شهادات ومذكرات
من مذكرات أكرم الحوراني – العید الألفي لأبي الطیب المتنبي
من مذكرات أكرم الحوراني (42/1)
من مذكرات أكرم الحوراني- الجزء الأول 42 – العید الألفي لأبي الطیب المتنبي
كنت ولا أزال شديد الاعجاب بشاعر العرب العظیم أبي الطیب المتنبي. وكان رفیقي في غرفة الدراسة بدمشق بدر الدين علوش لا ينقطع عن رواية أشعاره باستمرار، فقد كان حافظا لأجمل قصائد الشعر العربي القديم عموما، ومبدعا في تلاوتھا وإلقائھا القاء جمیلا، وحین قرأنا في الصحف ان “العروة الوثقى” قررت اقامة مھرجان في الجامعة الأمیركیة ببیروت للاحتفال بذكرى مرور ألف عام على وفاة المتنبي، اتفقنا على إقامة مھرجان مماثل في حماة، وانضم الینا رفیقنا في المنزل حسن قاسم.
وعندما انتھت السنة الدراسیة وعدنا الى حماة لقضاء العطلة الصیفیة، انضم إلینا أيضا إحسان العظم، فكونا نحن الاربعة “لجنة المھرجان الألفي لأبي الطیب” وأخذنا نھيء لذلك المھرجان بشكل يلیق بشاعر الأمة العربیة الكبیر، ولا سیما وانھا ستكون مناسبة لإذكاء الروح الوطنیة العربیة ومظاھرة ضد الاستعمار الفرنسي.
قدمنا بیانا للسلطة، طالبین السماح لنا بإقامة ذلك المھرجان الأدبي” في 10 آب 1935 في مقھى السماق، ووجھنا كتبا الى عدد من كبار الأدباء والشعراء في دمشق وحلب وحمص ومصر وفلسطین ولبنان، نرجوھم فیھا الحضور للاشتراك بالمھرجان، أو ارسال خطاباتھم لتلقى بالنیابة عنھم.
وقد عكفت خلال تلك المدة المتبقیة على موعد المھرجان، وھي حوالي شھر على كتابة دراسة عن فكر المتنبي وفلسفته.
وكان الاھتمام بدراسة الفلسفة الألمانیة، وفلسفة نیتشه، بشكل خاص ظاھرة العصر في سوريا آنذاك، فقارنت في الدراسة الأكاديمیة الطويلة التي أعددتھا بین المتنبي ونیتشه.
وبعد عصر يوم 10 آب 1935 يقول مراسل “القبس” في حماة: كان میعاد الحفلة في مقھى السماق بسوق الدباغة، فما أزفت الساعة الخامسة زوالیة حتى كان عدد المدعوين قد اكتمل، وقد أربى على ثمانمائة شخص من علماء المدينة وأدبائھا وشبانھا وموظفیھا وتجارھا وعمالھا، كانت جدران الحديقة مغطاة بالسجاد، والمنبر قد نصب في صدرھا.
وفي الساعة الخامسة اعتلى المنبر الشاب مصطفى الصابوني،وافتتح الحفلة باسم لله ثم باسم العرب، ثم قدم الفرع الموسیقي بملجأ الأيتام النشید الخاص الذي نظمه لھذه الحفلة السید زھدي الشواف ولحنه الأستاذ الموسیقار توفیق أفندي حمدون، الذي قبض على العود الى جانب المنشدين لیجاروه في الترتیل، فكان للنشید وتلحینه وترنیمه وقعه الجمیل في نفوس السامعین.
ثم تقدم من المنبر الشاب الأديب إحسان بك العظم فألقى خطبة مطولة شملت تاريخ حیاة المتنبي باستقصاء علمي، وتلاه الأديب السید سلیم البرازي الذي ألقى كلمة الأديب الكبیر الأستاذ شفیق بك جبري، فأجاد القاء كلمة أديب الفیحاء الكبیر، ونھض بعده الشاعر الحمصي الملھم الأستاذ رضا صافي وألقى قصیدة موشحة من بنات فكره الجواد، وعقبه السید أكرم الحوراني فألقى دراسة مطولة في “من ھو أبو الطیب؟” نحا فیھا غیر المنحى الذي انتحاه احسان بك العظم، لأنه تناول أبا الطیب بدرس تحلیلي لأكثر نواحیه الشعرية النفسیة والفلسفیة، وتلاه السید سلیم بك حیدر الذي جاء من بعلبك لیلقي قصیدة رائعة في المتنبي استحسنھا الجمھور أيما استحسان، ثم ألقى السید عبد الرحمن عیاش قصیدة باسم طلاب التجھیز، ثم اعتلى المنبر أستاذ الأدب العربي في حماة قدري أفندي العمر فارتجل خطبة قیمة في صدق المتنبي وبطولته، وقام السبد بدر الدين علوش وألقى خطبة قیمة جدا في “عبقرية المتنبي” أجاد فیھا كل الاجادة تألیفا واستنتاجا وإلقاء، فقد سحر سامعیه بأسلوب إلقائه… ثم ألقیت – بالنیابة – كلمة العلامة السید عبد القادر الجندي التي جاءت ردا على سؤال لجنة المھرجان ” ھل يعد المتنبي حجة في اللغة؟” كما تلي بالنیابة خطاب
وطني للأستاذ عمر يحیى أستاذ الأدب العربي في تجھیز انطاكیة، وفي الختام ألقى شاعر العاصي بدر الدين أفندي الحامد قصیدته الرائعة .. وقد خرج الناس طروبین بما ألقي من الكلمات الطیبة في ھذه الحفلة، مثنین على لجنة المھرجان وعلى الخطباء لما بذلوا من جھود ثمینة جعلت للحفلة روعتھا التي أخذت من نفوس السامعین أحسن مأخذ.
وعلى الرغم من أن مثل ھذه الحفلات الجماھیرية لا تتقبل الدراسات الأكاديمیة الرصینة، فقد استمع الناس لدراستي – التي كانت بمثابة أطروحة علمیة- بكل اھتمام وصبر وجلد، وكانت موضع تشجیع وتقدير من الأساتذة والأدباء في حماة، واعتبرھا الاستاذ قدري العمر استاذ الأدب العربي في تجھیز حماة من خیر الدراسات التي قرأھا عن المتنبي حسب تعبیره.
لم يقتصر أثر ھذا الاحتفال على الناحیة الأدبیة، بل أخذ – كما أردنا له – شكل مظاھرة وطنیة ضد الاستعمار الفرنسي، وكان على رأس الحضور الدكتور توفیق الشیشكلي وأركان الكتلة الوطنیة بحماة، فكان للاحتفال وقع إيجابي طیب في الأوساط الوطنیة ضد جو الخنوع والھمود والخوف الذي نشره حسني البرازي في المدينة منذ تولیه وزارة المعارف.
وكان من فوائد ھذا المھرجان أنه عرفنا بالأديب اللبناني محمد علي الحوماني، الذي زار حماة فیما بعد فاحتفینا به. كان الحوماني يصدر مجلة أدبیة في بیروت آنذاك، وكان شاعرا يشارك في المھرجانات الوطنیة والأدبیة في سوريا، ويلقي اشعاره بلھجة غنائیة ايقاعیة جمیلة تساعد الجماھیر على حفظھا وترديدھا.
نشرت الصحف أنباء ھذا المھرجان وبعض القصائد التي ألقیت فیه، فشجع ذلك أدباء حمص وحلب على إقامة مھرجانات مماثلة احتفاء بالذكرى الألفیة لأبي الطیب المتنبي.
ولا شك أن نجاح ھذا المھرجان كان نجاحا لأھل الصفة، تلك الندوة الأدبیة والسیاسیة والفكرية، التي تربط بین أعضائھا أقوى روابط الرفاقة رغم عدم وجود تنظیم رسمي يضمھم، وكان نشاط أھل الصفة يزداد عندما نعود من الجامعة لقضاء العطلة الصیفیة.
اقرأ:
من مذكرات أكرم الحوراني (1) – من ذكريات الطفولة
من مذكرات أكرم الحوراني (2) – يا حوراني يا أكحل
من مذكرات أكرم الحوراني (3) – لماذا لم ينجح أبي في الانتخابات؟
من مذكرات أكرم الحوراني (4) – خلفیة الأوضاع الاجتماعیة بحماه في أواخر العھد التركي
من مذكرات أكرم الحوراني (5) – في مدرسة ترقي الوطن وأيام كئیبة عند الشیخة
من مذكرات أكرم الحوراني (6) – صفعة ظالمة من جندي الماني وحاكم سورية في ضیافتنا
من مذكرات أكرم الحوراني (7) -الأمير فیصل يتبرع لانشاء مدرسة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (8) – مرحبا يا ابن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (9) – طائرة ترمي منشورات في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (10) – الإنكليز والفرنسيون في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (11) – الثورات والأمل
من مذكرات أكرم الحوراني (12) – في قصر العظم
من مذكرات أكرم الحوراني (13) – الثورة الوطنیة والثورة الاجتماعیة معاً
من مذكرات أكرم الحوراني (14) – الحسین بن علي
من مذكرات أكرم الحوراني (15) – ثورة عام 1925 في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (16)- عثمان الحوراني يتحدث عن ثورة حماة عام 1925
من مذكرات أكرم الحوراني (17) – فظائع الفرنسیین في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (18) – البطل رزوق النصر ينتقم
من مذكرات أكرم الحوراني (19) – من ھم مواطنونا الدروز؟
من مذكرات أكرم الحوراني (20) : بدء تفتح الوعي السیاسي للقضیة الوطنیة
من مذكرات أكرم الحوراني (21) : فرنسا تصطنع الشیخ تاج
من مذكرات أكرم الحوراني (22): التعرف على الشعراء والزعماء الوطنیین في دمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (23) – فجیعة سوريا باغتیال الغزي
من مذكرات أكرم الحوراني (24) – في الكلیة الوطنیة بعالیه في لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (25) – ذكريات من مكتب عنبر
من مذكرات أكرم الحوراني (26) – تأسیس أول ناد رياضي في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (27) – الصدمة الأولى في الجامعة الیسوعیة
من مذكرات أكرم الحوراني (28) – في لبنان عام 1931
من مذكرات أكرم الحوراني (29) – الشعب السوري يثور ضد تزيیف الانتخابات
من مذكرات أكرم الحوراني (30) – محاولة اغتیال صبحي بركات
من مذكرات أكرم الحوراني (31) – جذور الحركة الشعبیة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (32) – أهل الصفة
من مذكرات أكرم الحوراني (33) – لقاء مع ابراهیم هنانو
من مذكرات أكرم الحوراني (34) – وفاة الملك فیصل بن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (35) – وحدة القضیة السورية الفلسطینیة
من مذكرات أكرم الحوراني (36) – في معھد الحقوق بدمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (37) – تخلف معھد الحقوق
من مذكرات أكرم الحوراني (38) – التراث عامل تطوير لا تجمید
من مذكرات أكرم الحوراني (39) – مقال لم ينشر
من مذكرات أكرم الحوراني (40) – “الرجل” الذي ينتقم من النساء ومعركة الحشيش
من مذكرات أكرم الحوراني (41) – أولئك المحجبات الباسلات