من مذكرات أكرم الحوراني – طائرة ترمي منشورات في حماة
طائرة ترمي منشورات
كنت في صباح كل يوم أقف مع رفاقي فؤاد الأسود وأكرم العاشق وغیرھما منتظرين خروج جنود الجیش الوطني من خان الشعبة القريب من مدرستنا، للتدريب والتمرين، وكان يحزننا أن نرى بعض ھؤلاء الجنود غیر مسلحین، فنشعر بألم وانكسار.
لم نكن نعي ما كان يمر على البلاد من أحداث، ولكنني شاھدت ذات يوم طائرة تحلق في سماء المدينة وتنشر أوراقا من الجو، وكنت قد شاھدت قبل ذلك طائرات الألمان وطائرات الحلفاء التي قصفت محطة القطار بحماه. وكانت الأوراق تتناثر في الجو كاسراب الحمام. وقد تمكنت من التقاط واحدة منھا فحملتھا وأسرعت إلى البیت حیث وجدت أخي الأكبر محیي الدين وعمي مصطفى وصديقھما محسن البرازي، فاعطیتھم المنشور فقرأوه باھتمام مع سب فرنسا وشتمھا وكان منشورا يعد السوريین بنوايا الفرنسیین الطیبة.
في ذلك الجو الذي كانت تعیشه البلاد، صدمت حین وجدت أعمامي وأخي الكبیر وأصدقاءھم يھاجمون الملك فیصل لأن برقیة وردت إلى حماة تأمر بحل الجیش … وصعب علي أن أقتنع بأن فیصل يمكن أن يكون مخطئا وكنت أقول في نفسي منزعجا من اتھامه: لا بد أن يكون تقدير ھؤلاء الكبار خاطئا، وقد ضحكوا عندما اعترضت على اتھاماتھم، ولم تمض أيام حتى عم الھیاج والغلیان المدينة بأسرھا، وخرج الناس بالبنادق والسیوف والرماح متجھین نحو طريق حمص لملاقاة الفرنسیین، وكانت المدينة بأطفالھا ونسائھا وشبابھا وشیبھا كالبركان الثائر وراء ھؤلاء المتطوعین لمحاربة الكفار أعداء الدين، وكان الجمیع يرددون “لله يرحم أحمد الجزار”. فظننت أن رجلا من جیراننا آل الجزار قد توفي. ثم أدركت فیما بعد أنھم كانوا يطلبون الرحمة لأحمد باشا الجزار والي عكا الذي انكسرت وراء حصونه حملة نابولیون الفرنسي.
كان ثمة حمار لأحد الفلاحین من قريتنا البیاضیة مربوط في اصطبل بیتنا، فتسلل أخواي واصل وعبد الحلیم وأخرجاه وركباه، فعرفت أنھما لاحقان بالمجاھدين، فبكیت وطلبت أن يأخذاني معھما، ولما أعیاھما إقناعي ضرباني ضربا مبرحا وسلكا طريق حمص.
وفي عشیة ذلك الیوم قدم إلى بیتنا أحمد آغا البرازي ممتطیا صھوة جواده العربي، وخلفه الحمار الذي يمتطیه واصل وعبد الحلیم، وسلمھما إلى عمي ياسین، فقد رآھما عندما كان عائدا من قريته معرين القريبة من طريق حمص، فسألھما عن اسمیھما فاعترفا له، فقال لھما إن الضباع ستأكلكما في الطريق، وأقنعھما بالعودة.
اقرأ:
من مذكرات أكرم الحوراني (25) – ذكريات من مكتب عنبر
من مذكرات أكرم الحوراني (24) – في الكلیة الوطنیة بعالیه في لبنان
من مذكرات أكرم الحوراني (23) – فجیعة سوريا باغتیال الغزي
من مذكرات أكرم الحوراني (22): التعرف على الشعراء والزعماء الوطنیین في دمشق
من مذكرات أكرم الحوراني (21) : فرنسا تصطنع الشیخ تاج
من مذكرات أكرم الحوراني (20) : بدء تفتح الوعي السیاسي للقضیة الوطنیة
من مذكرات أكرم الحوراني (19) – من ھم مواطنونا الدروز؟
من مذكرات أكرم الحوراني (18) – البطل رزوق النصر ينتقم
من مذكرات أكرم الحوراني (17) – فظائع الفرنسیین في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (16)- عثمان الحوراني يتحدث عن ثورة حماة عام 1925
من مذكرات أكرم الحوراني (15) – ثورة عام 1925 في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (14) – الحسین بن علي
من مذكرات أكرم الحوراني (13) – الثورة الوطنیة والثورة الاجتماعیة معاً
من مذكرات أكرم الحوراني (12) – في قصر العظم
من مذكرات أكرم الحوراني (11) – الثورات والأمل
من مذكرات أكرم الحوراني (10) – الإنكليز والفرنسيون في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (9) – طائرة ترمي منشورات في حماة
من مذكرات أكرم الحوراني (8) – مرحبا يا ابن الحسین
من مذكرات أكرم الحوراني (7) -الأمير فیصل يتبرع لانشاء مدرسة في حماه
من مذكرات أكرم الحوراني (6) – صفعة ظالمة من جندي الماني وحاكم سورية في ضیافتنا
من مذكرات أكرم الحوراني (5) – في مدرسة ترقي الوطن وأيام كئیبة عند الشیخة
من مذكرات أكرم الحوراني (4) – خلفیة الأوضاع الاجتماعیة بحماه في أواخر العھد التركي
من مذكرات أكرم الحوراني (3) – لماذا لم ينجح أبي في الانتخابات؟
من مذكرات أكرم الحوراني (2) – يا حوراني يا أكحل
من مذكرات أكرم الحوراني (1) – من ذكريات الطفولة