You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

مروان حبش: أزمات حزب البعث بعد الوحدة

من كتاب البعث وثورة آذار (19)

    كان قادة الحزب الثلاثة، يشعرون بالخطر من عدم ارتباط قواعد الحزب بهم، وأن هذه القواعد بدأت تفقد ثقتها بهم بسبب استسلامهم لصراعاتهم في وقت أحوج ما يكون فيه الحزب إلى التماسك.

منذ ربيع 1957 بدأت تتبلور في أوساط الحزب فكرة ضرورة الدعوة إلى مؤتمر قطري لطرح جميع قضايا الحزب السياسية والفكرية والتنظيمية، ولانتخاب قيادة قطرية للقطر السوري يُستبعد منها القادة الثلاثة، ولقد عُقد هذا المؤتمر في 9 تموز 1957، وأدان الهوة العميقة التي تفصل ما بين القيادة والقاعدة، ونبه إلى ضرورة الابتعاد عن العمل السياسي التجريبي، الذي كان يمارسه الحوراني هذا العمل غير المرتبط بأية عقيدة أو منطلقات نظرية، والذي يشكل حقلاً خصباً للانتهازية والمغامرة، كما نبه المؤتمر إلى غموض المنطلقات النظرية للحزب مما أدى إلى نشوء تيارات مختلفة فيه، بعضها يلتقي مع الماركسيين، وبعضها مع الاشتراكية الديمقراطية، وانتخب المؤتمر قيادة قطرية لقيادة التنظيم في القطر السوري، لم يكن أحد من القادة الثلاثة بين أعضائها، بينما استمروا في قيادتهم القومية للحزب وفي إدارة العمل السياسي له وتوجيهه قومياً.

كان الحزب عام 1959 محاطاً بأوضاع صعبة، فتنظيم الحزب في سورية قد حُلّ بقيام الوحدة، وفي الأردن كان الحزب خارجاً من نكسة تعرض بسببها لهزة عنيفة بعد قيام الانقلاب الملكي الرجعي ضد حكومة سليمان النابلسي، وكانت ثورة 14 تموز في العراق قد انحرفت على يد عبد الكريم قاسم والشيوعيين عن أهدافها القومية، مما أدى إلى نكسة قومية وتعرض الحزب في العراق إلى إرهاب منظم واسع النطاق، وفي تنظيم الحزب في الأردن اتضح وجود اتجاه يقوده عضو القيادة القومية عبد الله الريماوي، ويؤيده أمين قطر العراق فؤاد الركابي، وكان هذا التيار يحاول أن يستولي على التنظيم القومي، مستغلاً فرصة غياب القيادة القومية التي أصبحت بحكم المحلولة بعد حل التنظيم في الـ ج. ع. م وانسحاب أعضاء القيادة القومية المنتمين لهذا التنظيم منها باستثناء الأمين العام، وكان هذا الاتجاه يهدف إلى جعل مهمة الحزب مقصورة على تحقيق الوحدة وإلى جعله تابعاً لحكومة الـ ج. ع. م ومجرد صدى لها، ويدعو إلى استقلال التنظيمات القطرية عن القيادة القومية، وأدى ذلك إلى حصول وضع مرتبك في قواعد الحزب وتنظيماته، يضاف إلى ذلك أصابع الاتهام التي توجه نحو الأمين العام ووطأة نقد قرار الحل دون الرجوع إلى مجلس قومي أو إلى قيادات الحزب في أقطار سورية والأردن والعراق ولبنان على أقل تقدير، تجاه ذلك كله، حاول الأمين العام في عام 1959 تغطية قرار الحل بقالب شرعي وبحث الأزمات المستجدة ورسم سياسة لمواجهة الوضع العربي، خصوصاً في العراق والأردن، ولوضع أسس تنظيمية جديدة. فشكل لجنة تحضيرية من بعض الحزبيين من مختلف المنظمات الحزبية ساعدته في إدارة شؤون الحزب وفي التحضير والدعوة إلى عقد مؤتمر قومي، عُرف بالمؤتمر القومي الثالث، دامت جلساته ما بين 27 آب وأول أيلول 1959، ولم يحضر هذا المؤتمر ممثلون عن قطري سورية ومصر لعدم وجود تنظيم حزبي فيهما،  وكان مندوبو لبنان يشكلون أكثرية الحاضرين ولم يأت من العراق إلا مندوبَين اثنين، وتعذر حضور أكثرية مندوبي بقية الأقطار العربية، ولقد أكد المؤتمر: (أن الحزب لا يزال عند مسؤولياته الخطيرة في ترسيخ أسس الـ ج.ع.م والدفاع عنها والتعاون الوثيق مع قيادتها في تحقيق أهداف الشعب العربي ورسالته). كما قرر فصل عبد الله الريماوي والمؤيدين له، ولكي يتحلل القادة الثلاثة من مسؤولياتهم التاريخية التي نجمت عن قرار الحل، اقترح الأمين العام على المؤتمر الموافقة على قرار القيادة القومية السابقة بحل التنظيم الحزبي في الجمهورية العربية المتحدة، واتخذ القرار التالي: (إن مؤتمر الحزب القومي، الذي انبثقت عنه القيادة الجديدة، قد أعلن موافقته على قرار القيادة السابقة بحل الحزب في الـ ج. ع. م، وقد اتخذ هذا القرار، باعتباره أول مؤتمر قومي يُعقد بعد قرار الحل المذكور).

في 22 شباط 1960، كتبت جريدة الصحافة الصادرة في بيروت في عددها رقم 398، مقالاً افتتاحياً ضمنته خلاصة رأي الحزب في وضع الـ ج.ع.م وفي الوحدة، وكان الظرف آنذاك يتسم بظهور الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الحكم، وهي: (الإقليمية، الدكتاتورية، معاداة الحركات الشعبية التقدمية التي قامت الوحدة بنضالها)، وقد ارتأت القيادة القومية للحزب أن تنتقد هذه الأخطاء الجسيمة التي تهدد وحدة الـ ج.ع.م بأسلوب بنّاء وغير مباشر، توضيحاً لموقف الحزب الذي كان يرى في واقع الحكم القائم أنه:
أ ـ تجاهَل المنطق القومي في الوحدة.
ب ـ فردي يعتمد على شخص الرئيس عبد الناصر والأجهزة المساعدة من الفنيين وأجهزة الاستخبارات والدعاية والضغط.
هـ ـ يعمل علي تزييف مطالب وآراء الحزبيين السابقين والحزب.

ورغم ذلك كان الحزب يعتبر الجمهورية العربية المتحدة قوة قومية كبرى يسندها في المواقف التي يلتقي معها، ويوجه لها النقد البناء في المواقف التي يختلف عليها، بقصد تطويرها وزيادة فعاليتها في النضال القومي. وكان الحزب يرى أنه ليس من مصلحة القضية القومية فتح أي معركة بين الحزب وقادة الجمهورية، وضرورة تجنبها بكل قوة. لقد خلق قرار حل الحزب في الـ ج. ع. م هزة عنيفة في الأوساط الحزبية وفي الرأي العام المؤيد للحزب، لم تتضح خطورتها إلا بعد زوال موجة الحماسة الكبرى التي رافقت حدوث حدث الوحدة، ومما زاد من خطورة هذه الهزة، عدم وضوح مبررات هذا القرار الخطير بالنسبة للقاعدة الحزبية، لا بل حتى بالنسبة للقيادات، كما أن التطورات التي حدثت في الجمهورية العربية المتحدة خلقت انطباعاً شاملاً بأن هذا القرار كان خاطئاً من أساسه، وأنه جاء يؤكد مدى ضعف القيادة الحزبية وتردي وضع الحزب العام. كما أن أزمة الثقة هذه تعدت أشخاص القيادة إلى الحزب نفسه وازدادت عمقاً بعد انتكاس الوحدة، هذا التقييم كان قد أقره الحزب في المؤتمر القومي الرابع الذي انعقد في أواخر صيف 1960.

لذا فإن قرار المؤتمر القومي الثالث المتعلق بحل الحزب لم يكن معبراً عن إرادة قواعد الحزب، وأُعيد النقاش بشأنه في المؤتمر القومي الرابع الذي انعقد في بيروت في شهر آب 1960، بعد محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، وتقرر :

   آ – يعتبر المؤتمر القومي الرابع، قرار المؤتمر القومي الثالث الذي أقر حل الحزب في الـ ج. ع. م قد اتُخذ على أساس الأمر الواقع، لا قراراً يُبَرِّر عقائدياً خطوة حل الحزب، التي اتخذتها العناصر القيادية الحزبية في سورية عام 1958.

    ب _ والمؤتمر القومي إذ يدين قرار حل الحزب من الناحية العقائدية، يستنكر الأسلوب غير الثوري الذي أملى مبررات هذا القرار الذي جاء اعتماداً على الوعود والنوايا، لا نتيجة دراسة علمية للواقع الاجتماعي والسياسي وإمكانيات تطوره والاعتماد على الضمانات الشعبية للقوى الثورية.

   ج – ويؤكد المؤتمر إيمانه بأن حزبنا حركة أصيلة في حياة الأمة العربية، مسؤولة عن حاضرها ومستقبلها، لا حركة مرحلية غايتها تحقيق الأهداف  المنصوص عليها في الدستور أو تحقيق جزء منها.

   د – ويدعو المؤتمر القومي القيادة القومية إلى العمل والنضال من أجل بناء الحزب بناءً ثورياً يجعله في مستوى رسالته ومسؤولياته القومية.

كما ناقش المؤتمر الأوضاع في الـ ج. ع. م ومما قرره: “يرى المؤتمر القومي الرابع أن الأوضاع الداخلية المفروضة على الشعب العربي في الـ ج. ع. م  والتي تتميز بانعدام حرية التنظيم الشعبي والنقابي وسيطرة أجهزة المخابرات وشل كل تحرك شعبي، هي أوضاع واحدة يرزح تحتها الشعب في إقليميه، كما يرى المؤتمر أن الرغبة الشعبية لتبديل هذه الأوضاع واحدة في كلا الإقليمين، لذا فإن المؤتمر القومي، آخذاً بعين الاعتبار الشكل الانفصالي الذي يمكن أن تتخذه دعوة الديمقراطية والعمل الشعبي إذا اقتصر عليها في الإقليم الشمالي، يقرر ضرورة طرح مطلب الديمقراطية على نطاق الجمهورية العربية بإقليميها كمطلب تتبناه الجماهير في كلا الإقليمين”.

منذ قيام الوحدة، وبعد حل الحزب، انقسمت القواعد الحزبية إلى عدة اتجاهات، ولقد ثابرت بعض شخصيات الحزب على لقاءات غير رسمية بين بعضها، وتكثفت هذه اللقاءات بعد استقالة الوزراء البعثيين من الحكم، وبناء على اقتراح الأمين العام للحزب، عُقد أول اجتماع شبه رسمي، بشكل سري، بين شخصيات قيادية حزبية في كانون الأول 1960 في منزل الأستاذ عبد القني قنوت في دمشق، حضرته حوالى 20 شخصية حزبية تمثل أكثر محافظات القطر السوري، وظهر بين المجتمعين رأيان: رأي يقول بالعمل من أجل إصلاح الأوضاع من خلال إطار الوحدة ودون تعرضها للخطر، ويمثله الأستاذ صلاح البيطار، ورأي آخر يرى أن ما تم بين سورية ومصر ليس وحدة وإنما تمصير وطغيان القطر الكبير على القطر الصغير، ويمثله الأستاذ أكرم الحوراني، واتفق المجتمعون على ضرورة إعادة النظر في فكر الحزب وتنظيمه وتوضيح أيديولوجيته بعد تحديدها، ثم تتالت الاجتماعات وتقدم الأستاذ صلاح البيطار في أحدها بورقة تحتوي على 31 فقرة حول النقاط الفكرية الرئيسية التي يجب على الحزب أن يحدد مضامينها ومواقفه منها، ولقد ألقت هذه النقاط الضوء على الغموض الفكري الذي يشكو منه الحزب، وكان محور النقاش هو الوضع التنظيمي للحزب وإجراءات عودة تكوينه في سورية.

وفي نهاية المناقشات توصل المجتمعون إلى ضرورة إعادة التنظيم الحزبي بشكل سري في سورية، وأجمعوا على أن الوحدة قد فرغت من مضمونها القومي، وأنه ميؤوس من استمرارها، ولكنهم قرروا أنهم سيقفون ضد أي عمل يمكن أن يؤدي إلى فصل الوحدة بين القطرين، وأنهم سيسعون إلى إقامة وحدة اتحادية مع مصر بمضمون ديمقراطي.


اقرأ :

مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 (18)

مروان حبش: السير نحو الوحدة (17)

مروان حبش: البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام 1955(16)

مروان حبش: البعث والانتخابات النيابية عام 1954 (15)

مروان حبش:البعث والانقلاب على نظام حكم الشيشكلي (14)

مروان حبش: البعث والقيادة القومية (13)

مروان حبش: قضية انسحاب جلال السيد من حزب البعث (12)

مروان حبش: قضية الضابط داود عويس (11)

مروان حبش: قضية البعث وحسني الزعيم (10)

مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)

مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)

مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)

مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)

مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)

مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)

مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)

مروان حبش: عصبة العمل القومي  (2)

مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)

حزب البعث

مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)

مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (2)

مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (3) 



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

مروان حبش

وزير وعضو قيادة قطرية سابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى