You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية الأزمة الاقتصادية في بلادنا

أنطون سعادة: المقالات الاقتصادية الأزمة الاقتصادية في بلادنا

نشر في  المجلة، بيروت المجلد 8 العدد 2، الصادر في الأول من نيسان عام 1933م.


 نص المقال:

تختلف الأزمة الاقتصادية عندنا عنها في العالم ولذلك لا يصح القول إنّ الأزمة السورية عموماً جزء من الأزمة العالمية.
ليست الأزمة السورية ناشئة عن خسارة البلاد مناجمها ومعادتها، ولا عن فقدانها معاملها ومصانعها، ولا عن حصول البطالة لعمالها، بل لأسباب غير هذه الأسباب التي لها علاقة كبيرة بالأزمة العامة. أسباب الأزمة الاقتصادية السورية كائنة في عدم وجود حياة اقتصادية للبلاد مستقلة عن الحياة السياسية، وفي إخضاع الحياة الاقتصادية للحياة السياسية. ولولا هذه الحقيقة لما كان هنالك مبرر لوجود أزمة اقتصادية في هذا القطر.

تجاه هذه الحالة التي تكاد تجعل البحث في قضية اقتصادية صرفة أمراً مستحيلاً لعدم وجود ما يسمّونه سياسة اقتصادية دولية، نرى أن لا نتناول القضية الاقتصادية من أساسها، بل أن نفرغ لدرس الحالة الاقتصادية التي عليها البلاد في الوقت الحاضر واستعراض بعض العوامل المهمة فيها.

كان الفصل السياسي بين سورية الشمالية وسورية الجنوبية أولى النكبات الاقتصادية التي حلّت بالشعب السوري هنا في لبنان والشام وفي فلسطين وشرق الأردن. فقد نشأ عن هذا الفصل وجود حالة اقتصادية غير طبيعية، هي أشبه شيء، بالحالة الاقتصادية غير الطبيعية التي انتهت إليها الدول الأوروبية بعد أن غيّرت جغرافيتها معاهدة الصلح. فإن قطع التعامل الحر بين الشمال والجنوب في هذه البلاد أدى إلى عواقب اقتصادية وخيمة. ومع أنّ هذه العواقب هي أهم ماكان يجب أن يُنظر فيه من الوجهة الشعبية القومية، فإن الذين عالجوا القضايا القومية في محيطنا لم يهتموا إلا للوجهة السياسية من الموضوع، وبذلك ضحوا القوام المادي على مذبح النظريات السياسية والتخيلات الوهمية.

وكان تحميل هذه البلاد قسماً غير قليل من الديون التركية، لغير سبب حقيقي، النكبة الثانية. فإن ما يقوم الشعب السوري بتسديده من ديون لم يكن له فيها ناقة ولا جمل، يستهلك من ثروته مبلغاً لا يستهان به. ونحن نترك معالجة هاتين الناحيتينلما لهما من المساس بالشؤون السياسية، ونكتفي بالإشارة إلى تأثيرهما السيّىء على شؤون الشعب الاقتصادية.

كان من نتائج النكبة الأولى أنّ انقطاع التعامل المباشر بين هذا القسم الشمالي والقسم الجنوبي من البلاد أنزل الفائدة الاقتصادية في هذين القسمين إلى خمسين من مائة مما كان يجب أن تكون، وزاد في الطين بلّة أنّ الأساليب الاقتصادية المتبعة، في كل من هذين القسمين، لا تجتمع في مصلحة واحدة، لذلك لم يكن من المنتظر أن تحول دون حصول النتائج الطبيعية للأساليب المتضاربة التي هي من نوعها. ومتى عرف القارىء أنّ عدد المجلة المرسل إلى بلاد بعيدة كالبرازيل يكلّف نفقة بريدية لا تتجاوز نصف نفقة إرسال عدد إلى فلسطين أدرك شيئاً من كيفية الصعوبة في التعامل بين هاتين المنطقتين من البلاد. ولو أردنا أن نتناول الحواجز الجمركية القائمة بيننا وبين إخواننا في فلسطين وشرق الأردن لطال بنا الأمر. والذين يهمّهم الأمر يمكنهم معرفة الحقيقة بواسطة غرف التجارة.

لو وقفت البلية عند حد قطع التعامل المباشر لهانت، على فداحتها، ولكنها لم تقف. فإن الأساليب الاقتصادية المتبعة في منطقتي الانتدابين الفرنسي والبريطاني أوجدت تضارباً انتهى إلى مزاحمة قوية ومشادة لم تكونا في مصلحة البلاد في شيء، بل حصل من ورائهما نوع من الحرب الجمركية التي أنتجت عرقلة تجارية لا يستهان بها. وصحيح أنّ المفوضيتين الفرنسية والبريطانية أبرمتا اتفاقات جمركية وغيرها، ولكن ذلك كان ناقصاً جداً ولم تترتب عليه نتائج محسوسة، ولا يمكن أن تأتي الاتفاقات المحدودة بنتائج مجدية في مثل هذه الحالة لأن مسألة الحياة الاقتصادية بين هذين القسمين من البلاد مسألة تحتاج إلى درس خصوصي وافٍ يتناول جميع قضاياها من الأساس. وهذا يكاد يكن غير ممكن لما له من المساس بالشؤون السياسية التي تتّبعها كل من فرنسة وبريطانية.

إذا ضربنا صفحاً عن هذه النقطة الحيوية الضرورية وأقبلنا على درس شؤوننا الاقتصادية في منطقتنا، وجدنا أنّ اتِّباع خطط اقتصادية منفردة في لبنان والشام وما ترتب عليه من ذيول، أوجد نوعاً خطراً من أنواع تضارب المصالح بين الساحل والداخلية. فلقد أنَّت دمشق طويلاً قبل إنزال الستار على تعرفة الدخولية وسواها. ومن جهة أخرى نرى أنّ تسديد الديون العثمانية قبل تثبيت توازن موازنات الحكومات أفقد هذه مورداً من أهم مواردها وجعلها تبحث عن وسائل أخرى لسد عجز موازناتها. ومن ثم ابتدأت سلسلة الضرائب والرسوم تطول وتتضخم حتى وقفت تجاهها الحركة التجارية والحياة الاقتصادية مشلولتين، وأصبحت شؤوننا الاقتصادية في انحطاط مستمر لا ندري كيف يجدون علاجه.

كان من وراء ذلك أنّ الأزمة العالمية تناولت هذا الجزء من المعمور على كيفية لا مبرر لها من الوجهة الاقتصادية، فضاقت الأسواق بتجارتنا ضيقاً لم يسبق له مثيل ورزح المكلفون تحت أعباء لا تفي بها مواردهم الآخذة بالنضوب، واستحكمت الأزمة استحكاماً لم يترك في قوس ا لصبر منزع. ولكن خطورة الحال بقيت مستورة إلى أن أزاح الستار عنها إضراب السائقين في هذه المدينة وسائر أنحاء المنطقة اللبنانية وتعداها إلى مناطق الداخلية، فأفلت بخار الاستياء من ضيق الحال وتبدّت للدوائر الاقتصادية خطورة الموقف، فعقدت جمعية التجار اجتماعات درست فيها الموقف وقررت أن تعلن للحكومة أهم النتائج التي توصلت إليها وهي ما يتعلق بالجمرك ورسومه التي زادت كثيراً منذ سنة 1925، وقد زوّدت الجمعية المذكورة تقريرها الذي رفعته إلى سعادة رئيس الجمهورية في أواخر الشهر المنصرم، وسط إضراب السواقين وبعد إقفال مدينة بيروت يومين كاملين، بجدول يتضمن العائدات الجمركية بين سنة 1927 و1932 لتبرهن على أنّ رفع الرسوم الجمركية أضرّ بالتجارة كثيراً دون أن يفيد الحكومة شيئاً، أما الجدول فكما يأتي:

سنة واردات
1927 222.692.244
1928 194.489.086
1929 199.726.995
1930 178.083.980
1931 181.870.320
1932 152.570.300
وهذه الأرقام واضحة تدل على أنّ زيادة الرسوم الجمركية أنقصت الواردات ووضعت تجارة هذه المنطقة في مركز حرج، حتى أصبحت أسواق فلسطين الآخذة في الانحياز إلى الأيدي اليهودية تصدِّر إلينا بعد أن كانت تستمد منا. ومن البديهي أن يكون نقص الواردات هنا قد قوبل بزيادة في و اردات فلسطين وقد قامت جمعية التجار بمقابلة بين واردات تلك المنطقة في أشهر سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني من سنة 1931 وواردات هذه الأشهر عينها لسنة 1932 وكانت النتيجة كما ترى:
1931 12.500.000
1932 20.400.000
ومن هذه النتيجة نعرف أنّ تجارة منطقة الانتداب البريطاني آخذة في التحسن على حساب تجارة منطقتنا.
وقد ذيّلت جمعية التجارة تقريرها بالمطالب الآتية:
1 ــــ تعديل الرسوم الجمركية وإشراك الهيئات القومية ذات الاختصاص في درس هذا التعديل واحترام رأيها والعمل به.
2 ــــ إعفاء المواد الخام التي تستعملها الصناعات الوطنية من الرسوم الجمركية.
3 ــــ إلغاء المادة الخامسة من القرار عدد L.R 70 وإعفاء التجار من دفع الجزاء سلفاً بتمامه قبل مراجعة الحكّام.
4 ــــ إلغاء اتفاق سنة 1925 الذي أبرم مع شركة سكة الحديد وتحوير امتيازاتها بصورة تتفق مع صالح البلاد.
5 ــــ الإصغاء إلى مطالب جمعية [سائقي] السيارات.

هذه هي مطالب جمعية التجار، والذي نراه منها أنّ الجمعية قصرت أبحاثها على الناحية التجارية، ومع اعترافنا بأن الوجهة التجارية هي أهم وجهة في حياتنا الاقتصادية، فنحن لا نرى أنها تتمكن من القيام بأودنا الاقتصادي، ولا نعتقد أنّ المطالب المتقدمة تكفي لحل الأزمة، ولكن الجمعية المذكورة قامت بما عليها، وعسى أن تكون خطوتها هذه أول السير نحو إخضاع السياسة للاقتصاد والاجتماع، وسنعود إلى الموضوع.


انظر:

أنطون سعادة: آمال الوطن

أنطون سعادة: الوطنية

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

أنطون سعادة: غورو وسورية

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: السوريون في عالم الاقتصاد

أنطون سعادة: الفاتح العربي الجديد

أنطون سعادة: القضية الوطنية .. الصهيونية وامتدادها

أنطون سعادة: سورية تجاه بلفور

أنطون سعادة: الجنسيات السورية واللبنانية والفلسطينية    

أنطون سعادة: بدء النهاية – ثورة الشرق

أنطون سعادة: نص كتاب استقالة أنطون سعادة : إلى «محفل نجمة سورية» 

أنطون سعادة: المناطق الأجنبية المستقلة في سورية.. سورية صين جديدة

أنطون سعادة: معرض التلوين الصوري

أنطون سعادة: ذكرى الهدنة

أنطون سعادة: موقف فرنسة من سورية .. الحدث الجديد

أنطون سعادة: عصران يتصارعان.. مبادىء أساسية في التربية القومية

أنطون سعادة: الصحافة السورية

انظر ايضاً:

أنطون سعادة: بعث الأدب السوري

أنطون سعادة: الغول الروسي مشروع السنين الخمس

أنطون سعادة: السوريون والاستقلال

أنطون سعادة: غورو وسورية

أنطون سعادة: الوحدة السورية ومخاوف اللبنانيين

المصدر
  المجلة، بيروت المجلد 8 العدد 2، الصادر في الأول من نيسان عام 1933م.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى