You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

حقي العظم 1911: ما هو الدستور في عرف الاتحاديين؟

حقي العظم – صحيفة المقتبس عام 1911

هذا سؤال نجد الجواب عليه فيما يأتيه أصحاب الحل والعقد في الدولة من رؤساء جمعية الاتحاد والترقي وحزبها في المجلس من الأعمال المخالفة لأصول الشورى الحقيقية والهادمة لقواعد القوانين الأساسية، فالدستور في عرف هؤلاء الرؤوساء التسلط على العناصر، واغتصاب حقوقهم وحصر الإدارة والأحكام بيد عنصر واحد يزعمون أنه العنصر الحاكم على بقية العناصر العثمانية بحق الفتح والسيف وبعبارة صح حصرها في يد نفر من المنتمين إلى جمعيتهم وحزبهم من العنصر المار ذكره والضرب على أيدي الأدباء المحررين وكم أفواه الأفاضل المتكلمين بطرق يعلمها الجميع.

منها محاكمة بعضهم في المحاكم الحربية العرفية والحكم عليهم بالغرامات الباهظة والعقوبات الشديدة بإنقضاء على جرائدهم بتهديد الآخرين وتخويفهم ليضطروهم إلى الإقلاع عن التشهير بأعمالهم والتنديد بخطتهم والإكثار من الأستدانة من أوربا لمقاصد لا يعلمها إلا هم والراسخون في العلم، وتوعد الناس بنشرات يلقونها ليلاً في الأزقة، وسوق الأمة بعضا من نار وحديد إظهاراً لقوتهم وبطشهم ليخدروا العناصر.

كما كان حكمها النباش الأول ولكن فاتهم أن الفرق عظيم بينهم وبين هذا الطاغية الذي كان سلطاناً وابن سلطان من بني عثمان بعكس أولئك النفر الذين رمت بهم سلانيط وأدرنة وأزمير الذين ما كانت الأمة لتعيم أسماءهم إلا بعد إعلان الدستور وظهورهم بمظهر  المتحكمين على الدولة والمهيمنين على شؤون الأمة مع ضعة مراكزهم السياسية والإجتماعية.

فمنهم من كان قبيل الدستور معلماً بسيطاً في إحدى مدارس سلانيك بخمسائة قرش والثاني كان كاتباً في دائرة البريد بثمانمائة قرش والثالث مدير مدرسة في الآستانة لم يتجاوز راتبه العشر ليرات كما علم الخاص والعام وأعرف منهم واحداً كانت مهنته الاحتيال على الناس في صوفيا عاصمة البلغار فأصبح بعد الدستور من أبطال الحرية لا يذكر اسمه إلا مقروناً بعبارات التبيجل والتعظيم، ولا شك بأنه شاغل اليوم وظيفة سامية مثل متصرفية أو ولاية.

وقد أصبحنا نرى كاتباً في إحدى الجرائد يطفر طفرة واحدة إلى متصرفية ومنها إلى ولاية مهمة ثم إلى ولاية الأستانة وهي أهم ولاياتنا ثم ضُم إليه محافظة العاصمة “أمانة الشهر” لمجرد شراكته في جريدة كانت ولم تزل سبباً لثورات دموية بما بذرته من بذور الشقاق بين العناصر العثمانية ولأنه من رؤساء الجمعية.

ومما يبرهن على صحة أقوالي ما أتاه حسين كاظم بك أمين مدينة الأستانة الجديد في المناصب الثلاثة التي تولاها بعد الدستور وإليك البيان:

“عين هذا الرجل متصرفاً على سيروز بعد حادثة 31 آذار  وذهب إليها في إبان تحمس البلغاريين العثمانيين للدستور ونزول العصابات الثورية من بلغارية كانت أو رومية من الجبال إظهاراً لرضاهم عن الحكومة الدستورية فما كان من صاحبنا حسين كاظم بك إلا أن أخذ العصا بيده وأخذ يضرب كل ما يلقاه في وجهه من بلغاري وروحي ترمي الأحوال به بين يديه، وقد أظهر وهو في سيروز من الشدة ما يعجز عن وصفه القلم ثم عين والياً على حلب ولم تكد تطأ أقدامه مقر منصبه إلا أظهر ما هو مطبوع عليه من حب الاستعلاء على الأهالي والتهور بمنشوره المعروف الذي نشره في حلب يخاطب به أكابر البلد.

وقد وردت فيه عبارات لم يجسر عبد الحميد على التفوه بمثلها مع شدة بطشه وكثرة أعوانه وعظم استبداده وقد هدد هذا الوالي الاتحادي الحديث العهد بالمناصب السامية وجوه حلب الذين سماهم “بالأشراف المتغلبة والمغلبة الأشراف” بالنفي خارج الولاية وهو وإن يكن غير قادر على تنفيذ كلامه هذا ولكنه على كل حال كلام يجب أن لا يصدر من وال دستوري معدود من أبطال الحرية كما يزعم هو ورفاقه قد انقضت مدة حسين كاظم بك في حلب بالشغب والجدال تارة مع الوجوه وطوراً مع العمال حتى ضج القوم وملأوا الأرض والسموات بالشكايات عليه، وقد بلغني أن أجور التلغرافات التي أرسلت فيه إلى المراجع العليا في العاصمة زادت زيادة تذكر.

وأما نظارة الداخلية فإنها كانت كريشة في مهب الرياح تصدر طوراً الأمر بعزله من الولاية وتعود في اليوم الثاني وتسترجعه بتأثير نفوذ حسين جاهد بك وجاويد بك وطلعت بك ولما لم يبق في القدس منزع وأصبحت أحوال ولاية حلب على غاية من التشويش والتذبذب من جراء ما يأتيه الوالي من الأعمال الخارقة للأصول الدستورية اضطرت النظارة المشار إليها إلى نقله منها “لا عزله” إلى ولاية استانبول ثم ضم إليه أمانة مدنية الأستانة.

وهنا ظهر الرجل بمظهره الحقيقي الأستبدادي وقد كان قبل ذلك مستتراً نوعاً ما تحت الأثواب الدستورية ولا يخفى أن الرجال صناديق مقفلة ومفاتيحها إلا التجارب.

استلم حسين كاظم بك إدارة دفة أمنة العاصمة ولم يمضى على ذلك شهر إلا وقام يسعى في عزل رؤساء الدوائر البلدية وأعضائها بحجة أنهم ليسوا أهلاً لمناصبهم وكلهم انتخبوا حسب قانون خاص بالبلديات لمدة معلومة وردت بصراحة في هذه القوانين.

ولما لم يتسن له ذلك طلب إلى نظارة الداخلية فسخ انتخابات المجالس البلدية خلافاً للقوانين فوافقه خليل بك الناظر وأبى الصدر الأعظم حقي باشا المصادقة على طلب شيخ المدينة هذا ولما علم حسين كاظم بك برفض الصدر الأعظم شمخ بأنفه إلى السماء وأرسل من منزله مع خادم له يطلب بإصرار المصادقة على طلبه في الحال وإلا استقال من منصبه كأن الله لم يخلق رجلاً آخر يليق لتولي هذا المنصب سوى محرر جريدة طنين السابق.

ولما رأى إصرار الصدر على الرفض استقال من أمانة المدينة فكان لهذا الخبر تأثير عظيم في محافل الباب العالي ورنة دوت لها أرجاء الأستانة وأقامت جريدة طنين ضجة غير معتادة حول هذه الأستقالة، فلم يقدر الباب العالي على الوقوف أمام تلك الصدمة العظيمة ولم يثبت حقي باشا على الشجاعة الأدبية التي أظهرها في بدء المسألة وقرر مجلس الوكلاء فسخ انتخابات المجالس البلدية الحاضرة، ومنح حسين كاظم بك حق تعيين رؤوساء البلدية وانتقائهم حسب ما يشاء وهي أشد ضربة أنزلها الاتحاديون على الأصول النيابية، وبذلك خرج حسين كاظم بك ورفاقه من هذه المعمعة وعلى رؤوسهم أكاليل الظفر واسترد الأمين استقالته.

ويظهر أن قرار مجلس الوكلاء هذا أثر في أهل العاصمة تأثيراً سيئاً وأقام الجمعية العلمية الإسلامية وأقعدها التي احتجت على هذا القرار بمنشور شديد اللهجة نشرته في جرائد الأستانة.

وكتبت أقدام فصلاً افتتاحياً على أثر هذه المسألة أنكرت فيه سلوك الباب العالي وسير حسب رغبة حسين كاظم بك المخالفة لأحكام القوانين الأساسية والمبادئ الانتخابية وغريب من مثل جريدة إقدام أن تنتظر من الوزارة غير الخضوع لإشارة الحسينيين “حسين جاهد وحسين كاظم” وقد رأت أمثلة كثيرة من هذا فيما مضى.

ومجمل القول أن الاتحاديين ينادون بالدستور ظاهراً ويريدون أن يحترم الناس أحكامه، وأما هم فإنهم يعدون أنفسهم فوق تلك القوانين فلهم أن يصنعوا ما شاؤوا وشاءت أهواؤهم حتى لو كان فيه تمزيق كيان الدستور فسبحان من تحير في صنعه العقول.

إمضاء – حقي العظم

المصدر
صحيفة المقتبس- عدد 804 الصادر في السادس عشر من تشرين الأول عام 1911



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى