You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

التقويم الرقي عام 1928 .. سنة بناء السرايا .. سنة طحوح

حمصي فرحان الحمادة – التاريخ السوري المعاصر

 حدث في عام 1928م حدثان هامان، جعلهما يدخلان ضمن التقويم الشعبي الرقي، وهما:

أولاً- سنة بناء السرايا

دلت تواريخ الدولة العثمانية أن منطقة “الرقة” بقيت معمورة في فترة طويلة من الزمان، وكانت الدولة ترسل إليها والياً كوالي “حلب” يقيم فيها، ثم ومع تمادي الأيام ألم بها الخراب، وصارت الدولة ترسل والياً لـ “حلب”، وكان يدير “الرقة” من دار الولاية في “حلب”، واستمر ذلك لحين تشكل الولايات فأفردت ولاية “حلب” لوحدها.

وكانت “الرقة” قد أشرفت على الامّحاء من الوجود، وخرب برها وخراباً فاحشاً، بسبب البدو الرحل، فصارت مركز مديرية إلى حدود عام 1869م، حيث عين لها قائم مقام في ذلك العام، واحتاج الأمر بعد ذلك لبناء دار للحكومة (السرايا).

بنيت السرايا القديمة لإقامة القائم مقام، وقد شيدت من اللبن، في نفس موقع المتحف الحالي، وكان بابها للجنوب، وقد ألحق بها سجناً اتجه بابه إلى جهة الشرق، كما أنشئت مساكن شعبية من قبل الدولة في الجهة الشرقية المقابلة للسرايا، وكان كل مسكن منها مؤلف من مطبخ وغرفتين، وخصصت هذه المساكن لسكن موظفي الدولة دون مقابل، الذين كان عددهم سبعة، بما فيهم القائم مقام، وقائد الدرك، ومدير المال، وكان سبب إنشائها هو عدم وجود بيوت للسكن في ذلك الوقت، وبعد توسع المدينة وازدياد عدد سكانها، واستقرار الحياة الاجتماعية فيها، ازداد عدد موظفي الدولة ولم يعد البناء القديم يستوعبهم، لذلك عمدت الحكومة في عهد الرئيس “تاج الدين الحسني” وفي عام 1928 إلى هدم البناء القديم للسرايا، وبناء السرايا الجديدة التي ظلت حتى الآن شاهدة على مرحلة هامة من تاريخ “الرقة”.

ولبناء السرايا تم بناء مفخرة لصناعة الفخار المستخدم لبناء السرايا الجديدة، حيث عمل عدد لا بأس به من أهل “الرقة” في تشييدها.

وقد شارك في بنائها أيضاً بعض الأطفال الذين قاموا ببعض الأعمال البسيطة، واستمر العمل في بنائها مدة عامين، ومن الذين قاموا بنقل الفخار الذي بنيت به نذكر: “كرفو أحمد الكرفو”، و”سليمان العمار”، وكان متعهد الجص “أحمد الفواز”، وإلى الشمال منه تم بناء المدرسة الرشدية، التي تمت تسميتها بمدرسة بلقيس لاحقاً لكنها هدمت أيضاً، وصار مكانها حديقة للمتحف.

وتم في تلك الفترة الزمنية بناء السجن المركزي، الذي انتقل لاحقاً إلى مكان آخر، وفي نفس العام أيضاً تم بناء فندق أطلق عليه اسم فندق المدينة، وهو بناء من فخار على طراز السرايا الجديدة، وهو مؤلف من طابقين، الأول قاعة استقبال كبير، والطابق الثاني غرف للنوم، ثم أصبح فيما بعد الطابق الأرضي سينما “فؤاد” والطابق الثاني دار للبلدية.

وقد هدمت بعد ذلك ليحل محلها مبنى جامعة “الاتحاد” قبل انتقالها إلى مقرها الجديد في الجبل لاحقاً، وبعض المحلات التجارية، وفي العام نفسه أيضاً تم افتتاح بستان البلدية، وكان في طرفه الغربي مقهى صيفي تمت إزالته، وافتتح أيضاً وفي الفترة ذاتها مسلخ البلدية لمراقبة ذبح الذبائح بشكل سليم وهذه الإجراءات تمت في عهد رئيس البلدية “عبيد آغا الكعكه جي”.

ولاحقاً تم تحويل السرايا الحكومية إلى متحف وطني لآثار “الرقة” عام 1981م، وذلك بمناسبة انعقاد الندوة الدولية لتاريخ “الرقة”، ويعتبر تاريخ بنائها تقويماً شعبياً “روزنامة” لدى أهل “الرقة”.

ثانياً- سنة طحوح:

كلمة طحوح في اللهجة الرقية تعني العمل الذي لم يثمر شيئاً وكان القيام به خسارة ولا فائدة منه.

الغزو بين القبائل العربية عرف قبل وبعد الإسلام، ولم يتمكن الإسلام الذي آمنت به هذه القبائل أن يقضي على هذه العادة، بل استمرت في سورية إلى أربعينيات القرن الماضي حيث تعاهدت القبائل على إيقاف عمليات الغزو بشكل نهائي، ولتأكيد هذا الأمر والصلح تمت زيجات كثيرة بين أسر هذه القبائل.

والغزو كان متبادلاً بين قبيلتي شمر وعنزة سواء في الجزيرة العربية موطنهما الأصلي أو بلاد الشام حيث استقرت بعض هذه القبائل.

والغزو كان متبادلاً بين قبيلتي شمر وعنزة سواء في الجزيرة العربية موطنهما الأصلي أو في بلاد الشام حيث استقرت بعض هذه القبائل.

في صيف هذا العام 1928م، تحركت جموع قبيلة شمر من موطنها بشمال شرق سورية متجهة نحو مضارب قبيلة الفدعان العنزية شمال مدينة الرقة.

قبيلة الفدعان تحركت بالفترة نفسها باتجاه الجنوب لعبور نهر الفرات إلى البادية السورية وإلى مناطق شرقي حلب، ولا ندري هل هذا التحرك كان عادياً كعادة هذه القبيلة في كل عام، أم أنها سمعت بقدوم رجال شمر، ولم ترغب بالمواجهة حقناً للدماء، وكانت القبيلة بزعامة الشيخ “مجحم بن مهيد” .

تقدمت جموع قبيلة شمر بقيادة الشيخ (دهام الجربا) إلى مواطن قبيلة الفدعان في عين عيسى والغازلي وغيرها من المناطق ولم تجد أحداً، سمعت بأن قبيلة الفدعان تريد عبور نهر الفرات فتوجهت جنوباً للحاق بها، ولكنها وصلت متأخرة جداً إذ كانت جموع قبيلة الفدعان قد عبرت نهر الفرات من معابر تعرفها.

وعادت جموع شمر دون أن تستفيد شيئاً، وهذه الغزوة سماها أهل الرقة (غزوة طحوح) ودخلت التقويم الرقي تحت هذا الأسم.

وبعد أكثر من عقد من الزمن تمت المصالحة بين القبيلتين، ولتأكيد هذا الصلح تمت مصاهرة وزيجات بين عدد من أسر القبيلتين (وكفى الله المؤمنين شر القتال).

وكتب الأستاذ محمود الذخيرة في كتابه أهل الرقة عن يوم طحوح رواية مغايرة تماماً، فكتب ما يلي:

طحوح اسم موقع في بادية الرقة، وهو المكان الذي تجمعت به كتائب عشيرة شمر لغزو الفدعان في المنطقة، وهذه الأحدية تعطينا الأمكنة التي اجتاحتها قبيلة شمر فتقول:

من المنخر للركة وطحوح

للفيض ساجر عجمها

ويوم طحوح هذا كان في العهد العثماني، وكان شيخ الفدعان آنذاك حاجم بن مهيد، عندما كان يقود الفدعان عام 1905م، وكان يوماً عصيباً على الفدعان، فقد غزت شمر الفدعان في بادية الرقة المتاخمة للقرات ناحية الجزيرة، وجاءت شمر بحوالي 400 خيال على رأسهم عجيد يسمى “مطلق بن سوكي”، وصلت طلائع الغزو إلى جبل المنخر الصغير، واتجهت إلى شمال غرب حيث تنتشر عشيرة الفدعان، ولما سمعت بالغزو ركبوا الخيول للذود عن إبلهم وأهلهم، وحمي الوطيس، وفشمر تنتخي (بالسناعيس) والفدعان تنتخي (بالروم)، ولكن السناعيس (شمر) أثقل بالطرد في هذا اليوم، فقد جمعوا الإبل والخيل التي غنموها بالطرد في هذا اليوم من الفدعان بين معمعة قاسية وخليط من الأصوات المتباينة المستغيثة سواء كان إنساناً أو حيواناً.

ودفع فرسان شمر الفدعان أمامهم حتى أوصلوهم إلى قرب قلعة جعبر عبر أراضي الفيض، وغطى الغبار منطقة القتال نتيجة دك حوافر الخيل بالأرض.

لقد أبلى الفدعان في هذا اليوم بلاء حسناً، لكن شمر فاجأتهم بغارتها فلم يتمكنوا من الاستعداد للقتال، ويقول الفدعان هذه مفاجأة لا تسر لنا.

ورجع غزو شمر بالغنيمة حوالي عشرين فرساً أصيلة، وقطيعاً من الإبل والأمتعة الأخرى، الفدعان. وشمر لا يطالب بعضها بعضاً، فإذا كسبت شمر الغزو أخذت الغنيمة وهذا حق مشروع لها وكذلك الفدعان.

والغنيمة عند البدو أرفعها الخيل، ثم الإبل، ثم الأسلحة (البواريد) وهكذا.

في يوم طحوح كانت السلطات التركية بالرقة عاجزة تماماً عن السيطرة على الاضطرابات التي تقوم وشكل قائمقام الرقة قوة من الدرك، لكنها كانت أضعف بكثير من ردع قبيلة شمر الغازية، سرعان ما انهزم أفرادها أمام غزو شمر خوفاً على حياتهم.

كان حاجم بن مهيد أثناء الغزو بمدينة الرقة عند أحد بيوت القول، وكان يبعث مجموعة من رجال القول لاستطلاع أنباء الغزو، وكان يردد (الله الله يا ربي لم ترجع شمر بعد عن هؤلاء المسلمين) ويقصد بالمسلمين عشيرته الفدعان، وهذه الجملة تعبر عن المرارة واللوعة والأسى التي يكنها في صدره في ذلك اليوم المشؤوم.

وبقي حاجم على رأس عشيرة الفدعان حتى عام 1913م، حيث سلم المشيخة إلى إبن عمه مجحم بن مهيد، لأن مشيخة حاجم على العشيرة كانت بالوصاية بعد مقتل تركي بن مهيد والد مجحم، وكان يومها مجحم صغيراً، فتقلد حاجم مشيخة العشيرة بالوصاية أمام والي حلب وممهورة بخاتم الوالي وموافقته.

ويوم طحوح كان سبباً في تقرب حاجم بن مهيد من السلطات العثمانية، ونشأت صداقة بينهما أدت إلى التحالف ومؤازرة بعضهم بعضاً.


انظر:

حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1917 ..سنة الجوع .. سنة الغلا.. سنة الحميضة

حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1918 ..سنة سقوط العصملي – سنة الوجع

حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1919 .. سنة الشريف

حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1920 .. سنة حاجم – سنة زكرت حاجم

حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1922 .. سنة دخول الفرنسي

حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1925 .. فيضة الهويدي وموتة حسين الدرويش

حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1926 ..  سنة الشمالي عام 1926

المراجع والهوامش:

(1).   حمادة (حمصي فرحان)، التقويم الرقمي بين عام 1709 - 1988، توتول للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق 2022م، 162-170

مواد الوسم ذات الصلة
العنوانالتاريخ
فرسان في الرقة أمام باب بغداد عام 1920
الشيخ أنور الراكان -شيخ عشيرة السبخة.. شخصيات في ذاكرة الرقة
الشيخ فيصل الهويدي .. شخصيات في ذاكرة الرقة
شهادة المدرسة الرشدية .. الشيخ فيضي الفواز 
مصطفى الكعكه جي ..شخصيات في ذاكرة الرقة 
الشيخ فيضي الفواز ..شخصيات في ذاكرة الرقة
عبد الله الصطاف
طاهر النعساني
محمد وهبي العجيلي
حمصي الحمادة: أوليات الرقة – المخفر العثماني
طاهر النعساني قائمقام الرقة مع بعض الموظفين في السرايا 1938
عبد السلام العجيلي في مدرسة الرشيد بالرقة خلال مباراة بكرة الطاولة عام 1960
الرقة 1958 – الثكنة العسكرية الفرنسية
زريفة الخضر
عبد الله الويس العجيلي
رسالة من دومة البليبل لولدها المعتقل عام 1970
المحامي عبد المجيد الجدوع – رجل المواقف  .. شخصيات في ذاكرة الرقة
خلف الحسان
الرقة – مبنى السرايا – متحف الرقة حالياً
عبد اللطيف البوحبال
خلف القاسم – شيخ عشيرة أكراد الرقة
الرقة 1978 – حفل تكريم الهيئة الإدارية والتدريسية في ثانوية خديجة الكبرى للبنات
موسى القولي
مجموعة من طلاب الرقة في ثانوية التجهيز بحلب عام 1951م
حمصي فرحان حمادة: شخصيات رقية .. الشهيد جواد آنزور
أمثال شعبية : بسوس القائم مقام  
عشيرة الرمضان آغا
محمد الهويدي
الحارات الرقية .. بين التسمية الرسمية والشعبية
أوليات الرقة .. مدرسة الملكة بلقيس للبنات
محمود الرحبي – أبو صخر
عبد الطه
عبد السلام العجيلي في زيارة لـ سلطان الأطرش في سبعينات القرن العشرين (1)
احتفال إعلان الوحدة بين سورية ومصر في الرقة عام 1958
الدعور تخلف دعور 
حمصي فرحان الحمادة: الدكتور عبد السلام العجيلي والكومجي
حمصي الحمادة: التقويم الرقي .. سنة قرضة الشبل
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1908 ..سنة خراب الباشا
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1911 ..سنة ثلجة الأربعين1911-01-20
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1912 ..كونة القول التالية
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1914 ..سنة السفر برلك
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1915 ..سنة سوقيات الأرمن
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1917 ..سنة الجوع .. سنة الغلا.. سنة الحميضة
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1918 ..سنة سقوط العصملي – سنة الوجع
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1919 .. سنة الشريف
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1922 .. سنة دخول الفرنسي
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1925 .. فيضة الهويدي وموتة حسين الدرويش
التقويم الرقي عام 1926 ..  سنة الشمالي عام 1926
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1927 ..  سنة موتة حاجم والجراد الأصفر
التقويم الرقي عام 1928 .. سنة بناء السرايا .. سنة طحوح
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1929 ..  سنة الطامة الثانية .. العوين
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1930 ..  سنة الكيلو



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى