في أوائل فترة الانفصال وقُبيل انقسام البعثيين في سورية، ونظراً لعجز القادة الثلاثة عن التوصل إلى اتفاق على موقف موحد فيما بينهم، نشط بعض قادة التنظيم البعثي العسكري، وخاصة بشير صادق ومحمد عمران، لإقناع القادة الثلاثة بضرورة الدعوة إلى اجتماع حزبي لمناقشة القضايا المطروحة وانتخاب قيادة شرط ألا يرشح أحد منهم نفسه إليها، مع استمرار دورهم في ممارسة توجيه التنظيم والسياسة العامة للحزب، وهذه المحاولة كانت منطلقة عن حسن نية والتزام بروح المحافظة على الحزب وسلامة دوره القومي وتجاوز الحزب لأزمته الداخلية وتفادي خطر الانقسام وعودته إلى ممارسة دوره الطليعي في النضال ضد الانفصال، وبعد عدة لقاءات نجحوا في مسعاهم، واتُفِق على أسماء الحضور، وانعقد (شبه المؤتمر) في شباط 1962في منزل الدكتور أحمد بدر الدين في دمشق، وكان جو الاجتماع صاخباً، وانفجر الخلاف بين القادة الثلاثة رغم الجهود الكبيرة التي بُذلت للتوفيق بينهم، كما أن أغلب الحضور طالبوا بعدم تدخل القيادة القومية والأساتذة الثلاثة في إعادة تنظيم الحزب في سورية، وأثار هذا الرأي أعصاب الأستاذ صلاح البيطار ودفعه إلى أن يعلن رفضه القاطع لذلك، وقال: إذا تم ذلك، سأشق هذا الحزب ولو لم يمش معي إلا خمسة أعضاء، وفشل هذا اللقاء وبرزت بوادر الانشقاق اللاحق.
عقد التنظيم القومي، دون ممثلين عن القطرين السوري والمصري، مؤتمره القومي الخامس في حمص في منزل خلوصي الأتاسي، في شهر أيار 1962، حدد فيه المؤتمر موقف الحزب من جريمة الانفصال، ونضاله من أجل إعادة الوحدة، كما أجمع أعضاء المؤتمر القومي على ضرورة إعادة التنظيم الحزبي في سورية فوراً، وكان بعض الأعضاء يرى أن تقود القيادة القومية كقيادة قطرية هذا التنظيم، وأن تبدأ بإنشاء حلقات تابعة مباشرة لها، بينما ارتأى آخرون أن تبادر القيادة القومية إلى تعيين قيادة قطرية تقوم بهذا الدور تحت إشرافها، وأخيراً اتخذ المؤتمر القرار التالي:
- تكليف القيادة القومية الجديدة بالمباشرة فوراً في إقامة تنظيم للحزب في القطر السوري.
- تقوم القيادة القومية بتعيين قيادة قطرية مؤقتة، تُختار من العناصر السابقة التي تتمتع بالنشاط والكفاءة والإيمان العميق بعقيدة الحزب، تقوم بتنظيم القاعدة.
- يراعى في بناء التنظيم الجديد تجربة الحزب التنظيمية السابقة، والقرارات التي يتخذها هذا المؤتمر.
- يصار إلى دعوة القاعدة الحزبية في التنظيم الجديد إلى انتخاب مؤتمر قطري ينتخب قيادة قطرية محل القيادة القطرية المؤقتة وذلك في أقصر وقت ممكن.
- المواقف السياسية ترسمها القيادة القطرية المؤقتة بالاشتراك مع القيادة القومية في المرحلة الاستثنائية.
ومن التعديلات التي أُدخلت على هذا القرار، التعديل التالي:
آ – لا يُشترط تكوين القيادة القطرية المؤقتة في سورية من السوريين فقط، بل يجوز للقيادة القومية أن تُطعم هذه القيادة بأعضاء حزبيين من الأقطار الأخرى.
ب – أن تحرص القيادة القومية حرصاً شديداً ومنذ البدء على اعتماد السرية التامة في عملية التنظيم في سورية.
استاء الأستاذ أكرم الحوراني، الذي استمر على موقفه في تأييد حكم الانفصال، من إهمال الأمين العام للحزب له، وعدم دعوته إلى حضور المؤتمر القومي الخامس، ومن تهجمه عليه، واتهامه بالانتهازية، والعمل على تكريس الانفصال، مما دفعه إلى إصدار بيان في 18 حزيران 1962، باسم حزب البعث، أعلن فيه عدم اعترافه بكافة إجراءات ما سماه (تنظيم عفلق)، و منها المؤتمر القومي الخامس، واستغلت القيادة القومية المنتخبة من المؤتمر المذكور، رفض الأستاذ الحوراني لمقررات المؤتمر من خلال البيان المذكور، وقررت فصله مع مجموعته من الحزب.
بعد المؤتمر القومي المذكور، استمر بذل الجهود للمحافظة على وحدة البعثيين في إطار تنظيم واحد، وتم عقد اجتماع آخر ( شبه مؤتمر) في منزل الدكتور سامي السقا في دمشق في 25 حزيران 1962، أي بعد انعقاد المؤتمر القومي الخامس، حضره مندوبون عن الاتجاهات الحزبية كلها – باستثناء الذين التزموا الخط الناصري – بهدف مناقشة أزمة الحزب التنظيمية وانتخاب قيادة للقطر السوري، ولم يُدْعَ أحدٌ من الأساتذة الثلاثة لحضوره، وكان هذا الاجتماع يلقى دعماً من الأستاذ الحوراني بغية كسب الحاضرين إلى موقفه، وانتخب المجتمعون قيادة قطرية مؤقتة من تسعة أعضاء (رياض المالكي، منصور الأطرش ،عبد الغني قنوت، سليمان الخش، فايز الجاسم، خالد الجندي، خالد الحكيم، حميد مرعي، سامي السقا)، ولكن منصور الأطرش وخالد الحكيم رفضا الانضمام إلى هذه القيادة، و اتفق من بقي من الأعضاء على إرسال مذكرة إلى الأمين العام للقيادة القومية للحزب الأستاذ ميشيل عفلق يطلبون فيها الاعتراف بهم كقيادة قطرية، ولكن الأمين العام رفض ذلك بسبب: 1- أن الاجتماع غير شرعي.
2- عدم وجود تنظيم حزبي في القطر السوري.
3 ـ أن الحوراني هو وراء هذا الاجتماع.
تبيَّن لهذه القيادة المنتخبة من ذلك الاجتماع أن الأستاذ الحوراني اعتبرها مرتبطة به وتؤيد أطروحاته، ونشأ الخلاف بين أعضائها وتميز من عُرفوا بالقطريين عن جماعة الأستاذ أكرم، كما أن عبد الغني قنوت عاد إلى الاشتراكيين العرب، وكانت حصيلة هذا الاجتماع تكريس الاتجاهات الثلاثة في تنظيمات منفصلة.
بعد نكسة الوحدة في أيلول 1961 انقسم البعثيون في سورية حيال الموقف من الانفصال إلى خمسة أقسام رئيسية:
1 ـ جناح القيادة القومية: الذي كان يرى أن القيادة القومية التي قررت في اجتماعها في شهر آب 1961 العمل على إصلاح أخطاء الحكم من خلال إطار الوحدة ومحاربة أية دعوة انفصالية هي رمز قومية الحزب، وكان هذا الجناح يعتبر أن أية دعوة للانفصال هي مؤامرة ضد الثورة القومية العربية شكلاً ومضموناً، وتبنى هذا الجناح رأي القيادة القومية بوجوب إصلاح الخطأ من الداخل ومن خلال إطار الوحدة.
وبعد نكسة الوحدة كان يرى ضرورة النضال ضد حكم الانفصال وإعادة الوحدة مع مصر وفق أسس جديدة بمضمون ديمقراطي واشتراكي واضح وعلى أساس اتحادي، ودعت الأمانة العامة الحزب القومي في بيان لها بتاريخ 30 حزيران 1962، إلى تشكيل جبهة من الحركات العربية التقدمية وعلى رأسها قيادة الثورة الجزائرية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية في المغرب مع حزبنا للضغط على نظام الحكم القائم في مصر من أجل تطويره بسرعة نحو الديمقراطية والمفهوم القومي السليم للوحدة العربية والإفادة من دروس التجربة الأولى وانتكاستها.
2 ـ جناح الحوراني: الذي أيد الانفصال وشارك في الحكم منذ أيامه الأولى وحتى سقوطه، وبعد فصل القيادة القومية الأستاذ الحوراني ومؤيديه من الحزب بسبب أطروحته الرافضة لعودة الوحدة مع مصر في ظل حكم الرئيس عبد الناصر من ناحية، ولاختلاف الظروف المحلية بين االقطرين من ناحية أخرى. ومواقفه هذه تتناقض مع مقررات المؤتمر القومي الخامس، شكّل تنظيماً باسم حركة الاشتراكيين العرب، بدلاً من الاسم الذي كان يحمله التنظيم قبل دمج الحزبين في شهر كانون الأول 1952، وهو الحزب العربي الاشتراكي الذي كان قد أُعلن في 5/3/ 1951.
3 ـ الجناح الذي أُطلق عليه اسم (القطريون)، وهم مجموعة من الناشطين البعثيين كانوا قد بادروا في أواخر عهد الوحدة إلى القيام باجتماعات غلب عليها الطابع الحزبي ناقشوا خلالها ما وصلت إليها الحال في دولة الوحدة عامة، وفي سورية خاصة، كما ناقشوا ما آلت إليها حال البعثيين، وبعد أن تبلورت معالم الانشقاق بين البعثيين السوريين، شكلوا تنظيماً خاصاً بهم ، أطلقوا عليه اسم “التنظيم الأساسي للبعث”، ضم أكثر قياديي النسق الثاني من البعثيين في محافظات حماة ـ دير الزور ـ اللاذقية ـ الحسكة، وكانت غالبية هذا الجناح تعتبر أن قرار حل تنظيم الحزب في سورية، وهو التنظيم الأم، يعني انسلاخ جزء أساسي عن جسم الحزب منه، وقد حملهم هذا، على التفكير في التماس الأسلوب النضالي الثوري لإعادة تنظيمه، وكانت القرينة في ذلك أن المرة الأولى التي شعرت بها القاعدة الحزبية بالتحرر من عبء القيادة هي زمن النضال ضد حكم أديب الشيشكلي، يوم التجأ القادة الثلاثة في أوائل شهر شباط 1953، إلى لبنان ومن ثم إلى إيطاليا، تاركين القواعد الحزبية تقود نفسها بنفسها، واستطاعت تلك القواعد أن تخطو في ميادين النضال خطوات واسعة، وبذلك زال وهم القواعد بأنه لا مفر من وجود القادة الثلاثة على القمة لضرورات العمل النضالي، كما رأوا أن الانفصال واقع يجب استغلاله والمباشرة في النضال من أجل إزالة العوائق التي أدت إلى نكسة الوحدة، وحمّل هذا الجناح القادة الثلاثة قسماً من مسؤولية الانفصال بقبولهم حل الحزب في قطري سورية ومصر، وبالتالي مسؤوليتهم عن تشتت الحزبيين وضياعهم وعن عدم قدرتهم على النضال كتنظيم لحماية الوحدة، وكما ذكر قبلاً، انتخبوا في اللقاء الذي تم في منزل الدكتور سامي السقا، قيادة قطرية مؤقتة مهمتها إنجاز التنظيم خلال أربعة أشهر، ومن توجهات ما سموه “مؤتمرهم”: لا وحدة مع الديكتاتورية، لأن العقلية التي تحكم في القاهرة هي نفسها لم تتبدل رغم نكسة الوحدة، وكانوا في هذا الطرح يلتقون مع جناح الحوراني، بينما يلتقون مع التنظيم القومي بالالتزام بقومية الحزب، ويلتقون مع التنظيم البعثي العسكري الذي كان يشاركهم في أطروحتهم بضرورة عدم مشاركة الأساتذة الثلاثة في قيادة إعادة التنظيم.
وورد في البيان الصادر عن “مؤتمرهم” المذكور أن الواجب الأول هو (إعادة بناء الحركة الشعبية في سورية، وأن على الحركة الشعبية رفع لواء النضال الشعبي الشامل، وتضامن القوى الشعبية في الوطن العربي).
4ـ الجناح الناصري: عقد عدد من البعثيين ذوي الميول الناصرية اجتماعاً لهم في شهر حزيران 1961 في حمص، ناقشوا خلاله الأوضاع العامة والأخطاء التي ترتكبها أجهزة الحكم الناصرية، ومدى خطورتها على مستقبل الوحدة وارتأوا إرسال مذكرة بذلك إلى الرئيس ناصر، ولكنها لم تُنجز قبل الانفصال، وفي آذار 1962، اجتمع عدد منهم في منزل ذوقان قرقوط في دمشق، وأرسلوا مذكرة بمقررات الاجتماع إلى الأستاذ ميشيل عفلق الأمين العام للحزب، مقترحين العمل بها، لأنها تمثل رغبة القواعد الحزبية، حسب رأيهم، وتطرقت المذكرة إلى أخطاء الحكم الناصري، إلا أنها طلبت من القيادة القومية، باعتبار البعث حزباً قومياً وحدوياً قبل كل شيء، أن تُصدر بياناً تطالب فيه بإعادة الوحدة فوراً وتأييد الرئيس عبد الناصر خاصة وأن الرئيس ناصر، الذي كانوا يرون فيه شخصية كاريزمية ودمجوا بين الوحدة وشخصه، بعد نكسة الانفصال سيكون أكثر تفهماً لضرورة وجود التنظيم الحزبي، وفيما إذا أخذ البعث مبادرته في إعادة الوحدة فسوف يكون هو التنظيم الحزبي الذي يعتمد عليه.
لم تستجب القيادة القومية لما ورد في مذكرتهم، وفي تعميم لها على الجهاز الحزبي في أوائل كانون الأول 1961، أجابت على اقتراحات وردت من الرفاق، وفيما يلي بعضها:
أ -طلب عدد من الرفاق إصدار بيان يوضح موقف الحزب “العقائدي” من الأزمة وبإعلان تأييده للوحدة وشجبه للانفصال.
ب -طلب عدد آخر من الرفاق تأييد الرئيس عبد الناصر …
إن مثل هذا البيان لا يصدر إلا ردّاً على اتهام الحزب بالعمل ضد الوحدة، ويعني تحويل المعركة إلى تأييد شخص وفي ذلك انحراف عقائدي.
تجاه ذلك تداعى في أوائل تشرين الأول 1962حوالي 16بعثياً سابقاً منهم وقرروا تأسيس حركة لهم سميت بـ(طليعة الحركة الوحدوية الاشتراكية) وربطوا حركتهم بالسفارة المصرية في بيروت، وبمحمد نسيم مسؤول المخابرات في السفارة.
6- التنظيم البعثي العسكري: إن بعثرة الضباط البعثيين بعد قيام الوحدة ونقل أصحاب النفوذ منهم إلى وظائف مدنية، وإبعاد الآخرين إلى القطعات العسكرية في الإقليم الجنوبي (مصر) ، لإضعاف النفوذ البعثي في الجيش، أشعرتهم هذه الإجراءات بالغبن الكبير الذي لحق بهم من جهة، وبخطورة إفراغ الجيش الأول (جيش سورية) من العناصر التي ناضلت بل ساهمت في فرض قيام الوحدة على مصير الوحدة، من جهة ثانية، وحين لاحت بوادر الخلاف بين البعث والرئيس ناصر، بادرت عناصر عسكرية بعثية بمحاولة لرأب الصدع، واقترحوا على القادة الحزبيين تدارس الموقف الخطير وإيجاد حل له يحفظ وحدة البلدين، ومعالجة الأمور بمواجهتها وليس الهروب منها، ولكن الأمور بقيت كما هي، وكان هذا آخر رباط يشدّ البعثيين العسكريين إلى القادة الثلاثة.
أسفرت اللقاءات التي تمت بين الضباط البعثيين المبعدين إلى الإقليم الجنوبي (مصر) عن تأسيس ما عُرف باللجنة العسكرية التي أخذت على عاتقها في أواخر عهد الوحدة، الاتصال بالضباط البعثيين، وتمّ إنشاء التنظيم البعثي العسكري وكان منطلقه هو الدفاع عن دولة الوحدة مهما كانت الأخطاء والتصرفات، ولكن مواقعهم لم تكن تسمح لهم القيام بدور أكثر حسماً في تلافي الانهيار، ومقاومة دابر الانفصاليين.
ناقش قادة هذا التنظيم شعارات الحزب واتفقوا على مضامينها من وجوب حماية الوحدة بالعمل الشعبي الديمقراطي، والاشتراكية بمنع الاستغلال، وإقامة أسس العدل وتكافؤ الفرص.
بعد الانفصال تم تسريح أكثرية الضباط البعثيين العائدين من مصر، من منطلق أنهم يشكلون خطراً على الحكم الجديد.
نشطت اللجنة البعثية العسكرية في تنظيم العسكريين، من بقي منهم على رأس عمله في القوات المسلحة أو من سرح منهم أو نقل إلى وظيفة مدنية، ونأى هذا التنظيم بنفسه عن الصراعات القائمة بين الأجنحة البعثية المختلفة، و رغب في تجاوز أمراض الحزب القديمة، وكان يعتقد أن العلة تكمن في القيادة التاريخية ولذلك ينبغي تجاوز تسلطها الفوقي والتحرر من تصرفاتها وخلافاتها الشخصية، واتباع عمل حزبي مستقل، والتعاون مع القاعدة البعثية، و(بناء صياغة موضوعية لعلاقات أفراده وأجهزته تمهد لظهور صف جديد من القادة الأكثر التصاقاً بالحزب وقواعده، وأكثر قدرة على التعبير عن إرادته)، وتستطيع هذه الصيغة التصدي للمؤامرات الانفصالية في الحزب، وفي الوقت نفسه بقي هذا التنظيم سرياً يحاور جميع الأجنحة، دون أن يعلن عن تنظيمه، و يسعى إلى توحيد صفوفها، ومعالجة أسباب اختلافاتها، ووجد هذا التنظيم في مقررات المؤتمر القومي الخامس تقارباً كبيراً مع وجهة نظره.
إلى جانب هذه الأقسام الرئيسية ظهرت تجمعات بعثية أخرى، وأشهرها:
1- اللجنة الجامعية وتضم عدداً من الطلاب البعثيين في جامعة دمشق، وتركزت جهودها على ضرورة وجود تنظيم واحد في القطر السوري، وخاصة بما عُرف بجناح القيادة القومية وجناح القطريين، وبعد عدة لقاءات لها مع مسؤولي التنظيم في الجناحين ، تقدمت بتاريخ 26/7/1962 بمذكرة لكل من القيادة القومية وقيادة القطريين تضمنت أسساً لحل الأزمة التنظيمية في الحزب:
المنطلق هو دستور الحزب وليست البيانات.
القضايا التطبيقية تبحث داخل التنظيم لا خارجه.
عودة العضو السابق إلى الحزب يكون على أساس إيمانه بالدستور وانسجامه معه فكرياً وتنظيمياً وسلوكياً ونضالياً، وبُعْدِه عن تيارات الرجعية والناصرية والمخابرات.
الإصرار على وحدة القاعدة السليمة الثورية قطرياً وقومياً.
أن تنظيمين لأهداف واحدة وفي قاعدة سليمة واحدة أمرٌ غير مشروع، وفي سبيل الوصول إلى وحدة القاعدة السليمة الثورية يجب تجاوز كل الشكليات.
الحل هو في تشكيل هيئة واحدة سليمة نظيفة ليس على اتجاهها أو سلوكها أي مأخذ ومتفق عليها من قبل المؤتمر والأعضاء السليمين والقيادة القومية، وتتولى هذه الهيئة الواحدة إقامة تنظيم ثوري واحد لقاعدة سليمة ثورية واحدة.
2 -بعض البعثيين في محافظة درعا تقدموا بمشروع إلى القيادة القومية وإلى قيادة القطريين، يدعو الجناحين إلى ضرورة الاتفاق على لجنة مؤلفة من خمسة رفاق تكون مهمتها الطواف على المحافظات وتسجيل أسماء الرفاق البعثيين ويستثنى من ذلك مَن التزم التوجه الناصري والمباحثيين والذين أساؤوا لسمعة الحزب، ثم إجراء انتخابات حزبية لمؤتمر قطري.
3 –انضم إلى هذا الرأي بعض بعثيي محافظة السويداء ومنطقة القنيطرة.
وبالتنسيق مع اللجنة الجامعية تقدموا إلى القيادة القومية وإلى قيادة القطريين بمشروع موحد يتضمن الموافقة على النقاط الخمس الواردة في مذكرة اللجنة الجامعية، وتبني إبعاد الأساتذة الثلاثة عن التنظيم في القطر السوري، وأن مصيرهم يقرره مؤتمر قومي للحزب.
وافق ممثلو الجناحين على ما ورد في المشروع المذكور، وعلى لجنة مؤلفة من سبعة رفاق يتم اعتمادها من القيادة القومية، مهمتها الطواف على المحافظات وتسجيل أسماء الرفاق البعثيين – عدا من التزم التوجه الناصري والمباحثيين والذين أساؤوا لسمعة الحزب – والإشراف على إجراء انتخابات لمؤتمر قطري، ونتيجة الاتصالات تم التوافق على أسماء أكثر من 75% من أعضاء اللجنة.
أعلن ممثلا القيادة القومية الدكتور حمدي عبد المجيد وهاني الفكيكي، بأن القيادة القومية ستدعو إلى اجتماع لإقراره، وأنها كانت قد وافقت عليه في اجتماع سابق.
أما قيادة القطريين فقد تراجعت عن كل ما تم التوصل إليه، وفي كتابها بتاريخ 13/8 /1962 اشترطت اعتراف القيادة القومية بها فوراً، وفي هذه الحالة فقط يمكنها أن تتفق مع القيادة القومية على تشكيل لجنة من الأعضاء البعيدين عن الخلافات الشخصية لكي تساعد “القيادة القطرية” أي قيادتهم، في تصنيف الأعضاء وإعدادهم للانتخابات المقبلة.
أوقفت القيادة القومية الحوار مع التنظيم القطري بعد الشرط الذي وضعته قيادة ذلك التنظيم، وكان مفاجأة وموضع دهشة للساعين إلى وحدة التنظيم، لأنه لم يُطرح أثناء الاتصالات التي جرت قبلاً، ودفع موقف القطريين هذا، بأكثرية بعثيي الجامعة ودرعا والسويداء والقنيطرة إلى الالتزام بتنظيم القيادة القومية.
4 -مجموعة صغيرة جداً ادّعت تبنيها الفكر الماركسي، وكان أبرز أعضائها عبد الرحمن منيف، وحضر عدد منهم اجتماع حزيران1962.
على إثر ذّلك مضى كل جناح من تلك الأجنحة في طريقه الخاص، وبعد قيام الحزب القومي بثورته في القطر العراقي في 8 شباط، حزم التنظيم البعثي العسكري أمره والتزم بالقيادة القومية.
بعد ثورة الثامن من آذار 1963، التي قادها التنظيم العسكري الملتزم بالقيادة القومية، جرت انتخابات حزبية، على عجل، في التنظيم المدني في القطر السوري على مستوى الشُعب، تمهيداً لعقد مؤتمر قومي، وعُقد مؤتمر قطري في أوائل شهر أيار 1963، انتخب قيادة قطرية وممثلين إلى المؤتمر القومي، ولم يؤخذ بنتائجه. ثم جرت انتخابات حزبية من مستوى الفرق الحزبية، وعُقد مؤتمر قطري في شهر أيلول 1963أُطلق عليه المؤتمر القطري الأول، حضره الأعضاء المنتخبون من التنظيم في القطاع المدني، وممثلون عن القطاع العسكري، وأوصى هذا المؤتمر، بقبول قواعد القطريين والوحدويين الاشتراكيين، وإعادة تنظيمهم كأفراد في الحزب، وأقر المؤتمر القومي السادس الذي عُقد في تشرين الأول 1963، هذه التوصية، وبدأت القيادات الحزبية في محاورة هذين الجناحين، لإعادتهما إلى الحزب، ولقد تم إعادة جميع أعضاء الجناح القطري تقريباً، وإعادة بعض أفراد من الوحدويين الاشتراكيين.
اقرأ :
مروان حبش: أزمات حزب البعث بعد الوحدة (19)
مروان حبش: حل حزب البعث عام 1958 (18)
مروان حبش: السير نحو الوحدة (17)
مروان حبش: البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام 1955(16)
مروان حبش: البعث والانتخابات النيابية عام 1954 (15)
مروان حبش:البعث والانقلاب على نظام حكم الشيشكلي (14)
مروان حبش: البعث والقيادة القومية (13)
مروان حبش: قضية انسحاب جلال السيد من حزب البعث (12)
مروان حبش: قضية الضابط داود عويس (11)
مروان حبش: قضية البعث وحسني الزعيم (10)
مروان حبش: دمج الحزبين وزواج لم يُعمِّر (9)
مروان حبش: الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي الاشتراكي (8)
مروان حبش: صدور جريدة البعث والمؤتمر التأسيسي عام 1947 (7)
مروان حبش: معارك حركة البعث 1943- 1947 (6)
مروان حبش: تكون حلقة شباب البعث العربي 1942- 1943 (5)
مروان حبش: زكي الأرسوزي وتأسيس الحزب القومي العرب عام 1939 (4)
مروان حبش: الحزب القومي العربي (3)
مروان حبش: عصبة العمل القومي (2)
مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي (1)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (2)
مروان حبش: حركة 23 شباط.. سقوط حكم حزب البعث في العراق (3)