ولد إبراهيم بن سليمان بن محمد هنانو في كفر تخاريم عام 1869م.
من أسرة شهيرة في كفر تخاريم يقول عنها المؤرخ كامل الغزي: (متفرعة عن أصل قديم في حلب وجد منه عدة رجال أولي وجاهة وإقدام منهم الآن في كفرتخاريم إبراهيم بك النابغة بالفصاحة والبطولة وتوقد الذهن وكرم السجايا وصدق العزيمة وحرية الضمير).
ولد في بلدة كفر تخاريم من أعمال قضاء حارم وهي معقل من معاقل الوطنية والعروبة. وأتم دراسته الابتدائية فيها ثم تابع دراسته الرشدية والسلطانية في حلب ثم سافر إلى عاصمة السلطنة العثمانية والتحق فيها بالمدرسة الملكية (معهد الحقوق) وعرف خلال وجوده في العاصمة بحبه للحرية وتأثره بأفكار العثمانين الأحرار ونقمته على الظلم والاستبداد وانتسب إلى حزب الاتحاد والترقي في فترة نضاله السري وسجن مرتين.
شغل بعد تخرجه من الجامعة مناصب إدارية في مختلف أرجاء السلطنة: مديراً لإحدى نواحي ولاية بورصة وقائداً في ولاية أرضرروم .
زواجه
يجهل الكثيرون بأن زوجة ابراهيم هنانو كانت تركية، وكان قد تعرف عليها أثناء إقامته بالأستانة بعد تخرجه، ورزق منها بمولودة أسماها ” نباهت”، وفي عام 1913 ولدت له ابنه الثاني طارق، وكان حينها ابراهيم هنانو يعمل مستنطقاً في بلدته كفر تخاريم. وبعد ولادة ابنه طارق بخمسة عشر يوماً توفيت زوجة ابراهيم هنانو، ولم يتزوج بعدها ابداً.
عضواً في مجلس إدارة ولاية حلب:
انتخب بعد انقلاب 1908 عضواً في مجلس إدارة ولاية حلب أو ما يعرف باسم المجلس العمومي لمدة أربع سنوات.
في العهد الفيصلي:
ويعود اسمه الى البروز في نهاية الحرب العالمية الأولى حين كلفه الشريف ناصر القائد الميداني للجيش العربي الزاحف في طليعة القوات الإنكليزية، بعد تحرير حلب في الثلاثين من تشرين الأول 1918م، بالسيطرة على انطاكية ورفع العلم العربي عليها وطرد بقايا الجيش العثماني منها فدخل اليها مع 150 مقاتلاً من رجاله وشكل فيها مجلس إدارة مؤقت جعل على رأسه صبحي بركات الخالدي وقد منع بحسه السياسي السليم ونظرته الاستراتيجية تمزيق العلم العثماني قائلاً: ( لا تنسوا ان هذا العلم قد أظل العروبة والإسلام لستة قرون…).
وحاول لدى نزول الافرنسيين على سواحل لواء الاسكندرونة في الرابع والعشرين من تشرين الثاني 1918 وتقدمهم باتجاه انطاكية مقاومتهم وردهم عنها ولكنه أصيب بخيبة أمل حين وصله امر الادارة العسكرية في دمشق بإنزال العلم العربي والانسحاب من انطاكية ففعل ذلك مكرهاً وعادرها حزيناً ثم شارك في توطيد أركان الحكومة العربية في حلب مع الوطني الغيور رشيد بك طليع ونبيه العظمة وتم تكليفه برئاسة ديوان ولاية حلب حيث أسس الجناح الوطني فيها ما عرف باسم جمعية الدفاع الوطني التي أخذت بتشجيع من الوطنيين في دمشق بدعم الحركات الثورية المعادية للفرنسيين التي بدأت في الثاني عشر من تشرين الأول 1919م، ثم انتخب مندوباً عن قضاء حام للمشاركة في المؤتمر القومي العربي السوري الأول في دمشق في أول كانون الأول 1919م، وساهم في النشاطات السياسية الرافضة لمشاريع الاستسلام التي وقعها الأمير فيصل في أوربا مع زعيم الحركة الصهيونية كرزمن في الثالث من كانون الثاني 1919م، ومع رئيس وزراء فرنسا كليمنصو وحاول فرضها على الوطنيين..
قام بعد احتلال الفرنسيين لحلب ودمشق في تموز من عام 1920 بالانسحاب إلى المنطقة الجبلية الواقعة جنوبي وشرقي انطاكية وإشعال نار ثورة لاهبة منظمة تنظيماً دقيقاً وقيادة ديمقراطية حقه قائمة على الشورى وأنشأ مع رفاقها لها مجلساً ثورياً لقيادتها ومحكمة عسكرية ونظاماً عادلاً لجمع الضرائب تشرف عليه إدارة وطنية مقرها بلدة أرمناز وضرب على أيدي المتعاونين مع المحتل والذين حاولوا الإساءة الى الثورة وخاض سبعاً وعشرين معركة لم يصب فيها بهزيمة كما عقد اتفاقاً مع الكماليين رافضاً اي تبعة لهم (6 أيلول 1920) كما عقد مؤتمرات وطنية لدعم الثورة ورفض إغراءات الفرنسيين بتعيينه على رأس حكومة في المنطقة وكان رده إنه يريد وحدة الوطن لا إقامة دويلة هزيلة سادسة تضاف إلى الدويلات الخمس التي أقامها الفرنسيون…
كما قام بوضع استراتيجية عربية موحدة تقضي بتوحيد جهوده مع ثورتي الشيخ صالح العلي وثورة منطقة الحفة- بابنا التي قادها آل البيطار وعز الدين القسام.
هنانو يحرق بيته وممتلكاته
ابراهيم هنانو يدرك غدر الفرنسيين، ويدرك قوتهم، ولم يرضى أن يصبح ضحية ابتزازه بأي شيء، فقام على الفور بإشعال النار في منزله، وفي أدواته الزراعية، وفي طاحونة كان يملكها بإحدى قريتيه، لكي يقطع الطريق أمام الفرنسيين حول أي وسيلة ضغط عليه.
كانت القوات المقاتلة تحت قيادة ابراهيم هنانو مقسمة إلى ثلاثة مناطق:
1- المنطقة الأولى: وثورتها ما بين نهر العاصي والبحر، تتوسطها انطاكية، ويقود ثورتها المجاهد يوسف السعدون من أهالي قرية (القصير) من أعمال انطاكية.
2- المنطقة الثانية: وثورتها في القطاع الذي يتوسطه كفر تخاريم بلدة هنانو، ويقود ثورتها المجاهد نجيب عويد ابن بلدة هنانو.
3- المنطقة الثالثة: وثورتها في جبل الزاوية، ويقود ثورتها المجاهد مصطفى الحاج حسين من أهالي جبل الزاوية. وقطاعها ممتد من إدلب وحتى حماة.
تنظيم إداري إلى جانب المقاومة العسكرية
كانت الثورة في مناطق سيطرة الثوار منظمة عسكرياً وإدارياً ايضاً، فكانت الضرائب تجمع بشكل منظم، يدفع منها رواتب للمقاتلين وفق الرتبة العسكرية ولا تترك المجال مفتوحاً للاجتهاد، أو لسلب أموال الناس لتغطية المصاريف، او الاعتماد على تمويل خارجي بشروط الاحتلال، بل كانت الامور تتم بالاعتماد على الموارد المتاحة مع رقابة صارمة على أي انتهاك او اخلال بالأمن وأموال الناس.
الانسحاب من جبل الزاوية:
وقد وجهت المفاوضات السياسية التي تمت بين الكماليين والفرنسيين منذ أواخر عام 1920 والتي أسفرت لاحقاً عن توقيع معاهدة أنقرة في العشرين من تشرين الأول 1921 ضربة قوية لثورة هنانو العربية فانسحب بقواته الى جبل الزاوية التي تم فيها خوض آخر معارك ثورة الشمال وقررت القيادة بعدها إيقاف العمليات العسكرية رحمة بالسكان ورفض هنانو الإنسحاب إلى الأراضي التركية القريبة لكي لا يضع الثورة تحن نفوذ الأتراك وخدمة مصالهم وقرر الانسحاب في الحادي والعشرين من تموز 1921م إلى جنوب سورية.
وقصة انسحابه وصحبه مشهورة ومحزنة تركت في نفسه أثراً لا يمحى إذ ألب عليه الفرنسيون شيوخ بعض القبائل البدوية وبعض المرتزقة بعد ان أطمعوهم بالمكافآت الضخمة.. وخاب أمله بالأمير عبد الله ولا نعلم الكثير عن سر تسليمه للإنكليز وقيام هؤلاء بتسليمه للفرنسيين.
محاكمته:
هكذا كان يعرف السجن العسكري في حلب الذي تم إيداع هنانو فيه، وكان قد وصله مغلولاً بالسلاسل، دون ان يهتز له جفن، وهو بكامل عنفوانه وصموده.
كان النائب العسكري آنذاك يدعى ” الكابتن استاك” وقد طلب لهنانو اختيار محامي للدفاع عنه، وبنهفته رد هنانو على القائد محلفاً اياه “بشرفه العسكري” لو انه مكانه فمن كان سيختار؟ فاجابه الكابتن بانه سيختار الصقال، وكان فتح الله الصقال محامياً شاباً لم يتجاوز عمره 27 عاماً وقتها.
وافق هنانو واجتمع في زنزاته بالشاب المحامي الذي سمع قضية نضال هذا البطل في سبيل الوطن. وادرك الشاب بذكائه الفائق وما يستطيع ان يخدم قضية موكله عدة ثغرات امام الخصم والحكم، قد تنفع في انقاذ موكله، فهو ليس مجرم كما يصفه الفرنسيون، بل طرف محارب عقد مع الفرنسيين هدنتين وتبادل معهم الأسرى.
الصقال كان قد درس المحاماة في الجامعة الفرنسية في القاهرة وامتحن في فرنسا ذاتها، ومن أبرع المحامين في عصره.
محاكمة هنانو واحتشاد الجماهير
كان اليوم الأول في محاكمة هنانو في يوم الاربعاء الخامس عشر من شهر آذار 1922م، في مبنى (السراي العتيقة) شمالي قلعة حلب.
احتشدت الجماهير من كل حدب وصوب، على جانبي الطريق المؤدية للسراي، وفي مدخل السراي وفي قاعة المحكمة، واكتظت الجماهير حتى توزع الجنود السنغاليون على اطراف الطريق منعاً لأي طارئ. فكان موقفاً مهيباً وحراكاً جماهيرياً له دوافعه الوطنية الكامنة.
بدأت المحكمة التي ترأسها خمسة من الضباط العسكريين، وكان رئيس المحكمة من أشد الحانقين على هنانو الذي صرح بانه يرغب بإعدام هنانو الأمر الذي لم يتقبله احد الاعضاء وهو الكابتن لوكلير، الامر الذي وصفه الصقال في مذكراته بأنه تعبير عن عدالة والتحلي بالوجدان المسلكي القضائي.
مدافعات الصقال
تضمنت مدافعة الصقال مدافعتين ابتدائيتين في عدم صلاحية المحكمة العسكرية في محاكمة هنانو وعدم شرعية وقانونية القبض عليه في فسلطين وتضمنت النقاط التالية:
1-أن هنانو قام بثورته، مطالباً بحرية بلاده، والمطالبة بالحرية لا تعد جرماً بل اعترفت به الدول الكبرى، منها امريكا بلسان رئيسها ولسن.
2-ان السلطة العسكرية الفرنسية نفسها، اعترفت بأن هنانو ورجاله يشكلون طرفاً محارباً.
3-أن هنانو قابل الجنرال جوبو، قائد الحملة الفرنسية ضد الثورة السورية ليتفق معه على شروط الهدنة.
4- ان السلطة العسكرية الفرنسية، عقدت مع هنانو اتفاقين لأجراء هدنتين.
5-ان السلطات العسكرية الفرنسية اتفقت مع هنانو، على تبادل الاسرى.
6-ان القبض على هنانو في فلسطين وتسليمه للفرنسيين يخالف القانون الدولي.
هنانو يواجه التهم السبعة
وجهت لهنانو سبعة تهم، تمثلت فيما يلي:
1-تشكيل عصابة من الأشقياء ( وعليها استندت باقي التهم)
2-تهمة قتل مختار قرية اسقاط وابنه غندور المسؤولين عن ابلاغ الحامية الفرنسية عن وجود الثوار و التي قام بها نجيب عويد واعتبر هنانو مسؤولاً عنها.
3-تهمة قتل احمد كردية المتهم بالتجسس وايضاً اعتبرت النيابة هنانو شريكاً فيها.
4- نهب قرية سرمين اثناء احدى المعارك دون ان تعرف هوية السالبين.
5- صادر القائد التركي عاصم بعض العربات قرب قرية تفتناز وكانت تقل مؤونة وخرافاً للفرنسيين.
6- ادعى مختار قرية كونلي ان نجيب عويد هدد بقتله ونسف قريته اذا استمر بالتعاون مع الفرنسيين.
7- قلع الثوار لبعض قضبان سكة الحديد بين بيروت وحلب لقطع الامداد عن الجيش الفرنسي.
وكان لذكاء ابراهيم هنانو وجرأته دور هام في مساعدة المحامي الذي ثابر وهو يدافع عنه، ولعل من المهم أن نورد بعض ما حصل في قاعة المحكمة بين رئيس المحكمة وهنانو:
رئيس المحكمة: ان القانون الفرنسي يمنحك الحق التام في الدفاع عن نفسك، وها انت اليوم متهم بالاشتراك مع عصابات الاشقياء، وقد كنت ترأسهم وتدير عملياتهم.
فأجاب هنانو: انني لا أعد مجرماً، لأن أمرنا سياسي صرف، أما غايتنا من تشكيل العصابات، فلم تكن بقصد الفتك والنهب، وإلا لاجتاحت هذه العصابات واتت على من فيها من الاخضر واليابس، و لقاومنا الشعب وسحقنا سحقاً، فقواتنا إذن مؤلفة من أفراد الشعب، صاحب الحق والسلطان. انني متهم سياسي، ولو كنت مجرماً عادياً كما تقولون، لما فاوضني ممثلكم الجنرال جوبو، بشأن عقد هدنة وتبادل للأسرى، ولما وقعت معي انقرة التي تعترفون بها اتفاقية، لان الحكومتين الفرنسية والتركية أسمى واجل من ان تتنازلا لمفاوضة مجرم شقي. نحن لم نعمد للوسائل الحربية إلا للدفاع عن انفسنا، أنا ثائر سياسي، ادافع عن وطني، وقد جاهرت وسأجاهر بانني اتبرأ من كل مجرم سفاك.
رئيس المحكمة: إذن انت تتنصل من مسؤولياتك؟
هنانو: أن الرجل الذي قاوم الانتداب الفرنسي، لن يتنصل من مسئولية تعود تبعتها عليه.
الرئيس: من اضطرك ان تحارب؟
هنانو: عندما أهاجم، اغدوا مضطراً لأن ادافع عن نفسي.
الرئيس: لو بقيت آمنا مطمئناً في منزلك، لما حدث ما حدث ولما وقفت هذا الموقف
هنانو: هذا اجتهاد خاص، ولا يلام المرء على اجتهاده.
شهود الدفاع عن هنانو
من الأشخاص الذين شهدوا لصالح هنانو وشهدوا بوطنيته شخصيات هامة ومنها:
فاخر الجابري، سعد الله الجابري [5] ، الدكتور عبد الرحمن الكيالي، شاكر نعمت الشعباني، احمد المدرس، الشيخ عبد الوهاب طلس، الشيخ كامل الغزي، عبد الوهاب ميسر، الاستاذ راشد المرعشي وغيرهم.
ومن طرائف ما حدث اثناء الاستماع لشهود الدفاع ان رئيس المحكمة سأل أحمد المدرس إذا ما كان يحب فرنسا ام لا، فأجابه المدرس: احبها على قدر الامكان، فاطلق الجمهور ضحكة طويلة اغضبت الرئيس الذي هدد بأخلاء مقاعد المحكمة من الحضور.
النائب العام يطالب بإعدام هنانو
في اليوم السابع من المحكمة، قرأ المدعي العام مطاعته المطولة وختمها بالقول:
” لو كان لإبراهيم هنانو سبعة رؤوس بعدد جرائمه السبعة، لطلبت اعدام رؤوسه السبعة، ولكنه لا يملك إلا رأساً واحداً، ويؤسفني ان اطلب اعدامه، ليكون عبرة لغيره”.
وجاء دور الدفاع الذي استبسل لأكثر من اربع ساعات متواصلة في نفي التهم المنسوبة لموكله، ضارباً الامثلة على مقاومة الفرنسيين للغزاة في أرضهم، ومعيداً الحجج القانونية المستندة للقانون الفرنسي التي تنفي الجرائم.
المحكمة تصدر حكمها
بعد انتهاء مرافعات النائب العام والدفاع، دخل اعضاء هيئة المحكمة للمداولة، واستمرت المداولة لساعتين، فخرج الجمع والجماهير متلهفة ومشدودة الاعصاب لمعرفة النتيجة، وكان على رئيس المحكمة ان يتلوا تسعين سؤالاً على الهيئة للتصويت بنعم أو لا، والسؤال الأول كان هل ابراهيم هنانو مسؤول عن تشكيل عصابة من الأشقياء؟ وبعد الانتهاء من الأسئلة تجمع الاجابات وتكون النتيجة هي للأغلبية نعم أو لا.
ولما كان التصويت على السؤال الأول هو (لا) بأغلبية ثلاثة اعضاء، تنفس الدفاع والحضور الصعداء. ثم توالت الاجابات التي غلب عليها النفي، بعدها تلى رئيس المحكمة حكم البراءة، فدوى التصفيق الحاد في القاعة، وقد قاربت الساعة على التاسعة مساءً وتم تقدير الحشود بأكثر من ثلاثين ألف شخص.
اطلق سراح هنانو على الفور، وكان بانتظاره عربة يجرها حصانين، وما كاد هو ومحاميه يصعدون العربة حتى هجمت الجماهير على العربة، وحلت الحصانين وبدأت بجر العربة، وصود زغردة النساء يسمع طيلة الطريق الممتد من السجن إلى الدار، وكانت النسوة ترمي العربة من اسطح الدور بماء الزهر وعطر الورد.
بعيد المحاكمة ، انهت المحكمة الفرنسية مهمة ثلاثة من اعضاء المحكمة الذين كان لهم الدور في الحكم لصالح هنانو وعادوا قافلين إلى ديارهم.
نائباً في الجمعية التأسيسية:
انتخب نائباً في الجمعية التأسيسية التي انعقدت بعد انتخابات 24 نيسان 1928 ورشحه الوطنيون لانتخابات رئاسة الجمهورية في عام 1928م.
ابراهيم هنانو رئيس اول لجنة تضع الدستور السوري
اعلن عن اول دستور سوري تضمن 115 مادة، وكان ابراهيم هنانو يرأس لجنة صياغة الدستور، وقد حددت المادة الأخيرة من الدستور مدة ولاية رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الجمعية التأسيسية بسنتين فقط، فيما اشتملت المواد الأخرى على مواد دستورية وسيادية هامة لم ترق للفرنسيين.
بيان الوطنيون في مقاطعة الانتخابات
اصدر الوطنيون في حلب بياناً لمقاطعة الانتخاب النيابية المزمع عقدها في عام 1931م، وعزت ذلك لقيام المفوضية بمحاولة اجراء الانتخابات للمجالس التمثيلية في حلب وبعض الالوية كل على حدة، فأجمعوا بالاتفاق على عدم الاشتراك في هذه الانتخابات وقرروا مقاطعتها. وكان ابراهيم هنانو اول الموقعين على البيان، ثم تراجعوا وشاركوا في الانتخابات وكان هنانو من المرشحين الذين لم ينجحوا فيها، ونتيجة لتزوير الانتخابات ومقاطعتها من السواد الاعظم.
تأسيس الكتلة الوطنية:
انعقد اجتماع للكتلة الوطنية في الرابع من تشرين الثاني عام 1932م، في مدينة حمص, وأقرت النظام الأساسي الذي جاء فيه تشكيل المكتب الدائم للكتلة والذي جاء على الشكل التالي:
-إبراهيم هنانو زعيماً
-هاشم الأتاسي رئيساً
-سعد الله الجابري نائباً للرئيس
أما مجلس الكتلة فتألف من 44 شخصية وطنية, أضيف إليهم شخصيات أخرى عددها اثنا عشر شخصية بعضهم من لبنان
وكان هذا المجلس يمثل كل أرجاء سورية والتيارات الوطنية والفكرية والسياسية الشريفة فيها.
محاولة اغتياله:
وقد حاول المتعاونون مع الفرنسيين اغتياله عام 1932م، وضربوا ابنه طارقاً في مظاهرات عام 1932 ضرباً أدى به إلى الجنون ومع ذلك فلم تلن قناته ورد على من أخبروه بإيقاف الجناة (وهل أوقفتم الذين ضربوا أبناء الأمة برصاصهم اذهبوا ما طارق إلا واحد من أبناء هذا الشعب)، وظل حتى وفاته أحد الأعمدة الأساسية للكفاح الوطني بصلابته ونظافة يده ورفضه المساومة على الوطن واستقلاله ووحدته ولعله من القلائل من أمثل سلطان باشا الأطرض والشيخ صالح العلي ويوسف العظمة وعبد الرحمن الشهبندر وسعيد العاص وغيرهم الذين ضحوا بثروتهم كلها في سبيل القضية الوطنية ومات فقيراً.
تدهور أوضاع هنانو وآلامه وعتابه
اجتمعت المعضلات والمصاعب المادية والصحية عليه دفعة واحدة، وتوضح لنا بعض الوثائق النادرة عن الحالة المادية السيئة التي مرَّ بها هنانو بدءً من العام 1930 وربما قبل ذلك التاريخ، فهذه وثيقة بخط يد هنانو يسجل فيها كومبيالة على نفسه بمبلغ 150 ليرة عثمانية ذهب استلفها من فوزي بك الجابري في حلب.
ولا أبالغ إذا قلت بأنني استشعرت مرارة ألم الزعيم هنانو الذي حلت به الأمراض بدءً من سنة 1933م، وقد تأثرت كثيراً لما آلت إليه أوضاعه بعد قراءتي لنص الرسالة التي أرسلها من مستشفى حمانا إلى نبيه العظمة في 12 أيلول 1935 يشرح فيها أوضاعه المالية ، ويلوم فيها رجال الأمة على تقصيرهم مع الاعتزاز الذي يمنعه من مد يده لهم فيقول فيها:
” أخي نبيه بك لا عدمتك
شوقاً وتحية أما بعد ،، أخذت كتابك تاريخ 27 آب وشكرتك على شعورك الأخوي واهتمامك ولكن يا أخي كان قصدي من البحث عن تعاسة ماليتي ليس طلب معاونة بل إظهار شيء من العتب واللوم على رجال الأمة التي ضحيت بحالي وخاطرت بحياتي حتى وقعت بالمستشفيات لأجلها، فلا تتعب نفسكم في تدارك شيء أنتم في الغربة وأحوج مني بكثير، ثم أن حاجتي ليست عشرو وعشرين بل مئات الليرات، واقول لكم سراً وأرجو عدم البوح بمقداره أن ديوني اليوم أربعة آلاف وخمسماية ليرة ذهب وكافة أملاكي مرهونة ومحجوزة ولا تفي بالدين لرخص الأسعار الهائل، وكان الأمل وفائها من الواردات غير أنها من خمسة سنين وهي في خسارة وأنا مشغول عنها بالسياسة هذه هي تعاسة أموري المالية مما فيه استمهلنا الدائنين لحين بيع قسم من أملاكنا وأملاك إخواني وإجراء تسوية وتصفية ولكن مرضي حال دون ذلك العمل فإياكم أن ترسلوا شيء لأني سأعيده في نفس البريد الذي يأتي فيه، وبعد توديع كتابي الأول إلى البريد خطر ببالي أنكم ستذهبون إلى اني اطلب منكم معاونة مالية فعلمت أني أخطأت في البحث عنها.
إني مستريح في المستشفى وصحتي بدأ فيها التحسن أسئل الله العافية وقاكم الله من كل مكروه وحفظكم أخي الكريم.
أليس كان واجباً على رجال الأمة أن يسعوا في تعويض قسم من خسارتي في سبيلها وهذا الضيق له كل التأثير في مرضي وإني في كل جهادي لم آخذ شيء من ملك ولا من أمير ولا من جمعية قطعياً ولا من أحد” المخلص هنانو”.
مرضه:
بدأ المرض والإرهاق يلوح على الزعيم هنانو, واشتد به المرض منذ التاسع عشر من حزيران عام 1934م، وأقام الزعيم مدة في جبل الاربعين في أريحا طلباً للاستجمام.
وفاته:
توفي في الحادي والعشرين من تشرين الثاني 1935م.
وهزت موت الزعيم الوطن كله ولما عزم الوطنيون على إقامة مأتم حشد لتأبينه في العاشر من كانون الثاني 1936 أمر الفرنسيون بإغلاق مكاتب الكتلة الوطنية في الثامن عشر من كانون الثاني 1936 واندلعت الإضرابات والصدامات مع الفرنسيين وأعوانهم والتي عرفت بإضرابات الستين يوماً وأدت الى إعتراف الفرنسيين بحق السوريين في الاستقلال وتوقيع المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936 التي أدت الى إقامة الحكم الاستقلالي الثاني.. وهكذا خدم بلاده حياً وميتاً.
انظر:
بيان إبراهيم هنانو حول مشاركة بعض أعضاء الكتلة الوطنية في انتخابات 1932
صحيفة – رجال إبراهيم هنانو
الاحتفال بذكرى وفاة الزعيم إبراهيم هنانو في حلب عام 1950
المراجع والهوامش:
(1). أعضاء المجلس العمومي في حلب عام 1913
(2). الزعيم إبراهيم هنانو .. الثائر المنسي
(3). النظام الداخلي للكتلة الوطنية في سورية عام 1932
(4). الزعيم إبراهيم هنانو .. الثائر المنسي
(5). محمّد قجّة: الزعيم الوطني إبراهيم هنانو
(6). زهير ناجي، أعلام سورية.
المراجع والهوامش:
(1). أعضاء المجلس العمومي في حلب عام 1913
(2). الزعيم إبراهيم هنانو .. الثائر المنسي
(3). النظام الداخلي للكتلة الوطنية في سورية عام 1932
(4). الزعيم إبراهيم هنانو .. الثائر المنسي
(5). محمّد قجّة: الزعيم الوطني إبراهيم هنانو
(6). زهير ناجي، أعلام سورية.