مقالات
مروان حبش: حزب البعث بعد حركة 23 شباط وحتى المؤتمر القومي التاسع
مروان حبش– التاريخ السوري المعاصر
كان أول عمل قامت به القيادة القطرية المؤقتة التزاماً بما ورد في بيانها صبيحة 23 شباط هو تشكيل لجنة اتصال قومي، وفي رسالة مطولة لها بتاريخ 25 شباط، وجهتها إلى جميع منظمات الحزب في الأقطار العربية وخارجها، دعت فيها هذه المنظمات إلى التعاون معها لعقد مؤتمر قومي في أقرب وقت ممكن، وطلبت إرسال رفيق عن كل منظمة ليمثلها في هذه اللجنة، للبحث في تقرير الخطوات التي تحافظ على وحدة الحزب القومي.
أوفدت أغلب منظمات الحزب القومية ممثلين لها، وحضروا جلسات المؤتمر القطري الثاني الاستثنائي الذي عُقد في آذار 1966، واتخذ المؤتمر القرارين التاليين:
أولاً: يؤكد المؤتمر على وحدة الحزب القومية، ويعتبر أن قومية الحزب منبثقة عن إيمان جميع المناضلين بهذه الحقيقة التاريخية، وليست مرتبطة بأشخاص معينين نصّبوا أنفسهم أوصياء على الحزب.
ثانياً: يؤكد المؤتمر أن الحل الأمثل للحفاظ على وحدة الحزب القومية يجب أن تتم من خلال مؤتمر قومي تاسع منتخب من قواعد الحزب، وتحقيقاً لهذه الغاية تُشكل لجنة تحضيرية تُمثل مختلف منظمات الحزب القومية تقوم بالإعداد لهذه الانتخابات والإشراف عليها.
وكلف المؤتمر القيادة القطرية المنتخبة باستمرار الاتصال بالمنظمات القومية بغية تبادل الآراء للمحافظة على وحدة الحزب من خلال الحلول الديمقراطية.
في اجتماع ما بين 18-21 نيسان 1966، حضره ممثلون عن غالبية المنظمات، انبثقت لجنة تحضيرية للإعداد لمؤتمر قومي منتخب، وكانت هذه اللجنة من منظمات: العراق، سورية، الأردن، لبنان، اليمن، ليبيا، السودان، الجزيرة العربية. وعليها أن تدعو المؤتمر خلال مدة أقصاها أربعة أشهر.
عقد المؤتمر القومي التاسع في النصف الثاني من أيلول، دون أن يحضره مندوبون عن منظمة الحزب في العراق، وقبل انعقاد المؤتمر نشط الملتزمون بالقيادة القومية السابقة لمحاولة التشكيك بصحة تمثيل أعضاء اللجنة، وتضليل المنظمات بمختلف الأساليب لمنعها من الاستجابة لدعوة اللجنة، والطلب إلى العناصر في بعض المنظمات إتباع أسلوب المناورة والمماطلة لتأخير عقد المؤتمر كي يتمكنوا من تنفيذ مخططاتهم، ووضح هذا في سلوك بعض قادة المنظمة في العراق الذين كانوا على اطلاع بمؤامرة الرزاز- فهد الشاعر للإطاحة بالوضع القائم في سورية.
وقد جاء في تقرير اللجنة التحضيرية المقدم إلى المؤتمر حول قيادة قطر العراق: (إن الطابع العام لموقف قيادة قطر العراق هو التردد، هذا التردد الذي يُشتمَُّ منه بأنه تردد مُنتظِرٍ لأحداث جديدة، مما يحملنا على الشك بأن القيادة هناك قد خُدعت بأساليب الجماعة العفلقية- الرزازية وبادعائهم التكتيكي بأنهم سوف يغيرون الوضع القائم في القطر السوري لصالحهم… إن جميع الدلائل تشير إلى أن تطورات موقف القيادة القطرية العراقية يأخذ هذا المنحى المتردد والمنتظر.
وأصدرت قيادة قطر العراق نشرة بعنوان: (أزمة الحزب القومية ومساعي القطر العراقي لحلها) جاء فيها: (لقد اطّلع الحزب هنا على رأي القيادة القطرية السورية من خلال رسائلها والظروف التي أدّت إلى وقوع أحداث 23 شباط، ورغم أننا لا نريد أن ننفي ادعاءاتها أو نؤكدها فإن ذلك متروك للمؤتمر القومي الذي يحكم لها أو عليها وهو المسؤول عن إعطاء التقييم السليم لما حدث.
لقد طالب الحزب في البيانات التي أصدرها وفي الرسالة التي بعثها إلى القيادة القطرية السورية والتي بيّن فيها بأن دعوة المؤتمر القومي الثامن لدورة استثنائية هو القادر على إخراج الحزب من هذه الأزمة.
ولكن المعلومات التي كانت قد وصلت إلى الحزب تؤكد بأن رأي القيادة القطرية السورية هو عقد مؤتمر قومي تاسع يُدعى بواسطة لجنة تحضيرية من قِبل كافة المنظمات الحزبية وعلى مختلف مستوياتها، لانتخاب لجنة تُشرف على إجراء الانتخابات الحزبية في جميع المنظمات.
لذا فإن القيادة القطرية في العراق رغبة منها بعدم الانفراد باتخاذ الموقف فقد عرضت الصيغة التي يريدها القطر السوري في عقد المؤتمر على المنظمات الحزبية في هذا القطر للتشاور معها في ذلك.
وبعد المشاورة توصلت القيادة القطرية إلى اقتراح بإرسال مندوب يحمل وجهة نظرها والتي تتلخص بتشكيل لجنة حزبية من العراق ولبنان والأردن وسورية وبقية الفروع إن ارتأت ذلك، للاتصال بأعضاء القيادة القومية المعتقلين منهم وغير المعتقلين والطلب إليهم الدعوة إلى عقد المؤتمر، فإن رفضت القيادة القومية تجري هذه اللجنة الاتصال بكافة المنظمات الحزبية للحصول على الطلب الذي يجيز دعوة المؤتمر ويُلزم كافة المؤتمرين بالحضور.
أما إذا رفض القطر السوري ما توصلت إليه اللجنة من اقتراحات فبعد ذلك يعود ممثلو الأقطار للاتصال بقياداتها ودراسة الموقف لاتخاذ الموقف الذي يحقق وحدة الحزب).
كانت قيادة قطر سورية واللجنة التحضيرية حريصتان على استمرار الحوار مع قيادة قطر العراق رغم ترددها، وهذا الحرص نابع من التمسك بوحدة الحزب، ومن استمرار الوقوف مع الرفاق في العراق الذين يُعانون من اضطهاد سلطة عبد السلام عارف ويُعانون في معتقلاته منذ انقلاب 18 تشرين 1963.
ودرءاً لخطر الانشقاق في الحزب في العراق، لم تقف القيادة القطرية في سورية بادئ الأمر مع قواعد الحزب في العراق الذين تداعوا، بعد أن جابهت القيادة القطرية موقفهم بضرورة القبول بعقد المؤتمر القومي التاسع وإجراء الانتخابات، إلى انتخاب مؤتمر أرسل برقية أيّد فيها المؤتمر القطري السوري الثاني الاستثنائي وأبدى استعداده لإجراء الانتخابات وحضور المؤتمر القومي التاسع.
استمرت قيادة القطر في العراق بمناوراتها وبدلاً من مراجعة مواقفها ودراسة هذه الظاهرة واستيعابها، قامت بما سمّته إجراء تعديلات على “ملاكات الحزب” وهددت بعدم السماح بالاتصالات الجانبية ووصفت الخارجين عن رأيها بأن لهم “غايات شخصية وأحلام فردية”.
سمّت القيادة القطرية الجديدة في العراق الرفيق حسين التكريتي، المقيم في دمشق منذ انقلاب تشرين، مندوباً لها لحضور اجتماعات اللجنة التحضيرية، ورغم مشاركته في مناقشات اللجنة وتصويته على قراراتها المتعلقة بالانتخابات الحزبية وبعقد المؤتمر القومي التاسع ، كان يترك أمر تنفيذها لأوامر جديدة من القيادة في العراق بذريعة أنه يحضر الاجتماعات بصفة مراقب، وتارة بصفة مستمع، وأخرى بصفة عضو أصيل، وأنه حضر بتكليف شفهي من الرفيق أبي هيثم”البكر” وينتظر التكليف الخطي، وذهب مندوب الحزب في سورية ثلاث مرات إلى بغداد لإحضار التكليف، ولمّا وصلت رسالة التكليف، كانت قد انتهت اجتماعات اللجنة التحضيرية، ولم يطرأ أي جديد على مالوقف العراقي، واقترحت الرسالة دعوة مجلس قومي أو استشاري. وبعدها وفَدَ من منظمة قطر العراق مندوب ثان وثالث لإبلاغ موافقتهم على اللجنة وعلى إجراء انتخابات حزبية وعقد مؤتمر قومي تاسع، ولكن يجب أن يتم ذلك بدعوة القيادة القومية لانعقاد المؤتمر.
كان لابد من البتّ بشأن هذه المناورات بأن أرسلت القيادة القطرية أحد أعضائها الرفيق “مصطفى رستم” إلى بغداد ومناقشة الأمر بوضوح مع الرفيق أحمد حسن البكر الذي أبدى اقتناعه واقتناع القيادة القطرية باللجنة التحضيرية وموافقتهم على إجراء الانتخابات وعقد المؤتمر القومي التاسع، وأكدوا بأنهم سيرسلون مندوبهم إلى اللجنة واعترفوا بأنهم ترددوا في البداية فعلاً خوفاً من وقوع انشقاق فقط.
انتظر عضو القيادة القطرية السورية أن يحصل خطياً على ما نقله له الرفيق البكر في لقاء جديد بينهما، ولكنه فوجئ برسالة من الرفيق البكر يعلن فيها أنّ لا حاجة للمقابلة، ولا لبحث أي موضوع. و تجاه ذلك وجّه الرفيق رستم إلى الرفيق البكر الرسالة التالية:
رسالة مصطفى رستم إلى أحمد حسن البكر عام 1966
وقد أجابت اللجنة التحضيرية على هذه الرسالة بالرسالة التالية:
رسالة اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي التاسع إلى قيادة البعث في العراق عام 1966
ومنذ أسبوعين تقريباً تلقينا “اللجنة” إشعاراً من قيادة قطر العراق بالصيغة التالية:
القيادة القطرية السورية
اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي التاسع – مكتب شؤون العراق
قررت القيادة القطرية الاشتراك في اللجنة التحضيرية، نعتمد الرفيق حسين التكريتي لتمثيلنا في اللجنة التحضيرية، ريثما يصلكم مندوب القيادة في وقت قريب.
وبناء على هذه الرسالة أرسلت اللجنة مندوبيها للإشراف على الانتخابات الحزبية في العراق، ولم يرد إلى اللجنة ما يشعر بأن الانتخابات قد بدأت، ولكن المؤكد أن تغييراً كثيراً قد طرأ على القيادة في قطر العراق. ولعل هذا التغيير كان سبباً في عدم اتخاذ موقف واضح من قبل القيادات المتعددة التي توالت على التنظيم وقد تكون هذه القيادات أو بعض أشخاصها ذات وجهات نظر مختلفة بحيث انعكس ذلك على موقف قطر العراق فطبعه بطابع التردد وعدم التصميم على اتخاذ موقف ثابت.
جرت الانتخابات الحزبية في كل من الأردن– لبنان- سورية- اليمن- الجزيرة- البحرين- قطر- ساحل عُمان- مصر تونس- الجزائر- سيراليون- اسبانيا- ألمانيا الشرقية- الكويت- يوغسلافيا- روسيا- بلغاريا- ليبيا. أما منظمة المغرب ومنظمة غزة فالمرجح أنهما لن يستطيعا الحضور لظروفهما القاهرة ولكنهما وافقتا على المؤتمر، أما منظمة انكلترا فكان الوضع فيها منقسماً إلا أن إشارة أخيرة وردت تُفيد بأنهم قد يحضرون المؤتمر، وشعبة تشيكوسلوفاكيا تعاني انقساماً في وجهات النظر ووضعهم التنظيمي غير واضح، وقيادة منظمة السودان كانت إيجابية قولاً وسلبية فعلاً حيث جرت مماطلة مع اللجنة ولم تتم الانتخابات هناك، ولكن شعبة أميركا ومنظمة السنغال رفضتا التعامل مع اللجنة والمؤتمر خطيّاً.
انظر:
بطاقة مروان حبش عضو المجلس الوطني للثورة عام 1965
مرسوم منع منح امتياز استثمار الثروة المعدنية والنفطية في سورية
قانون تشكيل المجلس الوطني للثورة وتسمية أعضائه عام 1965
انظر ايضاً:
مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)
مروان حبش: عصبة العمل القومي (2)
مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)
مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)
مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)
مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)
مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)
مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)
مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)
مروان حبش: قضية البعث وحسني الزعيم (10)
مروان حبش: قضية الضابط داود عويس (11)
مروان حبش: قضية انسحاب جلال السيد من حزب البعث (12)
مروان حبش: البعث والقيادة القومية (13)
مروان حبش:البعث والانقلاب على نظام حكم الشيشكلي (14)
مروان حبش: البعث والانتخابات النيابية عام 1954 (15)
مروان حبش: البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام 1955(16)
مروان حبش: السير نحو الوحدة (17)
مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 (18)
مروان حبش: أزمات حزب البعث بعد الوحدة (19)
مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 وكلمة ميشيل عفلق (20)
مروان حبش: استقالة الوزراء السوريين في عهد الوحدة (21)
مروان حبش : إنقلاب الانفصال 28 أيلول 1961 (22)
مروان حبش: إنقلاب 28 آذار 1962 (23)
مروان حبش: مؤتمر شتورا عام 1962 (24)
مروان حبش: عصيان كتلة النحلاوي العسكرية 1963 (25)
مروان حبش: انقلاب 8 آذار 1963(26)
مروان حبش: المحادثات من أجل الوحدة عام 1963 (27)
مروان حبش: ما بين اللجنة العسكرية واللواء زياد الحريري (28)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (29)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (30)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (31)
مروان حبش: بعد سقوط حكم حزب البعث في العراق 1964 (32)
مروان حبش: أزمات ما بعد المؤتمر القومي السابع لحزب البعث 1964 (33)
مروان حبش: المؤتمر القومي الثامن لحزب البعث عام 1965 (34)
مروان حبش: خلاف على مفهوم ودور الحزب والسلطة عام 1965 (35)
مروان حبش: شرخ في القيادة القطرية وبين القيادتين (36)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. انفجار الأزمة (37)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. رؤية القيادة القطرية المؤقتة للمستقبل (38)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. دواعي التفكير بالعمل العسكري (39)
مروان حبش: حركة 23 شباط .. انتصار منطق الحسم العسكري وتنفيذ الحركة (40)
مروان حبش: الشركة النفطية التي كانت تتدخل لإسقاط وتعيين حكومات
مروان حبش: حول اللجنة العسكرية
مروان حبش: استثمار النفط وطنياً .. بترول العرب للعرب