شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – ثورة عام 1936 في فلسطين تأخذ مداها القومي العربي
من مذكرات أكرم الحوراني (61/1)
1936- ثورة الشعب العربي على الاستعمار في سورية وفلسطين ومصر
ثورة عام 1936 في فلسطين تأخذ مداها القومي العربي
لأول مرة أخذت ثورة عام 1936 الفلسطينية مداها العربي بأبعاده القومية بعد أن كانت الثورات العربية لا تخرج من مداها القطري بفعل التجزئة الاستعمارية، فقد ساهم فيها العراقيون والسوريون والفلسطينيون.
إن من طبيعة التيار الثوري الحركة والامتداد، لأن دماء الشهداء نور في ضمير الأمة لا ينطفئ، ولذلك سنرى فيما بعد أن اشتراك العراقيون مع القاوقجي في ثورة 1936 سيلعب دوراً رئيسياً في ثورة رشيد عالي الكليلاني عام 1941، كما سنرى أن ثورة عام 1936 الفلسطينية ستأخذ مداها الشعبي العربي بشكل أعم وأوسع فينضم مجاهدون من الأخوان المسلمين في مصر لثورة 1948، وفي كلا هاتين الثورتين العربيتين الشعبيتين دفع الاستعمار الأنظمة العربية لتدجينهما ولجمها وإجهاضها.
إن استشهاد سعيد العاص واشتراك بعض شباب حماة في ثورة فلسطين عام 1936- وقد أصبح معظمهم فيما بعد من أركان حركة الشباب – كان عاملاً مهما في دفع أول فوج من شباب حماة إلى فلسطين في ثورة 1948 وقد ساهم من بقي حياً منهم في هاتين الثورتين، كرفيقنا علاء الدين الحريري الذي طلبنا منه بعض التفاصيل عن اشتراكه في ثورة فلسطين عام 1936، فقال:
(طلب إلينا أستاذنا عثمان الحوراني الالتحاق بقوات فوزي القاوقجي، فذهبنا إلى دمشق أنا وخليف العريب ويوسف السفراني وأحمد القمش وعبد الرحمن الشارع وغيرهم من شباب حماة، فاجتمعنا في بيت الشيخ محمد الأشمر مع عدد من المجاهدين الدمشقيين وجملة من شباب حمص على رأسهم الحاج وصفي المعصراني. ولفيف من مجاهدي جبل الدروز اللبنانيين، ثم انتقلنا إلى مسجد بحي الميدان وانتظمنا على أن يكون الشيخ محمد الأشمر على رأس الدمشقيين ومنير الريس على رأس الحمويين والحمصيين، وحمد صعب ومحمود أبو يحيى على رأس الدروز، وانطلقنا “120 مجاهداً” من المسجد باتجاه فلسطين فمنعنا الفرنسيون من اجتياز الجولان، فعدنا من القنيطرة وتوجهنا إلى فلسطين عن طريق حوران تل شهاب وغور بيسان واجتزنا نهر الأردن ونزلنا في خربة طوباس الفلسطينية حيث اختضننا أبناء طوباس بحفاوة بالغة، وفي اليوم التالي وصلت قوات العراق بقيادة فوزي القاوقجي فالتيقنا بهم وكان الابتهاج عظيماً).
ثم تحدث علاء الدين عن المعارك العديدة التي خاضها المجاهدون إلى أن يقول: (وأتذكر أن منير الريس أراد أن يحول دون التحاق سعيد العاص بالثورة خوفاً من نشوب الخلاف بينه وبين القاوقجي. ولكن سعيد العاص استطاع الالتحاق بالثورة بمساعدة مطيع اللبابيدي والحاج عبد الرحمن المط. وهما من مجاهدي حماة الذين التجأوا إلى الأردن بعد ثورة عام 1925م، وقد استشهد سعيد العاص في أول معركة خاضها في فلسطين).
الأبعاد القومية لثورة 1936 الفلسطينية:
كيف كانت أبعاد الرؤية لدى الشعب العربي في سنة 1936؟ وماهو مدى وضوح قومية المعركة فيها؟ أثبت هنا المقالة التالية التي نشرها فوزي القاوقجي في صحيفة القبس الدمشقية، بتاريخ 13 / 11 / 1936، أي بعد عدة أشهر من اضطراره للخروج من ميدان المعركة ولجوئه للعراق مرة ثانية، قال:
(منذ نشبت في عام 1925 ثورة حماة التي بدلت شكل ثورة جبل الدروز من ثورة درزية ضيقة إلى ثورة سورية وطنية عامة، ثم ظهور المعجزات خلال الملاحم والمعارك الدامية التي دارت رحاها مدة سنتين بين السوريين والجيوش الفرنسية الكبيرة، أيقنت ان في دم الشعب العربي كنزاً كامناً من القوى لا يفنى، ولمست سر المجد الباذخ في تاريخ الأمة العربية، ذلك المجد الذي كانت ترتجل آياته ارتجالاً في الحوادث التي أملت سطورها على التاريخ.
أجل أرى من جهة ثانية أن غرور المستعمرين لم يقف عند حد هضم الحقوق وسلب الحريات، بل تعداهما إلى الاستهتار بوجود الأمة العربية حكومتها وشعوبها وتاريخها.. وكنت أشعر في نفسي بالخجل المؤلم من الإهانة التي لحقت بي ولحقت بكل عربي من أعمال بريطانيا في فلسطين العربية، وأساليب معاملة الشعب العربي فيها، مع أن العرب كانا حلفاءها بالأمس وما يزالون حلفاءها اليوم، وجزيرتهم تحوي أكبر مصلحة حيوية لبريطانيا، فضلاً عن أنهم أمة تحتاج بريطانيا إليها في مشاكلها الدولية المقبلة أمام تيار الأمبراطوريات المنبثقة من جديد والتي تستهدف في سياستها السيطرة على سواحل البحر الأبيض المتوسط، تلك الأساليب التي أدت إلى أن تضع بريطانيا العظمى جندها وجيوشها تحت تصرف فكرة صهيونية ترتجي بريطانيا منها المال لتبيد الشعب العربي في فلسطين، وتقيم مكانه بقوة الحراب دولة صهيونية.
كنت من أول الأمر مقتنعاً أن لا فائدة من احتجاج الضعيف المظلوم على عسف القوى الطامع، ولا نفع من الوطنية الفارغة التي أخذ الكثيرون يتظاهرون بها في كل حين ومكان، حتى أصبحت أغنية مبتذلة وطريقة كلامية تتشدق بها الألسن في الأندية والمطاعم والمقاهي.
إذن لابد من مقابلة القوي بالقوة، وها هو الدم العربي كنز القوة، لذلك مددت يدي إليه وأخذت منه ما أحتاجه لنجدة عرب فلسطين، وهيأت وأنا في بغداد العدد اللازمة من الشباب لهذه النجدة، وهيأتهم من مدن سوريا وجبالها ومن مدن العراق وسهوله، فألفت مجموعة عربية تقاتل حيث قاتل الأجداد، وتدافع مدن العراق وسهوله، فألفت مجموعة عربية تقاتل حيث قاتل الأجداد، وتدافع عن تراث خلفه لنا أولئك العظام بسحر الدم الذي مكنهم في الغابر أن يتغلبوا على دول تعد في عظمتها بريطانيا زمانها.
وكان علي أن أنظر إلى ما حولي قبل الإقدام على العمل، وأن أتخطى الحواجز التي أقيمت بين الأقطار العربية المجزأة والقوى التي وضعت بينها لسد السبل ومنع الاتصال بين أبنائها.
كان من المحتم على اجتياز نحو ألف كيلو متر في البوادي القاحلة والصحارى المحرومة من أسباب الحياة، وأن أتخطى حدود دول أنشئت لخدمة فكرة المستعمرين وأقيمت على حراستها قوى ومعدات آلية حديثة يقودها الأعداء.
هكذا التجمعات إذا بحثت بعين الحساب والمنطق ظهرت للعيان كأنها المستحيل واقتحام مجاهل الصحراء يحتاج إلى دليل، إذا ما العمل وفلسطين تستنجد وتشتغيث؟
لم يبق أمامي إلا أن أجازف كالمجنون وأعمل كالعاقل.
وأما الدليل فهو أثر خالد بن الوليد والطريق التي سلكها من العراق بجيوشه لنجدة أخوانه في واقعة اليرموك.
سرت وأدلجت سرايا المجاهدين من سواد العراق وغياض الشام بتدبير محكم، فبلغت نجداتهم هدفها وتلاقت جنود العرب في ساحات القتال في فلسطين في وقت واحد كما يتلاقى أفراد العائلة الواحدة الخارجون من غرفهم إلى قاعة الطعام.
نحن في ساحة الوغى والعدو يعد من وسائل التدمير الحديثة الفولاذ والنار والسرعة، ويحشد عشرات الوف الجند، ويسخر الأرض والسماء للظلم والاعتداء، أما نحن فعندنا الدم العربي والعزم على الدفاع، والإيمان بالحق.. وكان الصراع .. الصراع المخيف .. فانتصر الحق وزال الوهم وعم الحماس وفار الدم العربي في العروق، ولولا توسط ملوك العرب وأمرائهم لعمت النار كافة الأقطار المجاورة.
أما أنت أيها العربي، فاستعد للدفاع ولا عذر لك على تلبية النداء إلا الموت.. لا تنتظر عدلاً وأنت ضعيف ولت تطلب حقاً وأنت أعزل من السلاح).
اقرأ:
من مذكرات أكرم الحوراني (1) – من ذكريات الطفولة
من مذكرات أكرم الحوراني (2) – يا حوراني يا أكحل
من مذكرات أكرم الحوراني (3) – لماذا لم ينجح أبي في الانتخابات؟
من مذكرات أكرم الحوراني (4) – خلفیة الأوضاع الاجتماعیة بحماه في أواخر العھد التركي
من مذكرات أكرم الحوراني (5) – في مدرسة ترقي الوطن وأيام كئیبة عند الشیخة
من مذكرات أكرم الحوراني (6) – صفعة ظالمة من جندي الماني وحاكم سورية في ضیافتنا
من مذكرات أكرم الحوراني (7) -الأمير فیصل يتبرع لانشاء مدرسة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (8) – مرحبا يا ابن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (9) – طائرة ترمي منشورات في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (10) – الإنكليز والفرنسيون في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (11) – الثورات والأمل
من مذكرات أكرم الحوراني (12) – في قصر العظم
من مذكرات أكرم الحوراني (13) – الثورة الوطنیة والثورة الاجتماعیة معاً
من مذكرات أكرم الحوراني (14) – الحسین بن علي
من مذكرات أكرم الحوراني (15) – ثورة عام 1925 في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (16)- عثمان الحوراني يتحدث عن ثورة حماة عام 1925
من مذكرات أكرم الحوراني (17) – فظائع الفرنسیین في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (18) – البطل رزوق النصر ينتقم
من مذكرات أكرم الحوراني (19) – من ھم مواطنونا الدروز؟
من مذكرات أكرم الحوراني (20) : بدء تفتح الوعي السیاسي للقضیة الوطنیة
من مذكرات أكرم الحوراني (21) : فرنسا تصطنع الشیخ تاج
من مذكرات أكرم الحوراني (22): التعرف على الشعراء والزعماء الوطنیین في دمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (23) – فجیعة سوريا باغتیال الغزي
من مذكرات أكرم الحوراني (24) – في الكلیة الوطنیة بعالیه في لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (25) – ذكريات من مكتب عنبر
من مذكرات أكرم الحوراني (26) – تأسیس أول ناد رياضي في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (27) – الصدمة الأولى في الجامعة الیسوعیة
من مذكرات أكرم الحوراني (28) – في لبنان عام 1931
من مذكرات أكرم الحوراني (29) – الشعب السوري يثور ضد تزيیف الانتخابات
من مذكرات أكرم الحوراني (30) – محاولة اغتیال صبحي بركات
من مذكرات أكرم الحوراني (31) – جذور الحركة الشعبیة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (32) – أهل الصفة
من مذكرات أكرم الحوراني (33) – لقاء مع ابراهیم هنانو
من مذكرات أكرم الحوراني (34) – وفاة الملك فیصل بن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (35) – وحدة القضیة السورية الفلسطینیة
من مذكرات أكرم الحوراني (36) – في معھد الحقوق بدمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (37) – تخلف معھد الحقوق
من مذكرات أكرم الحوراني (38) – التراث عامل تطوير لا تجمید
من مذكرات أكرم الحوراني (39) – مقال لم ينشر
من مذكرات أكرم الحوراني (40) – “الرجل” الذي ينتقم من النساء ومعركة الحشيش
من مذكرات أكرم الحوراني (41) – أولئك المحجبات الباسلات
من مذكرات أكرم الحوراني (42) – العید الألفي لأبي الطیب المتنبي
من مذكرات أكرم الحوراني (43) – الوباء
من مذكرات أكرم الحوراني (44) – سلطة الانتداب تجمد نادي أبي الفداء
من مذكرات أكرم الحوراني (45) – بوادر صراع النفوذ السعودي والھاشمي في سورية
من مذكرات أكرم الحوراني (46) – عصبة العمل القومي
من مذكرات أكرم الحوراني (47) – الكتلة الوطنية تتجه نحو التنظيم الحزبي
من مذكرات أكرم الحوراني (48) – إيطاليا تهاجم الحبشة
من مذكرات أكرم الحوراني (49) – وهوى الصقر .. الزعيم إبراهيم هنانو
من مذكرات أكرم الحوراني (50) – الحزب السوري القومي
من مذكرات أكرم الحوراني (51) – إهانة الشيخ تاج في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (52) – منير الريس ينتقم من حسني البرازي
من مذكرات أكرم الحوراني (53) – أربعون الزعيم هنانو عام 1935
من مذكرات أكرم الحوراني (54) – الإنفجار الكبير .. إضراب الستين يوماً في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (55) – الإضراب الستيني .. والكتلة الوطنية
من مذكرات أكرم الحوراني (56) – كيف انتهى الإضراب الستيني؟
من مذكرات أكرم الحوراني (57) – المظاهر الخادعة
من مذكرات أكرم الحوراني (58) – تنظيم الشباب الوطني
من مذكرات أكرم الحوراني (59) – مفاوضات باريس عام 1936
من مذكرات أكرم الحوراني(60)- ثورة 1936 في فلسطين