من مذكرات أكرم الحوراني (31) – جذور الحركة الشعبیة في حماه
كان استشھاد الدكتور صالح قنباز، وإغلاق النادي الأدبي، وسجن بعض أفراده وفرار بعضھم الآخر إلى خارج البلاد، ضربة شديدة نزلت بالحركة الوطنیة الشعبیة، وأفقدتھا قائدھا المفكر العالم وقیاداتھا الشعبیة الأخرى فبعثرتھا ونشرت جوا من الضیاع، فرحنا نتابع ما كان يكتبه المبعدون السیاسیون كالدكتور عبد الرحمن الشھبندر، ونتسقط أخبار سلطان الأطرش وغیره من الثوار الأشاوس المرابطین في صحراء الأزرق بشرقي الأردن.
وبعد استشھاد الدكتور صالح قنباز حل محله الدكتور توفیق الشیشكلي الذي خاض معركة انتخابات الجمعیة التأسیسیة في عام 1928 خصما لحسني البرازي، وكنت أشعر بالعطف علیه وأتمنى نجاحه، ولكنه لم ينجح في تلك الانتخابات رغم مناصرة آل الشیشكلي ودعمھم له، وقد قرأت إبان المعركة الانتخابیة منشورا وزع على الناس بتوقیع حسني البرازي، وفیه كثیر من العنجھیة والتبجح والطعن بالدكتور توفیق. كان المنشور من الناحیة البیانیة، على مستوى عال. وقال الكبار إن منیر البرازي ھو الذي دبجه .
أردت أن أسجل ھذه التفاصیل لأبین أن منشأ الحركة الوطنیة في حماه ابتدأ منذ العھد العثماني، واستمر على يد الطلیعة من الشباب، على نحو فريد بالنسبة للمدن السورية الأخرى. لأنه كان مستقلا عن تیار “الكتلة الوطنیة” التي كان حسني البرازي واجھتھا في تلك الانتخابات، وكنت قد ذكرت سابقا أن حسني البرازي وزير الداخلیة وفارس الخوري وزير المعارف ولطفي الحفار وزير الاشغال قد استقالوا -أو اقیلوا- من ، الوزارة التي شكلھا الداماد أحمد نامي بك بتاريخ 26 نیسان 1926 فنفاھم الفرنسیون إلى أمیون في لبنان، وحین عاد حسني البرازي الى حماه خرجت المدينة عن بكرة أبیھا، وعلى رأسھا فرسان آل البرازي لاستقباله في محطة القطار، فالتفت حوله القوة الشعبیة الوطنیة، وقوى الاقطاع والجاه والنفوذ.
كنت ممتعضاً من ھذا الاستقبال بالرغم مما تعرض له حسني البرازي من نفي بعد استقالته من الوزارة، وربما كان سبب امتعاضي ما تجلى فیه من مظاھر الأبھة والعصبیة والعنجھیة العائلیة، وكان بعض أفراد الشعب يقولون بإن زعامة حسني الرازي سوف تزيد من سطوة آل البرازي وھیمنتھم وتقوي عصبیتھم وغطرستھم ونفوذھم واعتداءاتھم، وكانت ھذه المشاعر تخامرني بالرغم من صلات الصداقة والجوار التي تجمعنا مع آل البرازي من عھد والدي، والتي استمرت بین أخي الأكبر محیي الدين وبین محسن البرازي بن خالد البرازي والتي تحولت فیما بعد إلى مصاھرة إذ تزوج أخواي محیي الدين وواصل فتاتین من عائلة البرازي.
بعد حل الجمعیة التأسیسیة تعاون حسني البرازي مع الانتداب وأنھى علاقته بالكتلة الوطنیة، وقد تقدم لانتخابات عام 1931 في قائمة السلطة، بینما كان خصمه الدكتور توفیق -بعد إخفاقه الذريع في انتخابات 1928 – يشق طريقه الوطني الشعبي، ولا أزال أذكر تلك الحفلات الشعبیة التي كنت أحضرھا وأنا طالب، 1931 والتي كان يقیمھا في الأحیاء ،1930 ، في عام 1929 الشعبیة الدكتور توفیق وتلامیذ ھذه الحركة: رئیف الملقي ومصطفى الحوراني وعبد الحمید قنباز، شقیق الدكتور صالح، وشباب حي السخانة وعلى رأسھم الشیخ عبد الرحمن خلیل وأبو رمیح عبد الرحمن الشارع، وكانت أولى ھذه الحفلات التي حضرتھا في حي السخانة بمناسبة ذكرى الثورة السورية واستشھاد المرحوم صالح قنباز.
كانت حركة توفیق الشیشكلي امتدادا لحركة صالح قنباز، وقد اعتمدت على العمال والحرفیین والجماھیر الشعبیة الفقیرة الكادحة، وكان طابعھا الوطني الاستقلالي غالبا على طابعھا الاجتماعي الیساري.
كان الذوات، ولا سیما حسني البرازي، يستخفون كثیرا بالدكتور توفیق وحركته ويستھزئون بھا، وھذا ما جعلھم يفاجأون بثورة الشعب العارمة في انتخابات 1932 التي أتیت على ذكرھا سابقا، فقد سقط حسني البرازي ونجح الدكتور توفیق.
اقرأ:
من مذكرات أكرم الحوراني (30) – محاولة اغتیال صبحي بركات
من مذكرات أكرم الحوراني (29) – الشعب السوري يثور ضد تزيیف الانتخابات
من مذكرات أكرم الحوراني (28) – في لبنان عام 1931
من مذكرات أكرم الحوراني (27) – الصدمة الأولى في الجامعة الیسوعیة
من مذكرات أكرم الحوراني (26) – تأسیس أول ناد رياضي في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (25) – ذكريات من مكتب عنبر
من مذكرات أكرم الحوراني (24) – في الكلیة الوطنیة بعالیه في لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (23) – فجیعة سوريا باغتیال الغزي
من مذكرات أكرم الحوراني (22): التعرف على الشعراء والزعماء الوطنیین في دمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (21) : فرنسا تصطنع الشیخ تاج
من مذكرات أكرم الحوراني (20) : بدء تفتح الوعي السیاسي للقضیة الوطنیة
من مذكرات أكرم الحوراني (19) – من ھم مواطنونا الدروز؟
من مذكرات أكرم الحوراني (18) – البطل رزوق النصر ينتقم
من مذكرات أكرم الحوراني (17) – فظائع الفرنسیین في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (16)- عثمان الحوراني يتحدث عن ثورة حماة عام 1925
من مذكرات أكرم الحوراني (15) – ثورة عام 1925 في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (14) – الحسین بن علي
من مذكرات أكرم الحوراني (13) – الثورة الوطنیة والثورة الاجتماعیة معاً
من مذكرات أكرم الحوراني (12) – في قصر العظم
من مذكرات أكرم الحوراني (11) – الثورات والأمل
من مذكرات أكرم الحوراني (10) – الإنكليز والفرنسيون في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (9) – طائرة ترمي منشورات في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (8) – مرحبا يا ابن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (7) -الأمير فیصل يتبرع لانشاء مدرسة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (6) – صفعة ظالمة من جندي الماني وحاكم سورية في ضیافتنا
من مذكرات أكرم الحوراني (5) – في مدرسة ترقي الوطن وأيام كئیبة عند الشیخة
من مذكرات أكرم الحوراني (4) – خلفیة الأوضاع الاجتماعیة بحماه في أواخر العھد التركي
من مذكرات أكرم الحوراني (3) – لماذا لم ينجح أبي في الانتخابات؟
من مذكرات أكرم الحوراني (2) – يا حوراني يا أكحل
من مذكرات أكرم الحوراني (1) – من ذكريات الطفولة
للإطلاع على تسلسل أحداث التاريخ السوري المعاصر بحسب الأيام
انظر أيضاً :
أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات