر، أواخر شهر حزيران مستغلاً وجود المقدم صلاح جديد معه في الوفد.
بدأت اتصالاته بزيارات للواء سبعين والاجتماع مع قائده والضباط الموالين له في أواخر شهر أيار، وتكررت الزيارة ثلاث مرات وكان توقيت هذه الزيارات بعد منتصف الليل.
رصد الضابط البعثي النقيب هلال الراهب رئيس سرية الاستطلاع والمسؤول الأمني في اللواء هذه الزيارات، وفي الزيارة الثانية اتصل الراهب بالمقدم صلاح الضللي والرائد علي مصطفى “بعثيان وقائدا وحدات في اللواء نفسه” وأطلعهما على زيارات اللواء الحريري واقترح عليهما مباغتة المجتمعين وذهابهم “الثلاثة” لحضور الاجتماع، وبدخولهم تغير الحديث نحو ضرورة الحذر واليقظة وأحاديث عامة أخرى.
في الزيارة الثالثة للواء الحريري اتفق مع أنصاره على أن ينقل النقيب الراهب من اللواء، وطلب من المقدم صلاح جديد، معاون مدير إدارة شؤون الضباط إعداد أمر النقل بذريعة أن الراهب يستهتر بأوامر قائد اللواء العقيد حسن جلاغي.
تجاهل المقدم جديد طلب الحريري الذي عاد وأكّد على إعداد أمر نقل الراهب إلى إحدى التشكيلات العسكرية في الجبهة، وحينها أعد المقدم صلاح جديد الأمر بنقل الراهب ونقل ضابطين آخرين من أنصار الحريري.
بعد سفر الوفد الرسمي إلى الجزائر، وصل أمر النقل إلى قائد اللواء الذي استغل هذه الفرصة وطلب من الراهب تنفيذ الأمر وتكتم على أمر نقل الضابطين الآخرين، ولما تبين للنقيب هلال الراهب ما هو القصد خلف تكتم آمر اللواء، أبلغ قيادة التنظيم البعثي في الجيش التي أوعزت إلى المقدم الضللي والرائد علي مصطفى باستنفار وحدتيهما، وطلبت من النقيب الراهب عدم تنفيذ الأمر ما لم ينفذه الآخران.
اتهم كل من قائد اللواء ورئيس أركانه المقدم جميل الجندي النقيب الراهب بالتمرد على الأوامر، وتجاه رفض الأخير لهذه التهم واتهامه لقائد اللواء بأنه، هو، المتمرد على الأوامر وتم تبادل التهديدات بينهما.
توجه الجلاغي والجندي إلى مبنى الأركان لمقابلة قائد الجيش الفريق لؤي الأتاسي وإعلامه بتمرد الضابط الراهب ومؤازرة الضباط البعثيين في اللواء له، وفي هذا الوقت حرك الضللي ومصطفى والراهب وحداتهم وأحكموا سيطرتهم على اللواء، كما تم اعتقال العناصر الموالية للحريري.
أمام هذا الواقع اتصل الفريق الأتاسي بالعقيد محمد عمران آمر اللواء الخامس في حمص، وبالعقيد حمد عبيد قائد قوات البادية، وبالنقيب سليم حاطوم قائد كتيبة المغاوير، كما اتصل بالمقدم الضللي ليعلمه بأنه قادم إلى اللواء على رأس وفد للتعرف إلى أسباب ما حدث.
قدم النقيب الراهب للوفد تقريره بدءاً من زيارات الحريري التآمرية للواء، مروراً بعجز قائد اللواء عن القيادة وقيامه بتجميع العناصر الموالية حوله وتكتمه على أمر نقل الضابطين الآخرين، كل هذه الأسباب دفعت بهم إلى التصرف الحالي.
انفعل العقيد جلاغي وهو يستمع إلى نقد له من ضابط أدنى رتبة، وتقدم للقائد العام باستقالته شفوياً، فوافق عليها فوراً وأحاله إلى التقاعد ونقل المقدم جميل الجندي إلى السلك الخارجي، وأمر الضابطين المنقولين مع الراهب بتنفيذ أمر نقلهما وألغى أمر نقل النقيب الراهب، وكلف المقدم الضللي بقيادة اللواء بالوكالة.
عاد الوفد من الجزائر، وأدرك الحريري أن ترتيبات محاولته الانقلابية باءت بالفشل، وتوترت الأجواء بينه وبين البعثيين، وبدأ يخطط للقيام بعصيان في اللواء السادس بالقطاع الشمالي من الجبهة في “مسعدة”، وهو اللواء الذي كان قائداً له قبل أن يصبح رئيس أركان الجبهة، ونشط في هذا الأمر واتصل بالضابطين البعثيين النقيب سليم حاطوم والملازم الأول سليمان حداد، ظنّاً منه أنهما من أنصاره، وعرض عليهما مخططه بالذهاب بصورة سرية إلى اللواء والعصيان فيه ولو اضطر الأمر إلى الاختباء في صندوق سيارة *.
أبلغ النقيب حاطوم اللجنة العسكرية، وهو أحد أعضائها، بما يخطط له الحريري، وأبلغ الأعضاءُ من اللجنة في المجلس الوطني المجلسَ بما ينوي اللواء زياد فعله، ولم يقتنع الأستاذ صلاح البيطار بالأمر إلاّ بعد أن حضر النقيب سليم وأكد هذه المعلومات على مسمعه، كما أكدها له الملازم الأول سليمان حداد.
على ضوء هذه المعلومات قرر المجلس الوطني لقيادة الثورة نقل اللواء الحريري إلى ملاك وزارة الخارجية وتعيينه سفيراً متجولاً فوق العادة في أوروبا، وغادر سورية يوم 8 تموز 1963كما نقل عدداٌ من الضباط الموالين له إلى السلك الخارجي. * *
وقرر المجلس الوطني لقيادة الثورة يوم 9 تموز 1963 ترفيع العميد محمد أمين الحافظ وزير الداخلية إلى رتبة اللواء وتعيينه رئيساً للأركان العامة للجيش والقوات المسلحة إضافة إلى منصبه كوزير للداخلية، وفي 13/ 7 / 1963 سمي اللواء أمين الحافظ وزيراً للدفاع بالوكالة، وهو المنصب الذي كان يشغله اللواء الحريري، إضافة إلى منصبه كرئيس للأركان العامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بناء على تعليمات من قيادة الحزب وبالتعاون مع قائد الجبهة العقيد مزيد هنيدي، تم تسيير دوريات من الحرس القومي في القنيطرة لمراقبة مفارق الطرق التي يمكن الوصول منها إلى مقر اللواء السادس في مسعدة وتفتيش صناديق السيارات التي يشك بأمرها، ودامت العملية حتى تسفير اللواء الحريري خارج القطر.
* * من طريف الأمر أن الرئيس عبد الناصر قال في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة ثورة تموز وأعلن فيه انسحابه من ميثاق 17 نيسان: فضلوا يرفعوا يفط القيادة الجماعية فين هي القيادة الجماعية ؟ … بعثوا واحد على الجزائر ورجعوه على بره هي دي القيادة الجماعية دا حكم الغاب حكم الوحوش هي اذا كانت دي القيادة الجماعية الله الغني .
انظر:
بطاقة مروان حبش عضو المجلس الوطني للثورة عام 1965
مرسوم منع منح امتياز استثمار الثروة المعدنية والنفطية في سورية
قانون تشكيل المجلس الوطني للثورة وتسمية أعضائه عام 1965
انظر ايضاً:
مروان حبش: المحادثات من أجل الوحدة عام 1963 (27)
مروان حبش: انقلاب 8 آذار 1963(26)
مروان حبش: عصيان كتلة النحلاوي العسكرية 1963 (25)
مروان حبش: مؤتمر شتورا عام 1962 (24)
مروان حبش: إنقلاب 28 آذار 1962 (23)
مروان حبش: الشركة النفطية التي كانت تتدخل لإسقاط وتعيين حكومات
مروان حبش: حول اللجنة العسكرية
مروان حبش: استثمار النفط وطنياً .. بترول العرب للعرب
مروان حبش : إنقلاب الانفصال 28 أيلول 1961 (22)
مروان حبش: استقالة الوزراء السوريين في عهد الوحدة (21)
مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 وكلمة ميشيل عفلق (20)
مروان حبش: أزمات حزب البعث بعد الوحدة (19)
مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 (18)
مروان حبش: السير نحو الوحدة (17)
مروان حبش: البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام 1955(16)
مروان حبش: البعث والانتخابات النيابية عام 1954 (15)
مروان حبش:البعث والانقلاب على نظام حكم الشيشكلي (14)
مروان حبش: البعث والقيادة القومية (13)
مروان حبش: قضية انسحاب جلال السيد من حزب البعث (12)
مروان حبش: قضية الضابط داود عويس (11)
مروان حبش: قضية البعث وحسني الزعيم (10)
مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)
مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)
مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)
مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)
مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)
مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)
مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)
مروان حبش: عصبة العمل القومي (2)
مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (2)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (3)