شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – التجربة والخطأ في الحزب السوري القومي
من مذكرات أكرم الحوراني (3-8 /67)
من مذكرات أكرم الحوراني – التجربة والخطأ في الحزب السوري القومي
إن التأييد الشعبي العارم للكتلة الوطنية، والطوفان البشري الذي صاحب توديع الوفد السوري المفاوض الذاهب إلى باريس ثم استقباله، لم يمح من نفسي انعكاسات موقف قيادات الكتلة خلال الإضراب الستيني عندما حاولت هذه القيادات أن تنهي الإضراب، ولكن الشعب أجبرها على الذهاب به إلى نهايته، مما أدى إلى قبول فرنسا بالتفاوض لعقد معاهدة عام 1936م، ولكن كان هنالك تشاؤم كبير من جدوى المفاوضة مع فرنسا ومن نتائجها المرتقبة، وشك عظيم بإمكان خطوات جدية على درب الاستقلال والوحدة السورية، وكان هذا التشاؤم والشك يزداد كلما مرت الأيام على تجميد الوفد المفاوض في زوايا الإهمال بدوائر باريس السياسية.
لقد أصبحت أعتقد بعد تجربتي وانغماسي في أحداث الاضراب الستيني في دمشق بأن القضية الوطنية والحياة السياسية في سوريا بحاجة إلى تنظيم حزبي على مستوى العصر والأحداث، وكنت أجاهر بهذه الأفكار رفاقي الثلاثة الذين كانوا يشاركوني السكن في بيتنا الطلابي الصغير.
قبل وفاة الدكتور عبد الرزاق الدندشي كان بعض الأمل معقوداً على عصبة العمل القومي، ومرد ذلك على أنها حزب عربي جديد بقيادة شابة تلتقي مع طموح الشباب العربي المتمثل آنذاك بنادي المثنى بن حارثه في العراق، لكن وفاة الدندشي، وانتقال قيادة العصبة إلى صبري العسلي وحلمي الأتاسي أزال من نفسي كل أمل بهذا المنظمة، وأصبحت الكتلة الوطنية بنظري خيراً منها.
في تلك الفترة زارنا في بيتنا الطلابي بدمشق سروري البارودي وهو من أصدقاء الطفولة في دار العلم والتربية، ثم فرقت بيننا الأيام حيث انتسب هو للجامعة الأميركية ببيروت، ثم فرقت بيننا الأيام حيث انتسب هو للجامعة الأميركية ببيروت، وغاب عني تلك السنين الطويلة التي لم أكن ألقاه خلالها إلا صدفة، وعندما انفرد بي البارودي في إحدى غرف المنزل، أخرج من حقيبته عدداً من مجلة “المعرض” التي كانت تصدر في بيروت وقدمه إلي.
كنت في الماضي اقرأ مجلة “المعرض” باستمرار، وكنت أحترم صاحبها ميشيل زكور لنزعته الاستقلالية الحرة، وكان هذا العدد من المجلة عدداً مخصصاً للحزب السوري القومي الجديد في لبنان، والتعريف بمبادئه ومقالات أركانه وخطابات زعيمه وأنباء محاكماته، وقد كانت الصحف تتحدث باستمرار، منذ عام 1935 عن اكتشاف السلطة الفرنسية في لبنان هذا الحزب السري وملاحقة أعضائه ومحاكمتهم، وكنا نقرأ تلك الأخبار ونحن نشعر بالدهشة والاستغراب والتفاؤل لظهور حزب في لبنان، يقف بهذه الصلابة والجرأة، مع ثقافة عالية ودقة في التنظيم، ليناضل في سبيل الاستقلال ووحدة سورية التي كانت هدف المرحلة لجميع القوى الوطنية في سورية.
في تلك الأيام لم يكن خطر لبنان بنظر السوريين أنه طريق للاستعمار فحسب بل كان ثمة ما هو أخطر من ذلك وأشد مراراة. إن لبنان بقطاعه المسيحي الماروني بصورة خاصة يؤيد فرنسا ويحبها بمشاعر صادقة ويعتبرها الأم الحنون، وقد كان أقصى أماني هذا القطاع من الرأي العام اللبناني ان تعتبر فرنسا لبنان جزءاً منها، مثلما فعلت بالجزائر.. وكان العلم اللبناني وهو العلم الفرنسي تتوسطه أرزة لبنان رمزاً لتطلعات قسم كبير من اللبنانيين نحو فرنسا، وكثيراً ما جاهر بعض السياسيين اللبنانيين بتمنياتهم أن تعتبر فرنسا بلدهم جزءاً منها.. وهذه العواطف كانت ثمرة طبيعية لما اصطنعته مدارس فرنسا التبشيرية خلال ثمانين عاماً، وما هيأته تدخلاتها السياسية المستمرة باسم حماية المسيحيين في عهد الخلافة العثمانية ولحسن الحظ فإن الفرنسيين لم يحترموا هذه العواطف بل تصرفوا تجاهها تصرف المستعمر وكان جل همهم أن يستغلوا هذه العواطف الطائفية لتشديد قبضتهم الاستعمارية وترشيخ أركان استعمارهم في سوريا التي كانوا يعتبرون أن وجودهم فيها حلقة متصلة بوجودهم في مناطق امبراطوريتهم الاستعمارية الأخرى في مراكش والجزائر وتونس والهند الصينية.
لقد كان لبنان ولا يزال، بحكم موقعه وذكاء أبنائه ورقيهم وانفتاحهم على حضارة الغرب، من أهم المواقع العربية في المشرق يؤثر فيه سياسياً وقومياً وفكرياً واقتصادياً، وفي تلك الفترة لم يكن لبنان ممراً للاستعمار فحسب منه عبرت قوات الجنرال غورو لاحتلال سوريا عام 1920، بل كان في نظر الرأي العام في سوريا مستقراً لهذا الاستعمار، لذلك اعتبر ظهور هذا الحزب المفاجئ في لبنان آنذاك ضربة مسددة لصميم الاستعمار الفرنسي.
ما هي مبادئ الحزب التي قرأتها في تلك الليلة من عام 1936 في مجلة المعرض بنهم ودهشة؟
مجمل مبادئ الحزب الأساسية هي أن سوريا للسوريين. والسوريون أمة تامة، وأن القضية السورية قضية مستقلة بذاتها، والوطن السوري بحدوده المعرفة في المؤتمر السوري الأول الذي عقده الملك فيصل، وفي دستور الجمعية التأسيسية عام 1928 – يمتد من جبال طوروس شمالاً إلى العقبة وشبه جزيرة سيناء جنوباً ومن المتوسط غرباً إلى العراق شرقاً.
أما المبادئ الإصلاحية للحزب فتنص في مجملها على فصل الدين عن الدولة والسياسة والقضاء، ورفع الحواجز بين مختلف الطوائف، وإلغاء الاقطاع.. الخ. أما تنظيم الحزب فهو سري وشبه عسكري.
كانت خطابات الزعيم أنطون سعادة والمقالات المنشورة في المجلة على مستوى فكري وثقافي يتجاوز كثيراً ما كان يكتب أو يصدر عن الأحزاب والهيئات السياسية آنذاك، ولم تكن المبادئ الإصلاحية موضع اعتراض، هكذا كان وعي المرحلة في نظرنا آنذاك، كما لم يكن التنظيم شبه العسكري والسري بشاراته النازية والماسونية ليثير أي اعتراض أو انتباه، لأن تلك الشارات كانت تعتبر من علائم السرية ودقة التنظيم وحسن الانضباط، وبلغ تأثر الحزب السوري القومي بالحزب النازي الألماني لدرجة أن الشاعر سعيد عقل الذي كان يقال آنذاك أنه منتسب إلى الحزب السوري القومي قد وضع نشيداً للحزب جاء فيه أن سورية فوق الجميع على غرار النشيد النازي: “المانيا فوق الجميع”، كما لم تكن ديكتاتورية الزعيم الذي يجمع كل السلطات التشريعية والتنفيذية في يده وحده مدعاة للاستنكار بل كان من الأمور التي تجذب اليها الرأي العام المعجب بتنظيمات الحزب النازي والمتعاطف مع ألمانيا الهتلرية لأنها ضد فرنسا وبريطانيا والحركة الصهيونية، ولكن الفاشية الايطالية كانت وحدها المكروهة والمحتقرة لأنها تتمثل بإيطاليا موسوليني عدو العرب ومستعمر ليبا والحبشة بافظع أنواع الاستعمار وأشرسه.
والذي أثار انتباهي واعتراضي بشكل غير محدد، ليس الشق الأول من مادة “سوريا للسوريين” بل الشق الثاني الذي ينص على أنه “الأمة السورية أمة تامة”، لاسيما وقد جرت في الصحافة السورية بعض المناقشة لمبادئ الحزب الجديد.. وفي اليوم التالي ناقشت البارودي بهذا الأمر فقال : إنها مرحلية وأن قيام الوحدة السورية اللبنانية والإنطلاق منها هو الأساس في الاستقلال وبناء الوحدة العربية.
وهكذا ببساطة انتهى الاعتراض وتوقفت المناقشة، أما فكرة القومية العربية التي كانت مزيجاً من المشاعر الوطنية والدينية والتراثية فلم تكن فكرة قابلة للاعتراض أو المناقشة.
انتسبت أنا وبعض رفاقي لهذا الحزب. ولم نكن ندري أول م نخبر عن أي تنظيم آخر له في سوريا. وبعد شهور عرفنا بأن الدكتور وجيه البارودي هو منفذ الحزب في حماه، وأن خالد الموره لي منفذه في دمشق.
اقرأ:
من مذكرات أكرم الحوراني (1) – من ذكريات الطفولة
من مذكرات أكرم الحوراني (2) – يا حوراني يا أكحل
من مذكرات أكرم الحوراني (3) – لماذا لم ينجح أبي في الانتخابات؟
من مذكرات أكرم الحوراني (4) – خلفیة الأوضاع الاجتماعیة بحماه في أواخر العھد التركي
من مذكرات أكرم الحوراني (5) – في مدرسة ترقي الوطن وأيام كئیبة عند الشیخة
من مذكرات أكرم الحوراني (6) – صفعة ظالمة من جندي الماني وحاكم سورية في ضیافتنا
من مذكرات أكرم الحوراني (7) -الأمير فیصل يتبرع لانشاء مدرسة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (8) – مرحبا يا ابن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (9) – طائرة ترمي منشورات في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (10) – الإنكليز والفرنسيون في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (11) – الثورات والأمل
من مذكرات أكرم الحوراني (12) – في قصر العظم
من مذكرات أكرم الحوراني (13) – الثورة الوطنیة والثورة الاجتماعیة معاً
من مذكرات أكرم الحوراني (14) – الحسین بن علي
من مذكرات أكرم الحوراني (15) – ثورة عام 1925 في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (16)- عثمان الحوراني يتحدث عن ثورة حماة عام 1925
من مذكرات أكرم الحوراني (17) – فظائع الفرنسیین في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (18) – البطل رزوق النصر ينتقم
من مذكرات أكرم الحوراني (19) – من ھم مواطنونا الدروز؟
من مذكرات أكرم الحوراني (20) : بدء تفتح الوعي السیاسي للقضیة الوطنیة
من مذكرات أكرم الحوراني (21) : فرنسا تصطنع الشیخ تاج
من مذكرات أكرم الحوراني (22): التعرف على الشعراء والزعماء الوطنیین في دمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (23) – فجیعة سوريا باغتیال الغزي
من مذكرات أكرم الحوراني (24) – في الكلیة الوطنیة بعالیه في لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (25) – ذكريات من مكتب عنبر
من مذكرات أكرم الحوراني (26) – تأسیس أول ناد رياضي في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (27) – الصدمة الأولى في الجامعة الیسوعیة
من مذكرات أكرم الحوراني (28) – في لبنان عام 1931
من مذكرات أكرم الحوراني (29) – الشعب السوري يثور ضد تزيیف الانتخابات
من مذكرات أكرم الحوراني (30) – محاولة اغتیال صبحي بركات
من مذكرات أكرم الحوراني (31) – جذور الحركة الشعبیة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (32) – أهل الصفة
من مذكرات أكرم الحوراني (33) – لقاء مع ابراهیم هنانو
من مذكرات أكرم الحوراني (34) – وفاة الملك فیصل بن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (35) – وحدة القضیة السورية الفلسطینیة
من مذكرات أكرم الحوراني (36) – في معھد الحقوق بدمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (37) – تخلف معھد الحقوق
من مذكرات أكرم الحوراني (38) – التراث عامل تطوير لا تجمید
من مذكرات أكرم الحوراني (39) – مقال لم ينشر
من مذكرات أكرم الحوراني (40) – “الرجل” الذي ينتقم من النساء ومعركة الحشيش
من مذكرات أكرم الحوراني (41) – أولئك المحجبات الباسلات
من مذكرات أكرم الحوراني (42) – العید الألفي لأبي الطیب المتنبي
من مذكرات أكرم الحوراني (43) – الوباء
من مذكرات أكرم الحوراني (44) – سلطة الانتداب تجمد نادي أبي الفداء
من مذكرات أكرم الحوراني (45) – بوادر صراع النفوذ السعودي والھاشمي في سورية
من مذكرات أكرم الحوراني (46) – عصبة العمل القومي
من مذكرات أكرم الحوراني (47) – الكتلة الوطنية تتجه نحو التنظيم الحزبي
من مذكرات أكرم الحوراني (48) – إيطاليا تهاجم الحبشة
من مذكرات أكرم الحوراني (49) – وهوى الصقر .. الزعيم إبراهيم هنانو
من مذكرات أكرم الحوراني (50) – الحزب السوري القومي
من مذكرات أكرم الحوراني (51) – إهانة الشيخ تاج في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (52) – منير الريس ينتقم من حسني البرازي
من مذكرات أكرم الحوراني (53) – أربعون الزعيم هنانو عام 1935
من مذكرات أكرم الحوراني (54) – الإنفجار الكبير .. إضراب الستين يوماً في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (55) – الإضراب الستيني .. والكتلة الوطنية
من مذكرات أكرم الحوراني (56) – كيف انتهى الإضراب الستيني؟
من مذكرات أكرم الحوراني (57) – المظاهر الخادعة
من مذكرات أكرم الحوراني (58) – تنظيم الشباب الوطني
من مذكرات أكرم الحوراني (59) – مفاوضات باريس عام 1936
من مذكرات أكرم الحوراني(60)- ثورة 1936 في فلسطين
1936- ثورة الشعب العربي على الاستعمار في سورية وفلسطين ومصر
من مذكرات أكرم الحوراني (61) – ثورة عام 1936 في فلسطين تأخذ مداها القومي العربي
من مذكرات أكرم الحوراني(62) – المعاهدة السورية -الفرنسية 1936
من مذكرات أكرم الحوراني (63)- مجلس عام 1936 وانتخاب الأتاسي رئيساً للجمهورية
من مذكرات أكرم الحوراني (64)- تهاون الكتلة الوطنية بقضية لواء الاسكندرون
من مذكرات أكرم الحوراني (65)- الشهبندر يعارض من منفاه ويدافع عن عروبة لواء الاسكندرون
من مذكرات أكرم الحوراني (66) – تنازلات جميل مردم .. وتراجع فرنسا عن تصديق معاهدة 1936