من مذكرات أكرم الحوراني – في معھد الحقوق بدمشق
قضیت في الدراسة بجامعة دمشق، ولم تكن تضم الا معھدا للطب ومعھدا للحقوق، ثلاث سنوات صعبة، من عام 1934 الى عام 1936 ، اضطررت خلالھا لأن أستأجر في كل سنة بیتا مع ثلاثة طلاب حمويین : أنا وبدر الدين علوش في غرفة، وحسن قاسم ومصطفى عبد الباقي الطالبان بالطب في غرفة ثانیة، وكنا نفضل أن نستأجر بیتا صغیرا في حي الحبوبي القريب من كلیة الحقوق، وكانت تشغل المبنى القديم الذي أصبح مقرا لوزارة المعارف فیما بعد على ضفة بردى.
كان رفاقي أفضل حالا مما كنت أعانیه، لأنھم رغم كونھم من أسر شعبیة مستورة كانوا يتلقون مخصصاتھم من أھلھم بشكل منتظم، ولم نكن نستطیع شراء مدفأة في شتاء دمشق القارس، فكنت مضطرا أن أطالع كتبي وأنا ملتحف في السرير، ولكن يدي كانتا تمضاني من شدة البرد وأنا لا أعرف ماذا أفعل، أأضعھما تحت اللحاف أم فوقه، وكنت أتذكر وأنا في ھذه الحال من الحیرة النكتة التي كانت تروى عن الشیخ الذي أحتار بلحیته عند النوم أيضعھا تحت اللحاف أم فوقه.
مسابقة لدراسة الأداب في فرنسا:
في السنة الاولى لانتسابي لمعھد الحقوق أعلن عن مسابقة لدراسة الآداب في فرنسا، فوجدتھا فرصة سانحة وحلا للمشاكل التي أعاني منھا، وكان استاذي في معھد الحقوق محسن البرازي يعرف میلي لتلك الدراسة العالیة في الغرب، فشجعني على دخول المسابقة، فتركت كتب الحقوق وعدت الى كتب اللغة والأدب ولكنني لم أنجح ولما سألت الدكتور محسن عن سبب عدم نجاحي قال لي:
إن المسابقة كانت نزيھة ولھذا شجعتك على الاشتراك فیھا، ولكن كان لمستشار المعارف حرية الانتقاء بین الناجحین، وبالرغم من انني لم أطلع على نتائج المسابقة فیجوز أن يكون اسمك قد استبعد من بین الناجحین لھذه البعثة … ثم أردف:
انك ستتعذب في حیاتك مثلما تعذب الخوارج في الاسلام، ربما كنت محقا ولكنك تنھج طريقا شاقا كطريق الخوارج.
لقد فھمت يومذاك من كلام محسن أن من شروط البعثات الى فرنسا أن يكون المبعوث مرضیا علیه من قبل سلطات الانتداب، ولا غرابة في ذلك فقد كان بید المستشار كولیه كل ما يتعلق بوزارة المعارف، ففي يده السلطة المطلقة، كما كان الأمر بالنسبة للمستشارين الفرنسیین الآخرين في كل الوزارات السورية، وإلى ھذه السلطة المطلقة يشیر الشاعر الحوماني (من جنوب لبنان) في قصیدة ألقاھا في احدى الحفلات الوطنیة منددا بوزراء حكومات الانتداب:
أيما عقدة أحیلت إلیھم سألوا المستشار كیف تحل
وإذا الرأس وھو أكرم عضو دان للضیم فھو عضو أشل
لقد كان الشعر خلال الاحتلال الاجنبي للبلاد العربیة المعبر عن تطلعات الناس وآمالھم الوطنیة والقومیة، وكان له دوره الكبیر في جمیع المعارك النضالیة التي خاضتھا الأمة العربیة، ومن المؤسف أن ينفصل الشعر العربي، باسم الحداثة، عن مشاعر الجماھیر وتطلعاتھا الوطنیة والجمالیة، وأن يصبح بمجمله شعرا شخصیا لا يعبر إلا عن وساوس الشعراء وأوھامھم، وقد عبر الشاعر أحمد شوقي عن ھذه الحقیقة عندما قال:
وما الفن إلا الصريح الجمیل إذا خالط النفس أوحى لھا
عن بعض الاساتذة والطلاب في كلیة الحقوق
بعد ان انقطع كل أمل لدي من متابعة دراستي في الغرب انصرفت كلیا الى دراسة الحقوق.
كان المسیو استیف يتولى تدريسنا الحقوق الدستورية والأسالیب الحقوقیة، باللغة الفرنسیة، وكان عدنان الأتاسي يتولى ترجمة محاضرات المسیو استیف وإلقاءھا بالعربیة، وكان مخفقا في الترجمة والالقاء معا… أما محسن البرازي فكان يدرس الحقوق الرومانیة وكان مجدا ومتملكا من موضوعه ومن عنان اللغتین العربیة والفرنسیة معا، وكان فايز الخوري، رغم ذكائه، كسولا شأن معظم الأساتذة الذين كانوا يتلون دروسھم من الكتب القديمة المطبوعة بدلا عن المحاضرات، وھم بمعظمھم من خريجي الآستانة، وكان علم الاقتصاد يدرسه الاستاذ عبد القادر العظم من كتاب مترجم عن التركیة بمساعدة الشیخ عبد القادر المغربي، أما الدكتور أبو الیسر عابدين فقد كان يدرس أحكام الزواج والفرائض باسلوب يستعصي على الفھم، فكان الطلاب يعانون منه الأمرين.
تعرفت في معھد الحقوق، علاوة على الشباب السوريین، على شباب من الأقطار العربیة الأخرى، وكان البارزان في اجتھادھما: بھجت التلھوني من الأردن وممتاز الركابي من العراق، وقد لاحظت فیما بعد أن كل اللبنانیین الذين تخرجوا من الجامعة السورية كانوا يحبون دمشق ويدعون للاستقلال والحرية والقومیة العربیة، وبصورة عامة فإن خريجي الجامعة السورية من أبناء الأقطار العربیة الأخرى، ارتبطوا بحبھم لدمشق بما لا يقل عن حبھم لأوطانھم.
كان رفیقي في الغرفة بدر الدين علوش أديبا خطیبا تقدمیا حافظا للشعر، وكنت أسبقه بسنة دراسیة، ولھذا كان نصوح الأخرس، من حمص، رفیق الدراسة بشكل مستمر…
اقرأ:
من مذكرات أكرم الحوراني (35) – وحدة القضیة السورية الفلسطینیة
من مذكرات أكرم الحوراني (34) – وفاة الملك فیصل بن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (33) – لقاء مع ابراهیم هنانو
من مذكرات أكرم الحوراني (32) – أهل الصفة
من مذكرات أكرم الحوراني (31) – جذور الحركة الشعبیة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (30) – محاولة اغتیال صبحي بركات
من مذكرات أكرم الحوراني (29) – الشعب السوري يثور ضد تزيیف الانتخابات
من مذكرات أكرم الحوراني (28) – في لبنان عام 1931
من مذكرات أكرم الحوراني (27) – الصدمة الأولى في الجامعة الیسوعیة
من مذكرات أكرم الحوراني (26) – تأسیس أول ناد رياضي في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (25) – ذكريات من مكتب عنبر
من مذكرات أكرم الحوراني (24) – في الكلیة الوطنیة بعالیه في لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (23) – فجیعة سوريا باغتیال الغزي
من مذكرات أكرم الحوراني (22): التعرف على الشعراء والزعماء الوطنیین في دمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (21) : فرنسا تصطنع الشیخ تاج
من مذكرات أكرم الحوراني (20) : بدء تفتح الوعي السیاسي للقضیة الوطنیة
من مذكرات أكرم الحوراني (19) – من ھم مواطنونا الدروز؟
من مذكرات أكرم الحوراني (18) – البطل رزوق النصر ينتقم
من مذكرات أكرم الحوراني (17) – فظائع الفرنسیین في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (16)- عثمان الحوراني يتحدث عن ثورة حماة عام 1925
من مذكرات أكرم الحوراني (15) – ثورة عام 1925 في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (14) – الحسین بن علي
من مذكرات أكرم الحوراني (13) – الثورة الوطنیة والثورة الاجتماعیة معاً
من مذكرات أكرم الحوراني (12) – في قصر العظم
من مذكرات أكرم الحوراني (11) – الثورات والأمل
من مذكرات أكرم الحوراني (10) – الإنكليز والفرنسيون في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (9) – طائرة ترمي منشورات في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (8) – مرحبا يا ابن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (7) -الأمير فیصل يتبرع لانشاء مدرسة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (6) – صفعة ظالمة من جندي الماني وحاكم سورية في ضیافتنا
من مذكرات أكرم الحوراني (5) – في مدرسة ترقي الوطن وأيام كئیبة عند الشیخة
من مذكرات أكرم الحوراني (4) – خلفیة الأوضاع الاجتماعیة بحماه في أواخر العھد التركي
من مذكرات أكرم الحوراني (3) – لماذا لم ينجح أبي في الانتخابات؟
من مذكرات أكرم الحوراني (2) – يا حوراني يا أكحل
من مذكرات أكرم الحوراني (1) – من ذكريات الطفولة
للإطلاع على تسلسل أحداث التاريخ السوري المعاصر بحسب الأيام
انظر أيضاً :
أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات