مقالات
من مذكرات أمين أبو عساف (65) الحالة العامة قبل إنقلاب حسني الزعيم
من مذكرات أمين أبو عساف (65): الحالة العامة قبل الإنقلاب
الملازم الأول “سليم شطا” يخبرني عن بعض أسرار القصر ودور “محسن البرازي” و”حسني الزعيم”.
في أواخر تشرين ثانِ عام 1948 على أثر مرور الذكرى الأولى لقرار تقسيم فلسطين المشؤوم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. جرى إضراب عام في دمشق وكل المدن السورية.
وقامت المظاهرات تندد بالدول الاستعمارية وتطالب بإسقاط الحكم لأنه لم يقم بواجبه في فلسطين. استمرت مظاهرات الطلاب في العاصمة واستمر الإضراب. استغلت الوضع المعارضة فوقعت مصادمات كثيرة بين المتظاهرين ورجال الأمن من الشرطة والدرك ذهب ضحيتها قتلى وجرحى من كلا الطرفين. لم تتمكن قوى الأمن من السيطرة على المتظاهرين، مما اضطر حكومة “جميل مردم بك” للاستقالة. ونظراً لصعوبة تشكيل الوزارة، طلب رئيس الجمهورية من الجيش استلام الأمن في البلاد حتى يتم تشكيل الوزارة.
أستلم الجيش الأمن في البلاد وأذاع بياناً باستلامه الأمن ومنع المظاهرات والتجمعات، ومنع التجول أثناء الليل وعدم حمل السلاح.
هدأت الحالة وظلت الأزمة الوزارية حتى وصل الأستاذ “خالد العظم” سفير سوريا في باريس شكل الحكومة وعاد الجيش إلى ثكناته وكان ذلك في أواخر كانون أول عام 1948م.
في أواخر كانون ثان 1949 وأثناء جلسة مجلس النواب انتقد النائب “فيصل العسلي” تسليم الأمن الداخلي إلى الجيش، وانتقد قائد الجيش (كان بينهما خصومة وسوء تفاهم سابقاً).
جمع الزعيم “حسني الزعيم” قادة المناطق والألوية والأفواج في الجبهة. وأخبرهم أنهم يهاجمون الجيش وقائده في المجلس النيابي وهذه إهانة لا يرضى لها.
وافقه الجميع، وكتبوا عريضة احتجاج وقعها المجتمعون وحملها الزعيم إلى رئيس الجمهورية السيد “شكري القوتلي” وقدمها له.
استنكر الرئيس هذا العمل وأنّب الزعيم على عمله وقال له:
“أصبح قائد الجيش مثل مختار الجارة يحمل العرائض الموقعة إلى المسؤولين، ومتى كانت هذه لغة الجيش؟ أنا لا أقبل بذلك وأعتبرك مسؤولاً عن كل ما حدث ولم يستلم العريضة منه وصرفه”.
وغادر الزعيم “حسني الزعيم” القصر غاضباً.
(تعليق) إن هذا العمل يخالف أنظمة الجيش لأن الاحتجاج الجماعي ممنوع ولا يجوز عرضه أيضاً على عدد من قادة الجيش. بإمكان قائد الجيش عرض هذا الموضوع شفهياً على وزير الدفاع أو اجتماع مجلس الدفاع العسكري ودرس الموضوع.
في اليوم التالي اتفق رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وأعدا مرسوماً بإحالة الزعيم على التقاعد.
علم أمين القصر السابق وزير المعارف حالياً الأستاذ “محسن البرازي” بهذا المرسوم من الرئيس. تدخّل وأقنع رئيس الجمهورية بإلغائه وطلب منه العفو عن هذه الهفوة لأنه أفضل من غيره. وإن الزعيم يكنّ كل تقدير واحترام لسيادة الرئيس ويعتبر نفسه مثل أولاده. وهو على استعداد أن يأتي بالزعيم للاعتراف بخطئه من جهة تلك العريضة ويطلب الصفح. وإنه يتكفل بالزعيم عدم العودة إلى مثل هذه الأمور.
أتى الأستاذ “البرازي” بالزعيم “حسني الزعيم” أمام فخامة الرئيس. طلب العفو والمغفرة، وقبل يدّ الرئيس ووضعها على رأسه.
سألتُ الملازم “شطا”: الزعيم يقبلُ يدّ الرئيس ويضعها على رأسه؟! أجاب: جرى ذلك بحضوري – قبل يده ووضعها على رأسه.
إن الأستاذ “محسن البرازي” المثقف له سياسة خاصة!!
لقد نبه أكثر من شخص فخامة الرئيس إلى ذلك ولم يصدق. حال الأستاذ “البرازي” دون تسريح الزعيم حتى سنحت الفرصة وقاما بهذا الإنقلاب. وهو من تدبيره.
مساء ذلك اليوم اتصل معي هاتفياً الملازم “شطا” من منزله في المعسكرات، وقال: أرجو حضورك إلى منزلي فوراً. حضرتُ وإذا مفرزة من الشرطة بقيادة ضابط أتت لتوقيقه. سألت عن أمر التوقيف؟ أبرزه لي – أوصاني بعائلته وبتأمين سفرها إلى دمشق. ذهبوا به إلى سجن المزة. وفي صباح اليوم التالي أمنت سفر عائلته إلى دمشق.
في اليوم الثاني للإنقلاب، وصلت برقية لوضع الرئيس “محمد ذياب” تحت تصرف وزارة الدفاع رئيساً لغرفة أمين عام الوزارة. عين بهذه الوظيفة الزعيم “عبد الله عطفة” خلفاً للعقيد “أحمد اللحام” الموقوف وسُرح فيما بعد.
كما عين المقدم “أديب الشيشكلي” مديراً للشرطة والأمن العام، واستلم مكان المقدم “محمود الهندي” الموقوف وسُرح فيما بعد.
بقيتُ وحدي ممن خالفوا رأي الأكثرية في الإنقلاب، ولكن لا أعلمُ حتى الآن سبب توقيف الملازم الأول “سليم شطا” إذا كانت لأسباب قديمة أم لا. أما نقل الرئيس “محمد ذياب” فقد كان لمصلحته بطلب من الزعيم “عبد الله عطفة”.
بينما كانت أكثرية النواب مع رئيس المجلس بطلب من رئيس الإنقلاب يسعون لحل الأزمة دستورياً ويتفاوضون مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس الإنقلاب بناء على طلبه لإيجاد حلول مع المحافظة على الحكم الديمقراطي كان المقربون من الزعيم يسيرونه حسب خطتهم.
صدر الأمر العسكري رقم (1) عن المجلس الحربي الأعلى للجمهورية السورية القاضي بتسليم القائد العام للجيش والقوى المسلحة مهام الحاكم العسكري للجمهورية السورية. ويتمتع بكافة الصلاحيات الممنوحة لرئيس دولة.
استناداً إلى الأمر العسكري رقم (1) صارت تصدر المراسيم اعتباراً من 30 آذار 1949 عن القيادة العامة للجيش السوري. أي عن الزعيم “حسني الزعيم”.
أعطى صلاحيات مجلس الوزارء إلى الأمناء العامين للوزارات المختلفة لإصدار القرارات وتشكيلخ لجنة دستورية لوضع مشروع دستور البلاد. ثم صدر مرسوم حل المجلس النيابي.
وتشكيل لجنة دستور لوضع مشروع دستوره للبلاد، وقانون للانتخابات العامة بالسرعة الممكنة.
اعتكف رئيس المجلس النيابي وتفرق النواب وانتهى الأمل بالحل الديمقراطي.
في 2 نيسان عام 1949 وصلت برقية بتعييني آمراً لفوج المشاة الثامن في درعا. طلبت من المقدم “بشور” أن يساعدني مع المقدم “بهيج كلاس” لإلغاء النقل.
قال اذهب لمقابلته. أجبت: تكلم معه هاتفياً إذا كنت ترغب في بقائي هنا. أنا اختصاصي في سلاح الفرسان والمدرعات، لماذا لا أنُقل لأحد الاختصاصين، وأنا الوحيد في الجيش الذي أتبع دورة مدرعات في فرنسا! لماذا لا أنقل إلى قطعات المدرعات؟. أما إذا كانت القيادة ترغب إلغاء الاختصاص!! كثيرون أقدم مني في سلاح الفرنسان لست الأقدم بينهم ولست الأحدث بين الضباط. ليبدأوا حسب تسلسل الرتب أو القدم.
طلب المقدم “بهيج” على الهاتف قائلاً: (ألو – أبو فارس) وبعد السلام قال له” معك الرئيس “أمين” ليشرح موضوع نقله إذا أمكن مساعدته. شرحتُ له الوضع أجاب: خلال يومين إذا لم تلغُ البرقية- تلتحق- الحمد لله ألغي النقل – بعد أيام ذهب المقدم “بشور” بمهمة إلى بغداد مع الدكتور “فريد زين الدين” من وزارة الخارجية. واستلمتُ قيادة اللواء حتى عودته.
في 13 نيسان 1949 ذهبت إلى الكلية العسكرية عضواً باللجنة المعينة لفحص الطلاب. أثناء وجودي في الكلية العسكرية صدرت لوائح الترفيع، كان مجال شكوى كثير من الضباط. الكفاءة والقدم لم تؤخذ في الحساب. ظهرت بدعة جديدة وهي: يرفع الضباط ويعطى قدماً حسب مزاج الزعيم والذين يوافقونه، فهو لا يعرف كل الضباط، ويرفع ويمنح قدماً للضباط الذين على مزاجه، مثالاً على ذلك- الضابط يأخذ سنة قدم حتى يتم شروط الترفيع. وبعضهم يأخذ سنة بعد الترفيع مباشرة وبذلك يكون قد تجاوز بالقدم ضباطاً ترفعوا بصورة قانونية قبله.
رُفعت لرتبة مقدم مؤقت من تاريخ 16 نيسان 1949 ورفع كثيرون معي. كان أحدهم المقدم “محمود شطرا” قد تخرج من الكلية العسكرية عام 1939 – 1940.
بعد تخرجه كان بيني وبينه خمس سنوات رتبة. في تصنيف 1948 صنف بعدي ثلاثة أشهر، الآن رُفع معي بنفس التاريخ وكان قد أخذ سنة قدم برتبة رئيس صار أقدم مني وكثيرون بوضعه وبوضعي. في فترة ما خطر ببالي ألا أحمل الرتبة الجديدة لكن الإنضباط والتفكير حالا دون ذلك، وخيراً فعلت.
انظر ايضاً:
الفصل الأول – الثورة العربية الكبرى وسوريا تحت الانتداب
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
من مذكرات أمين أبو عساف (19):الانسحاب من تل الفرس
من مذكرات أمين أبو عساف (20): العودة إلى حمص بالقطار من محطة القدم
من مذكرات أمين أبو عساف (21): إعادة تشكيل الرعيل واستلامي مهمات دفاعية على طريق تدمر ودمشق
من مذكرات أمين أبو عساف (22): تعييني أمراً لرعيل المدرعات الثاني عام 1941
من مذكرات أمين أبو عساف (23): عودة الرعيل إلى ثكنته في اللاذقية
من مذكرات أمين أبو عساف (24): نقلي معاوناً لقائد الفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف (25): نقلي إلى الكتيبة الخفيفة للمنطقة الشمالية آمراً للتشكيلات الآلية
من مذكرات أمين أبو عساف (26): تشكيل أول كوكبة آلية وتعيين قائداً لها عام 1942
من مذكرات أمين أبو عساف (27): نقلي إلى الكتيبة الدرزية
من مذكرات أمين أبو عساف (28): تعييني معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (29): إبعاد الضباط النظاميين إلى بيروت
من مذكرات أمين أبو عساف (30): عودتي معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (31): استلامي قيادة الكوكبة الخفيفة الرابعة
من مذكرات أمين أبو عساف (32): وضع المفرزة
من مذكرات أمين أبو عساف (33): الانسحاب عن الفرنسيين
من مذكرات أمين أبو عساف (34): كيف سارت الأمور في دمشق والسويداء عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (35): تشكيل مديرية العشائر وقيادة قوى البادية عام 1945م
من مذكرات أمين أبو عساف (36): خلاف البدو والحضر في تدمر ودور البريطانيين
من مذكرات أمين أبو عساف (37): وصول “راكان بن مرشد” وتحريض العسكريين
من مذكرات أمين أبو عساف (38): كتاب إلى آمر قوى البادية عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (39): تشكيل فوج البادية بتدمر عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (40): العيد الوطني لاستقلال سورية عام 1946
الفصل الثاني- فجر الاستقلال وحرب فلسطين:
من مذكرات أمين أبو عساف (41): نقلي إلى كتيبة الفرسان الأولى في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (42): مقابلة “سلطان باشا الأطرش”
من مذكرات أمين أبو عساف (43): عودة “حمد الأطرش” آمر لكتيبة الفرسان في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (44): تعييني قائداً لمنطقة جبل العرب عام 1947
من مذكرات أمين أبو عساف (45): تعيين “عارف بك النكدي” محافظاً للسويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (46): أوضاع الضباط السوريين في قوات المشرق الخاصة
من مذكرات أمين أبو عساف (47): حشد الجيش على حدود فلسطين
من مذكرات أمين أبو عساف (48): تعيين حسني الزعيم رئيساً للأركان
من مذكرات أمين أبو عساف (49): فوج المدرعات الثاني وتعيني آمراً له
من مذكرات أمين أبو عساف (50): معركة كعوش
من مذكرات أمين أبو عساف (51): نقلي من فوج المدرعات إلى الكتيبة الأولى
من مذكرات أمين أبو عساف (52): استلامي قيادة الهجوم على خان يردا
من مذكرات أمين أبو عساف (53): قصف للطيران اللإسرائيلي وإصابتي بجراح
من مذكرات أمين أبو عساف (54): تعييني رئيساً للشعبة الثالثة في أركان اللواء الثاني
من مذكرات أمين أبو عساف (55): نقلي معاوناً لآمر كتيبة الفرسان الأولى
من مذكرات أمين أبو عساف (56): المعارك التي اشتركت بها كوكبات الكتيبة الأولى أو مخافرها
من مذكرات أمين أبو عساف (57): استلام قطعات الشرق الخاصة
من مذكرات أمين أبو عساف (58): زج الجيش السوري بالمعركة أمام “خط إيدن” عام 1948
من مذكرات أمين أبو عساف (59): احتلال كعوش
من مذكرات أمين أبو عساف (60) التعاون العربي لتشكيل قيادة القوات العربية
من مذكرات أمين أبو عساف (61) وضع الجيوش العربية خلال معركة فلسطين
من مذكرات أمين أبو عساف (62) نقلي إلى اللواء الرابع رئيساً لأركانه
من مذكرات أمين أبو عساف (63) الوضع العام قبيل إنقلاب الزعيم “حسني الزعيم”
من مذكرات أمين أبو عساف (64) الإنقلاب الأول بقيادة الزعيم حسني الزعيم
المراجع والهوامش:
المراجع والهوامش:
