You dont have javascript enabled! Please enable it!
عرب وأجانب

أنطون سعادة

أنطون سعادة

ولد أنطون سعاده في الأول من آذار/ مارس عام 1904 في بلدة الشوير في جبل لبنان.

كان والده الدكتور خليل سعاده طبيباً بارعاً مارس مهنته في لبنان وفلسطين ومصر. وقد كان كذلك لغوياً خبيراً ألـّف أول قاموس إنكليزي-عربي , ومترجماً بارعاً نقل إلى العربية بعض الآثار العلمية والأدبية الغربية, وروائياً أتقن الكتابة بالعربية كما بالإنكليزية. وقد ساهم الدكتور سعاده مع غيره من أعيان جيل النهضة حيثما وُجدوا في العالم العربي وفي المهاجر في إعلاء شأن العلم والأدب والفلسفة الاجتماعية.

كانت والدة أنطون سعاده السيدة نايفة نصير أيضاً من مواليد الشوير لكنها نشأت في الولايات المتحدة حيث هاجرت عائلتها في أواخر القرن التاسع عشر , وقد سنحت لها الفرصة حيازة الشهادة الثانوية في شيكاغو ممّا مّيزها عن بنات جيلها في الوطن. في زيارة لها إلى لبنان تعرّفت إلى الدكتور سعاده وكان زفافهما. وأمضت العائلة معظم أيامها في الشوير بينما كان الدكتور سعاده يعمل في فلسطين ومصر ويمضي فصل الصيف مع عائلته.

نشأ أنطون سعاده في الشوير  في رعاية والدته حتى كان أصيل العقد الأول من القرن العشرين . وانتقلت العائلة إلى مصر حيث دخل أنطون سعاده إلى إحدى مدارس الجالية السورية في القاهرة لسنوات قليلة اضطر بعدها للعودة إلى الوطن في 1913 إثر وفاة والدته.

بعدها عاد أنطون وأخوته الثلاثة الصغار سليم وإدوارد وغريس (عايده)  إلى الشوير تحت رعاية جدتهم لأبيهم وأحد أعمامهم  بعدما سافر والدهم الى الأرجنتين.

بعد عام 1918م،  سافر أنطون بحراً بمرافقة أخوته الثلاثة إلى الولايات المتحدة حيث التقى بأخوته الكبار وعمل لبضعة أشهر في محطة لسكك الحديد. في هذه الأثناء كان والده الدكتور سعاده قد غادر الأرجنتين في طريقه للقاء أولاده. وعند توقفه في البرازيل وجد فرصة لممارسة التوعية الصحفية والأدبية في الجالية السورية, فقرر البقاء فيها, وكتب إلى أولاده لملاقاته. وهكذا انتقل أنطون وأخوته إلى البرازيل, أما أخوته الأكبر سناً فبقوا في الولايات المتحدة لمتابعة علومهم ولم يتسنّ للعائلة أن تجتمع بعد ذلك.

في البرازيل اختار أنطون أن لا يلتحق بمدارس الجالية مع أخوته بل أن يدرس على أبيه وأن يشاركه في لإدارة وإصدار جريدة الجريدة. وكان أنطون في البداية يقتصر على بعض الأعمال الإدارية والمالية والطباعة. ومع اتساع خبرته وثقافته في ظل عناية والده بدأ يساهم بالكتابة في الجريدة.

خلال عامي 1922 و1923 نشر عدّة مقالات في شأن استقلال سورية وبعض المواضيع الاجتماعية. لكن متطلبات الجريدة اليومية كانت أكبر من قدرة الدكتور سعاده، فرأى أن يوقف الجريدة ويعيد إصدار مجلة المجلة التي كان قد أصدرها خلال سني الحرب في الأرجنتين.

كان أنطون سعاده يقوم بإدارة المجلة ويساهم في كتابة مواضيعها ولا سيما في مسائل السياسة الخارجية التي أولاها اهتماماً منذ ذلك الوقت. وفي المجلة بدأت اتجاهات أنطون سعاده النهضوية التحررية بالظهور، وفيها أيضاً برزت همومه القومية ونزعته التجديدية.

خلال عمله في الجريدة، انكبّ أنطون على الدراسة والقراءة، فدرس البرتغالية والألمانية والروسية وتوسع في علوم التاريخ والاجتماع والسياسة. ولم يقتصر نشاطه التحريري على الكتابة الصحفية بل امتد إلى محاولة التنظيم السياسي، فانخرط عام 1925 في مجمع ماسوني سوري يرأسه والده، وحاول الاثنان توجيه أعمال المحفل باتجاه الالتزام السياسي بمشاكل وهموم الوطن لكنهما لم يوفقا فآثرا الاستقالة.

وقد قدّم أنطون سعاده كتاب الاستقالة من الماسونية في 24 أيار/مايو 1926 ونشره في جريدة القلم الحديدي(*). وحاول أنطون خلال عام 1926 تأليف حزب عرف فيما بعد باسم “الرابطة الوطنية السورية”، لكنه لم يوفق كثيراً في جمع العناصر الجدية في الحالية إذ غلب على نشاطها طابع الارتجال والأعمال العلنية البسيطة، فتركها وأسس عام 1927 حزب “الوطنيين الأحرار” في البرازيل أيضاً. لكن مصير هذا الحزب لم يكن بأفضل من مصير “الرابطة”. وكانت المجلة قد توقفت مع بداية 1926، فانصرف أنطون إلى التعليم في بعض اللجان التربوية التي أقامتها الحكومة البرازيلية للإشراف على البرامج التعليمية. وخلال السنين الأخيرة من إقامته في البرازيل تابع إلى جانب التعليم كتابة بعض المقالات المتفرقة كما كتب رواية في ذكرى أخيهع سليم الذي توفي شاباً، وهي الراوية التي نشرها فيما بعد في بيروت تحت عنوان فاجعة حب.

في 1930 أنهى أنطون سعاده جميع ارتباطاته في البرازيل وعاد إلى الوطن، فوصل إلى بيروت في تموز/يوليو 1930. بعد إمضاء صيف ذلك العام في الشوير، انتقل أنطون إلى دمشق لدراسة إمكانية العمل السياسي فيها كونها العاصمة التاريخية التقليدية لسورية ومرز المعارضة السياسية في وجه الانتداب الفرنسي.

ابتدأ عمل أنطون في دمشق بصورة متواضعة عبر إقامة اتصالات سياسية بسيطة وممارسة العمل الصحافي، فكتب عدة مقالات في السياسة الخارجية حمّلها أفكاره القومية وكتب في الفنون وغير ذلك من المواضيع على صفحات اليوم والقبس.

إلى جانب هذه الكتابات مارس سعاده التعليم لاكتساب رزقه فيما كان يتابع اتصالاته السياسية، لكنه سرعان ما اصطدم بعقلية السياسيين التقليديين والوجهاء. ومن بين وجوه هذه الصدامات عدم السماح له بإلقاء محاضرة في “المجمع العلمي” في دمشق بعد اطلاع رئيس المجمع على محتواها. أمام تشابك هذه العوائق السياسية، رأى أنطون أن ينتقل إلى بيروت ويدرس إمكانية العمل السياسي الحزبي فيها.

في بيروت عام 1931 بدأ أنطون سعاده محاولاته لتشكيل حزب جديد مستفيداً من تجاربه في البرازيل ودمشق. وركز أنطون عمله في بيروت على مستويين: المستوى الأول هو في انتقاء وتنمية العناصر الصالحة للعمل الحزبي الجديد من بين الشباب المثقفز كان معظم هؤلاء الأفراد من طلاب الجامعة الأميركية في بيروت حيث كان أنطون سعاده يعطي دروساً خصوصاً في اللغة الألمانية خارج ملاك الجامعة. فكانت هذه فرصة له للالتقاء بطلبه الجامعة وأساتذتها. وكان سعاده يقيم في رأس بيروت على مقربة من الجامعة، فتوطدت عرى الصداقة بينه وبين الطلاب وعائلاتهم.

أما المستوى الثاني لعمله فكان في إيجاد المنابر الصالحة لبثّ الأسس العامة لدعوته. لذا كان يحاضر في تجمعات عديدة وجمعيات طلابية مثل “العروة الوثقى” و”جمعية الاجتهاد الروحي للشبيبة” و”النادي الفلسطيني”. وكانت نتصوص هذه المحاضرات تحمل أسس الدعوة بخطوطها العامة لتهيئة الجو الثقافي ــــ السياسي العام من دون الإعلان عن الجسم السياسي الحزبي الذي كان قيد التكوين.

في خريف 1932، أسس سعاده “الحزب السوري القومي” بصورة سرية من أربعة أعضاء فقط. وكانت المواد الثقافية التي قامت عليها الدعوة في أول عهدها قليلة تقتصر على نصوص المبادئ (دون الشرح الذي أتى لاقاً) ونصوص محاضرات سعاده القليلة. ونما الحزب تدريجياً في ظل عاملي الاعتناق التتابعي والإدخال السري البطيء. وفي عام 1933 أعاد أنطون سعاده إصدار المجلة في بيروت لتساهم في نشر وتوضيح أسس النهضة التي يسعى إليها الحزب. وعلى صفحات المجلة ظهرت للمرة الأولى في الوطن دراسات تحليلية لمعنى الأمة أصبحت فيما بعد نواة كتاب أنطون سعاده العلمي نشوء الأمم. وعلى صفحات المجلة ظهرت أيضاً نصوص محاضراته في الأندية الثقافية الطلابية ومقالات نقدية وتوجيهية في الأدب والثقافة القومية.

في الأول من حزيران/يونيو سنة 1935، أقام الحزب اجتماعه العام الاول في بيروت في منزل أحد مسؤولية، نعمة ثابت. في هذا الاجتماع تعرّف الأعضاء إلى سعاده كزعيم للحزب في موقع رسمي بعد أن كانت ظروف العمل الحزبي السري وطبيعة الاعتناق التتابعي لا تسمح بظهور هذه العلاقة المميزة إلى العلن الحزبي. في هذا الاجتماع ألقى سعاده خطاباً مكتوباً هو من أهم الوثائق الفكرية ــــ الثقافية التي تشرح العقيدة القومية السورية وطبيعة النهضة التي يهدف إليها الحزب.

قامت قواتها باعتقال سعاده وعدد من معاونيه يوم السادس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 1935، بتهمة “تشكيل جمعية سرية هدفها الإخلال بالأمن العام والإضرار بأراضي الدولة وتغيير شكل الحكم”، وبقي في السجن حتى خروجه في الثاني عشر من أيار 1936م.

سجن للمرة الثانية في 26 حزيران/يونيو 1936، أي بعد أقل من ستة أسابيع من انتهار فترة سجنه الأول. واستمر سجنه الثاني حتى 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1936.

خلال سجنه الثاني عمل سعاده كعادته على الاستفادة من عزلة الأسر للتأليف وأنجز خلالها كتابة شرح مبادئ الحزب وغايته.

 وسجن سعاده للمرة الثالثة في 10 آذار/مارس 1937 ولم يخرج منه حتى 15 أيار/مايو 1937.

تنبه سعاده إلى مخاطر السجن المتكرر على سلامة الحزب وفرص نجاح العمل السياسي، فكان خروجه من السجن الثالث نتيجة “هدنة” بين الحزب والحكومة اللبنانية. وقد استفاد سعاده من ظروف هذه الهدنة لإصدار جريدة حزبية يومية هي جريدة النهضة التي ظهر عددها الأول يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر 1937.

في خريف 1937 بدأ سعاده ومعاونيه بالتحضير لجولة على مراكز الاغتراب السوري لتوفير سبل الانتقال بالحزب إلى مرحلة القدرة على تحقيق أهدافه، وفي هذه الأثناء أصدر سعاده في بيروت أوائل 1938 الطبعة الاولى من كتاب نشوء الأمم.

مع حلول ربيع 1938 بأت العلاقات بين الحزب وسلطات الانتداب تتأزم وشعر سعاده والمسؤولون في الحزب بقرب عودة حالة الاضطهاد، فسارع إلى مغادرة بيروت ومنطقة الانتداب الفرنسي قبل أن تكتمل مراحل التحضير لرحلتهز سافر سعاده إلى الأدرن بجواز سفر يحمل اسم “أنطون خليل مجاعص” مما مكنه من اجتياز مراكز الحدود دون أن تتنبه السلطات إلى سفره إلا بعد حين.

أمضى سعاده بضعة أسابيع في قبرص غادر بعدها إلى رومة ومنها إلى برلين، بدعوة من فرع الحزب هناك، الذي نظّم ةله محاضرة ألقاها بالألمانية في جامعة برلين. وفي هذه المحاضرة ظهرت للعلن للمرة الأولى أفكار سعاده حول الحدود الشرقية للوطن السوري وموقع جنوب العراق في هذا الوطن، إذ كانت النصوص الأولى للمبادئ تشير إلى ضفاف دجلة فقط. وقد كان هذا الموضوع محور مباحثات علمية داخل الحزب قبل رحلة سعاده لكن محاضرته في برلين هي أول مظهر واضح لهذه الأفكار.

كان وصول سعاده إلى البرازيل في كانون الأول/ديسمبر 1938 حيث استقر في سان باولو مدينة صباه.

تزامنت هذه التحولات مع تداخل جهود محازبي فرنسة وعملائها وسعيهم مع السطات البرازيلية لتعطيل عمل سعاده في البرازيل. في هذه الأثناء كان سعاده يعدّ لإصدار صحيفة في البرازيل تحمل صوت النهضة تحت اسم سورية الجديدة. وصدر العدد الأول من هذه الجريدة الأسبوعية في 11 آذار/مارس 1939. وفي 23 آذار/مارس 1939 أقدمت قوات الأمن البرازيلي على اعتقال سعاده واثنين من معاونيه بتهمة الدعوة للسياسة الفاشستية والمسّ بسلامة العلاقات الإنترناسيونية للدولة البرازيلية.

خلال فترة الاعتقال تقدم قنصل فرنسة بطلب تسليم سعاده لتحاكمه سلطة الانتداب، لكن السلطات البرازيلية رفضت الطلب. وبعد تحقيق قضائي دقيق، تبيّن للمحكمة برائة سعاده من التّهم الموجهة إليه، وأفرجت عنه وعن معاونيه في 30 نيسان/أبريل 1939.

إثر خروجه من السجن اهتم سعاده بتنظيم العمل الحزبي والصحفي في سان باولو، ثم غادرها بعد أسبوعين إلى الأرجنتين. وهناك بدأ بالاتصال بالصحافة الأرجنتينية والصحافة السورية وإلقاء المحاضرات والأحاديث في اجتماعات الجالية. وتابع في هذه الأثناء اهتمامه بجريدة سورية الجديدة وأعمال الحزب في الوطن والمهجر.

طال بقاء سعاده في الأرجنتين. ومع حلول أيار/مايو 1940 حاول تجديد جواز سفره عبر السفارة الفرنسية هناك، لكن السفارة رفضت ذلك.

في حزيران/يونيو 1940 أصدرت سلطات الانتداب في لبنان حكماً غيابياً قضى بسجنه عشرين سنة وإقصائه عشرين سنة أخرى، فأصبح سعاده نتيجة ذلك شبه أسير ضمن حدود الجمهورية الأرجنتينية لا يستطيع مغادرتها ويكاد إذن البقاء فيها أن ينفد، فسارع إلى التقدم بطلب إقامة رسمية، وقد استجيب طلبه في آب/أغسطس 1941. بسبب هذه التعقيدات الإدارية القانونية اضطر سعاده أن يلزم الأرجنتين حتى عام 1947.

في عام 1941 حاول أن يجد مخرجاً للعودة إلى الوطن عبر مناطق الانتداب البريطاني، وجرت مباحثات في هذا الصدد مع الحكومة البريطانية لكن هذه المحاولات لم تصل إلى نتيجتها المنشودة.

ومع اضطراره للبقاء في الأرجنتين وضرورات العمل الحزبي فيها، رأى سعاده أن يصدر جريدة فيها أسماها الزوبعة، ذلك أنّ سورية الجديدة في البرازيل كانت عرضة لمشاكل إدارية وسياسية مستعصية بسبب شراكة في ملكيتها حالت دون التزامها دائماً سياسة الحزب، ولا سيما اعتماد موقف الاإنحياز في الصراع الدائر بين دول المحور والحلفاء. مع إصدار الزوبعة وجد سعاده منبراً جديداً لآراء الحزب، وعلى صفحات هذه الجريدة الأسبوعية ظهرت أهم كتاباته الفكرية والسياسية.

خلال هذه الفترة تعرّف سعاده بالآنسة جولييت المير، وهي من عائلة طرابلسية كانت قد هاجرت إلى الأرجنتين يوم كان عمرها لا يتجاوز العشر سنوات. وكانت جولييت وأخوها قد انتسبا إلى الحزب في الأرجنتين وأظهرا تفانياً ونشاطاً كبيرين في صفوفه مما قرّب العائلة بأسرها من سعاده. واتفقا على الزواج، وتم ذلك في نيسان/أبريل 1941 ورزقا ثلاث بنات، اثنتان منهن ولدن في المهجر (صفية وأليسار) والثالثة بعد العودة إلى الوطن (راغدة).

مع وجود صحيفتين للحزب في أميركا الجنوبية، وتأسيس فروع جديدة له أخذ الحزب يتحول من حركة جديدة في الوطن يمكن التواصل معها عن بعد، إلى حركة حقيقية في المهجر تواجه القيادات السياسية والفكرية التقليدية في الجاليات السورية.

 لم تنحصر معاناة سعاده من هؤلاء على الصعيد الحزبي فقط بل طاولت الأمور الخاصة. فمع انقطاع اتصاله بالوطن واتساع مسؤولياته العائلية وضعف وتقطع الإعانات الحزبية لمكتبه، بدأت الضائقة المالية تهدد مقام الزعامة الحزبية ومصير سعاده وعائلته. فاستدان مبلغاً من المال ودخل في شراكة صناعية ــــ تجارية مع رفيقين في الحزب، لكنها لم تنجح.
بعد هذه التجربة، رأى سعاده أنّ عليه أن يقوم بمفرده في العمل، فانتقل إلى منطقة توكومان في الأرجنتين حيث أنشأ محلاً تجارياً استمر في إدارته حتى تاريخ مغادرته الأرجنتين عام 1947.

وكانت الزوبعة قد توقفت عن الصدور في عام 1943، وكان بذل سعاده جهوداً عديدة لإعادة إصدارها لكن ذلك بقي متقطعاً لأسباب مادية في أكثر الأحيان. وفي أوائل 1946 وصل إلى الولايات المتحدة غسان تويني مفوضاً من قبل إدارة الحزب في الوطن للاتصال بالزعيم. وكانت مراسلات الزعيم مع رفيقه الشاب فرصة للإصلاع منه على حالة الحزب والوطن وفرصة لتوضيح مسائل له في تاريخ الحزب وفلسفته. وفي 1946 بعدما تأمن الاتصال المباشر بين سعاده ومركز الحزب وبدأت ترده نشرات الحزب ومطبوعاته، أخذ يلحظ فيها بعض الأمور الشاذة عن سياسة النهضة وفلسفتها، وفي هذه الأمور المواقف السياسية في خطب رئيس المجلس الأعلى الأمين نعمة ثابت ومقالات عميد الثقافة فايز صايغ. ومع أن سعاده كتب إلى الأمين ثابت في هذه الأمور، إلّا أنه رأى تأجيل البحث التام في هذه المسائل حتى العودة إلى الوطن.
لم تكن عودة سعاده إلى الوطن سهلة، فقد كان عليه التغلب على العديد من المصاعب العملية والإدارية والسياسية وفي طليعتها عدم رغبة الحكومة اللبنانية السماح له بالعودة. كان سعاده لا يحمل أي جواز يسمع له بالسفر خارج حدود الأرجنتين، ولم تكن الدولة اللبنانية الحديثة الاستقلال قد استكملت جهازها الدبلوماسي في مختلف دول العالم. لكن سعاده تمكن من الحصول على جواز موقت من السفارة الفرنسية في الأجرنتين سمح له بالسفر إلى البرازيل. وهناك تمكن بمساعدة رفقائه من الحصول على جواز سفر لبناني.

في أواخر 1946 ةأنهى سعاده أعماله التجارية وقرر السفر جواً إلى الوطن، ووصل إلى القاهرة في 18 شباط/فبراير 1947. هناك التقىلا برئيس المجلس الأعلى في الحزب الأمين نعمة ثابت وبأسد الأشقر وتباحث معهما في أمر العودة إلى الوطن والموقف السياسي المتوجب اتخاذه في هذا المجال.

في لقاء القاهرة مع نعمة ثابت وأسد الأشقر تبيّن لسعاده مدى التغيير السياسي الذي طرأ على أعمال حزبه، إذ اتخذت إدارة الحزب العليا قراراً بحصر عمل الحزب ومهمته في الداخل اللبناني، وبنت على هذا القرار تحالفاتها السياسية.

وفي 2 آذار/مارس 1947 وصلت طائرة سعاده إلى بيروت، وكان في استقباله حشد شعبي كبير لم يعرفه لبنان من قبل.

وكانت الحكومة اللبنانية قد منعت القوميين من عبور وسط العاصمة بيروت يوم الاستقابل، كما بعث الأمن العام بطلب حضور سعاده ليلاً للتحقيق. ورأى سعاده أنّ وراء هذه التدابير خطة عدائية، فرفض الإذعان لطلب الأمن العام واعتصم في الجبل في منطقة المتن. فأصدرت الحكومة مذكرة توقيف بحقه وسيّرت الحملات البوليسية إلى الجبل بهدف القبض عليه. وهكذا بدأت معركة “مذكرة التوقف” التي استمرت من آذار/ مارس 1947 حتى تشرين الأول/أكتوبر 1947 ولم تنته إلا مع استرداد الحكومة مذكرتهاز

كانت غاية الحكومة آنذاك واضحة: إبعاد سعاده عن ساحة العمل السياسي خلال الانتخابات النيابية في أيار/مايو 1947، وإذا أمكن لفترة أطول. وكذلك مضايقة الحزب بهدف عرقلة نشاطاته السياسية والإعلامية عن طريق حملات الاعتقال وتعطيل الصحافة الحزبية. فقد أصدرت الحكومة قراراً بتعطيل جريدة صدى النهضة الناطقة باسم الحزب فاستعاض عنها بجريدة الشمس التي عُطلت بدورها، بتحول إلى مجلة الكوكب حتى آذار/مارس 1948 حين أصدر جريدته الجيل الجديد.

خلال أشهر الملاحقة المتكررة اتّبع سعاده خطة سياسية هجومية على الحكومة والأحزاب الموالية لها. فقرر خوض الحزب المعركة الانتخابية، وأرفق ذلك بإصدار سلسلة بيانات سياسية إلى الشعب يشرح فيها برنامج الحزب الانتخابي وحقيقة صراعه مع الحكومة، كما دخل في مواجهة مع بعض أعضاء الإدارة العليا في الحزب مثل نعمة ثابت ومأمون أياس وأسد الأشقر وكريم عزقول، ومع استفحال المعركة الداخلية وخروج الخصام إلى العلن، قام بطرد هؤلاء وعلى رأسهم نعمة ثابت ومأمون أياس وأسد الأشقر الذي ما لبث أن عاد إلى صفوف الحزب بعد فترة قصيرة.

   ركّز سعاده على إعادة بناء الحزب فكرياً وإعادة تثبيت مواقعه السياسية الشعبية وتوسيعها. فأعاد نشاط “الندوة الثقافية” وفتح أبوابها للطلبة الجامعيين والمثقفين عامة. وألقى بين كانون الثاني/يناير 1948 وأوائل نيسان/أبريل من العام ذاته عشر محاضرات تضمنت شرحاً موسعاً للعقيدة القومية. وقد أصبحت نصوص هذه المحاضرات من أهم مصادر دراسة فكر سعاده وأسس النهضة.

وفي 1948 صدرت الأعداد الأولى لمجلة النظام الجديد التي تضمنت نصوص عدد من محاضرات الندوة الثقافية، والعديد من الكتابات الفكرية والتاريخية والفلسفية بقلم سعاده وعدد من المفكرين الشباب الملتفين حوله.

إلى جانب نشاطه الفكري العقائدي، قام سعاده خلال 1948 بعدة جولات في المناطق اللبنانية، وراح يخطب في الحشود المجتمعة للقياه ويحثّها على الانخراط في صفوف العمل القومي. ثم أخذ بتوجيه اهتمامه السياسي إلى الداخل السوري فزار دمشق مراراً مجتمعاً بالطلبة والهيئات السياسية فيها.

وفي خريف 1948 قام بجولة امتدت من دمشق إلى حمص وحماه وحلب والساحل السوري الشمالي.

أصدر الحزب جريدة يومية تحت اسم الجيل الجديد عمدت الحكومة إلى تعطيلها في نيسان/أبريل 1948، بعد صدور خمسة أعداد منها فقط، وبعد تعطيل الجيل الجديد، بدأ سعاده نشر مقالاته في جريدة كل شيء وقد بلغ عددها سبعة عشرة مقالاً ما بين شهري كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 1949.

في السادس من تموز/يوليو اعتقلت قوى الأمن في دمشق أنطون سعاده وسلّمته إلى قوى الأمن اللبناني التي كانت مكلفة بتصفيته خلال الرحلة القصيرة من دمشق إلى بيروت.

ووصل سعاده إلى بيروت مع صباح السابع من تموز/يوليو. واستمر التحقيق معه حتى الظهر، وانعقدت محكمة عسكرية للنظر في قضية الحزب مباشرة في اليوم ذاته. رفضت المحكمة إعطاء محامي الدفاع أيّة مهلة للتحضير، فتولى سعاده الدفاع عن نفسه، واستمرت المحكمة حتى مساء السابع من تموز/يوليو، وأصدرت مباشرة الحكم المحضّر سلفاً بإعدام سعاده على الفور. وجرى إعدام سعاده في الساعة الثالثة والثلث من صباح الثامن من تموز/يوليو دون السماح له بمشاهدة زوجته وبناته للمرة الأخيرة.




اقرأ:

صحيفة النهار تتساءل: هل سلم الأمن السوري أنطون سعادة للأمن اللبناني

ناجي العبيد.. آخر نازيّي العرب.. ما زال مسدس أنطون سعادة على خاصرته

سامر الموسى: ذكرى اغتيال انطون سعادة 8 تموز1949


اقرأ ايضاً:

أنطون سعادة: الغول الروسي مشروع السنين الخمس

أنطون سعادة: الفاتح العربي الجديد 

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: الوطنية

أنطون سعادة: آمال الوطن

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

أنطون سعادة: المناطق الأجنبية المستقلة في سورية.. سورية صين جديدة

أنطون سعادة: سورية تجاه بلفور

نص كتاب استقالة أنطون سعادة : إلى «محفل نجمة سورية» 

أنطون سعادة: الجنسيات السورية واللبنانية والفلسطينية    

المصدر
السيرة الذاتية - أنطون سعادة



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى