You dont have javascript enabled! Please enable it!
وثائق سوريا

كلمة حافظ الأسد حول الحرب ووقف إطلاق النار في تشرين الأول 1973

د. أنس غازي

كلمة الرئيس حافظ الأسد حول الحرب و وقف إطلاق النار
دمشق 29 تشرين الأول 1973


أيها الأخوة المواطنون،
أيها الأخوة العسكريون،
أبناء شعبنا العربي،

قبل خمسة أيام كان موعدي معكم. أردت في ذلك الموعد، مساء الرابع والعشرين من تشرين الأول (اكتوبر)، أن أصارحكم كعهدي معكم دائماً، أن أجلو لكم ما كان قد حدث، وأن أرسم صورة المستقبل كما تصورتها. كانت تطورات قد حدثت ولم تكن في الحسبان وقد أردت أن تعرفوا قدر المستطاع كيف حدثت وماهي عواقبها.

وطرأت مشاغل سببها تسارع الأحداث في ذلك المساء، فأرجأت حديثي على كره مني، وبقيت أتحين الفرصة لأعود فأخاطبكم.

وحين وجدت فرصتي اليوم، عدت إلى ما كنت دونته لأقوله لكم، وتأملته ملياً، فلم أحذف منه كلمة، بل أضفت إليه ما يمكن أن يزيد الصورة وضوحاً ويزيد الأمور جلاء.

أيها الأخوة،
لقد واجه شعبنا التحدي بإرادة لا تقهر وعزيمة لا تفتر، وواجه الشدائد بالصمود والتصميم، فسطر، في تاريخ النضال العربي المعاصر، صفحات مشرقة مشرفة، رفع بها رأس الأمة العربية عالياً، وقدم بالدم والتضحيات والفداء، الدليل القاطع على أن هذه الأمة أقوى من كل محاولات الأعداء للنيل منها.

واجه شعبنا التحدي بالإرادة و الصمود و السلوك الرائع، يدعم بها وقفة البطولة والرجولة التي وقفتها القوات المسلحة العربية في ساحة القتال حيث قهرت بالدم والنار قوى الغدر والعدوان، فانتصرت الذات العربية، وانتصر الإنسان العربي لأنه عرف ذاته وفجر طاقاته، وأثبت للملأ أنه الإنسان القادر على استيعاب روح العصر والتقدم، وأنه قادر على استخدام منجزات العلم في ميدان القتال كما في ميدان التنمية والبناء.

لقد كانت هذه الأيام الثمانية عشر التي انقضت على حرب التحرير، تجربة هامة فرضت نفسها على شعبنا، فاجتاز التجربة بنجاح، بل اجتازها بتفوق. صمد الإنسان العربي صموداً جباراً، وقاتلت القوات العربية قتالاً بطولياً، ورص شعبنا صفوفه وراء قواته المسلحة في جبهة متماسكة قوية، وجمعت الأمة العربية إمكاناتها وزجت بالكثير منها لتعزيز الصمود ودعم المجهود الحربي.

وكان وراء ذلك إيماناً بالله، وإيمان بالقضية التي قاتلنا في سبيلها، وثقة بالقدرة الذاتية وبالطاقات العربية الهائلة. وها نحن اليوم نشعر بأننا أقوى من أي وقت مضى، وأوفر قدرة على مواصلة مسيرة النضال بالسلاح والتضحية والفداء، وأشد ثقة بقدرتنا على تحقيق النصر.

وقد قاتلنا ونقاتل دفاعاً عن أنفسنا، عن حقوقنا، عن أرضنا، وعن مبادئنا. وقاتلنا ونقاتل لكي ندفع القتل والتدمير عن شعبنا ووطننا. وأعلنا منذ بدء الحرب، أننا ننشد الحرية، ونضع نصب أعيننا هدفين للقتال نتمسك بهما و لا نحيد عنهما مهما غلت التضحيات، ومهما طال الطريق. هذان الهدفان هما تحرير الأرض العربية المحتلة واسترداد حقوق شعب فلسطين المغتصبة. وأكدنا، بالوقفة الجبارة لقواتنا المسلحة وجماهير شعبنا، وبالدعم الذي قدمته أمتنا العربية، تصميمنا الأكيد على بلوغ هذين الهدفين بأي ثمن.

وفيما كانت القوات المسلحة تعزز مواقعها يوماً بعد يوم، ويخرج من صفوفها أبطال أشاوس، وتحقق المزيد من النجاحات في سيرها بعزم و تصميم نحو إلغاء أية مكاسب حققها العدو على الأرض، وفيما كان شعبنا يعزز صموده، ويؤكد، بالسلوك والعمل الإيجابي اليومي، عزمه على مواصلة سياسة النفس الطويل، كان العالم يتابع تطور الصراع الناشئ في منطقتنا، ويراقب تنامي قدراتنا وتصاعد صمودنا العظيم بنظرات تتراوح بين الإعجاب و التقدير والتأييد من جهة، وبين الحذر والقلق من جهة أخرى. كان العالم يتابع، في الوقت ذاته، تحطم صلف عدونا و غروره على صخرة قوتنا و تبدد أحلامه في قهر إرادة شعبنا، وبدت للذين اتخذوا المواقف العدائية تجاه أمتنا، نذر القضاء على مصالحهم في كل أنحاء الوطن العربي. كما أخذ الوعي العالمي لحقيقة إسرائيل و طبيعتها العدوانية يزداد يوماً بعد يوم، و تتابعت قرارات الدول الافريقية بقطع العلاقات مع إسرائيل إدانة لعدوانها و استنكاراً لتحديها الرأي العام العالمي.

وفي خلال ذلك، كانت عوامل الشقاق بين الحكومة الأمريكية وحلفائها في اوروبا الغربية تتفاعل، فيضغطها أصحاب الشأن لئلا تنفجر، والقتال في هذه المنطقة ما يزال مستمراً. وكانت عوامل الخلاف تفعل فعلها داخل مجتمع اسرائيل، وتهدد هي أيضاً بانفجار لا يقوى مجتمع العدو على احتماله. وفوق هذا وذاك، كانت قضيتنا تهز الضمير العالمي.

في هذا الجو العالمي، وتحت تأثير الصمود العربي الجبار قبل كل شيء، جاء قرار مجلس الأمن الداعي إلى وقف إطلاق النار، و الذي اتفقت عليه الكبريان: الاتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة الأمريكية، وقدمتاه بصورة مشتركة، وتبناه مجلس الأمن بدون معارضة أحد من أعضائه.

كان صدور هذا القرار مفاجئة لنا، بل إننا لم نعلم بوجود مشروع القرار أو بدعوة مجلس الأمن للانعقاد إلا بعد أن تناقلته دور الإذاعة ووكالات الأنباء. و قد وضعنا ذلك أمام ظروف جديدة، كان لا بد من أخذها بعين الاعتبار. وكان القرار موجهاً إلى كل أطراف القتال، ونحن طرف رئيسي، فكان ينبغي لنا إذن أن ندرسه وندرس الظروف المستجدة التي نشأت عنه، و أن نحدد موقفنا منها.

و هكذا كان. درسنا قرار مجلس الأمن بشعور عميق بالمسؤولية، انطلاقاً من المصلحة القومية، و الالتزام بالمبادئ و الأهداف التي قاتلنا في سبيلها. وعقدنا، لهذه الغاية، في يومي الإثنين والثلثاء، أي منذ صباح الثاني و العشرين وحتى نهاية الثالث والعشرين من تشرين الأول –اكتوبر- اجتماعات مطولة للقيادتين القومية و القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، و القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، وأجرينا اتصالات، تبادلنا خلالها الرأي مع ملوك ورؤساء الدول العربية، كما أجرينا اتصالات مع الاتحاد السوفياتي وكانت كل هذه الاتصالات موضع اعتبار في اجتماعاتنا التي خصصناها لدرس قرار مجلس الأمن. وقد توخينا من اتصالاتنا مع الشقيقة جمهورية مصر العربية ومع الاتحاد السوفياتي، أن نستجلي الموقف بكل نواحيه فيما يتعلق بهذا القرار.

خلال ذلك، أكد لي الأخ الرئيس أنور السادات أنه تلقى من القادة السوفيات ضمانات بأن يتم انسحاب اسرائيل انسحاباً كاملاً من جميع الأراضي العربية المحتلة. و أكد لنا الاتحاد السوفياتي، أيضاً، أن موقفه، في كل هذا الأمر، ينسجم و يتجاوب مع موقفنا و مصالحنا و تطلعات شعبنا المشروعة، و لذلك، فإنه عند إعداد مشروع قرار مجلس الأمن، استرشد بتأكيدنا على انسحاب اسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة،و على استرداد حقوق شعب فلسطين.

و بنتيجة الاتصالات التي أجريناها، و خاصة مع الشقيقة جمهورية مصر العربية و مع الاتحاد السوفياتي، باعتباره أحد الدولتين، صاحبتي مشروع القرار، فقد فهمنا قرار مجلس الأمن بأنه يعني انسحاب اسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة، و فهمنا أيضاً أنه ينبغي عدم المساس بحقوق الشعب العربي الفلسطيني الذي سيكون وحده صاحب الرأي الأول و الأخير وصاحب القرار النهائي عند أي بحث لقضيته.

على أساس هذا الفهم لقرار مجلس الأمن، و بعد أن وافقت عليه جمهورية مصر العربية، في ضوء القناعات التي تكونت لدى الأخ الرئيس أنور السادات، اتخذنا في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، قراراً بالموافقة على قرار مجلس الأمن. وصدرت الأوامر إلى القوات المسلحة بوقف إطلاق النار بشرط أن يلتزم العدو بذلك، و على أن تظل قواتنا المسلحة على أتم الاستعداد لاستئناف القتال إذا ما دعت الضرورة إليه.

أيها الأخوة،

إن الانتصارات التي حققناها خلال هذه الحرب، انتصارات رائعة، و مفخرة من مفاخر تاريخنا، تستحق منا كل تقدير و إعجاب. وقد أضافت إلى تاريخ أمتنا المجيد صفحات رائعة و مجيدة، و هي من أروع المنجزات التي قدمها شعبنا لنضاله في هذا العصر.

ماذا تعني هذه الانتصارات؟

هل تعني أننا حررنا الأرض التي يحتلها العدو؟

كلا، لم نحرر الأرض بعد، بل ما يزال قسم من الأرض في منطقة الخرق بيد العدو، لأن وقف القتال جاء مفاجئاً لنا و مغايراً لتصورنا عن سير المعركة، إذ كنا نتصور معركة طويلة الأمد، و في مثل هذا التصور يتم تحركنا في اتجاهات مختلفة و بكثير من المرونة، و بما يخدم هدف المعركة النهائي. و في مثل هذا التصور، أيضاً، قد يكون من غير الضار، بل قد يكون من المفيد، أن يتواجد هذا العدو هنا أو هناك في منطقة قريبة أو بعيدة لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر، كل ذلك و غيره يتم في هدي دليل واضح محدد، هو الهدف النهائي للحرب.

لا شك أن الأخوة المواطنين الذين يستمعون الآن، يرغبون في مزيد من الشرح حول هذه النقطة بالذات. و لكن مزيداً من الشرح و التفصيل قد يفيد العدو. أنا، أيضاً، أرغب في مزيد من الحديث حول هذه النقطة، يمنعني من ذلك ما يمكن أن يفيد منه العدو.

و من هنا، أعود لأقول أننا لم نحرر الأرض بعد، و أن قرار مجلس الأمن كان مفاجئاً لنا و مغايراً لمسيرتنا و تصوراتنا.

إذن ماهي انتصاراتنا؟
إنها كبيرة. لم تحرر الأرض، و لكن حررنا ما هو الأساس، و ما لا بد من تحريره أولاً. حررنا إرادتنا من كل قيد، حررنا إرادتنا في القتال من أجل حياة شريفة و كريمة، و حررنا نفوسنا من الخوف و التردد و اللامبالاة، و حررنا نفوسنا من عقدة الذنب و القصور طالما أننا، في السابق و منذ قيام إسرائيل، لم نحارب كما يجب أن نحارب.

حررنا صورتنا الحقيقية من كل ما لحق بها من زيف و تشويه، فأصبحت الصورة التي تؤكد قدرتنا على استيعاب المعارف واستخدامها، الصورة التي تؤكد قدرتنا الكبيرة في مجال العلم و استثمار معطياته و نتائجه.

الصورة التي تؤكد أن في أمتنا مواهب كثيرة و كبيرة.

الصورة التي تؤكد أننا نؤمن بالحق، و ندافع بقوة عما نؤمن به.

الصورة التي تؤكد أننا نرفض التخاذل، و لا مكان بيننا للجبناء.

الصورة التي تؤكد أننا أصحاب تراث، و نحرص و نستطيع أن نجسد و أن نتمثل هذا التراث.

الصورة التي تؤكد أن إيماننا بوطننا و أمتنا لا تحده حدود، و في سبيل هذه الأمة و هذا الوطن، نقدم كل تضحية مهما غلت التضحية.

الصورة التي تؤكد أن أمتنا أمة خيرة معطاء، تعمل من أجل الخير، و تدافع بعنف ضد كل مظاهر الشر.

حررنا صورتنا الحقيقية من كل ما لحق بها من زيف و تشويه، فأصبحت الصورة التي تجسد كل الفداء، و كل التضحية، و كل البطولة.
هذه هي المعاني التي حققناها، و هذه هي انتصاراتنا، و هي بالتأكيد منطلق و أساس لكل انتصار آخر.

هذه الانتصارات رصيد كبير و دائم لشعبنا و لأمتنا.
فلا انتصار مع الجهل.

ولا انتصار مع الخوف.

ولا انتصار مع التردد.

ولا انتصار مع التخاذل.

من أجل ذلك، كان لا بد من أن ننتصر أولاً على الجهل، و أن ننتصر على الخوف، و أن ننتصر على التردد، و أن ننتصر على التخاذل، ثم ننطلق لننتصر في أية معركة نخوضها و لتحقيق أية أهداف نبتغيها.

أيها الأخوة،
بعد هذا الذي حدث، بعد هذا الذي تحقق، لنفخر، لنعتز، لنرفع رؤوسنا عالياً، لن نحني أبداً رؤوسنا إلا لله جل جلاله أولاً، ولشهدائنا العظام ثانياً.
شهداؤنا هم البناة الأكثر أهمية لهذا الوطن.
شهداؤنا مشاعل النور على طريق الحياة حتى نهاية الحياة.
شهداؤنا مشاعل الضوء أمام هذا الجيل، و أمام كل جيل، و حتى نهاية الأجيال.
شهداؤنا شعلة من نور ساطعة بغير حدود، وضاءة بغير نهاية.
فلنسر في ضوئها إلى حيث الحق، و العدل، و الخير.
إلى حيث تنعدم كل مظاهر الشر، إلى حيث النصر.

أيها الأخوة،
رغم أن قرار مجلس الأمن جاء مخالفاً لتصوراتنا، فإن ذلك ينبغي ألا يحجب عن أبصارنا حقيقة أن هذا القرار جاء نتيجة لصمودنا. و من هنا فهو، بكل تأكيد، يمثل أحد مظاهر انتصاراتنا.

قد يكون هذا الكلام، أيها الأخوة المواطنون، موضع أخذ و رد. و لكن أمامنا دليلاً واضحاً. في عام 1967، عندما لم نستطع أن نصمد، لم يصدر مثل هذا القرار. صدر قرار مختصر، بند واحد يقول بوقف إطلاق النار. لم يكن هناك قرار يجسد تصوراً، بغض النظر عن صحة أو عدم صحة، عدالة أو عدم عدالة هذا التصور، لم يصدر قرار يمثل تصوراً لحل المشكلة في هذه المنطقة.
صدر قرار بوقف إطلاق النار فقط. أما القرار -242- الذي يضع تصوراً لحل المشكلة في هذه المنطقة، قد صدر بعد ستة أشهر من حرب 1967.

القرار الذي صدر خلال الحرب، كان فقط قراراً بوقف إطلاق النار، لأننا لم نستطع، آنذاك، أن نصمد. الآن صمودنا هو الذي فرض أن يصدر قرار فيه تصور كامل لحل المشكلة في هذه المنطقة، و التصور هو ما فهمناه.

نحن، فهمنا هذا القرار على أنه فيه حل لمشكلة منطقتنا، على أساس أن هذا القرار يعني انسحاب إسرائيل من الأرض العربية المحتلة، و ضمان عدم المساس بحقوق الشعب العربي الفلسطيني.

العامل الوحيد الذي فرض أن يصدر قرار بهذا الشكل، هو صمودنا نحن. و من هنا، كان لا بد من أن نعتبر أن هذا القرار هو، بالتأكيد، أحد مظاهر انتصاراتنا. و من هنا، فهو بكل تأكيد يمثل أحد مظاهر انتصاراتنا. و قد قبلناه من موقع القوة، محتفظين بقدرتنا القتالية و بكبريائنا القومية، و من موقع الثقة الأكيدة بالنفس و بقدرة شعبنا و قوة سلاحنا.

بل إن التبدل الإيجابي الذي تم على الصعيد الدولي تجاه القضية العربية، كان العامل الحاسم في تحقيقه هو بسالة القوات العربية في ساحة القتال، و مواقف العزة و الإباء التي وقفتها في كل المعارك الضارية ضد العدو، و استنزافها المستمر والمتصاعد لقوات العدو و معداته، يعزز كل ذلك صمود رائع لشعبنا في جبهة داخلية متراصة و في إطار وحدة وطنية منيعة، كما يعززه دعم مؤثر من أمتنا العربية.

أيها الأخوة،
إننا نبدأ الآن مرحلة جديدة من النضال، يجب أن نبدأها بعزم و بثقة بالنفس كتلك التي بدأنا بها مرحلة الصراع المسلح في ساحة القتال. و كما أن التردد لا مكان له في المعارك العسكرية، فإنه غير جائز أيضاً في المعارك السياسية، و لا يمكن بأي شكل أو بأي تحليل فصل معركتنا السياسية عن معركتنا العسكرية، لأن الأولى جاءت وليدة الثانية و هي متلازمة معها ومعتمدة عليها. و لقد حققنا، بصمودنا في المعركة العسكرية، نتائج مجيدة، حطمت كل الأساطير التي نسجها العدو من حوله. ونحن قادرون، أيضاً، بالصمود، و الثقة بالنفس، و التماسك القوي في الجبهة الداخلية، و التلاحم المتين مع أمتنا العربية، أن نحقق النجاح في المعركة السياسية. و نجاحنا في هذه المعركة، يكون إما ببلوغ الأهداف التي قاتلنا من أجلها، وإما أن نقول لا بإباء و شمم إذا واجهنا تلاعباً، أو مراوغة، أو تهرباً، من تطبيق قرار مجلس الأمن حسبما فهمناه.

و لذا، ينبغي أن نخوض مرحلة النضال الجديدة بنفس الشجاعة و الثقة و الكفاءة العالية التي خضنا بها الصراع المسلح في الأيام الماضية. فإذا لم يؤد نضالنا، خلال هذه المرحلة، إلى تحقيق تطلعاتنا العادلة، و هو أمر نحسب حسابه و لا نستبعد حدوثه، عدنا إلى الصراع المسلح لنستأنف القتال بكل قوتنا إلى أن نحقق هدفنا.

و لعل الكثيرين من أبناء شعبنا يتمنون أن يستمر الصراع المسلح الآن. و بغض النظر عن مشاعري الشخصية، فإني أقدر ما يجول في خواطرهم، هم يرون بفخر و اعتزاز مئات الأبطال يبرزون كل يوم في صفوف قواتنا المسلحة و تنشر أنباء بطولاتهم فتذكي حماسة المواطنين و تزيدهم ثقة بالنصر.

و لكنني أحب أن أكرر القول أنه ما دامت معارك البطولة التي خضناها حتى الآن هي التي فرضت هذا التطور، فلا بد من أن نواجه المرحلة الجديدة بمتطلباتها و بالشجاعة و الكفاءة العالية. و من أجل ذلك، أيضاً، يجب أن تبقى جاهزيتنا العامة عالية و استعدادنا العام كاملاً.

أيها الأخوة،

خلال الأيام الماضية، شدد العدو حملته على جبهتنا الداخلية، و أفرغ جعبته من سهام الحقد و اللؤم يرمي بها وحدتنا الوطنية، فتكسرت سهامه كلها و بقيت جبهتنا الداخلية تلك الجبهة المنيعة و ذلك الأساس المتين لانتصارنا في المعارك العسكرية كما في المعارك السياسية و معارك البناء.

و إذا كان أعداؤنا يخشون مناعة جبهتنا الداخلية، و يبذلون المحاولات اليائسة لتصديعها، فإنه لحري بنا أن نزداد حرصاً على تقويتها و تعزيزها باستمرار، باعتبار أن تصديعها هو العامل الوحيد الذي يمكن أن يؤثر سلباً على المناخ الملائم للانجازات الإيجابية، بل يمكن أن يلغي هذه الإنجازات التي نحققها يوماً بعد يوم.

ليس هناك شيء يستطيع أن يوقف مسيرتنا، يستطيع أن نجعلنا نتقهقر إلى الخلف، كما لو تصدعت وحدتنا الوطنية.

بوحدتنا الوطنية نستطيع أن نصنع الكثير، نستطيع أن نحقق أقصى ما نطمح إليه من النجاحات، أن نحقق أقصى ما نطمح إليه من الانتصارات، و العدو يعرف ذلك.

و من هنا، كان تركيزه المستمر على هذه الوحدة الوطنية. من هنا، كان تركيزه المستمر على هذه الجبهة الداخلية. و من هنا سيكون في الأيام المقبلة، و في الأشهر المقبلة، سيكون تركيزه بأشكال مختلفة، و بأساليب مختلفة، و تحت عناوين مختلفة، سيكون تركيزه على جبهتنا الداخلية.

علينا جميعاً، أيها الأخوة المواطنون، أن نعطي لهذا الأمر أقصى ما نملك من الانتباه، أقصى ما نملك من الحذر، لكي نفوت على أعدائنا أية فرصة للنجاح، أية فرصة لتحقيق أهدافهم.

فإذا وعينا هذا الأمر وعياً كاملاً، ضمنا أن تكون كل خطوة من خطواتنا هادفة لخدمة مصلحة الوطن، و ضمنا أن تكون جهودنا مركزة غير مبعثرة واضحة القصد و الغاية، و ذات مردود عظيم.

و قبل أن أختم كلمتي، أؤكد على أن بسالة رجال قواتنا المسلحة و بطولاتهم الرائعة في ميدان القتال هي رصيدنا الضخم في المعركة السياسية المقبلة. و ستفرض انتصارنا فيها، مثلما فرضت بدايتها.

أيها الأخوة،
باسمكم جميعاً، أوجه أخلص التحية و أصدق المحبة لأخواتنا و أبنائنا في القوات المسلحة، هؤلاء الرجال الذين لبوا النداء مندفعين حين دعاهم الوطن، فكانوا أبطالاً و رجالاً بكل مافي البطولة و الرجولة من معنى، و سطروا في سفر التاريخ العربي صفحات وضاءة سنظل نفتخر بها و نعتز، و كانوا منارة نهتدي بنورها و ستهتدي بها الأجيال القادمة.

و أوجه أخلص التحية و أصدق المحبة، باسمكم أيضاً، إلى كل جندي مغربي، و كل جندي عراقي، و كل جندي سعودي، و كل جندي أردني، و كل جندي كويتي، و كل جندي آخر، يقف على أرض المعركة. كما أوجه أخلص التحية و أصدق المحبة إلى جيش مصر العظيم، و إلى كل جندي عربي يشارك في شرف القتال في الجبهة الغربية.

و في الختام، أرفع تحية الإجلال و الإكبار إلى شهدائنا الأبرار، أولئك الذين استعذبوا الموت لتحيا أمتهم، و سلكوا درب الشهادة ليكونوا قدوة لمن بعدهم، واجهوا الموت بتحدي الرجال و شجاعة الأبطال، و جادوا بأرواحهم الطاهرة، فكانوا بناة عظماء نفخر بهم و نعتز، و مشاعل نور تضيء لنا و للأجيال القادمة طريق النضال و سبيل مجابهة التحديات و قهرها.
بدمائهم الزكية افتدوا أمتهم، و بأرواحهم الطاهرة بنوا مجد وطنهم، فكان لهم علينا عهد أن نسير على دربهم و نقتفي خطاهم.

بكل إجلال و إعزاز نذكرهم، و مع هذه الذكرى و مع كل ذكرى، و في هذا اليوم و في كل يوم، يجب أن نعرف كيف نفخر بالشهداء و نعتز بالشهادة، يجب أن نعرف كيف نكرم الشهداء، أكرم من في الدنيا و أنبل بني البشر.

و السلام عليكم.


انظر:

مراسم وقرارات حافظ الأسد

زيارات وجولات حافظ الأسد الخارجية

زيارات وجولات حافظ الأسد الداخلية

كلمات ومقابلات رسائل حافظ الأسد

إنقلاب حافظ الأسد عام 1970

الموقف الإقليمي والعربي من وصول حافظ الأسد إلى السلطة 1970

قرار تعيين اللواء حافظ الأسد وزيراً للدفاع 1966 

مرض حافظ الأسد 1983

وفاة حافظ الأسد عام 2000


انظر ايضاً:

وثائق وبيانات سورية 1900 – 2000

وثائق سورية في  أواخر العهد العثماني وثائق سورية 1918 وثائق سورية 1919 وثائق سورية 1920
وثائق سورية 1921 وثائق سورية 1922 وثائق سورية 1923 وثائق سورية 1924 وثائق سورية 1925
وثائق سورية 1926 وثائق سورية 1927 وثائق سورية 1928 وثائق سورية 1929 وثائق سورية 1930
وثائق سورية 1931 وثائق سورية 1932 وثائق سورية 1933 وثائق سورية 1934 وثائق سورية 1935
وثائق سورية 1936 وثائق سورية 1937 وثائق سورية 1938 وثائق سورية 1939 وثائق سورية 1940
وثائق سورية 1941 وثائق سورية 1942 وثائق سورية 1943 وثائق سورية 1944 وثائق سورية 1945
وثائق سورية 1946 وثائق سورية 1947 وثائق سورية 1948 وثائق سورية 1949 وثائق سورية 1950
وثائق سورية 1951 وثائق سورية 1952 وثائق سورية 1953 وثائق سورية 1954 وثائق سورية 1955
وثائق سورية 1956 وثائق سورية 1957 وثائق سورية 1958 وثائق سورية 1959 وثائق سورية 1960
وثائق سورية 1961 وثائق سورية 1962 وثائق سورية 1963 وثائق سورية 1964 وثائق سورية 1965
وثائق سورية 1966 وثائق سورية 1967 وثائق سورية 1968 وثائق سورية 1969 وثائق سورية 1970
وثائق سورية 1971 وثائق سورية 1972 وثائق سورية 1973 وثائق سورية 1974 وثائق سورية 1975
وثائق سورية 1976 وثائق سورية 1977 وثائق سورية 1978 وثائق سورية 1979 وثائق سورية 1980
وثائق سورية 1981 وثائق سورية 1982 وثائق سورية 1983 وثائق سورية 1984 وثائق سورية 1985
وثائق سورية 1986 وثائق سورية 1987 وثائق سورية 1988 وثائق سورية 1989 وثائق سورية 1990
وثائق سورية 1991 وثائق سورية 1992 وثائق سورية 1993 وثائق سورية 1994 وثائق سورية 1995
وثائق سورية 1996 وثائق سورية 1997 وثائق سورية 1998 وثائق سورية 1999 وثائق سورية 2000

المصدر
نشر في جريدة الثورة، العدد الصادر في 30 تشرين أول 1973



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى