You dont have javascript enabled! Please enable it!
اختيارات المحررمقالات

محمد عدنان حريتاني: جقجقة حلبية في زمن الجفاف – الساعات

محمد عدنان حريتاني- التاريخ السوري المعاصر

الساعات:

حكي لي والدي أن الساعات في أوائل القرن العشرين لم تكن منتشرة بشكل أوسع، فكانوا يقدرون الوقت تقديراً، وكانت بعض البيوت تخلو منها نهائياً، مما يضطرهم لقصد الجيران ممن يملكون ساعات أو لديهم أجهزة راديو لمعرفة الوقت، وكان أمراً عادياً أن يطرق الباب لتجد أجد أبناء الجيران يسأل عن الوقت، وتنوعت الساعات تلك الايام.

وكانت أكبر ساعة عرفتها ساعة باب الفرج وساعة البلدية قرب السراي العتيقة، وساعة ساحة المطران فرحات، ثم عرفت ساعة جامع البكره جي كما كل المساجد وكانت أكثر من واجدة، تصطف على الحائط وساعة جدي الأكبر وكان غلافها من الفضة والتي كان لها خيط حريري مميز يعلقها في رقبته كعادة تلك الأيام، وكان لونه أسود أو سمني حسب لون الصاية أو القمباز الذي يلبسه، ويضعها في طيات “الشف” الزنار الذي كان يلتف به كبار تلك الأيام.

 وكانت هذه الساعة التي اختصت بها جدتي الكبرى وما فارقتها حتى وفاتها، لصوت منبهها نغم حلو يختلف عن منبهات هذه الأيام خاصة الالكترونية، منها بجرس واحد، منها بجرسين، ولا زلنا حتى اليوم نقول دق الساعة حتى لو كان صوته “تييت تييت”.

ساعة باب الفرج بقيت تعمل حتى سبعينيات القرن الماضي، ثم توثقت فترة وعادت للعمل بشكل متقطع لعلة تقدم العمر، فقد شاخت مشغلها والمسؤول عن صيانتها ثم توقفت نهائياً، وكانت دورة المياه العامة التي تقع تحت برجها قد ألغيت، وحولت لمخزن يبيع الهدايا التذكارية للسياح، وتمت العناية بمظهرها الخارجي وفنائها المحيط وصار حديقة صغيرة تباع فيها الورود والنباتات المستوردة.

كان للساعة أربعة أوجه يراها الناس كيفما تواجدوا، لكن الساعات الأربعة لم تكن تشير إلى توقيت واحد، فقد كان هناك توقيتان التوقيت المعروف الذي يستند إلى غرينتش مع مراعاة فرق خطوط الطول، وتوقيت آخر يطلق عليه “التوقيت العربي” ويبدأ اليوم العربي الساعة الثانية عشر عند آذان المغرب، بينما الغربي عند منتصف الليل، وكانت تضاف كلمة عربي عند الإشارة له فمثلاً كنا ننام الساعة الثانية عربي، وكان العشاء يؤذن له عند الواحدة والنصف عربي، والظهر عند الساعة السادسة عربي.

في جامع البكرجي جامع حارتي جيث نشأت كانت هناك ساعتان كبيرتان يبلغ طولهما حوالي المترين ولهما أبواب زجاجية، كان المؤذن أبو سمعو طراب “رحمه الله” يضبط إحدهما كل يوم أو يومين وهي التي تشير إلى التوقيت العربي، وكانتا على طرفي المحراب، ومن المعروف أن مواقيت الآذان تتغير حسب فصول السنة، هذا كان في بيت جدي لكننا فتحنا أعيننا على التوقيت المعروف حالياً فقد كان التوقيت الرسمي للدولة، وأظن أن تطبيقه بدأ مع بداية الاستعمار الفرنسي، بينما كان التوقيت القديم من مخلفات فترة الحكم العثماني.

ولما كان للوقت أهمية كبيرة في حياة أهل حلب لم يبخلوا عليه وخصوه بالكثير من الأقوال والأمثال قل استخدامها هذه الأيام، أورد بعضها على سبيل المثال:

– ساعة الك ساعة لربك

– الله يجيرنا من ساعة الغفلة

– ساعة الجد ما في يا أمي ارجميني

– شغلو مزبوط مثل الساعة

– وغنى فريد الأطرش ساعة بقرب الحبيب أحلى أمل بالحياة

وروى “أبا القاسم المعراوي” عن المرحوم الحاج يحيى مكي وكان من الساعاتية القدامى في حلب أن بدوياً اشترى في خمسينيات القرن الماضي ساعة ذات جرسين بمبلغ اثنتي عشرة ليرة بعد جدال طويل، دون أن يخفض له في السعر، وبينما كان يهم بالمغادرة التفت البدوي إلى الحاج يحيى وقال له حجي: “خديت إلى تريدو، عجل ما تنظينا ساعة ظغيرة من هدن”.

وأشار إلى ساعات اليد المعروضة في الواجهة. وكانت الواحدة تساوي قيمة عشر ساعات من قيمة ساعات المنبه التي اشتراها البدوي، فقال له الحاج يحيى “باجر ع الموسم إن شاء الله يوم إلي نحصد الساعات الي زرعناهن، الحين روح يم خوالك”. وانصرف البدوي وهو يردد بينه وبين نفسه “أي إن شاء الله أجيك عم الموسم”، وكانت عادة منح الهدايا بقصد الترويج معروفة قديماً، فكنا نحصل على باقة بقدونس مجاناً مع كل شرية بندورة، وخيار من أجل السلطة ويطلق على هذا التصرف كلمة “ع البيعة” والبعض يعتقد “اش ما حصلنا منيح المكسب معنا”.

 كأن في داخلنا عشقاً مضطرماً للماضي وللقديم الذي شكل ذاكرتنا ومد جذورنا في تاريخ حلب الموغل في القدم وبلور أصالتنا، إنها حلب وما أدراك ما حلب.

هذه أنشودة أوردها بمناسبة نشر هذه الصورة وكنا قد تعلمناها منذ ستينيات القرن الماضي في الصف الأول الإبتدائي، وأترك للقراء الكرام التعليق عليها:

ساعة نومي ها هي       تدق لي ثمانية

فيا أبي وأمي                أمسيتما في عافية

يوم ميلادي عيد             فيه ندعو الأصدقاء

نأكل الحلوى جميعاً         في صفاء وهناء



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى