مقالات
خالد محمد جزماتي: من ذكريات السجن (2)
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
من ذكريات السجن
أقول بداية .. لو وضعت عدداً من الجواميس في مهجع من مهاجع معتقل تدمر لنفقت خلال أيام.
في يوم الرابع عشر من نيسان 1994 جاءنا مساعد انضباط السجن المساعد محمد الناعمة (من ريف حمص) وفتح باب المهجع المسمى خمسة وستة، ونادى أسماء 12 سجيناً هم: خالد جزماتي، عدنان لاذقاني وهو عقيد من ادلب، عبد السلام نوير هو مهندس حاليا من حماة، أحمد حلمي الخوجة وهو من حلب أستاذ أدب عربي، عامر مدلجي من دير الزور، محمود مرزوق صف ضابط وحدات خاصة من دير الزور، عبد الغفار الأبرش من حمص، عامر الصالح من رأس العين، مصطفى الدباس مهندس من حلب، أنس بكداش طالب طب من حلب، خليل حجازي طالب طب من تل منين، فوزي الصياصنة من درعا.
ساقنا المساعد إلى ما يسموه .. سالول أبو ريحة .. والدخول إليه يتم بعد صعود ثلاث درجات عريضة، وهو عبارة عن غرفة صغيرة غالبية أرضها غير سليمة تبرز منها الحصى المدببة، وفيها دورة مياه مكسور قعر جلاسها تخرج منه الجرابيع بأريحية.
المهم كان ذلك عقوبة بحجة مشاغبات في المهجع ونحن كبراء المهجع يعاقبوننا لتربية غيرنا فينا، المهم كان التعذيب صبحاً وعصراً، ومن المعروف في سجن تدمر أنه كلما كثر عدد أفراد المهجع كلما كان التحمل أقوى على حساب قلة الطعام وكلما كان عدد المهجع قليل كانت تكاليف العذاب أشد..
وهكذا أمضينا أكثر من ستة أشهر لا يمكن وصفها، وفي يوم من الأيام أعلمنا عامر مدلجي وهو يراقب من ثقب ضئيل جداً في الباب والفرحة تغمره أن الجلادين قدموا بدون كرابيج، فتفاءلنا ..وبعد فتح باب السالول وطلبهم كالعادة حمل البيدونات لرش الساحة خرجنا للتنفس، وأثناء الخروج شدني أحد البغال من الشرطة وتجمعوا حولي أربعاً و بدأ اللكم والرفس كيفما اتفق حتى أغمي علي ولما شاهدوا ذلك نادو على عامر الصالح ذو البنية القوية وأمروه بجري جراً الى السالول من قدماي فسبب لي كدمات في رأسي..
ولما أتممنا الدخول أسرع الي الزملاء ليصلحوا حالي ورش الماء على وجهي، ولما صحوت رأيت أحمد حلمي الخوجة يتمشى ببطء واضعاً يديه على صدره قائلاً : يا شباب والله المري في صدري يؤلمني وما هي إلا دقائق وأحمد حلمي يقترب مني قاعدا ورأسه على كتفي الأيسر يقول: والله يا أبا محمد صدري يؤلمني ..وشخر مرتين ثم وقع رأسه في حجري ورحل عنا إلى وجه الله..
وأسرع أبو غالب الأبرش إلى تطبيق التنفس الاصطناعي له ولكن بدون فائدة، .وأسرع أحدنا إلى الضرب على الباب، ولما قدم الرقيب وهو نفسه الذي ضربني وبالصدفة كان معه طبيب السجن فأمرنا بحمله على العازل ولما عاينة شتمنا، يا أخوات،….هذا ميت ..وأسرعنا بتغسيله وصلينا عليه…
واستدعا مساعد السجن مسؤول السالول أي رئيسه مصطفى الدباس أبو بكري وسأله ..كيف مات ..أجابه كعادتنا وقع في الدورة بعد جلطة، وأمره بكتابة ذلك ووقع على التقرير، وبعد عدة ساعات حملوه وغالباً إلى أهله في حلب لأنه خالي من الكدمات..
وطبعا إدارة السجن ظنت أن المتوفي كان أنا الذي مارسوا عليه التعذيب في ذلك اليوم، وبعد وفاة الشهيد أحمد حلمي الخوجة أوقفوا تعذيبنا وبعد بضعة أسابيع أعادونا إلى مهجعنا للتحضير للمقابلات التي بنتيجتها يتم إخلاء سبيل بعض السجناء.
