You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

ميشيل عفلق عام 1947: للأمة العربية عمل شعبي واحد

للأمة العربية عمل شعبي واحد .. من مقالات ميشيل عفلق التي نشرت في صحيفة البعث في الحادي عشر من آذار عام 1947.


 أيها الإخوان:

في هذا الاجتماع الذي نعقده اليوم لتكريم وفد كريم لقطر عربي شقيق، يحلو لي إن أبدا كلامي بشعور شخصي شعرت به دوماً في نفسي، وهو أنني لا أتصور قوميتي العربية تصوراً واضحاُ قوياُ إلا عندما اتصل بعرب بعيدين عن سورية، أو أشارك في العمل لقضية قطر عربي بعيد. في مثل هذه الحالات تتجسم في نفسي هذه الصلة القومية العميقة التي تفوق الوصف، ويمتلئ طريق العمل أمامي بالنور، وتبدو الأهداف واضحة جلية. هذا ما شعرت به قبل ست سنوات عندما أعلن العراق حربه الجريئة على بريطانيا، وقبل ثماني عشرة سنة عندما جمعتنا أيام الدراسة والنضال بإخواننا عرب المغرب في أوروبا، ومنذ عهد قريب عندما اخذ مناضلو المغرب العربي يفدون علينا في هذه البلاد، وفي هذه الأشهر الأخيرة عندما وردت إلينا رسائل من أحرار اليمن المضطهدين يؤيدون فيها حركة البعث العربي ويذكرون لصحيفة “البعث” اهتمامها بقضية الشعب العربي في اليمن، وفي هذه الأيام الأخيرة التي سنحت فيها لنا الفرصة بأن نلقى إخواننا الآتين من السودان، هذا القطر العربي العزيز الذي كادت صلتنا به تنقطع مع الأيام، بالرغم من انه موطن شعب عربي أصيل وقبائل عربية معروفة.

إنني في مثل هذه الحالات اتجه بفكري وقلبي إلى الله احمده واشكره على أن خلقنا عرباً وجعل الوطن العربي في مثل هذا الاتساع، فجعل بذلك النفس العربية واسعة رحبة الأرجاء.

أيها الإخوان:

إن وفد السودان يأتي ليشرح لإخوانه العرب شكاة طالما عرفها العرب وشكوا منها ليس في السودان فحسب، بل في أكثر أقطارهم، وخاصة في سوريا ولبنان ألا وهي المهزلة الأزلية التي يصطنعها المستعمر اللئيم، انكليزياً كان أم أفرنسيا أو ايطالياً؟ مهزلة التجزئة والانفصال فهل نحن غرباء عن هذه المآسي التي ظلت سورية إلى الأمس القريب مسرحا لها، وهل نحن حقاً بحاجة إلى الاطلاع على أكاذيب الاستعمار وأراجيفه، وهو الذي يختلق أقليات وهمية يدعي الغيرة عليها، ويصطنع أقاليم يتظاهر بالحرص على استقلالها ونمو شخصيتها؟

إن كلمتنا للاستعمار هي واحدة لم تتغير منذ اليوم الأول الذي دنست فيه أقدامه أرضنا وعكرت أكاذيبه صفاء جوّنا: إننا لا نعرف للاستعمار دافعاً غير دافع النهم والجشع، ولا نعرف لاحتلاله صفة غير صفة العدوان والإجرام. ولم نصدق في يوم من الأيام أن الاستعمار، وهو المدفوع بالشهوات الحقيرة، المشحون بأساليب المكر والعدوان، يمكن أن يكون أكثر منا غيرة على أنفسنا، وحرصاً على حرية بعض أجزاء وطننا وبعض فئات شعبنا. انه مفضوح في عدوانه وروغانه، فلنكن صرحاء في جهاده ومحاربته.

تلك كلمتنا للاستعمار: أما كلمتنا لأنفسنا فهي: إن الحركة العربية الواعية لا يمكن إن تتساهل في أمر الوحدة القومية أو تسكت عن مزاعم الانفصال، سواء أكان ذلك في مصر والسودان، أم في سورية ولبنان. أما ما يتذرع به أعوان الأجنبي القلائل وبعض الإفراد والفئات المخدوعة بحججهم من دفاع عن الحرية، وخوف من طغيان قطر على آخر وفئة على أخرى فجوابنا عليه هو: إن للعرب حرية كبرى، هي مصدر وضمان لجميع الحريات الجزئية: الحرية القومية التي تضمن لهم خلاصهم من الاستعباد، وإنقاذ ثروات أرضهم من سلب الأجنبي، وإنقاذ عقولهم ومواهبهم من الخنق والتشويه، الحرية التي تسمح لهم باستلام مصيرهم بأيديهم من جديد.

ولكن هذه الحرية القومية الكبرى لن تتحقق ما دام الشعب العربي بعيداً عن استلام مقدراته بيده، إذ الواقع إن الشعب بعيد عن قضيته حتى في الأجزاء التي استقلت وتخلصت كل التخلص أو بعضه من نير الاستعمار. فالطبقة الحاكمة في البلاد العربية هي بحكم تركيبها وتربيتها ومصالحها عاجزة ـ إن لم نقل كارهة ـ عن تحقيق التحرر القومي التام، وتحقيق الوحدة بين أجزاء ارض العرب، لأنها عاجزة عن تحقيق الوحدة بين قلوب العرب.

إزاء هذا الواقع المؤسف المؤلم ليس أمام الشعب العربي إلا طريق واحد، انه لن ينتظر من الحكومات والفئات الحاكمة ان تفسح له مجال العمل، بل عليه إن يدخله، ومتى دخل الشعب خرجت الفئات الاستغلالية. ثم شيء واحد يقوي حق العرب في تدعيم نضالهم في الطريق الشعبي الحر، فتكون هكذا كل خطوة من خطى هذا النضال، بإضعافها لحكم الاستئثار والاستغلال مضعفة لحجج الناقمين وذرائع المنكمشين الانفصاليين، كما تكون مقوية لارتباط المواطنين العرب بقضيتهم. وكاشفة عن قوى الشعب العربي الحقيقية التي ما يزال أكثرها دفيناً مهدوراً والتي هي وحدها قادرة على اكتساح قوى الاستعمار الأجنبي الغاشم، وتطهير الأرض العربية المقدسة من ادرانه وآثامه. هكذا تعود الأشياء إلى طبيعتها وتظهر على حقيقتها ويقتنع العرب والعالم بأن في الكيان الحي السليم، الذي هو كيان الأمة العربية ويتحقق ماعز تحقيقه على الكثيرين، إلا وهو: ائتلاف حرية الفرد والجماعة مع وحدة الأمة، وانسجام حق المواطن مع قوة الدولة.

إن التعبير العملي عن هذه الفكرة هو تشكيل حزب عربي واحد في اتجاهه وقيادته وخططه في جميع الأقطار العربية، لأن الأمة العربية غدت في أمس الحاجة إليه لكي تظهر قواها وإمكانياتها كاملة.

وان هذه القوة والإمكانيات كفيلة ليس بتحرير العرب من كل استعمار فحسب بل بأن تنشي وتقدّم للعالم حضارة عربية جديدة.

11آذار1947


انظر مقالات  ووثائق ميشيل عفلق:

في الثلاثينيات:

عهد البطولة 1935
ثروة الحياة 1936

في الأربعينيات:

 القومية حب قبل كل شئ 1940
 القومية قدر محبب 1940
في القومية العربية
1941
نفدي العراق 1941
ذكرى الرسول العربي 1943
التفكير المجرد 1943
واجب العمل القومي
1943
الإيمان
1943
المثالية الموهومة
1943
المثالية الواقعية
1943
المعركة الانتخابية الأولى
1943
حول الاعتداء على استقلال لبنان 1943
الجيل العربي الجديد 1944
الأرض والسماء
1944
موقفنا من النظرية الشيوعية
1944
السياسة الأمريكية حول فلسطين
1944
حول السياسة الأميركية والهجرة اليهودية 1945
موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية
1945
مقابلة ميشيل عفلق مع مجلة النضال
1945
بيان حزب البعث العربي حول مشاكل العرب السياسية  1945
بيان حزب البعث حول الإتفاق البريطاني – الفرنسي “بيفن – بيدو”  1945
حول الرسالة العربية
1946
معالم الاشتراكية العربية
1946
المعاهدة الأردنية – البريطانية
1946
بذور البَعث
03.07.1946
 علة الضعف في سياستنا الخارجية
10.07.1946
الصيغة الجديدة للوطنية
17.07.1946
 الجمهورية والحرية ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري
18.08.1946
المعارضة والقضية العربية
21.07.1946
السياسة الرسمية وشعور الأمة 27.07.1946
السياسة المعكوسة
31.07.1946
فلسطين لا تنقذها الحكومات بل العمل الشعبي
06.08.1946
لماذا نحرصُ على الحرية معركة الحرية معركة حياة أو مَوت 09.08.1946
العرب والوحدة .. متى يصبح استقلالنا إيجابياً
12.08.1946
الجمهورية والحرية .. ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري
18.08.1946
لا تزال قضيتنا قضية تحرر قومي
19.08.1946
 موقف الحزب من الحكومة
30.10.1946
موقفنا من الحكومة الحاضرة
27.01.1947
كلمة ميشيل عفلق في افتتاح المؤتمر التأسيسي 
04.04.1947

انظر ايضاً:

ميشيل عفلق: التنظيم الإنقلابي

ميشيل عفلق: البعث العربي هو الانقلاب

ميشيل عفلق: حزب الانقلاب

ميشيل عفلق: الدور التاريخي لحركة البعث

ميشيل عفلق: الحركة الفكرية الشاملة

المراجع والهوامش:

(1). صحيفة البعث - دمشق، العدد الصادر في 11 آذار 1947

المصدر
ينشر بالاتفاق مع موقع "في سبيل البعث" وأسرة ميشيل عفلق، موقع التاريخ السوري المعاصر



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى