دراسات وترجمات
مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (5): ما بعد المجلس الأول – الولاية الفينيقية
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (1)
مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (1)
مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (2): جدليّتا المواطنة وفصل الدين عن الدولة
مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (3): الإدارة المحلّية وقضية اللغة
مجلس المبعوثان 1877: التجربة البرلمانية السورية الأولى (4): حرية الصحافة والنشر- رسم الخطوط الحمراء
اختتم المجلس أعمال الدورة التشريعية الأول عبر جلسته السادسة والخمسين في السادس والعشرين من حزيران عام حزيران 1877م، وأفاد رئيس المجلس أحمد وفيق باشا في خطابه الأخير أن النواب سيظلّون يحملون صفة النائب إلى حين انتخاب نواب جدد للدورة التشريعية القادمة.
وشهدت الدورة الثانية للمجلس (1877-1878) ثلاث تغييرات في نوّاب ولاية سورية عقب انتخابات حصلت في الثلث الأول من شهر تشرين الثاني 1877م،
وكانت نتيجة الأصوات كما يلي:
حسين بيهم: 32 صوتًا. نقولا النقاش: 32 صوتاً. أمين الجندي: 30 صوتاً. خليل غانم: 29صوتاً. نقولا نوفل: 28 صوتاً. جبران اسبر: 20 صوتاً. سليم أيوب: 20 صوتاً. عبد الرحيم بدران: 19 صوتاً. درويش شنبور: 16 صوتاً. أحمد الشمعة: 14 صوتاً.
وبذلك فاز بمقاعد غير المسلمين: نقولا النقاش وخليل غانم، وعن مسلمي بيروت: عبد الرحيم بدران. ولكن المفاجأة كانت تقديم جميع المرشحين المسلمين من سورية استعفاءهم واحدًا تلو الآخر، مما دعى بمقام الولاية “تسمية” نائب جديد -بالاتفاق على ما يبدو- هو محمد توفيق القدسي.
وفي حين أن نائب بيروت الجديد خليل غانم كان ذا شهرة وصاحب تجربة إدارية وسياسية هامّة، حيث كان قبيل انتخابه للنيابة مترجمًا لمقام الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء)، لم يكن محمد توفيق القدسي نائب دمشق الجديد ذا خبرة إدارية أو سياسية تذكر عشية انتخابه للمجلس، إلا ملازمته لقلم التحريرات في ولاية سورية منذ عام 1863م، مما جعل تسميته نائبًا بعد استعفاء جميع المرشحين أصحاب التجارب والخبرة محطّ استفهام.
وعلى العموم فإن القدسي تدرّج في المناصب سريعًا بعد فضّ المجلس عام 1878م، ويعيّن رئيسًا لمحكمة استئناف طرابلس الغرب (1879) ثم رئيسًا لدائرة الجزاء في محكمة استئناف حلب (1880)، ثم رئيسًا للمحكمة التجارية في جدة (1883)، ثم رئيسًا لمحكمة تجارة حلب (1885)، ثم رئيسًا لدائرة الحقوق في محكمة بداية طرابلس الغرب (1887). وقد عمل بعدها في التجارة بين اسطنبول ودمشق وبيروت، ولكن ذهبت ثروته في البورصة ومات فقيرًا عام 1920م.
ومن المثير للاستغراب تقديمه من دمشق عريضة إلى نظارة الداخلية في أيلول 1908م، أي قبيل بدء انتخابات مجلس المبعوثان لدورته التشريعية الجديدة بعد إعادة تفعيل الدستور، يطالب فيها بحقّه في النيابة في المجلس الحالي كونه استمرّ في عضويته بالمجلس القديم (1878) ثلاثة أشهر فقط قبل فضّه من قبل السلطان عبد الحميد منذ ثلاثين عامًا، مع تأكيده على تبقّي ثلاث سنوات ونصف من فترة نيابته. وقد أوعزت نظارة الداخلية إلى ولاية سورية بإبلاغه وتفهيمه عدم وجود “حقّ النيابة القديمة” في المجلس الجديد.
بينما شهدت ولاية حلب تغييرًا واحدًا هو عبد القادر القدسي الذي خلف في كرسيّ النيابة حسني باقي زاده. ولم يكن القدسي، والد عمّ الرئيس السوري ناظم القدسي، أقلّ خبرة من سلفه. حيث شغل قبل نيابته مناصب هامة في الإدارة وتحصيل الضرائب بالبلقان والأناضول وحلب. أما المرحلة الأهمّ في حياته كانت بعد نيابته؛ حيث تسلّم إدارة سناجق حوران وكليبولي (الدردنيل) لفترات قصيرة، ثم أصبح الكاتب الثاني للسلطان عبد الحميد في قصر يلدز، وأرسله الأخير مفوضًا في مهمة سياسية إلى خديوي مصر مرّتين.
ولكنّ رغم اختتام المباحثات في الدورة الأولى، إلا أن قضيّة ظلّت على أجندات نائب بيروت نقولا النقاش حتى ضمن مباحثات الدورة التشريعية الثانية، وهي قضية سلخ بيروت عن ولاية سورية.
وكان النقاش قد أشار ضمن مداخلاته إلى في الانعقاد العاشر من الدورة الأولى (1 نيسان) إلى أن اجتماعات مجلس إدارة الولاية لا يجب أن تكون محدّدة بمركز الولاية، بل الأفضل أن يترك أمر تحديد المكان للوالي. وأعاد طرح تلك الفكرة في الاجتماع السادس عشر (17 نيسان). وكان مقصد نقولا النقاش في ذلك الطرح تشريع العرف السائد في ولاية سورية أن يجتمع المجلس في دمشق صيفًا وفي بيروت شتاءً.
ومع فشل تلك المحاولات رسميًا، بدأ نقولا النقاش في الترويج لفكرة سلخ بيروت والساحل السوري عن ولاية سورية، وجعلها “ولاية فينيقية”، وذلك ضمن أعمال الدورة التشريعية الثانية (1877-1878). وقد قدّم النقاش في ذلك لائحة وقّعها نواب بيروت خليل غانم وعبد الرحيم بدران، ونائب القدس يوسف ضياء الخالدي، كون المقترح يتضن ضمّ سنجق عكا إلى الولاية الساحلية الجديدة.
واعترض على تلك الفكرة سعدي المرعشلي (حلب) ومحمد توفيق القدسي (دمشق)، لكنّ النقّاش عاد وبيّن الفائدة من تشكيل الولاية الساحلية الجديدة، فقال أن ولاية سورية بسناجقها الداخلية والساحلية ذات مساحة هائلة، وأن تقسيمها إلى ولايتين سوف يخفف الحمل عن دمشق ويساعد في إدارة شؤون السناجق بشكل أفضل، فسنجق حوران وحدة يحتاج إلى والٍ خصوصي لمقاومة تعدي البدو العربان وإسكانهم وتدارك لوازم محمل الحج.
وكذلك فإن في بيروت نحو 18 قنصلًا، ولا يمكن أن تكون سياستهم واحدة، بل لكلّ منهم سياسة خاصة بدولته، والتعامل مع هؤلاء يتطلب الحكمة والدقة والحلم، إلى جانب التنوّع الديني والطائفي في سنجق بيروت وأهميته الاقتصادية من ناحية التجارة والصناعة والتصدير.
كما أضاف أن الطبيعة نفسها قد فصلت المنطقة الساحلية عن الداخل السورية، وجُعل جبل لبنان في وسطها، وهو الآخر يتمتع بإدارة خاصة. ثم أتبع: “إن الحق سبحانه وتعالى قد فصّلها وفرقها وما فرّقه المولى لا يليق بإنسان أن يجمعه”.
وقد كانت لائحة النقّاش هي الأولى من نوعها، وقوبلت بدعم قوي من نائب بيروت الآخر خليل غانم، ترجمان الصدارة العظمى. ورغم فضّ المجلس بعد فترة قصيرة بأمر من السلطان عبد الحميد الثاني، إلا أن لائحة النقاش كانت تمهيدًا لتشكيل إداري جديد سيصدر بالفعل عام 1888م ويقضي بسلخ بيروت والساحل السورية عن ولاية سورية، وعرفت الولاية الجديدة باسم “ولاية بيروت”.
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة لسان الحال، 8 تشرين الثاني 1877م
(2). صحيفة لسان الحال، 12 تشرين الثاني 1877م
(3). ورد في الخبر: ولهذا قد تسمّى عضوًا جناب رشيد افندي القدسي من أهالي الشام. والصحيح أنه توفيق وليس رشيد. صحيفة لسان الحال، 12 تشرين الثاني 1877م
(4). الأرشيف العثماني الرسمي: COA,DH.MKT.1300/ 34
(5). ورد هذا اللفظ حرفيًا في محاضر المجلس، حيث اقترح النقاش أن يكون اسمها "الولاية الفينيقية".
(6). الانعقاد رقم: 9، 31 كانون الأول 1877م
(7). صحيفة لسان الحال، 14 شباط 1878م
المراجع والهوامش:
(1). صحيفة لسان الحال، 8 تشرين الثاني 1877م
(2). صحيفة لسان الحال، 12 تشرين الثاني 1877م
(3). ورد في الخبر: ولهذا قد تسمّى عضوًا جناب رشيد افندي القدسي من أهالي الشام. والصحيح أنه توفيق وليس رشيد. صحيفة لسان الحال، 12 تشرين الثاني 1877م
(4). الأرشيف العثماني الرسمي: COA,DH.MKT.1300/ 34
(5). ورد هذا اللفظ حرفيًا في محاضر المجلس، حيث اقترح النقاش أن يكون اسمها "الولاية الفينيقية".
(6). الانعقاد رقم: 9، 31 كانون الأول 1877م
(7). صحيفة لسان الحال، 14 شباط 1878م