شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – مفاوضات باريس عام 1936
1936- ثورة الشعب العربي على الاستعمار في سورية وفلسطين ومصر
مفاوضات باريس عام 1936
خشيت فرنسا وبريطانيا مغبة المقاومة الصلبة والأصرار العنيد لدى السوريين، لاسيما وقد أصبحت المنطقة على فوهة بركان قابل للانفجار في كل آن: المظاهرات في مصر وسقوط وزارة نسيم باشا وتأليف وفد مصري لمفاوضة الإنكليز برئاسة مصطفى النحاس .. الثورة الشعبية العارمة التي بدأت في أواخر آذار عام 1936 في كافة أنحاء فلسطين .. الأوضاع المتأزمة في العراق التي انتهت بانفجار انقلاب بكر صدقي .. الخ . فلا عجب أن تقبل وزارة ألبير سارو، وهي وزارة يمينية رجعية أعقبت وزارة لافال، الدخول بمفاوضات مع الجانب السوري للمحافظة على المصالح الفرنسية بواسطة المعاهدة المزمع عقدها.
سافر الوفد السوري إلى باريس في 22 آذار 1936، وأصبح يشار إليه في الصحف السورية باسم “الوفد الأمين” وقد راحت الصحف تصف أنباء الترحيب الذي لاقاه الوفد في الدول التي مر بها القطار من حلب إلى باريس، والحفاوة التي يلقاها في فرنسا حيث بقي هناك خمسة أشهر ينتظر الفرج، فقد كانت فرنسا تعاني من أزمة سياسية داخلية حادة ومعركة انتخابية شديدة، ولولا سقوط وزارة ألبير سارو اليمينية وقيام وزارة ليون بلوم الاشتراكية لانتهت المفاوضات إلى الفشل ولعاد الوفد المفاوض بخفي حنين.
وكانت الصحف السورية خلال تلك المدة الطويلة توالي نشر البيانات والبرقيات عن نجاح المفاوضات ونشاط الوفد ومنذ بداية إقامة الوفد في باريس بعث مراسل “القبس” المرافق للوفد برسالة يقول فيها في السابع من نيسان عام 1936:
(والذي يحملنا على التفاؤل أن في فرنسا أنصاراً والحمد لله للقضية السورية وهؤلاء يغتنمون الآن صفاء الجو ليضاعفوا جهودهم ومساعيهم الودية في إقناع الرجال المسؤولين بضرورة ترك إدارة البلاد لأهل البلاد والاحتفاظ ببعض ما يهم سلامة فرنسا إذا كان لسلامتها علاقة بهذه القضية الشرقية مما يدرسه الخبراء العسكريين .. فقد تكون فرنسا تفكر في جعل سورية طريقاً للهند الصينية كما جعلت بريطانيا مصر طريقاً للهند. وقد تحتاج فرنسا إلى قاعدة بحرية في البحر الأبيض المتوسط فتتخذ الشواطئ السورية اللبنانية لهذا الغرض كما اتخذت إنكلترا الإسكندرية وحيفا قاعدتين بحريتين وقد تفرض فرنسا على سورية أن لا تحالف غير فرنسا محالفة عسكرية كي لا يقوي هذا التحالف دولة منافسة لفرنسا وقد توجب فرنسا على سورية أن تستعين بالخبراء الفرنسيين عند الحاجة إليهم ولكن كل هذه الواجبات التي تفرضها فرنسا على سورية طرقت أسماع السوريين “الوفد المفاوض” فهم يعرفونها ويتوقعونها ولا يرون بدا من قبولها لأنها لا تمس صميم الاستقلال ولأنها الحد الأدنى للتساهل مع الأجنبي لذلك نعتقد بأن كفة نجاح المفاوضات ترجح كفة الحبوط وهذا ما يتمناه المخلصون .. وتعجب الأوساط الفرنسية أيضاً من إلحاح اللبنانيين في طلب المعاهدة التي قد لا تضمن ما يضمنه صك الانتداب لهم من سلامة الحدود والاستقلال الداخلي وقد ردد المسيو دومارتيل صدى تعجب فرنسا من رغبة لبنان الشديدة وتسرعه بطلب نقض ثابت “أي الانتداب” ومع هذا فأن المسيو دومارتيل مزمع على درس المسألة اللبنانية عند عودته لبيروت مع رئيس الجمهورية وهو يدرسها الآن أيضاً مع رجال وزارة الخارجية”.
سورية بين الوحدة والتمزق:
منذ اللحظة الأولى التي سافر فيها الوفد المفاوض إلى فرنسا بدأ ضباط المخابرات الفرنسيون بدس الدسائس والمؤامرات في جبل العرب واللاذقية والجزيرة ولواء الاسكندرونة لتشجيع العناصر الانفصالية من عملاء فرنسا وأعوانها. وحاول الفرنسيون الاستفادة من عامل الزمن – بإطالة أمد المفاوضات بالختل والمراوغة – ليتيحوا لضباط المخابرات الفرصة لإجهاض الثورة الوحدوية في تلك المناطق التي أقام الانتداب فيها دويلات مصطنعة.
إن مساعي فرنسا وعملائها لتكريس التجزئة لم تتوقف يوماً منذ بدء الاحتلال، كما أن ردود الشعب على تلك المحاولات برفضها وفضحها لم تتوقف كذلك، على أن المحاولات الانفصالية والرفض الشعبي لها تصاعد كثيراً خلال الأشهر الخمسة التي قضاها الوفد السوري في باريس، حتى أن ذلك كان الموضوع الرئيسي اليومي في الصحف السورية التي كانت تنشر الرسائل من جبل العرب واللاذقية والجزيرة ولواء الاسكندرون عن نضال الشعب ضد التجزئة واصراره على الوحدة السورية، وكانت الوفود الوطنية تصل إلى دمشق تباعاً في تلك المناطق ومن الأقضية الأربعة التي ضمها الانتداب إلى “لبنان الكبير” فتكون إقامتها في دمشق مناسبة وطنية تقام فيها الاحتفالات وتلقى الخطابات التي تعلن تعلق الشعب بوحدته الوطنية والقطرية “القبس 6 نيسان 1936”.
لقد كان الحكم الفرنسي في دولة العلويين ودولة جبل الدروز شديد الوطأة، فقد كان حاكماً هاتين الدولتين يتمتعان بسلطات مطلقة ويفعلان ما يشاءان دون حسيب أو رقيب وكان حكم الفرنسيين في هاتين الحافظتين شبيها بالاستعمار الفرنسي في الجزائر واستغل الانتداب التخلف الاجتماعي والوضع الاقطاعي والعشائري فشكل فيهما مجلساً تمثيليلاً لزعماء العشائر والإقطاع بينما كان الأمر مختلفاً في الدولة السورية فلم يكن للفرنسيين فيها هذا النفوذ نظراً لاختلاف الوضع الاجتماعي والثقافي.
لقد حاول ضباط الاستخبارات الفرنسيون في جبل العلويين وجبل الدروز فصل هاتين المنطقتين نهائياً عن سورية فالتقى مخطط الانتداب الفرنسي مع المخطط الصهيوني بتمزيق وحدة سورية إلى دويلات طائفية وعنصرية، وقد استفرت تلك المحاولات، خلال وجود الوفد المفاوض في باريس عام 1936 عن عريضة رفعها بعض أعضاء المجلس التمثيلي العلوي إلى رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك ليون بلون، يؤيدون فيها انفصال جبل العلويين عن الوطن السوري وبقاءه تحت الحكم الفرنسي، بينما امتنع بعضهم الآخر عن التوقيع.
ومن الجديد بالذكر أن الكتلة الوطنية قد عينت بعد عودة الوفد السوري وعقد المعاهدة السيد عزيز الهواش محافظاً على مدينة دمشق، وهو ابن إسماعيل الهواش زعيم عشيرة المتاورة إحدى كبريات عشائر العلويين وأحد قواد ثورة الشيخ صالح العلي، وقد ظل إسماعيل الهواش طيلة حياته مناهضاً للانفصال وداعيه للاستقلال فتعرض لغضب الفرنسيين واضطهادهم.
كما ساهم الشباب الوطني من أبناء منطقة الجبل من علويين ومسيحيين بالنضال مع اخوانهم أبناء مدينة اللاذقية والمدن الساحلية الأخرى لتحقيق الاستقلال والوحدة السورية، وكان من بينهم شباب مرموقون أمثال منير العباس والمحامي عبد الله العبد الله، والمحامي بولص ديبة، والشاعر الكبير نديم محمد وغيرهم من الشباب الذين كانو يؤلفون مع عبد الواحد هارون زعيم مدينة اللاذقية الكتلة الوطنية في هذه المحافظة.
اقرأ:
من مذكرات أكرم الحوراني (1) – من ذكريات الطفولة
من مذكرات أكرم الحوراني (2) – يا حوراني يا أكحل
من مذكرات أكرم الحوراني (3) – لماذا لم ينجح أبي في الانتخابات؟
من مذكرات أكرم الحوراني (4) – خلفیة الأوضاع الاجتماعیة بحماه في أواخر العھد التركي
من مذكرات أكرم الحوراني (5) – في مدرسة ترقي الوطن وأيام كئیبة عند الشیخة
من مذكرات أكرم الحوراني (6) – صفعة ظالمة من جندي الماني وحاكم سورية في ضیافتنا
من مذكرات أكرم الحوراني (7) -الأمير فیصل يتبرع لانشاء مدرسة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (8) – مرحبا يا ابن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (9) – طائرة ترمي منشورات في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (10) – الإنكليز والفرنسيون في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (11) – الثورات والأمل
من مذكرات أكرم الحوراني (12) – في قصر العظم
من مذكرات أكرم الحوراني (13) – الثورة الوطنیة والثورة الاجتماعیة معاً
من مذكرات أكرم الحوراني (14) – الحسین بن علي
من مذكرات أكرم الحوراني (15) – ثورة عام 1925 في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (16)- عثمان الحوراني يتحدث عن ثورة حماة عام 1925
من مذكرات أكرم الحوراني (17) – فظائع الفرنسیین في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (18) – البطل رزوق النصر ينتقم
من مذكرات أكرم الحوراني (19) – من ھم مواطنونا الدروز؟
من مذكرات أكرم الحوراني (20) : بدء تفتح الوعي السیاسي للقضیة الوطنیة
من مذكرات أكرم الحوراني (21) : فرنسا تصطنع الشیخ تاج
من مذكرات أكرم الحوراني (22): التعرف على الشعراء والزعماء الوطنیین في دمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (23) – فجیعة سوريا باغتیال الغزي
من مذكرات أكرم الحوراني (24) – في الكلیة الوطنیة بعالیه في لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (25) – ذكريات من مكتب عنبر
من مذكرات أكرم الحوراني (26) – تأسیس أول ناد رياضي في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (27) – الصدمة الأولى في الجامعة الیسوعیة
من مذكرات أكرم الحوراني (28) – في لبنان عام 1931
من مذكرات أكرم الحوراني (29) – الشعب السوري يثور ضد تزيیف الانتخابات
من مذكرات أكرم الحوراني (30) – محاولة اغتیال صبحي بركات
من مذكرات أكرم الحوراني (31) – جذور الحركة الشعبیة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (32) – أهل الصفة
من مذكرات أكرم الحوراني (33) – لقاء مع ابراهیم هنانو
من مذكرات أكرم الحوراني (34) – وفاة الملك فیصل بن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (35) – وحدة القضیة السورية الفلسطینیة
من مذكرات أكرم الحوراني (36) – في معھد الحقوق بدمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (37) – تخلف معھد الحقوق
من مذكرات أكرم الحوراني (38) – التراث عامل تطوير لا تجمید
من مذكرات أكرم الحوراني (39) – مقال لم ينشر
من مذكرات أكرم الحوراني (40) – “الرجل” الذي ينتقم من النساء ومعركة الحشيش
من مذكرات أكرم الحوراني (41) – أولئك المحجبات الباسلات
من مذكرات أكرم الحوراني (42) – العید الألفي لأبي الطیب المتنبي
من مذكرات أكرم الحوراني (43) – الوباء
من مذكرات أكرم الحوراني (44) – سلطة الانتداب تجمد نادي أبي الفداء
من مذكرات أكرم الحوراني (45) – بوادر صراع النفوذ السعودي والھاشمي في سورية
من مذكرات أكرم الحوراني (46) – عصبة العمل القومي
من مذكرات أكرم الحوراني (47) – الكتلة الوطنية تتجه نحو التنظيم الحزبي
من مذكرات أكرم الحوراني (48) – إيطاليا تهاجم الحبشة
من مذكرات أكرم الحوراني (49) – وهوى الصقر .. الزعيم إبراهيم هنانو
من مذكرات أكرم الحوراني (50) – الحزب السوري القومي
من مذكرات أكرم الحوراني (51) – إهانة الشيخ تاج في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (52) – منير الريس ينتقم من حسني البرازي
من مذكرات أكرم الحوراني (53) – أربعون الزعيم هنانو عام 1935
من مذكرات أكرم الحوراني (54) – الإنفجار الكبير .. إضراب الستين يوماً في سوريا
من مذكرات أكرم الحوراني (55) – الإضراب الستيني .. والكتلة الوطنية
من مذكرات أكرم الحوراني (56) – كيف انتهى الإضراب الستيني؟
من مذكرات أكرم الحوراني (57) – المظاهر الخادعة
من مذكرات أكرم الحوراني (58) – تنظيم الشباب الوطني