You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

ميشيل عفلق عام 1946 : العرب والوحدة .. متى يصبح استقلالنا إيجابياً

العرب والوحدة .. متى يصبح استقلالنا إيجابياً .. من مقالات ميشيل عفلق التي نشرت في افتتاحية صحيفة البعث في الثاني عشر من آب عام 1946م.


 ان ما نعرفه  عن الأمم الحية المتوثبة للنهوض ان فعاليتها تتجاوز دوماً الحدود الرسمية الموضوعة لها، وانها تسعى لكي تحتال على هذه الحدود، وتعمل على تحويل الحواجز والعقبات القائمة في طريق نهضتها، إلى وسائل وأدوات تساعدها على الإسراع في السير، والإقتراب من الغاية. هكذا رأينا الأمة الألمانية التي كانت في مطلع القرن الماضي في وضع من التجزئة المفروضة، والانقسام المصطنع الى ممالك وإمارات، يشبه وضع الأمة العربية في هذا العصر، تحتال على التجزئة التي ارادتها لها الدول الأجنبية فتقيم فيما بينها اتحاداً اقتصادياً لم يتناول في الظاهر غير ناحية الجمارك. ولكن سنوات معدودة لم تمض عليه حتى كان أكبر ممهد لوحدتها العسكرية والسياسية. كذلك رأينا هذه الأمة نفسها عندما خرجت مقهورة من الحرب العالمية الاولى يملي عليها غالبوها معاهدات تكبلها بأثقل القيود، وتحول بينها وبين استرجاع قوتها الحربية. ولكن الأمة الألمانية عرفت كيف تجعل من قوى الامن الداخلي المحدودة العدد جيشاً جراراً، وكيف تحوِّل الصناعات المدنية الى معامل للسلاح وأدوات للحرب.

تلك هي حال الأمة التي تبلغ من الإنسجام والوعي درجة تجعل الحكومات فيها ممثلة صادقة لإرادة شعبها، او تفرض على هذه الحكومات ان تتقيد بارادة الشعب وتعبر عنها بصدق وامانة. ولكننا في وضعنا الحاضر نرى الحكومات العربية تقصر حتى عن بلوغ الحدود التي يضعها الأجنبي لنشاطها، وتعجز حتى عن استعمال الصلاحيات التي لا يستطيع الأجنبي أن ينكرها عليها أو يجادلها فيها.
لقد وقف العرب بمجموعهم من تأسيس جامعة الدول العربية موقفاً يجمع بين الألم والأمل. لقد تألموا عندما وجدوا حكوماتهم تتناول أمر الوحدة القومية بروح ملؤها التردد والجبن فتتأثر بأوهام بالية واعتبارات سقيمة، وتخضع لمصالح وضيعة وأنانيات عقيمة، وتذعن لإرادة الأجنبي فتقنع من الوحدة بالقليل الهزيل، وبما كان ممكن التحقيق منذ ثلاثين عاماً على الأقل.. لو كانت القيادة الوطنية التي هي اليوم في الحكم اكثر وعياً وجرأة وتجرداً، ولكن ذلك كله لم يمنع العرب من أن يستبشروا بتأسيس الجامعة وينظروا اليها كخطوة أولى مباركة، لا بد أن تعقبها خطوات واعتبروا أن النصوص مهما تكن فقيرة والأشكال مهما تكن ضيقة، فغنى الروح وحسن القصد والتدبير كفيلان بأن يتلافيا النقص ويعوضا عن القصور الظاهري.

إلا أن الوقائع والحوادث التي مرت منذ تأسيس الجامعة العربية وما زالت تمر، توشك أن تمحو من نفوس العرب كل اثر للأمل والاستبشار وأن تبدل نظرتهم الى تلك الجامعة تبديلاً كلياً. فالواقع الذي يتضح يوماً بعد يوم هو أن الجامعة ليست خطوة في طريق الوحدة العربية بل عثرة. إن ميثاق الجامعة العربية صورة ناقصة مشوهة لأماني العرب الحقيقية في الوحدة، لأنه صادر عن حكومات هي صورة ناقصة مشوهة لحقيقة الشعب العربي. ولكن هذا الميثاق بالرغم من جميع علله ونواقصه، قادر على تحقيق بعض الخير الأكيد لبلاد العرب، فيما لو استطاعت الحكومات ان تُخْلِص له وتفيد من جميع إمكانياته. وليس من يجهل أن الحكومات العربية لو أرادت ان تعمل شيئاً مجدياً لقضية فلسطين، ولو رضيت ان تُنجِد عرب افريقيا الشمالية الذين يصارعون الإستعمار الإفرنسي أعنف صراع، ويموتون بمئات الألوف دفاعاً عن عروبتهم لوجدت في ميثاق الجامعة ما يساعدها على نجدة فلسطين وعرب المغرب، أو لوجدت على الاقل ان هذا الميثاق لا يحول بينها وبين أداء واجبها.

إن ما يشكو منه العرب اليوم وما يَقلَق له فكرهم ويتألم وجدانهم، ليس هو أن يروا أنفسهم أضعف من الدول الإستعمارية الكبرى واقل عدداً وسلاحاً، بل أن يروا أنهم لا يستطيعون أن يحشدوا ويستعملوا في مقاومة هذه الدول ما يملكونه من العدد على قلته، ومن السلاح على ضآلته. فالعلة الكبرى هي في أن العرب، مهما حاولوا، لا يستطيعون ان يقفوا امام الدول المعادية لهم وجهاً لوجه، اذ أنهم يصطدمون دوما بحاجز يحول بينهم وبين عدوهم: هو حكوماتهم. هذه الحكومات التي كان يقتضيها الواجب ان تتجاوز الحدود الموضوعة لنشاطها القومي، وتحتال على القيود المفروضة من الأجنبي، فإذا هي تضيف الى هذه القيود قيوداً أخرى تفرضها مصالح اشخاصها، وتنحصر في حدود هي اضيق من التي تضعها لها المعاهدات والمواثيق، واذا مهمتها تقتصر على مماطلة الشعب وتخديره وإلهائه عن عدوّه.

إن هذا الاستقلال الذي تستمتع به سوريا، لقد ساهم العرب جميعهم في تحقيقه لها. وإنهم اليوم ليتطلعون إليها ويعقدون عليها الآمال. أما نحن ابناء سوريا العربية، فلم نناضل في سبيل الاستقلال، ولم نفرح بحصولنا عليه إلا لأننا نرى فيه واسطة وطريقاً إلى تحرير الأقطار العربية وتوحيدها. ولكن حكومة سوريا لم تظهر حتى الآن من هذا الاستقلال إلا وجهه السلبي. فالأجنبي قد جلا، ولكن جلاءه لا يغني اذا لم يعن إزالة السدود التي كان يضعها في وجه الشعب واهدافه القومية. والشعب في سوريا لا يؤمن بالإستقلال إلا إذا أُتيح له أن يحقق ما يصبو إليه من نصرة اخوته في العروبة، في كل مكان تشكو فيه العروبة من الظلم. فمتى يكتسب استقلالنا هذا المعنى الايجابي القويّ ؟

12 آب 1946


انظر مقالات  ووثائق ميشيل عفلق:

في الثلاثينيات:

عهد البطولة 1935
ثروة الحياة 1936

في الأربعينيات:

 القومية حب قبل كل شئ 1940
 القومية قدر محبب 1940
في القومية العربية
1941
نفدي العراق 1941
ذكرى الرسول العربي 1943
التفكير المجرد 1943
واجب العمل القومي
1943
الإيمان
1943
المثالية الموهومة
1943
المثالية الواقعية
1943
المعركة الانتخابية الأولى
1943
حول الاعتداء على استقلال لبنان 1943
الجيل العربي الجديد 1944
الأرض والسماء
1944
موقفنا من النظرية الشيوعية
1944
السياسة الأمريكية حول فلسطين
1944
حول السياسة الأميركية والهجرة اليهودية 1945
موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية
1945
مقابلة ميشيل عفلق مع مجلة النضال
1945
بيان حزب البعث العربي حول مشاكل العرب السياسية  1945
بيان حزب البعث حول الإتفاق البريطاني – الفرنسي “بيفن – بيدو”  1945
حول الرسالة العربية
1946
معالم الاشتراكية العربية
1946
المعاهدة الأردنية – البريطانية
1946
بذور البَعث
03.07.1946
 علة الضعف في سياستنا الخارجية
10.07.1946
الصيغة الجديدة للوطنية
17.07.1946
 الجمهورية والحرية ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري
18.08.1946
المعارضة والقضية العربية
21.07.1946
السياسة الرسمية وشعور الأمة 27.07.1946
السياسة المعكوسة
31.07.1946
فلسطين لا تنقذها الحكومات بل العمل الشعبي
06.08.1946
لماذا نحرصُ على الحرية معركة الحرية معركة حياة أو مَوت 09.08.1946
كلمة ميشيل عفلق في افتتاح المؤتمر التأسيسي 
04.04.1947

انظر ايضاً:

ميشيل عفلق: التنظيم الإنقلابي

ميشيل عفلق: البعث العربي هو الانقلاب

ميشيل عفلق: حزب الانقلاب

ميشيل عفلق: الدور التاريخي لحركة البعث

ميشيل عفلق: الحركة الفكرية الشاملة

المراجع والهوامش:

(1). ان النصوص التي يضمها "الباب الثالث"، تشكل وحدة متكاملة من حيث ارتباطها العضوي بنكبة فلسطين وبطبيعة مرحلة هزت الافكار والاوضاع والعروش فكانت الانقلابات والثورات والتصورات النابعة من عمق المأساة ومن إرادة التحدي والنهضة في الأمة، فالقارئ يجد نفسه امام نظرة جديدة هي وليدة المرحلة الجديدة، وامام مفاهيم متميزة عن المفاهيم التقليدية.. فالحديث عن الوحدة قبل عام 1948 لم يكن بالجذرية والثورية الصارمة كما عبر عنها مقال شباط 1953 "ثورية الوحدة العربية" الذي كان واضحاً ان خلفيته نكبة فلسطين.. وهكذا النصوص الاخرى.

المصدر
بنشر بالتنسيق مع موقع في سبيل البعث وأسرة ميشيل عفلق، التاريخ السوري المعاصر



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى