You dont have javascript enabled! Please enable it!
وثائق سوريا

كلمة فيصل العسلي في ذكرى وفاة الزعيم إبراهيم هنانو عام 1950

احتفلت سورية يوم الجمعة الرابع والعشرين من تشرين الثاني عام 1950 بالذكرى الخامسة عشر لوفاة الزعيم إبراهيم هنانو.

وبهذه المناسبة أقيم في حلب حفلاً في الساعة الثانية والنصف من يوم الجمعة  ألقى فيه سعيد الحكيم الأمين العام  لـ الحزب التعاوني الاشتراكي كلمة فيصل العسلي زعيم الحزب .

افتتح الحفل بالوقوف دقيقة صمت على روح الفقيد، ثم تحدث عريف الحفل السيد ميخائيل ليان زعيم حزب الشعب الذي اقام الحفل على ما يبدو. والصحف الصادرة حينها كتبت تعليقاً على الكلمة :”هل يدعو فيصل العسلي إلى الائتلاف مع حزب الشعب”.


فيصل العسلي زعيم الحزب التعاوني الاشتراكي

نص الكلمة:

(سلام عليك يا إبراهيم، بالأمس رفعت الأمة للزعامة منك مثالاً، واليوم تنحني خاشعة احتراماً لك وإجلالاً.

فسلام عليك يا إبراهيم، كذلك نجزي المحسنين.

آمنا بعبقريتك، ثائراً، وقائداً، وزعيماً. جعلت من الفرقة الفة، ومن الألفة أمة، آمنت بزعامتك فانصاعت لقيادتك، ثم تحركت بحركتك، وثارت بثورتك، فقدتها من ظفر إلى ظفر، ومن نصر إلى نصر في كفاح مرير، وجهاد طويل، لم يحل بينك وبينه ضعف جسمك، صارعته حتى أفنيته، فحال القدر أخيراً بين بلاسمك ونضالك، وروحك ومنالك، فانتقلت إلى عالم الغيب والشهادة، وصرت إلى مراتب الشهداء، فشغر في الأمة مكانك، فما كان ليملأه رمز الوطنية وبطل الجهاد، صديقك وجنديك “سعد الله” حتى اختطفته يد المنون وحرمت الأمة منه.

أنها نقمة القدر على الناس، وغضبة السماء على الأرض.

لقد تحدانا القدر بك فغلبنا، ونازع الزمان غيرك، فما أحسست إلا مالهم وجوداً، لأن سرك في نفسك كان مثل ظاهرك، وغيرك في عنوانه كان خلافاً لما أنطوت عليه نفسه.

لسنا في معرض مديحك اليوم، إنك لأسمى من أن تطمئن نفسك للمديح وأمتك على شفا الهاوية مشرفة على الهلاك، لقد اعتصمت بالأمة بعد الله في محنتها، يوم كان المستعمر مستبداً ظلمه قائم، وطغيانه جارف، فأبيت إلا أن تنتصر لكرامتها، وتبعث الآمل فيها، انها ابتلتك ثم جربتك، فلما وجدتك صلباً لا تلين، ومؤمناً لا تتزعزع، انحنت لشخصك، وخضعت لارادتك، ومشت في ركابك.

نعم لقد اعتصمت الأمة بك في محنتها، واليوم وقد طال سباتها، واستكان الكثيرون منها، تزحف إليك جماهيرها من جديد، لتستلهم من روحك، وتهتدي بنورك، رافعة صوتها، ومعلنة غضبتها، فويل لمن يصم بعد اليوم عنها آذنه، وطوبى لمن خرج من عزلته، وترك حياده، وعرف كيف يؤدي واجبه، فأرضى ربه وضميره.

ان في الحياد لمجبنة وشللاً للقوى، وإنني لأحذر منه، إنه في يوم محنة تلتمس فيه الأمة لنفسها أنصاراً، ولحقها رجالاً، جريمة لا تغتفر، واحذر من غفلة، وفي الغفلة موت، وأنبه من استكانة، وفي الاستكانة فناء، وما ندري كيف تصعقنا النكبة، وتفجأنا النازلة، ونحن في غفلة ساهون.

يا أخواني الأعزاء

إن الأمر يعلن عن نفسه بنفسه، فما يجدي أن نذر في أعيننا الرماد، وندفن رؤسنا في الرمال فالعلة بادية، والمرض مستشر والضمائر يقلقها سوء المصير، ولا بد لنا أن نواجه الحقائق بقوة وصراحة متحملين في سبيل ذلك كل تبعة أو مسؤولية، ولئن سكتنا تجرعنا مرارة العصبية ووقعت “الكارثة” وهلكنا وهلك الناس جميعاً.

كم من مرة حذرت في الماضي لتفادي الكوارث واقترحت حلولاً عمليه، فما استمع إلى، حتى وقع ما توقعته، ونزل بالأمة ما نزل، وليس أدل على ذلك مما نحن فيه اليوم.

وإنني الآن لأشهدكم، كي ابرأ أمام الله ووطني وأمتي، إنني أحذر من كارثة ومصيبة كبرى ستهلك الحرث والنسل.

ذئاب ضارية على الأبوب تتحفز للإغارة علينا، ونحن لا حراك بنا، كان “خطر إسرائيل” ألفاظ لا تعني دمار الوطن وخراب البيوت وانتهاك الأعراض وضياع الثروات بل كان إسرائيل الرابضة على حدودنا هازلة حين تعلم شبابها ونسائها وأطفالها ” من النيل الى الفرات هذه أرضكم الموعودة” فلا يقولن أحد “ذاك يوم بعيد” فقد قالها غيرنا من قبل، وحق لنا أن نعتبر.

أيها السادة: لئن كنا في نجوة من الحرب اليوم، فلسنا في نجوة منها غداً ولا من مصائب، ان لم تفق نكبات الحرب، فهي معها على كفتي ميزان. فلا يبرر صراعها واحتكاكنا اختلاف المناهج، ولا تباين المبادئ في حين عدونا يحشد ويجند، بل لابد لنا أن نميل إلى مسالمة، ونجنح إلى هدوء فتدفن الأحقاد، وتتصافى القلوب ولو حين، حتى ندرأ خطر الكارثة، ونبعد الدمار عن الوطن.

مثل هذا الأمر دفعنا إلى التضامن والائتلاف.

لقد ائنتلفنا مع غيرنا من الأحزاب لضرورة وطنية، وكم كنت أود لو ان هذا الائتلاف، تحقق كما سعيت سابقاً، بمعناه الكامل الشامل، لتقي الأمة خطر الانقسامات في ظرف حرج، النار فيه تحت الرماد، ولقد ارتضى دعوتنا من ائتلفنا معهم من الأحزاب الوطنية، وابتعد عنها غيرها ممن لا نزال لهم أصدقاء، وما بدل من اعتقادنا، في صحة دعوتنا، وصدق صيحتنا، ترك التاركين، لأن لنا في تاريخ الأمم الناهضة أمثلة تؤيد ما ذهبنا إليه، ونادينا به، فتلك بريطانيا يزحمها الخطب، وتدوي قنابل العدو في مدنها، فيهب قادة أحزابها، محافظين واشتراكيين وأحراراً، ليأتلفوا في حكم مشترك، وميثاق للعمل موحد، لا يذكرون خصومه ولا يفترقون على مبدأ، بل همهم قبل كل شيء “حياة الوطن” ولا يعني ائتلافنا أننا انصهرنا في حزب واحد.

ان الحزب التعاوني حزب قائم بذاته مستقل فيما رسمت له من مبادئ ومناهج، ولست مقيداً الا بما اشتركت بوضعه وتصميمه مع غيري من الأحزاب في سبيل انقاذ الوطن من “الكارثة”.

إنني لا التتمس لنفسي معذرة، وقد كنت ولا أزال مؤمناً بالائتلاف، وجمع الكلمة لصالح أمتنا وصيانة استقلالنا، وسوف يكون الشعب خير حاكم لي أو علي في المستقبل.

أما أولئك الكائدون الذين مكروا بنا ولا يزالوا يمكرون فليعلموا أن الحركة التعاونية بفضل الله تقوى وتشتد وإلى كل بيت تمتد، وأن كيدهم سيرتد إلى نحورهم ولهم بماض قريب عبرة حسنة لمستقبل غير بعيد.

لقد بدد الله كل ما أحاطني به خصومي من الخرافات، ومحقت بإذن الله كل افتراء لهم وبهتان، وسأسير عازماً ومتوكلاً على الله، بعناد ليس بعده عناد وجهد لا يعرف الملل إلى أن أبلغ المنى وأحقق الهدف ألا وهو “نهضة شعبنا وعظمة وطننا ان شاء الله” ولسوف يذكرنا الشعب قريباً ويرى أن الوطنية الصادقة والإرادة المؤمنة إنما تقود جنودها، وجنودها يقودون أمة، إلى عظمة ومجد محققين.

أيها الساسة، والقادة والحكام

ان نذر الشر تقرع قلوبنا جميعاً واستقلالنا بخطر محقق، وقد آلينا على أنفسنا أن نصونه مهما كلفنا الثمن فمن أضاعه او تهاون في حمايته لحقه عار الخيانة وسيذوق عذاب الحريق ولكل أجل كتاب.

فيصل العسلي

زعيم الحزب التعاوني الاشتراكي).

المصدر
صحيفة الجبل- دمشق، العدد 1137 الصادر يوم الأحد السادس والعشرين من تشرين الثاني عام 1950



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى