You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

محمد علي العابد، هل كان رجلاً وطنياً أم مجرد موظف لدى الانتداب الفرنسي.؟!

 

 

مهند الكاطع – السوري الجديد

تم انتخاب محمد علي العابد كأول رئيس للجمهورية السورية بعد الحكم العثماني بين عامي (1932- 1936م).

في الحلقة الأولى من هذه السلسلة التي نعكف على العمل عليها، وفي إطار رسم واقع الحياة السياسية السورية خلال القرن الماضي والتي سبقت وصول البعث إلى السلطة، نستعرض سيرة حياة الرجل، ماله وما عليه، انجازاته واخفاقاته، والدور الذي لعبه في تشكيل أول سلطة جمهورية في سورية.

نسب آل العابد   

ينحدر آل العابد من عشيرة المشارفة العربية، إحدى أهم عشائر حلف الموالي،  وينتهي نسبهم إلى عدنان من ولد مشرف من آل بكر بن وائل، جاء في كتاب الروض البسام في أشهر البيوت القرشية في الشام لمؤلفه ابو الهدى الصيادي المتوفى سنة 1909م حديث عن آل أبي ريشة (أمراء الموالي) الذي ينتهي نسبهم للعباس رضي الله عنه، والقبائل العربية(الوائلية) التي اجتمعت إلى آل أبي ريشة فسماهم أميرها(الموالي) من الموالاة والمناصرة، فقال ما نصّه : “وأعزّ بطون تلك الفصائل التي اجتمعت إليه المشارفة، وهم ينتهون أيضاً إلى مشرف من آل بكر ابن وائل رضي الله عنه، ومن المشارفة إلى مشرف المنوه باسمه عائلة شهيرة بدمشق وهم آل العابد ومنهم الآن في الحياة الرجل الشهم الغيور هولو باشا فهو ابن عمر بن عبد القادر بن محمد بن قانص آل العابد المشرفي، ومحمد هذا نزل في دمشق سنة 1112هـ( الموافق 1700م)، واعقب بها هذه العصابة وهم من ارباب الشيم العربية والاخلاق العلية وقد انجب هولو باشا المشار إليه اولاداً اعزهم لدي واعلاهم عندي واعلاهم علي النجيب الاريب والفاضل اللبيب صاحب السعادة والاخلاق المستجادة احمد عزت بك كان الله لنا وله، وان قبيلتهم المشارفة من اعز بطون الحيار وبعدهم آل دولة وآل خليفة ”  

مصاهرة العابد لعائلة من أصول كردية

تزوج الرئيس محمد علي العابد من زهرة خانم، كريمة أمير الحج الشامي عبد الرحمن باشا اليوسف، والذي شغل هذا المنصب خلال الفترة الواقعة بين عام 1892-1918م، وكان والدها من وجهاء الأكراد الذين سكنوا دمشق.

وربما هذا ما أحدث لغطاً حول حقيقة وجود أصول كردية للعابد، وهنا يمكن الإشارة لردود عدد من أحفاد محمد علي العابد حول الموضع، مثل( خالد العابد، وإحسان العابد، وأكرم العابد). في معرض نقاشهم على صفحات التواصل الاجتماعي مع بعض المثقفين الأكراد الذين أدعوا أن محمد علي العابد كردي، دون اسناد كلامهم بدلائل.

محمد علي بك العابد (1248-1358هـ / 1867-1939م)

هو محمد علي  بن أحمد عزت بن محيي الدين ابو الهول (هولو باشا)  ابن عمر بن عبد القادر ابن محمد ابن الأمير قانص آل العابد المشرفي. المولود في دمشق سنة 1867م،  وترعرع في القصر الذي بناه جده هولو في حي الساروجة في دمشق، الذي حكم منه سورية لمدة ستة أشهر وفق ما ذكره اليازجي.

عائلته تعتبر جزءاً من الإقطاع أو الطبقة البرجوازية السوريّة التي شكّلت الحكم المحلي في ظل الدولة العثمانية، وشكل آل العابد مع آل العظم وآل اليوسف -أنسباؤه- صفوة المجتمع العربي العثماني في دمشق كما يقول فيليب خوري.

كان محمد علي العابد من أغنى رجال سورية، وربما الأغنى فيها على حد وصف فيليب الخوري الذي قدر ثروته بمليون ليرة ذهب انكليزية آنذاك. فضلاً عن استثماراته في قناة السويس وامتلاكه عقارات واراضي في الغوطة وفندق فكتوريا احد اقدم الفنادق في دمشق.

تعلم  العابد في دمشق و بيروت، ثم انتقل إلى الأستانة لاحقاً بأسرته، فدخل مدرسة غلطة سراي، ثم أُرسل إلى باريس فدخل كلية الحقوق ونال شهادتها، ثم عاد إلى الأستانة فعُين في قلم المستشار القضائي لوزارة الخارجية، ثم درس أصول الفقه الإسلامي بعدما درس الفقه الروماني والتشريع الأوروبي، وأتقن بالإضافة إلى العربية لغته الأم، اللغتين التركية والفرنسية اتقاناً تاماً، كماأجاد الإنكليزية والفارسية، وأحاط بعلوم التاريخ والاقتصاد والأدب الفرنسي.

 مكنت تلك المؤهلات العابد، بالإضافة إلى نفوذ والده وقربه من السلطان، من التدرج في مناصب وزارة الخارجية العثمانية، حيث عين سنة 1908م، وزيراً مفوضاً للدولة العثمانية في واشنطن، فقصدها مع زوجته وأولاده، لكنه لم يمكث فيها طويلاً بعد سيطرة الاتحاديين على الحكم وفرار والده من الآستانة، فقصد مصر مع والده الذي توفي لاحقاً هناك.

العابد يعود إلى دمشق

عاد العابد إلى دمشق قادماً من مصر سنة 1920م، وهو العام الذي دخلت فيه جيوش غورو دمشق. ولما أنشأ الجنرال غورو الاتحاد السوري سنة 1922م، بين دولة حلب ودولة دمشق ودولة العلويين – بعد أن تبين له رفض الشعب السوري لسياسة التقسيم ورفضهم للانتداب، حيث ثارت ضد الفرنسيين 35 ثورة في تلك السنة وفق تسجيلات ذوقان قرقوط- تم تعيين العابد ممثلاً عن دمشق كمواطنيه فارس الخوري وعطا الأيوبي، وتشكلت حكومة الاتحاد السوري بناء على قرار مجلس الاتحاد رقم /1/ الصادر في الثامن والعشرين من حزيران 1922م، واستمرت حين إعلان دستور الدولة السورية 1923، إلغاء الاتحاد، وكان من ابرز إنجازات حكومة الاتحاد السوري هذه إحداث الدرك، وكذلك إلغاء امتيازات الدول الأوربية الممنوحة في زمن الحكم العثماني.

 في 24 ديسمبر، وبموجب الدستور الجديد تم تأسيس الدولة السورية، وتم تشكيل حكومتها برئاسة صبحي بركات في 24 كانون الاول 1924م بمرسوم من المفوض الفرنسي مكسيم فيغان، وباشرت الحكومة عملها في يناير 1924م وكان العابد وزيراً للمالية فيها.

العابد رئيساً للجمهورية الأولى

عام 1931 أعلن بونسو عن إجراء انتخابات عامة لمجلس نيابي، واجتمع مجلس النواب مارس تجربة الانتخاب للمرة الأولى، والتي خرج بها محمد علي العابد نائباً عن دمشق، وفي 11 حزيران من السنة نفسها انتخبه المجلس النيابي رئيساً للجمهورية السورية بعد أن فاز بأغلبية ضئيلة أمام منافسه صبحي بركات، وقام حقي العظم بتشكيل الحكومة، ونظراً لفشل (دوماتريل) بتمرير مشروع المعاهدة مع فرنسا من خلال المجلس النيابي سنة 1933، قام بإقالة حكومة العظم، وكلف تاج الدين الحسيني بتشكيل الحكومة، وكان ذلك سبباً في تفجّر الاحتجاجات التي اشعلت لهيبها الحركة الوطنية. وهكذا نجد بأن عهد العابد تميز بخضوع للفرنسيين بشكل كبير، وهذه من المآخذ عليه، حيث كانت الإرادة الشعبية والوطنية شبه مغيبة.

نسخة من الطوابع التي صدرت وعليها صورة الرئيس محمد علي العابد سنة 1934م.  

المجلس النيابي في عهد العابد

عصف موضوع طرح المعاهدة مع فرنسا في المجلس النيابي بالتحالفات بين الكتل في المجلس، وادخلته في اتون مشادات ومناقشات حادة، وكثرت الشائعات حول المجلس الذي اعتبره بعض الوطنيين أداة بيد الفرنسيين، وفي 18 نيسان استقال الوزيران الوطنيان مردم بك ورسلان بك من حكومة العظم، ولوحظ تغّيب النواب الوطنيين بشكل دائم عن الجلسات وفق النشرة الرسمية للجمهورية السورية.

ابراهيم هنانو، أحد أبرز رجالات الكتلة الوطنية كان من أبرز المحرضين على سحب الوطنيين من المجلس، وبالتالي إثارة الشعب للقضاء على هذا المجلس ككل وحلّه.

وكان حامد المغوجة النائب الممثل للرقة قد اشار إلى الاضطرابات التي حدثت خارج المجلس، وعزا ذلك إلى تغيب الوطنيين وما يشاع عن المعاهدة واستقالة اثنين من الوزراء( كانوا نصف عدد الوزراء آنذاك).

نهاية عصر العابد

بقي العابد رئيساً للجمهورية السورية حتى عام 1936م (شغل منصب الرئاسة لأربع سنوات وست أشهر وعشرة أيام) حيث قدم استقالته، وغادر البلاد إلى باريس، وكانت تلك رغبته، وكثيراً ما حدث أصدقاءه برغبته في العيش بقية عمره في أوروبا،  وقد توفي بعد ذلك بثلاث سنوات 1939م ونقل جثمانه من باريس إلى دمشق ودفن فيها.

إنجازات العابد خلال الرئاسة

رغم أن المرحلة التي حكم فيها العابد اتسمت بالخضوع لسلطات الانتداب، ولم تظهر فيها أية احتجاجات أو ثورات شعبية، إلا أنها شهدت ثورة تشريعية لا يمكن إنكارها على صعيد تشكيل ملامح بناء أول دولة سورية ذات مؤسسات وإدارة واقتصاد، وذلك بفضل المراسيم التشريعية والإدارية التي أصدرها العابد:

فقد أصدر مئات المراسيم في كل ما يتعلق بالواقع السوري الاقتصادي والاجتماعي والاداري، ولم يهمل أدقّ التفاصيل كفرض رسوم التنباك والمشاريب الروحية، وحتى رسوم لاستيراد القداحات والكبريت، واهتم بقوانين الاحوال المدنية والقيود المكتومة، و أصدر مرسوماً تشريعياً خاصاً بلوائي الجزيرة والفرات( الحسكة ودير الزور لاحقاً) لتمديد مدة قانون تسجيل القيود المكتومة لهم بشكل خاص.

كما كانت الاعتمادات المفتوحة في الموازنة تتضمن مشاريع التطوير وبناء المدارس وتأمين البذارللمزارعين، وشؤون الصحة والإسعاف العام، وما يتعلق بمصلحة السجون، ودور الصناعة والأيتام،كم تضمنت ميزانية للمبتعثين إلى أوربا للتعليم آنذاك. وجر المياه، وشؤون المعارف، ودائرةالأوقاف، ونفقات العدلية، فضلاً عن القطع العسكرية وتنقلاتها ومصاريفها.

ومن أهم المراسيم التي صدرت وأكثرها تفصيلاً هو مرسوم خاص برسوم الطوابع يقع في 40صفحة، وقد صدرت في عهده العديد من المراسيم لمنح الاوسمة التشريفية، وكذلك منح الجنسيةلمن تنطبق عليهم الشروط، و أصدر مرسوماً يقضي بصرف رواتب مواساة لأسر الشهداء،ومراسيم تقضي بإحصاء نفوس العشائر في سورية، مما ساهم في تحضير تلك العشائر.

كما تم في عهده إحداث أولى الغرف الزراعية والصناعية  والتجارية وتنظيمها، ووحّد العابد المصالحالعقارية و أملاك الدولة، وقام بتعديل نظام الدرك والنظام المالي للبلديات، و أصدر نظام تسجيلالسيارات ومنح رخص السير وإجازات القيادة، وأحدث وساماً وطنياً بأسم ” أمية” .

مرسوم صادر في الجريدة الرسمية حول منح الجنسية لبعض رعايا اليونان

قالوا في العابد:

آراء الخصوم

يحسب عبد الرحمن الكيالي على خصوم العابد، وقد أشار إلى ذلك صراحة تعليقاً على خطابه بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في الانتخابات التي فاز فيها أمام منافسه صبحي بركات.

يقول الكيالي: ” ثم حلف اليمين الدستورية وفق العادة، وخرج المجلس لاستلام منصبه الرفيع والتربع في قصره البديع، وهو يحسب نفسه أن الأمة انتخبته، وأنه نال الثقة عن جدارة، وانه سيبرّ بوعوده وقسمه. والحقيقة أن الذي اخرجه المسيو” سولومياك” وأن الوطنيين ساعدوا على فوزه لاتقاء أحد الشرين”

هل جرّ العابد حصان غورو؟

شاعت قصة في العقود المتأخرة مفادها بأن محمد علي العابد كان يجر لجام الجنرال غورو هو يدخل دمشق محتلاً، لكن لا توجد أية اشارات تعزز هذه الرواية في الوثائق والكتب والصحف التي صدرت في تلك الحقبة وما بعدها أيضاً، ورأيي الشخصي أن هذه الرواية مفبركة، ولا تعدو كونها نوعاً من النميمة الاجتماعية، والتي ربما قيلت من باب تقذيع الدمشقيين واتهامهم بالرضوخ لسلطات الأمر الواقع مهما كانت،.

أما لماذا هذه الرواية غير منطقية، فإنني أسرد بعضاً من الأسباب التي يمكن القياس عليها، واتخاذها كبراهين:

– لو أن الأمر حصل، وفي هكذا محفل كما يشاع (وسط الجماهير في قلب دمشق) لكان حرياً بكثير من كتب التاريخ والمذكرات الشخصية أن توردها، سيما وأنها تشكل نقطة فارقة في التاريخ السياسي بالصورة التي سُوّقت بها،  على الأقل لكان الكيالي الذي انتقد العابد في العديد من المواضع في كتابه (المراحل) قد ذكر الحادثة واستغلها فرصة للتشنيع بالرجل الذي لم يكن يكنّ له أي ودّ، كما لم يأتِ على ذكرها (علي السلطان) صاحب كتاب تاريخ سوريا 1918-1920م والذي وثّق بدقة وبالتفاصيل تلك المرحلة من الحياة السياسية السورية، علماً أنه ذكر بعض الشخصيات والزعامات التي ألقت التحية على غورو في عاليه-لبنان، ومن بينهم (نوري الشعلان، نسيب الأطرش، ونواف بركات شيخ الرمثا ممثلاً بأبنه)، ولم يتطرق إلى العابد أبداً.

– ينتمي محمد علي بك العابد إلى أسرة برجوازية كبيرة ومعروفة، وكان سفيراً سابقاً للدولة العثمانية، و يصعب تصديق أن شخصاً كهذا سيقدم على سياسة فرس لفارس يركب عليه مهما على شأنه، فهو لم يفعله للسلطان العثماني من قبله، فضلاً عن أنه لا يعقل أن الموكب الذي دخل فيه غورو إلى دمشق متقدماً كفارس على حصان أبيض سيكون منقاداً ومسّيساً من قبل رجل آخر، مهما علت منزلة هذا الرجل أو دنت، فالبروبغندا الرجولية الفروسية لا تسمح بهكذا تفصيل.

– كان غورو قائداً للقوات الفرنسية في لبنان منذ العام 1919، وكان العابد حينها في مصر، وكان باستطاعته القدوم إليه لو كان بين الرجلين علاقة حميمية لهذه الدرجة، لكنه لم يفعل، وعاد لدمشق عام 1920، كما لم يرد اسم العابد في أي منصب سياسي بعد عودته بسنتين ولا ضمن الحكومات المعينة آنذاك، وأول ما تولاه كان نائباً عن دمشق سنة 1922م، ثم وزيراً للمالية في العام نفسه.

– وفي هذا السياق ايضاً، وفي الحديث الذي تداوله البعض عن أن العابد خذل يوسف العظمة الذي قرر القتال في ميسلون، إلا أنه لا مؤشر حقيقي كما قلنا أن العابد كان في سورية حينها، كما أن ابنة عمه نازك العابد ابنة مصطفى العابد شاركت فعلياً إلى جانب العظمة في المعركة الشهيرة.

شهادة محمد كرد علي في العابد

العلامة محمد كرد علي هو مؤسس المجمع العلمي العربي في دمشق، وهو من مشاهيرعصره، وكان وزيراً للمعارف وله مؤلفات عظيمة، وقد خصّ كرد علي صديقه محمد علي العابدفي مقال ضمن مذكراته يعرض فيها صفات الرجل، سأوجز بعضها هنا:

يقول محمد كرد علي في كتابه المذكرات الجزء الأول ص 269  واصفاً العابد كأعظم سياسي عرفته الديار الشامية: 

“أتى محمد علي بك إلى دمشق يفتح بيت أبيه وجده، ويحرص على تحسين سمعة أبيه، وصار مرة وزيراً للمالية ثم انتخب أول رئيس للجمهورية السورية. وكان ينفق من ماله الخاص علاوة على راتب الرياسة مبلغاً في كل عام، ليظهر بلاده أمام القريب والبعيد بالمظهر اللائق بها. وهو أعظم رجل سياسي عرفته الديار الشامية في دورها الأخير، وأول وآخر سفير عثماني من أبناء العرب”

كما يذكر في موضع آخر من نفس الجزء ص 270 بعض صفاته وتسامحه  فيقول:

” وهو لا يخلو من ضعف إرادة، سالم كثيراً مدة رياسته فلم يرض عنه حتى من سالمهم، وذكر مرة بسوء أمام جمعية الأمم فتأثر مما قيل فيه، فهم ظلموه وما أنصفوه، وما احتج ولا غير من معاملته”

ويعرض كرد علي ويوضح بعض اتهامات اعدائه الذين أرادوا تشويه سمعته فيقول:

” وكان اعداء السيد العابد يتهمونه بالإمساك و ما كان في الحق ممسكاً على ما صوَّروه، كان يطعم الفقراء كما يطعم الأغنياء، ويتصدق ويعطي من يراه أهلاً للعطاء، ولكن الفوضى كانت منتشرة في بيته، ينفق على الغالب بلا نظام، وكان من اثر ذلك ان رمي بالشح، واظن حساده وخصومه كانوا يريدونه أن يخرج عن كل ماله ليعدوه في الكرماء، فيمسي مثلهم صعلوكاً معدماً وهذا أمر لا يعقل”

مشاهيرآل العابد

اشتهر العديد من أبناء هذه العائلة في الشام، وكانت لهم مواقف معروفة يجب التذكير بها وتوثيقها، سأذكرهنا بعضهم وفق الفترة الزمنية التي تواجدوا فيها:

صورة لأبرز رجالات آل العابد من أرشيف الأستاذ عماد الأرمشي

1- محمد بن الأمير قانص آل عابد:

وهو أول من نزل في الشام من آل العابد سنة 1700م كما جاء عند صاحب الروض البسّام، وقد انحدر إليها من شرقي حماة، وهم كما أشرنا سابقاً وائليون بكريون من الموالي، ويجتمع في ذلك آل طوقان و آل العابد و الحيار، أما آل أبي ريشة فهم عباسيون ولهم إمارة الموالي، وباقي الموالي المتحالفين معهم من عشائر شتى.

2- عمر آغا العابد

هو عمر بن عبد القادر بن الامير محمد بن قانص آل العابد، وهو الجد الثاني للرئيس محمد علي العابد، غير معروفة سنة ولادته وسنة وفاته، لكنه كان المتزعّم لعائلة العابد في منتصف القرن التاسع عشر، وقد كان له دور مهم في إجارة المسيحيين في حي باب مصلى، وأوقف عبر سلطته ونفوذه على سكان الميدان هجومهم على حي باب توما خلال أحداث تموز 1860م. وكان قد دخل الجندية على ما ذكر صاحب كتاب منادمة الأطلال للعلامة عبد القادر بدران المتوفى سنة 1346 هـ فقد قال في مادة التربة الهولية ما نصه: ” التربة الهولية : هي قبلي دمشق خارج الميدان الفوقاني مزخرفة البناء واسعة أنشئت لهولو باشا الشهير بابن العابد كان والده من العرب الموالي ثم دخل دمشق وانخرط في الجندية ثم تلاه ولده هولو فتولى مناصب تمول منها وكان ذا سيرة استبدادية ولما مات سنة عمرت له هذه التربة ودفن بها”

3- هولو باشا  العابد (1824– 1895م) :

هو الحاج  محي الدين ابن عمر ابن عبد القادر ابن الامير محمد بن قانص آل العابد، وهو المكنى بـ(هولو) باشا العابد حين بدأ والده العمل الوظيفي كقائم مقام في سهل البقاع في بر الشام، ثم عين متصرفاً لعدد من الألوية التابعة لولاية دمشق ففي عام 1866م عين متصرفاً لمدينتي حمص وحماة واتخذ حماة مقراً له فبقيت حمص متصرفية في عهده، لعب دوراً هاماً في تطوير الإدارة في المناطق الريفية . ثم عاد إلى دمشق وشيد قصره الجميل المعروف باسمه في حي سوق ساروجة( بيت العابد)، وهي دار واسعة تمتد بين حارتي القولي و المفتي. وانتخب عضواً في مجلس إدارة ولاية بلاد الشام عام 1879 للميلاد، ثم رئيساً لها حوالي 1890 للميلاد الى ان وافته المنية عام 1895 للميلاد .

4- محمود بك ابن عمر بن العابد (…-1327هـ / 000-1909م)

هو شقيق هولو باشا(جد الرئيس محمد علي العابد) وهو من أعيان دمشق ورجالاتها، وقد ترك ذرية كثيرة، وكلهم من الوجهاء وهم : عبد الغني باشا، ورضى بك، ورنيف بك، وفوزي بك، وجمال بك .

5- هلال بك ابن عمر العابد

هو أيضاً شقيق هولو باشا الاصغر، ومن وجهاء دمشق، وقد ترك ذرية كبيرة ومن ابنائه : علي بك، جميل بك، عمر بك، سعيد بك.

6- احمد عزت باشا العابد(1272-1343هـ / 1855-1924م)

 

هو أحمد عزت ابن هولو باشا، وهو والد الرئيس محمد علي العابد، من مشاهير الساسة في عهد انهيارالسلطنة العثمانية.

ولد بدمشق وتعلم بها وقرأ على الشيخ عبد الرحمن البوسنوي في المدرسة الجقماقية، وأجاد الفرنسيةوالتركية، ونظر في القوانين فأتقنها، ودخل في خدمةالدولة،  ُولي رئاسة محكمة الحقوق في سوريا عام 1878 م، وبعدها بعام عين رئيساً لجميع المحاكم فيسوريا ولبنان وفلسطين نظراً لكفاءته القانونية، وأصدر جريدة أسبوعية بالعربية والتركية سماها(دمشق).

رقي بعدها لمنصب مفتش عاما لمحاكم ولايةسلانيك عام 1884م، ثم نقل إلى عاصمة الخلافةرئيساً لمحكمة الاستئناف بها، ولم يمكث بهذاالمنصب سوى شهرين، حيث رقي إلى رئيس عام لمحاكم التجارة الأهلية والمختلطة، وظل فيمنصبه ستة أعوام. عين بعدها سنة 1891 م عضوا لدائرة التنظيمات في مجلس شورى الدولة.

اشتهر العابد حتى وصلت شهرته السلطان عبد الحميد فانضم إلى بلاطه واصبح قريناً له، ثم كاتباًثانياً. وكان خادماً للسلطان لمدة ثلاث عشرة سنة وما سقط إلا بسقوطه. ويعتقد محمد كرد عليفي كتابه المذكرات بأن ما ناله أحمد عزت باشا العابد من الجاه كان لنسبه العربي. عهد إليه السلطانبعدها بعضوية اللجان المالية ووثق به حتى جعله صديقاً خاصاً له وأمين سره.

كان أحمد عزت باشا العابد من أكثر المهتمين بإنشاء مشروع الخط الحديدي الحجازي، ويعتبر أول من أدخل الكهرباء إلى دمشق، وقد منحه السلطان عبد الحميد سنة 1901م وسام الافتخار المرصّع، وبنى السلطان ثلاثة قصور فخمة لأهم رجالات الدولة، كان أحدها من نصيب أحمد عزت باشا والذي نشرت صحيفة المنار آنذاك خبر تكلفة نقش غرفة واحدة فقط في القصر مع أثاثها ورياشها بنحو 5 آلاف جنيه آنذاك. وهذا المبلغ يشكل ثروة بحد ذاته..

و أحمد عزت باشا هو صاحب السرايا الضخمة في ساحة المرجة، و المعروفة باسم المنزول(بنايةالعابد/دائرة النفوس الشامية سابقاً)، ترك عند وفاته ثروة طائلة في الاستانة وفي الشام، و قدرتثروته بنحو ربع مليون ليرة من الذهب، تبرع بخمسة آلافمنها لبناء مدرسة بدمشق. توفي في مصرونقلت جثته إلى دمشق.

 

7- مصطفى باشا العابد ( …. – 1348هـ – …. – 1929م)

هو الشقيق الأكبر لأحمد عزت

ابن هولو باشا، أي أنهعم الرئيس محمد علي العابد، تقلد مناصب عليا فيالدولة العثمانية، أولها قائمقامية ثم متصرفية الكركثم ولاية الموصل، كان مقرباً جداً لوالي الشام المصلح(حسين ناظم باشا) وشُهد له بمكارم الأخلاق الحسنةوالسيرة الذاتية الطيبة.

شيد قصره في محلة المهاجرين عام 1907،  وقد جاء عند بعض المؤرخين بأن القصر أهداه ورثة مصطفى باشا لابن عمهم محمد علي العابد عندما تولى رئاسة الجمهورية سنة 1932م، ليكون مقراً له بمناسبة انتخابه أول رئيس للجمهورية السورية. لكن الأقرب للصواب بأن القصر تم تأجيره للحكومة ولم يكن هدية كما قال البعض، بدليل الخبر الذي نقله مهيار الملوحي عما جاء في جريدة الشعب لصاحبها محمد توفيق جانا(1878-1941) وكانت جريدة يومية سياسية عربية مصورة صدر عددها الأول في دمشق في 1 تموز 1927، والخبر نشر في العدد(2161) الصادر في 30 أيار عام 1935 وتحت عنوان:( قصر الرئاسة ..المالكون يطالبون بإخلائه) وجاء فيه  ما يلي :” رفع السادة:( مظهر وهولو ونهاد وعادل العابد)،أصحاب قصر المهاجرين، الذي يسكنه فخامة رئيس الجمهورية محمد علي العابد، عريضة إلى وزارةالمالية، جاء فيها أن مدة إيجار القصر تنتهي في 13 تموز سنة 1935، وإذا لم تدفع وزارة الماليةزيادة على ثلاثمئة ليرة ذهبية أجرة القصر في كل سنة، فإنهم سيضطرون لمراجعة المحاكم ذاتالاختصاص لإخلاء المأجور.”

ثم استلمته الدولة السورية من بعد محمد علي العابد، وجعلته قصراً جمهورياً .. حتىاستأجرت (قصر ناظم باشا) في عام 1943 إبان رئاسة فخامة الرئيس( شكري القوتلي) وجعلتهالقصر البديل ، ثم وفي عهد الأسد لاحقاً (1974)، هدم القصر هدم القصر .

أما اولاد مصطفى باشا فهم : هولو، مظهر، نهاد، وعادل . أما البنات فهنَّ: نازك، ثريا، عائشة،ورافية.

8- نازك مصطفى باشا العابد (1305-1379 هـ / 1887- 1959م) :

 

 

هي ابنة مصطفى باشا العابد، وابنة عم رئيس الجمهورية محمد علي العابد، وهي من سيدات المجتمع السوري ومن رموز الحركة التحررية النسائية، وهي مؤسسة ورئيسة جمعية النجمة الحمراء و شاركت في معركة ميسلون مع وزير الحربية يوسف العظمة عام 1920. أنشأت مصنعاً للسجاد اليدوي لمصلحة مدرسة بنات الشهداء، وانشأت مجلة نور الفيحاء.

9- عبد الرحمن بك العابد

وهو عبد الرحمن بن أحمد عزت باشا العابد، أي انه شقيق الرئيس محمد علي العابد، وكان من مشاهير وقدماء المهندسين والفنون العصرية. وقد درس في باريس هندسة المعادن، واشتغل بالمسائل المالية والتجارية كما ينقل لنا محمد كرد علي .  

خاتمة:

أرجو أن أكون قد وفقت في عرض هذه المادة، وأن أكون مساهماً في تقديم إضاءة عن واحدة من الشخصيات الوطنية السورية، وعن مرحلة من التاريخ السوري التليد قبل أن يأتي حزب البعث ويدمر الحياة السياسية في سورية، وأرحب من جانبي بأي ملاحظة أو تعليق أو تصحيح يترد في هذه المادة أو المواد التالية التي ستنشر في ذات السياق. 

المراجع:

  • منادمة الأطلال(ص: 354)
  • دمشق تاريخ و صور(الطبعة الثالثة, 1994 م). د. قتيبة الشهابي. مؤسسة النوري للطباعة و النشر و التوزيع, دمشق.
  • سوريا والانتداب الفرنسي – سياسة القومية العربية، ص.426
  • الروض البسام في أشهر البطون القريشية في الشام، ص 21-29
  • محمد علي العابد، الموسوعة العربية، 23 أغسطس 2011.
  • دمشق في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر.(الطبعة الآولى, 1998 م). تأليف ليندا شيلشر , ترجمة عمرو الملاح و دينا الملاح. مطبعة دار الجمهورية, دمشق.
  • سلامات.. من يذكر نازك العابد؟ . نصر الدين البحرة . جريدة تشرين. الخميس 27 كانون الثاني 2005.
  • موسوعة الأعلام. خير الدين الزركلي.
  • الصحيفة الرسمية. المراسيم الرئاسية
  • محمد كرد علي – المذكرات
  • فرسان الاقتصاد السوري وقادة مراحله، أبرز 15 مسؤولاً اقتصادياً في سورية الحديثة والمعاصرة – مجلة الاقتصادي(18 آب 2009).
  • اسماء العائلات الدمشقية الشامية.
  • ذوقان قرقوط – تطور الحركة الوطنية في سورية
  • عبد الرحمن الكيالي –  المراحل
  • عبد الرحمن الكيالي – الجهاد السياسي
  • جورج انطانيوس – يقظة العرب

 



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى