شهادات ومذكراتمقالات
من مذكرات أمين أبو عساف (52): استلامي قيادة الهجوم على خان يردا
من مذكرات أمين أبو عساف (52): استلامي قيادة الهجوم على خان يردا
مهمة سريا الفوج واستلامي قيادة الهجوم على خان يردا
في السادس عشر من تموز عام 1948 وعند وصولي إلى مقر قيادة الفوج حيث كان الرئيس “توفيق الشوفي” آمر الفوج بالوكالة وقد أخبرني أنهم تلقوا الأمر الآتي لعمليات اليوم:
سرية المصفحات الأولى بقيادته تدعم فوج المشاة الذي يهاجم مزرعة الخوري بالقرب من بحيرة الحولة والسرية الثانية بقيادة الرئيس “عبد الرحمن شاويش” تدعم فوج المشاة الرابع بقيادة المقدم “سامي حناوي” لمهاجمة خان يردا. وهو مركز دفاعي قوي التحصين يقع على رابية مشرفة بناءه كبير مبني من الحجر ذو القطع الكبيرة وسماكة الجدار أكثر من متر له بابان فقط واحد من جهة الشرق والثاني من جهة الغرب. ولكي يدافع الصهاينة عن هذا الحصن من جهة الجنوب. اخترقوا الجدار تحت مستوى الأرض وحفروا خندقاً مسافة عشرين متراً وبعمق مترين كممر. وبنهاية هذا الممر تفرعت تحصينات جبهوية وفي العمق للدفاع عن هذا المركز الهام. باتجاه الجنوب والشرق والغرب.
في مثل هذه المهمات توضع المصفحات توضع سرية المصفحات تحت تصرف قائد الهجوم ويكون آمر السرية تحت قيادته المباشرة. وآمر فوج المدرعات ليس له عمل في هذه الحالات.
ولكن رغبتُ في مراقبة هذا الهجوم مع سرية المصفحات الثانية ومن قاعدة الهجوم حيث الأرض مكشوفة على صفح تل حتى الهدف.
بعد إجتياز تل “أبو الريش” على طريق كعوش – منهايم روشبينا- صفد – وعلى مستوى خان يردا من جهة الجنوب بدأ تقدم المصفحات غرب المشاة إلى اليسار باتجاه الخان شمالاً وسرية المشاة إلى اليمين.
كنت أراقب الحركة من الطريق وبعدا تقدموا بتشكيلات القتال ورغم دفاع العدو فقد استعملوا النار والحركة حتى وصلوا قرب الخان وطالت وقفتهم. قررت أن ألحق بهم لأعلم سبب الوقوف. ذهبت بمصفحة القيادة لأجدهم واقفين بسبب النيران الغزيزة. وحتى في المصفحات يوجد إصابات!
كنا لا نرى من العدو إلا مصدر النيران. فهو متحصن جيداً في خنادقه ومعه صلاح مضاد للدرع أيضاً. كان دفاعه المتقدم قد انسحب وهو الآن في مركز الدفاع الرئيسي. مكان مرتفع قليلاً ويتحكم بالمشاة. ولا يمكنهم الحركة بسبب النيران الغزيزة المسلطة عليهم من أعلى. ونيران المشاة ليس لها تأثير على العدو، ولولا نيران المصفحات المؤثرة بسبب ارتفاعها كان الوضع أكثر صعوبة.
كنت بمصفحتي قريباً من المشاة. أتى الرئيس “البير كيلاجيان” آمر سرية المشاة المهاجمة وأعطاني برقية لإرسالها باللاسلكي إلى قيادة الفوج ومضى. وعند قراءتي البرقية وهذا نصفها: “نيران العدو أوقفت حركتنا. أمنوا لنا ذخيرة وماء وطعام” طلبت إليه العودة إليّ. كانت الساعة حوالي الثانية عشر. سألته عن مهمته؟ قال: مهمة الفوج احتلال الخان سريتي من الجنوب وسرية في الوسط من الشرق ومعها آمر الفوج وسرية من الشمال. سألته: ألم تتصل بآمر الفوج؟ قال : انقطع الاتصال معه منذ الصباح.
وسألته كم يفصلنا عن العدو؟ قال: في حدود خمسة عشر متراً. قلت له: إذا أرسلنا البرقية وعرف العدو بمضمونها، وحاجتك إلى الذخيرة والماء والطعام ماذا يكون موقفه؟ أجاب: مسؤوليتي نحو جنودي تجبرني إعلام القيادة عن وضعي الحقيقي.
تبين لي أني أقدمُ الضباط في هذا الموقع والمسؤول الأول عنه. سألته: كيف وضع جنودك ومعنوياتهم؟ أجاب: معنوياتهم جيدة. قلت: إذن .. حضرهم للهجوم والمصفحات تدعمك بالنار والحركة. وسأستلم القيادة باعتباري الأقدم، وعندما تكون جاهزاً أرفع يدك وانصرف..
أعطيتُ أمراً لثلاث مصفحات تتحرك إلى الأمام لتصل مقابل الجهة الغربية لمنع النجدات أولاً ثم الرمي على المنسحبين.
رفع الرئيس “البير” يده، وأعيتُ أمر الهجوم. وقف “وكيل” وقال: من يرغب الهجوم يجب أن يُهاجم بمصفحاته- سقط في مكانه قتيلاً برصاص العدو وسار الهجوم بينما المصفحات تصلي الموقع ناراً حامية وأخرى تطوق الخان وتساعد بنيرانها.
انسحب العدو من مواقعه إلى الخان ومنه اتجه غرباً في واد سحيق أخفاهم عن الأنظار.
وصلتُ باب الخان من جهة الغرب، نزلت من المصفحة. نادى آمر سرية المصفحات بصوتِ عال لينزل غيرك يستطلع الخان أولاً؟. ومعه حق بذلك.. وهكذا كان. وعندما نزلت حيث كنت عطشاناً وجدت “خابية وعليها .. طاسة مربوطة بسلسلسة” أردت أن أشرب ولكني تذكرت غدر العدو وخشيت أن تكون مسمومة ولم أشرب.
رأيت آمر سرية المشاة هنأته مع جنوده بنجاح الهجوم وطلبت إليه التمركز غربي الخان وأن يؤمن حمايته، وبعد ذلك يحصي الغنائم الموجودة. عدتُ إلى مركز قيادتي. أخبرنا قيادة اللواء لاسلكياً عن سقوط خان يردا، أتي إلي رقيب وقال: في الجهة الغربية أتت سيارة أطقلنا عليها النار. وقفت وهرب ركابها وتركوها. اسمح لنا أن نأتي بها.
قلتُ: لا مانع ولكن خذوا الاحتياطات لئلا تكون تحت النار أو أنها ملغومة؟ ذهبت دورية ومعها “خليل سروييان” وهو معلم إصلاح السيارات. وقد وجدوا كميوناً مصفحاً واقفاً بسبب انفجار أحد الإطارات الذي أصابه الرصاص. ركبوا إطار الاحتياط وأتوا بكميون مصفح يحمل /15/ فرشة صوف، احتفظتُ بواحدة ووزعت الباقي على المستحقين وسجلناها غنائم حرب.
عدتُ إلى الخان وجدت المقدم “سامي حناوي” قد وصل مع سرية. قلت له: استلم الخان وبوجودك انتهت مهمتي. قال: سيتم إخلاؤه بموجب أوامر قائد اللواء العقيد “أنور بنود”. وكان مع الفوج هاتف يسير معه. ذهبتُ إلى الهاتف وطلبت آمر اللواء وسألته: هل صحيح سنخلي الخان؟ قال: نعم. قلت: ماذا تقول للجنود الذين دفعوا الثمن من دمهم وأرواحهم قتلى وجرحى؟ قال: هذا أمر. رجوته أن يؤجل أمر الإخلاء حتى أصل إلى القيادة وأقابله. وطلبت منه رافعات فوج المدفعية إذ لا يوجد عندنا رافعات لسحب المصفحات المعطوبة والعاطلة عن العمل. أجاب: سأعطي الأمر فوراً لتكون الرافعات تحت تصرفك. وأنا بانتظارك.
ذهبت إلى قيادة اللواء. كلمتُ قائد اللواء قائلاً: ما دمتم ستخلون الخان لماذا أعطيتم الأمر باحتلاله. ودفعنا الثمن شهداء وجرحى! أجاب: لم نكن نعلم أنكم ستحتلوه؟ قلتُ: هو موقع ممتاز ومشرف. ومن المصلحة العامة الاحتفاظ به- قال:
إذا وصلت الجهة إليه يلزمنا فوج بالإضافة إلى ما عندنا. وهذا الفوج غير موجود إذا كان حضرتك تعطيني فوجاً حتى أحتفظ به! قلتُ: على كل حال يجب أن نسحب مصفحاتنا قبل إعطاء الأمر بالإخلاء.
كانت خسائر سرية المصفحات أربعة جرحى منهم الملازم “توفيق جمال” والرقيب “فارس عزام”. أما خسائر سرية المشاة فكانت ثمانية قتلى وخمسة عشر جريحاً، أما الغنائم فهي “أسلحة مختلفة – رشاشات- بنادق- قنابل يدوية- وذخيرة”. ومن الملفت للنظر أن ذخيرة الأسلحة الفردية كان تاريخ صنعها الفصل الثاني من عام 1948 أي أنها وصلت أثناء الهدنة!.
عدتُ إلى مكتب قيادة الفوج في كعوش لأجد البرقية التالية: برقية رقم /7/ 3 ب.ع
إلى قائد واحد اثنين وجسم وكفر وكسب..
يلغى مفعول الأمر الإداري رقم /13/ ع.ب بتاريخ 15/ 7/48:
يعود الرئيس “أبو عساف” حالاً لقيادته ويبقى المقدم “ماميش” معاوناً لآمر كسب.
“وألغي أمر النقل”
التوقيع
القائد العام
أي الأمر ذهبت بموجبه لأستلم قيادة الكتيبة بموجب برقية القائد العام.
عند بدء الظلام جرى انسحاب الفوج الرابع من خان يردا دون أن يشعر العدو. إذ بمجرد مغادرة الخان من جهة الشرق يبدأ النزول ولا يوجد مراقبة للعدو تشرف عليه.
وبحلول الساعة 21,00 التاسعة ليلاً بدأ قصف عنيف مدفعية وهاون ورشاش، استمر حتى منتصف الليل حيث شن العدو هجوماً قوياً وأعاد احتلال الخان ثانية.
اقرأ:
من مذكرات أمين أبو عساف (1): الثورة العربية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (2): بدايات الحكم الفرنسي في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (3): أسباب الثورة السورية الكبرى 1925
من مذكرات أمين أبو عساف (4): اشتراك حوران وعرب اللجاة في الثورة السورية الكبرى
من مذكرات أمين أبو عساف (5): متابعة دراستي وانتسابي إلى الصف الخاص
من مذكرات أمين أبو عساف (6): الدخول إلى الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (7): الدراسة في الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (8): التخرج من الكلية العسكرية وتعييني في الكوكبة الثالثة
من مذكرات أمين أبو عساف (9): نقلي إلى كتيبة شمال سورية الكوكبة /25/
من مذكرات أمين أبو عساف (10): إجراءات السفر إلى “سومير”
من مذكرات أمين أبو عساف (11): مدرسة سومير للفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف(12): زيارة باريس
من مذكرات أمين أبو عساف (13): إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا النازية
من مذكرات أمين أبو عساف(14) : نقلي إلى الكوكبة الثالثة مدرباً لطلاب الكلية العسكرية
من مذكرات أمين أبو عساف (15) : محاضرة عن الدروز في “جبل الدروز”
من مذكرات أمين أبو عساف (16): الحرب عام 1941 بين قوات فيشي وقوات فرنسا الحرة والجيش البريطاني
من مذكرات أمين أبو عساف (17): ذهاب الكتيبة إلى الحدود الفلسطينية
من مذكرات أمين أبو عساف (18): معركة فيق
من مذكرات أمين أبو عساف (19):الانسحاب من تل الفرس
من مذكرات أمين أبو عساف (20): العودة إلى حمص بالقطار من محطة القدم
من مذكرات أمين أبو عساف (21): إعادة تشكيل الرعيل واستلامي مهمات دفاعية على طريق تدمر ودمشق
من مذكرات أمين أبو عساف (22): تعييني أمراً لرعيل المدرعات الثاني عام 1941
من مذكرات أمين أبو عساف (23): عودة الرعيل إلى ثكنته في اللاذقية
من مذكرات أمين أبو عساف (24): نقلي معاوناً لقائد الفرسان والمدرعات
من مذكرات أمين أبو عساف (25): نقلي إلى الكتيبة الخفيفة للمنطقة الشمالية آمراً للتشكيلات الآلية
من مذكرات أمين أبو عساف (26): تشكيل أول كوكبة آلية وتعيين قائداً لها عام 1942
من مذكرات أمين أبو عساف (27): نقلي إلى الكتيبة الدرزية
من مذكرات أمين أبو عساف (28): تعييني معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (29): إبعاد الضباط النظاميين إلى بيروت
من مذكرات أمين أبو عساف (30): عودتي معاوناً لآمر المجتمع الرابع
من مذكرات أمين أبو عساف (31): استلامي قيادة الكوكبة الخفيفة الرابعة
من مذكرات أمين أبو عساف (32): وضع المفرزة
من مذكرات أمين أبو عساف (33): الانسحاب عن الفرنسيين
من مذكرات أمين أبو عساف (34): كيف سارت الأمور في دمشق والسويداء عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (35): تشكيل مديرية العشائر وقيادة قوى البادية عام 1945م
من مذكرات أمين أبو عساف (36): خلاف البدو والحضر في تدمر ودور البريطانيين
من مذكرات أمين أبو عساف (37): وصول “راكان بن مرشد” وتحريض العسكريين
من مذكرات أمين أبو عساف (38): كتاب إلى آمر قوى البادية عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (39): تشكيل فوج البادية بتدمر عام 1945
من مذكرات أمين أبو عساف (40): العيد الوطني لاستقلال سورية عام 1946
من مذكرات أمين أبو عساف (41): نقلي إلى كتيبة الفرسان الأولى في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (42): مقابلة “سلطان باشا الأطرش”
من مذكرات أمين أبو عساف (43): عودة “حمد الأطرش” آمر لكتيبة الفرسان في السويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (44): تعييني قائداً لمنطقة جبل العرب عام 1947
من مذكرات أمين أبو عساف (45): تعيين “عارف بك النكدي” محافظاً للسويداء
من مذكرات أمين أبو عساف (46): أوضاع الضباط السوريين في قوات المشرق الخاصة
من مذكرات أمين أبو عساف (47): حشد الجيش على حدود فلسطين
من مذكرات أمين أبو عساف (48): تعيين حسني الزعيم رئيساً للأركان
من مذكرات أمين أبو عساف (49): فوج المدرعات الثاني وتعيني آمراً له
من مذكرات أمين أبو عساف (50): معركة كعوش
من مذكرات أمين أبو عساف (51): نقلي من فوج المدرعات إلى الكتيبة الأولى