بدر الدين تلجبيني – التاريخ السوري المعاصر
في أعوام الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي كان عمال البناء في المدينة يعملون في بناء المنازل الطينية فقط دون الحجرية، فيستعملون في البناء تراب قلعة أعزاز الذي يشبه الأسمنت في تماسكه وصلابته، والذي يحصلون عليه من أصحاب الدور المجاورة للقلعة الذين يقومون بغربلته وتسليمه إلى الحمالين لإيصاله على ظهور الحمير الى مكان البناء ويقدر الثمن الاجمالي بعدد الأحمال، فيقوم المعمار بمزج التراب بالماء والتبن ودعسه بالرجلين حتى يصبح كتلة طريَّة متماسكة، ويصنع منه الطوب (اللّبن) وينشره تحت أشعة الشمس حتى يجف ويصبح قاسياً صلباً جاهزاً للبناء، وبعد ان يتم حفر أساس الغرفة وردمه بالطين والحجارة يبدأ المعمار عمله ببناء جدران الغرفة وفق طلب صاحب البناء فإما أن يكون سمك الجدار بعرض لبنة واحدة أو لبنتين وفي هذه الحالة يكون الحائط عريضا ما يسمح بفتح خزائن داخل الجدار توضع فيها الملابس، ولم تكن لدى البنائين في المدينة فكرة عن بناء المنازل الحجرية، بل كان هذا الأمر محصورا بعائلة من الطائفة المسيحية تسكن في مدينة أعزاز هي عائلة (توما) من مدينة حلب وهي الوحيدة في المدينة التي يقوم افرادها ببناء المنازل من الحجر (النحيت).
وقد تتلمذ على يدهم العديد من عمال البناء من أهالي المدينة أمثال (الحاج مصطفى العياط وشقيقه علي العياط ـ وعبد الرحمن الشيخ سلطان (رحمو) ـ وعبدو الشيخ مستو وغيرهم). وبعد ان اتقنوا الصنعة واكتسبوا الخبرة استقلوا وبدأ كل منهم بتعليم أبنائه واشقائه مصلحة تقطيع الحجر ونحته وتسويته وبناء المنازل من الحجر (النحيت) فاقتنوا الأدوات اليدوية اللازمة لذلك. ونتحدث عن ؛
– (عبد الرحمن الشيخ سلطان) والذي كان يذهب الى جبل برصايا ويقطع الحجر من المقلع ويقوم بنقل الأحجار على ظهور الدواب الى المدينة ، وقد قام بتعليم ابناءه (محمد و أحمد) اصول المصلحة فقام (محمد) بتعليم أبنائه : (عبد الرحمن، ومحمود، وحسين، ومحمد أبو الخير، وحسن)، وقام (أحمد) أيضاً بتعليم أبنائه : (عبدالرحمن، علي، محمد، حميد، عامر، نادر) فاصبحوا من البنائين الماهرين .
– و(الحاج مصطفى العياط) والذي قام بدوره بتعليم أبنائه : (الحاج حسن، وبكري، وعمر، ومحمد(حميد)، وحسين، و محمود).
وقام الحاج حسن بتعليم ولده (محمد حسن قاسم)، وكان (الحاج مصطفى العياط) فناناً مبدعاً في نحت الحجر وزخرفته، فكان ينقش على الحجر عبارات (هذا من فضل ربي) و(ما شاء الله) وقد قام بنحت نوافذ مربَّع منزل (ناصر كريم) على طريق السجن القديم وما زالت الزخرفة موجودة حتى اليوم. وكان عنده في داره مشغل مزوَّد بأدوات النحت ينتج فيه احلى القطع الحجرية المزخرفة ( وفق الصورة المرفقة ).
– (الحاج عبدو الشيخ مصطفى) والمعروف في المدينة باسم (عبدو الشيخ) فقام بتعليم المصلحة إلى كل من ابنائه وابناء اخوته (حج محمد خليل مستو، مصطفى خليل مستو، محمود شيخ مستو، قدور الشيخ مستو، ومصطفى الشيخ مستو الملقب ( ابوالعركوب).
ومن الذين عملوا في مهنة البناء ايضا :
– عطوة الفلسطيني – ابو محيو الفلسطيني .
– ال مصلاوي
أتقن الأبناء صنعة الآباء لكن مصلحة معالجة الحجر وتقطيعه شاقة وتحتاج الى اجساد قوية فكان المعمار يتعب في تقطيع الحجر ونقله ونحته وتسويته بأدوات بدائية.
واليوم ..
تطورت الأمور فاقتنى البناؤون ادوات حديثة فلا (شاقوف ولا قدوم ) بل صاروخ يقصّ الحجر كما تقصّ السكين قطعة الجبن ، فشيدوا احلى الأبنية وأجمل العمارات ، وزينوا المدينة بأحلى اللوحات .
انظر:
بدر الدين تلجبيني: معاصر الزيتون في مدينة اعزاز
بدر الدين تلجبيني: من مذكرات معلم في الريف.. نايفة