You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

ميشيل عفلق عام 1946 : الجمهورية والحرية .. ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري

الجمهورية والحرية .. ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري .. من مقالات ميشيل عفلق التي نشرت في افتتاحية صحيفة البعث في الثامن عشر  من آب عام 1946م.


لقد سبق لحزب البعث العربي ان أبدى رأيه في مسألة شكل الحكم فقال: ” ان عرب سورية، والفئة الواعية منهم، الامينة للروح العربية والفاهمة لشروط النهضة الحديثة، تعتبر النظام الجمهوري خير ما يلائم في المستقبل روح الأمة العربية، ويسهّل بعث امكانياتها وازدهار نهضتها” ولكن الحزب قد اخذ في البيان ذاته، على الحكم الجمهوري في سورية امتهانه للحريات العامة.

ها نحن الآن، بعد مرور عام ونصف العام على بياننا المذكور، ومرور ثلاثة أعوام على تأسيس النظام الجمهوري، نجد أنفسنا مضطرين الى الاعلان مرة اخرى ان هذا النظام كما هو مطبق في سورية، يحتوي على تناقض عميق يهدده في كيانه، ذلك انه لا يقيم للحرية وزنا، والجمهورية لا تعيش إلا مع الحرية.

نحن مقتنعون بأصلحية النظام الجمهوري، ومقتنعون ايضا بأن الجيل العربي الجديد في كل بلد من بلاد العرب الواسعة، يتطلع الى هذا النظام ويرى فيه أكبر ضمانة لتحرر الشعب العربي من أوضاعه البالية، ولظهور كفاءآت هذا الشعب على حقيقتها وفي كل قوتها. ولكن اذا عرفنا ان الحكم الجمهوري في سورية قصّر كل التقصير في تمثيل النزعة الشعبية الحرة، وانه كان في حقيقتة حكم أقلية ممتازة من المتزعّمين والعائلات الاقطاعية وان أبرز صفاته كانت: الاستئثار والاستثمار، استطعنا ان نقدّر مدى الضرر المزدوج الذي ينتج عنه: فهو من جهة قد أضاع على سورية ثلاث سنوات كان بالامكان ان تخطو فيها البلاد في طريق الانقلاب والنهضة خطوة واسعة، وهو من جهة اخرى قد أساء الى سمعة النظام الجمهوري وشّوه صورته في نظر الرأي العام العربي.

تصاب الحكومات و”العهود” والأنظمة السياسية بأمراض وآفات وأزمات فتصمد لها وتتغلب عليها وتشفى منها، الا شيئا واحدا اذا اصيبت به ماتت به: ذلك هو مرض التناقض وهو في الواقع مجموعة أمراض تتراكم وتتفاقم حتى اذا بلغت ذروة الخطورة واستحال معها كل طب، ظهرت بمظهر واحد شامل هو التناقض. فالحكم الذي يسمى نفسه “وطنيا” وهو ينهش من جسم الوطن ويمتص دماء المواطنين، ويجعل من “الوطنية” تجارة ووسيلة لاذلال الملايين من أفراد الشعب وابقائهم في جحيم الجهل والفقر والمرض، ليتسنى لزمرة من المستغلين ان يبذخوا ويلهوا ويتحكموا، والحكم الذي يسمي نفسه “دستوريا” وهو لا همّ له الا ابتكار الأساليب التي يحتال بها على الدستور، ليجعل منه أداة للعسف والاستبداد. وسبيلا لحصر الحكم في قبضة فئة من المحترفين، ويبقي الأنظمة التي وضعها المستعمر الافرنسي لافساد ضمير الشعب وتشويه اٍرادته، ليبقى الانتخاب مهزلة من أبشع المهازل، فيفقد الشعب أمامها كل ثقة وايمان بالدساتير والقوانين، وينقطع كل أمل له في امكان التطور وتبديل الحال، والحكم الذي يسمى نفسه “جمهوريا” وليس فيه أثر لرأي الجماهير، واحترام لارادتها، او حساب لمصلحتها، يستأثر فيه بالسلطة أشخاص معدودون لم يخرجوا من الشعب بل فرضوا عليه، ولم يحيوا حياته، ولا عرفوا آلامه، ولا شاركوه في بؤسه وشقائه، فروحهم الغطرسة والسيطرة، وروح الشعب الحرية والمساواة، وتفكيرهم هو تفكير المحافظة والجمود والراحة، لأنه ناتج عن الشبع والتخمة، بينما تفكير الشعب يتجه الى التجدد والانقلاب والنضال، لأنه نابع من الحياة السليمة الصادقة، ومن الوجدان الطاهر، طريقهم طريق الهرم والانحلال والمجد الزائف، وطريق الشعب طريق الحياة والبناء والخلود! ان الحكم الذي بلغ به التناقض هذا الحد، مصيره معلوم ونهايته محتومة.

اننا نعرف رجال هذا الحكم ونعرف انهم آخر من يقدّر قيمة الاتجاهات الفكرية وما لها من نتائج حاسمة في تقرير مستقبل البلاد. اذ لو كان لهم مثل هذا النظر الواعي البعيد، لتورعوا عن تشويه نظام يتوقف على بقائه ونجاحه مستقبل النهضة العربية! ان نظامنا الجمهوري الذي يكيد له الأجنبي عن بعد، ويحصي عليه اخطاءه وهفواته لن يجد المدافعين عنه، المستبسلين في حمايته، بين رجال الحكم وزبانيتهم النفعيين، بل بين هؤلاء الشباب المؤمنين الذين يدفعم اليوم ايمانهم الى مصارحته بالنقد والهجوم.

ميشيل عفلق
18 آب 1946


انظر مقالات  ووثائق ميشيل عفلق:

في الثلاثينيات:

عهد البطولة 1935
ثروة الحياة 1936

في الأربعينيات:

 القومية حب قبل كل شئ 1940
 القومية قدر محبب 1940
في القومية العربية
1941
نفدي العراق 1941
ذكرى الرسول العربي 1943
التفكير المجرد 1943
واجب العمل القومي
1943
الإيمان
1943
المثالية الموهومة
1943
المثالية الواقعية
1943
المعركة الانتخابية الأولى
1943
حول الاعتداء على استقلال لبنان 1943
الجيل العربي الجديد 1944
الأرض والسماء
1944
موقفنا من النظرية الشيوعية
1944
السياسة الأمريكية حول فلسطين
1944
حول السياسة الأميركية والهجرة اليهودية 1945
موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية
1945
مقابلة ميشيل عفلق مع مجلة النضال
1945
بيان حزب البعث العربي حول مشاكل العرب السياسية  1945
بيان حزب البعث حول الإتفاق البريطاني – الفرنسي “بيفن – بيدو”  1945
حول الرسالة العربية
1946
معالم الاشتراكية العربية
1946
المعاهدة الأردنية – البريطانية
1946
بذور البَعث
03.07.1946
 علة الضعف في سياستنا الخارجية
10.07.1946
الصيغة الجديدة للوطنية
17.07.1946
 الجمهورية والحرية ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري
18.08.1946
المعارضة والقضية العربية
21.07.1946
السياسة الرسمية وشعور الأمة 27.07.1946
السياسة المعكوسة
31.07.1946
فلسطين لا تنقذها الحكومات بل العمل الشعبي
06.08.1946
لماذا نحرصُ على الحرية معركة الحرية معركة حياة أو مَوت 09.08.1946
العرب والوحدة .. متى يصبح استقلالنا إيجابياً
12.08.1946
كلمة ميشيل عفلق في افتتاح المؤتمر التأسيسي 
04.04.1947

انظر ايضاً:

ميشيل عفلق: التنظيم الإنقلابي

ميشيل عفلق: البعث العربي هو الانقلاب

ميشيل عفلق: حزب الانقلاب

ميشيل عفلق: الدور التاريخي لحركة البعث

ميشيل عفلق: الحركة الفكرية الشاملة

المصدر
بنشر بالتنسيق مع موقع في سبيل البعث وأسرة ميشيل عفلق، التاريخ السوري المعاصر
أرشيف ميشيل عفلق
العنوانالتاريخ
ميشيل عفلق – القومية قدر محبب
ميشيل عفلق: في القومية العربية
ميشيل عفلق: نفدي العراق
بيان ميشيل عفلق في الانتخابات البرلمانية عام 1943
بيان حزب البعث حول الاعتداء على استقلال لبنان 1943
ميشيل عفلق: موقفنا من النظرية الشيوعية
ميشيل عفلق عام 1946 : الجمهورية والحرية ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري1946-08-18
ميشيل عفلق عام 1946 : معالم الاشتراكية العربية1946-07-11
بيان مكتب البعث العربي حول المعاهدة الأردنية – البريطانية عام 19461946-04-06
ميشيل عفلق عام 1946 : بذور البَعث1946-07-03
ميشيل عفلق عام 1946 : علة الضعف في سياستنا الخارجية1946-07-10
ميشيل عفلق عام 1946 : الصيغة الجديدة للوطنية1946-07-17
ميشيل عفلق عام 1946 :السياسة الرسمية وشعور الأمة1946-07-27
ميشيل عفلق عام 1946 : العرب والوحدة .. متى يصبح استقلالنا إيجابياً1946-08-12
ميشيل عفلق عام 1946 : الجمهورية والحرية .. ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري1946-08-18
ميشيل عفلق عام 1946 : لا تزال قضيتنا قضية تحرر قومي1946-08-19
ميشيل عفلق عام 1946 : موقف الحزب من الحكومة



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى