You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

ميشيل عفلق عام 1946 : لماذا نحرصُ على الحرية معركة الحرية معركة حياة أو مَوت

لماذا نحرصُ على الحرية معركة الحرية معركة حياة أو مَوت .. من مقالات ميشيل عفلق التي نشرت في افتتاحية صحيفة البعث في التاسع من آب عام 1946م.


نص المقال:

كانت عقيدتنا دوماً أن الحرية ليست شيئاً كمالياً في حياة الأمة يمكن الاستغناء عنه، بل أنها أساس هذه  الحياة وجوهرها ومعناها. والحرية لاتتجزأ فلا يمكن أن نثور على الاستعمار الأجنبي ثم نسكت عن الاستبداد الوطني، لأن الدافع الذي كان يحركنا ضد الاستعمار هو نفسه الذي يمنعنا الآن من الرضا بالاستبداد. ونحن مقتنعون بأن الاستعمار هو خطر ماثل دوماً، ممكن الوقوع أبداً، فإذا عوّد الشعب على الاستهانة بالحرية والرضا بالخنوع، كان معرضاً في كل دقيقة لعودة الاستعمار الأجنبي من جديد. أما الذين لايستطيعون أن يحكموا الشعب إلا إذا استعبدوه، فهذا الشعب الذي غلب الاستعمار سوف يريهم كيف يستطيع التخلص من حكمهم والتحرر من عبوديتهم.

إن الفئة المتحكمة اليوم بمصير البلاد مسوقة حتماً إلى استغلال الحكم بكل الوسائل، لأنها مضطرة إلى إرضاء الأسر الكبيرة التي إنما جاءت هذه الفئة إلى الحكم لتمثل مصالحها، والى إرضاء الأنصار الذين تعتمد عليهم، وتيسير مصالح كبار التجار الذين يسندونها في الظروف الحرجة. ولكن هذا الاستغلال لثروة البلاد ووظائف الدولة ليس هو اكبر اخطار هذه الفئة، لأن البلاد قد تحملت من استغلال المستعمر وسرقاته ما هو أشد وادهى، واستطاعت بالرغم من ذلك أن تحفظ بقواها النضالية وتظفر آخر الأمر باستقلالها، ولكن الخطر الحقيقي الجسيم هو في أن الفئة الحاكمة، لكي تصل إلى ما تريد من استغلال لثروة البلاد ووظائف الدولة، لا تستطيع أن تلجأ، كما كان يفعل المستعمر، إلى قوة الجيش، أو أن تتذرع بحق الفتح، ولا بد لها لذلك من أن تحتال على دستور الدولة وقوانينها، لكي تحول دون مراقبة الشعب لها، واعتراضه على اعمالها، ومن هنا يأتي عداؤها للحرية واعتداؤها عليها.

هكذا تبيح الفئة الحاكمة لنفسها أن تضحي بأهم مقومات حياة الأمة وأقدس قيمها، وهي الحرية، في سبيل ضمان الاستغلال المادي، فالحرية لا تعني غير تربية الشعب تربية أخلاقية قومية صحيحة. اما الشعب الذي يحال بينه وبين الاطلاع على الحقيقة ويرى الخطأ فلا يتمكن من إصلاحه، ويلمس الفساد الصارخ فلا يسمح له بأن يرفع صوته في وجهه، ويشاهد إرادته تشوه أمامه فيراض بالضغط والحيلة والرشوة على قبول هذا التشويه، والنظر إلى مشوهي إرادته، وخائني أمانته، على أنهم ممثلوه الشرعيون الحقيقيون، إن شعباً كهذا لا يقوده الحكام نحو الاستقلال والحكم الذاتي، بل يقتلون فيه الفضائل التي كسب بها استقلاله ويطفئون في قلبه الشعلة التي وعى على ضوئها ذاته، ويعرضون حرية وطنه للضياع، لأنهم أفسدوا عليه معنى الحرية.

وبعد، فلسنا في حرصنا على الحرية ودفاعنا عنها نتعلق بشيء نظري لا علاقة له بالواقع، فالحرية هي التي تسمح للشعب أن يعرف أين يذهب خبزه اليومي، وكيف تبذر ثروته وثمار عمله وإنتاجه، ولماذا يتلاعب الحكام بالوظائف ويفسدون الضمائر ويعبثون بالكفاءة، ويستعبدون النزاهة، لكي يضمنوا نجاحهم في الانتخابات، ويبقوا البلاد في قبضتهم مانعين عنها كل تقدم، فارضين عليها الاستمرار في التدهور الأخلاقي والإفلاس المادي.

والحرية هي التي تتيح للشعب أن يعرف المدى الذي بلغه في تحقيق استقلاله وتوطيده، والنواقص التي تشوب هذا الاستقلال والأخطار الأجنبية التي تهدده فيدرك السبب في هذا التقصير الملموس تجاه قضية حيوية كقضية فلسطين. ويعرف السر في هيمنة النفوذ الأجنبي على سياستنا العربية، وانحصارنا في نطاق هذا النفوذ وتقيدنا به. ويطلع أخيرا على تغلغل الشركات الأجنبية في بلادنا، وابتلاعها لنقدنا وثرواتنا واستبدادها بعمالنا، وتآمرها علينا بشكل يجعل من استقلالنا هيكلاً عظمياً لا لحم فيه ولا دم.

فالدفاع عن الحرية إذن هو دفاع عن حياتنا، لذلك فمعركة الحرية ستكون معركة حياة أو موت، ولن تخدعنا تلك الحجج الواهية التي تتذرع بها الحكومة لتقول أن للحرية أضرارا ومحاذير. فنفع الحرية يربو على ضررها، وان اطمئناننا على سلامة أرضنا وأخلاق أمتنا، ومستقبل أجيالنا، لأعز علينا وأغلى عندنا من الحرص على هيبة الحكم وراحة الحاكمين.

ليست الحرية مواد في الدستور، ونصوصاً في القوانين، وليست هي مجرد موضوع للخطابة والكتابة، ولكنها عمل قبل كل شيءً، إنها لن تدخل حياتنا مالم نرخص الحياة في سبيلها، ولن نفرض على الحاكمين احترامها، ونشعر الشعب بقيمتها وقدسيتها، إذا لم يكن إيماننا بها جهاداً، ودفاعنا عنها استشهاداً.

9آب 1946


انظر مقالات  ووثائق ميشيل عفلق:

في الثلاثينيات:

عهد البطولة 1935
ثروة الحياة 1936

في الأربعينيات:

 القومية حب قبل كل شئ 1940
 القومية قدر محبب 1940
في القومية العربية
1941
نفدي العراق 1941
ذكرى الرسول العربي 1943
التفكير المجرد 1943
واجب العمل القومي
1943
الإيمان
1943
المثالية الموهومة
1943
المثالية الواقعية
1943
المعركة الانتخابية الأولى
1943
حول الاعتداء على استقلال لبنان 1943
الجيل العربي الجديد 1944
الأرض والسماء
1944
موقفنا من النظرية الشيوعية
1944
السياسة الأمريكية حول فلسطين
1944
حول السياسة الأميركية والهجرة اليهودية 1945
موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية
1945
مقابلة ميشيل عفلق مع مجلة النضال
1945
بيان حزب البعث العربي حول مشاكل العرب السياسية  1945
بيان حزب البعث حول الإتفاق البريطاني – الفرنسي “بيفن – بيدو”  1945
حول الرسالة العربية
1946
معالم الاشتراكية العربية
1946
المعاهدة الأردنية – البريطانية
1946
بذور البَعث
03.07.1946
 علة الضعف في سياستنا الخارجية
10.07.1946
الصيغة الجديدة للوطنية
17.07.1946
 الجمهورية والحرية ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري
18.08.1946
المعارضة والقضية العربية
21.07.1946
السياسة الرسمية وشعور الأمة 27.07.1946
السياسة المعكوسة
31.07.1946
فلسطين لا تنقذها الحكومات بل العمل الشعبي
06.08.1946
كلمة ميشيل عفلق في افتتاح المؤتمر التأسيسي 
04.04.1947

انظر ايضاً:

ميشيل عفلق: التنظيم الإنقلابي

ميشيل عفلق: البعث العربي هو الانقلاب

ميشيل عفلق: حزب الانقلاب

ميشيل عفلق: الدور التاريخي لحركة البعث

ميشيل عفلق: الحركة الفكرية الشاملة

المراجع والهوامش:

(1). افتتاحية جريدة "البعث"، العدد الصادر في 9 آب 1946.

المصدر
بنشر بالتنسيق مع موقع في سبيل البعث وأسرة ميشيل عفلق، التاريخ السوري المعاصر



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى