مقالات
د.عادل عبد السلام (لاش): إنشاء المكتبة العامة والنادي الرياضي في مرج السلطان
د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
قرية تعد 350 نسمة تضم مكتبة عامة 1955 سنة ونادياً رياضياً سنة 1957
أخذ علي أحدهم بقوله (دوختنا بحديثك عن مرج السلطان…ايه ما صفي غيرها ضيعة شركسية؟؟؟) فلم أجبه ولن إجيبه إلا بما لايعرفه عنها، فالمرء عدو ما يجهل…فلعل جهله يعذرني…. وحبذا لو يقوم المؤهلون من الأخوة والأخوات بالكتابة عن قراهم ما يوثق لها مسيرتها. كما فعل البعض ممن كتب عن خناصرومرج السلطان وعين زات، والسلمنية / العدنانية والبريقة وغيرها.
سبق لي أن وثقت ما يتعلق بقريتي مرج السلطان في أطروحة تخرجي من الجامعة السورية سنة 1955، وكتبت العديد من المقالات عنها وعن رجالاتها وأحداثها على صفحات التواصل… وما زال في جعبتي الكثير لأقصه وأرويه عنها وعن أهلي الطيبين فيها، نشراً وتوثيقاً لهذه القرية التي تقاسم أهلها مصاب تهجير بني جلدتهم للمرة الثالثة (1-1864 من أديغييا، و 2-1878 من البلقان إلى سورية الطبيعية) حين أصبحت منذ عام 1970 موطناً لنازحي القرى الشركسية في الجولان المحتل سنة 1967م.
لن أتحدث عن ماضي قريتي الذي يطيب لي التغني به وبكرم أهلها وتمسكهم بما جبلوا عليه من أخلاق وعادات وتقاليد شركسية متوارثة …بل أركز في إجابتي اليوم على ظاهرتين حضاريتين ثقافيتين، كانت مرج السلطان رائدة وسباقة في تبنيهما والتأسيس لهما في منطقة المرج والغوطة الشرقية… وذلك على الرغم من الكتلة السكانية والاقتصادية المتواضعة لقرية لايزيد عدد سكانها عن 350 نسمة. وأعني بهما افتتاح مكتبة عامة….نعم مكتبة عامة يرتادها من يشاء في أوقات دوامها، وإنشاء ناد رياضي تحت أسم (نادي المرج الرياضي).
وفي هذا السياق … أذكر أن المكتبات العامة كانت معروفة في المدن الكبرى وفي بعض المدن السورية الصغرى (ولاأنسى في ذلك مكتبات الأديرة والمؤسسات الدينية الإسلامية وغيرها)، بل وفي بعض المدارس والمنشآت الثقافية…الممولة من جهات رسمية يرتادها العاملون في تلك المؤسسات والمنشآت…… أما أن نجد مكتبة عامة يرتادها من شاء، في تجمع سكاني ريفي صغير لامورد خارجي له ويعيش أهله بالاكتفاء الذاتي وعدد سكانه يعادل عدد سكان حارة من حارات مدينة صغيرة… فهذا أمر غير مألوف في مجتمعاتنا.
وقل الشئ نفسه بالنسبة للأندية أو الفرق الرياضية الأوسع انتشاراً في سورية منذ بدايات القرن الماضي أو قبله. والأهم من هذ وذاك أن إنشاء المكتبة والنادي في مرج السلطان تم بجهود فردية وبعمل جماعي شعبي محلي تطوعي، دون أية معونة خارجية. كما في أن أغلب القرى الشركسية التي كانت سباقة في تشكيل فرق لكرة القدم.
بدأت فكرة انشاء مكتبة عامة في مرج السلطان تراود مخيلة المرحوم يوسف صلاح الدين (بيك: إذ كان يصرعلى مناداته به) تاموخ بعد بنائه منزله فيها وازدياد تردده عليها في أوقات فراغه من عمله في القضاء في دمشق. وكنت بين أوائل العارفين بالفكرة لطبيعة ارتباطي به حين كنت مكلفاً بكتابة محاضر جلسات الجمعية الخيرية الشركسية أيام رئاسته لها.
وحين كنت أرتاد مكتبته التي كانت من أغنى المكتبات الشركسية والحقوقية في المنطقة (نقل ما يتعلق منها بالشركس إلى أمريكا)، وصدف أن حدثني أكثر من مرة عن حلمه بإنشاء مكتبة في القرية فرحبت بها أشد الترحيب وأنا يومئذ طالب في الجامعة. إذ كان من اهتماماته تنشئة جيل عامل ومتعلم في القرية، حتى أنه كان يحرص على تشغيل فتية مرج السلطان لينمي فيهم حب العمل، فيبتكر لهم أعمال حفر وهمية، ونقل أتربه من مكان، وغربلتها، وبعد فترة يكلفهم إعادتها إلى مكانها مقابل أجور عادية من ماله. حتى عام 1955 حين تكللت اتصالاته برجالات القرية بالنجاح وبترحيبهم بإنشاء مكتبة عامة، يرتادها من شاء في أوقات فتح أبوابها، والأصح بابها الوحيد. وذلك على الرغم من عدم رضا بعض صغار النفوس، من الحاسدين الذي لا يعدمهم المتفوقون في حياتنا.
وقع اختيار مكان المكتبة على مبني طيني قديم يقع في الصدر الغربي لساحة القرية، له نافذتان وباب واحد وسقف طيني. كان في الأصل الدكان الوحيدة في القرية سنة 1884، هُجر وأعيد تأهيله كدكان ومستودع للحبوب أكثر من مرة، وافق أصحابه على تحويله إلى مكتبة.
وقام شبان القرية ورجاله بترميمه وطلي سقفه بما يمنع تسرب مياه الأمطار على ندرتها، كما طليت جدرانه الخارجية والداخلية بالطين ثم زودت بالرفوف، وصفت أرضها بالمقاعد المدرسية المنسقة من المدرسة القديمة بعد تصليح المتضرر منها… كل ذلك تطوعاً ومجاناً (شئه حاف).
أما الكتب والمجلات والمطبوعات فكان أغلبها من محتويات مكتبة الأستاذ تاموخ نفسه إضافة إلى ما قدمه له المعارف والأصدقاء. وكنت كثيرأ ما أساعده أيام آخر الأسبوع. وكنت سعيدا بتقديم أول إنجاز علمي لي (المرج في حوضة دمشق وقرية مرج السلطان الشركسية) كأطروحة تخرج من الجامعة السورية سنة 1955 ليحتل مكانة في مكتبة القرية، كما كنت اتصيد لها الكتب والمطبوعات المستعملة والرخيصة الثمن من باعتها على الأرصفة بين الجامعة والحلبوني بدمشق…
وكان الأستاذ تاموخ يعمل رحمه الله إضافة إلى عمله بدمشق قيماً على المكتبة يستقبل القراء ويوجيههم و يسجيل إعارة الكتب وإعادتها، وكنا كثيراً ما نحل محله حين غيابه. لذا كان يوما الخميس والجمعة من أنشط أيام الأسبوع في ارتياد المكتبة. وكان أغلب الرواد من طلبة الجامعة والثانويات بدمشق ومن كلا الجنسين إضافة إلى نسبة عالية من الرجال وكبار السن من أبناء القرية.
غادرت سنة 1960 إلى برلين طلباً للعلم، وكانت المكتبة في أوج نشاطها، وحين عدت سنة 1965 كان المرحوم صلاح الدين بيك قد هاجر سنة 1964 وزوجته مريم تسي إلى الولايات المتحدة….فعاشت المكتبة فترة احتضار انتهت بإغلاقها وتوزعت محتوياتها من الكتب وغيرها على من شاء من أبناء القرية. فتحولت هذه المبادرة الى ذكرى تاريخية متواضعة نفتخر بها، ويلفنا الأسى والحزن على مصيرها. ليصبح مقرها في نهاية الأمر ملحقاً بالجمعية الخيرية الشركسية. ومقرا لتعليم اللغات الأجنبية والشركسية فيها. واليوم لم ينج بناء المكتبة ومكان تعليم اللغات من ويلات الحرب، فلا يرى المرء من بقاياها سوى أنقاضها.
تزامن إنشاء المكتبة مع فورة تشكل فرق كرة القدم في قرى الجولان الشركسية وفي غيرها، وكان فتية مرج السلطان يمارسون هذه اللعبة بشكل غير نظامي….فرأيت وبعد استشارة الأستاذ صلاح الدين و تحماتات القرية حول إنشاء ناد يجمع النشاطات الرياضية في القرية. فأبدى الجميع ترحيباً حاراً دعاني للاجتماع بشباب القرية وطرح الفكرة…التي تحمسوا بدورهم لها. فبدأت الإجراءات القانونية بتقديم طلب موقع من العدد المطلوب لإنشاء النادي للجهات الرسمية باسم (نادي مرج السلطان الرياضي)، لكن اقتراح تغيير الاسم الى (نادي المرج الرياضي) الأشمل حظي بقبول أكبر، لتغطية نشاطه منطقة المرج كلها. فوُفقت بتأسيس (نادي المرج الرياضي) في قريتي بشكل رسمي في سنة 1956. وما زال قائماً، على الرغم مما حل بالقرية من دمار وتخريب وتعفيش وسلب وتهجير وقتل.
وكانت باكورة نشاط النادي وفريقه لكرة القدم، القيام بجولة بل بمهرجان مباريات مع فرق عدد من القرى الشركسية في ربيع سنة 1959. كانت أولاها مع فريق السلمنية/ الصرمان/ العدنانية بنتيجة 1-1، ثم فريق الخشنية بنتيجة 1-0 لصالح المرجيين، وفريق عين زيوان بنتيجة 0-1 لصالح عين زيوان. وكلي أمل أن يستعيد نا دينا نشاطاته بعد بوادر الخير بعودة العديد من الأسر إلى القرية، وترميم ما يمكن ترميمه، وعودة الحياة إليها منذ صيف2018 .
1- ترميم مبنى المكتبة وتحضيره للافتتاح 1955. الثاني من اليمين مؤسسها اللأستاذ صلاح الدين تاموخ ثم مصطفى خوناكو وشباب الفزعة (شئه حاف).
2- لفيف من رواد المكتبة 1956
3-أنقاض المكتبة المسواة بالأرض.2018 (تصوير فيصل أبزاخ)
4- فريق كرة القدم لنادي المرج الرياضي مع رئيسه عادل عبدالسلام لاش في الجولان 1959
عادل عبدالسلام لاش
دمشق : 13 – 9 – 2019
انظر:
د.عادل عبد السلام (لاش): الرماية عند الشركس
د.عادل عبد السلام (لاش): الشيخ الأزهري محمد ( أفندي ) -بيرم- ابراهيم صـﮔاص، الشهير بالساعاتي
د.عادل عبد السلام (لاش): إلى جبل الشيخ في صيف 1953
د.عادل عبدالسلام (لاش): مصطلح (ساكن) في دفتر نفوس مرج السلطان
د.عادل عبدالسلام (لاش): نكبة 1967 وأمانة جمارك بانياس الجولان
د.عادل عبدالسلام (لاش): من مذكرات طالب شركسي في جامعة برلين
د.عادل عبدالسلام (لاش): رفع العلم الشركسي مع العلم السوري في سورية
د.عادل عبدالسلام (لاش): شارع جواد أنزور أم جبران خليل جبران؟
د.عادل عبدالسلام (لاش): أحمد حسن الخطيب رئيس الجمهورية العربية السورية وصداقة 38 سنة
د.عادل عبدالسلام (لاش): في ذكرى استقالة أقدم أستاذ جامعي
د.عادل عبدالسلام (لاش): رقصة الخنجر (القاما) والأمير أحمد شوقي
د.عادل عبدالسلام (لاش): لعبة الـ: ( تشِن) الشتوية
د.عادل عبدالسلام (لاش): من أحداث نزوح شركس الجولان
د.عادل عبدالسلام (لاش): الألقاب عند الشركس
د.عادل عبدالسلام (لاش): ولادة الجمعية الجغرافية السورية
د.عادل عبدالسلام (لاش): ورقة من سيرتي الذاتية في الجولان
د.عادل عبدالسلام (لاش): لعبة الصمت عند الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): هاجس مزمن .. وواقع معاش
د. عادل عبدالسلام (لاش): مع عمر بهاء الدين الأميري .. الشاعر الإنسان
د. عادل عبدالسلام (لاش): خروج فرنسا من القنيطرة ووالدي يرفع العلم السوري
د. عادل عبدالسلام (لاش): السفر برلك .. سنوات المجاعة والهلاك
د. عادل عبدالسلام (لاش): كوشباي أسعد .. مجاجة الأسطورة
د. عادل عبدالسلام (لاش): صفحة وطنية مشرفة للقائد الشركسي ناظم بيك سنجر
د. عادل عبدالسلام (لاش): أحكام إعدام فرنسية لجنود شراكسة في سورية 1945
د. عادل عبدالسلام (لاش): معسكر جغرافي في الجزيرة العليا – شمال شرقي سورية 1981
د. عادل عبدالسلام (لاش): المواقيت والأزمنة عند الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): العرس الأديغي (الشركسي) التقليدي في سورية
د. عادل عبد السلام (لاش) : تهجير الشركس إلى سورية وتوطينهم في شريط الليمس الشركسي
د. عادل عبد السلام: من جعبة الذاكرة.. المظاهرات الطلابية السورية
د. عادل عبد السلام: ظاهرة لغوية اجتماعية أديغية (شركسية)
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بدايات كرة القدم في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام : آداب الطعام و قواعد المائدة الشركسية
د. عادل عبد السلام : الحاتيون أسلاف الشركس
د. عادل عبد السلام : حول الأمير الأديغي ينال الكبير، والسلطان الأديغي (الجركسي) الأشرف ينال العلائي
د. عادل عبد السلام (لاش) : على هامش أحداث الجزائر
د. عادل عبد السلام : أول مسجد في مرج السلطان
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بين الجامعة والكلية الحربية وقاسم الخليل
د. عادل عبدالسلام (لاش) :مرج السلطان وعيد الأضحى
د. عادل عبدالسلام (لاش): في ذكرى إبادة الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): نزوح الشراكسة من الجولان في صيف 1967
د. عادل عبدالسلام (لاش): رحلة مجانية أحن إلى مثلها
د. عادل عبد السلام (لاش) : يوم الحداد الشركسي
د. عادل عبد السلام (لاش) : رحلة شتوية إلى جبال صلنفة
د. عادل عبد السلام (لاش) – مسيرة تربوية تعليمية.. زرعنا فحصدنا
عادل عبد السلام (لاش): حكمت شريف حلمي شاشأه في ذكرى رحيله
د. عادل عبد السلام (لاش): غياض الحَور في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام (لاش): اللواء محمد سعيد برتار رجل المهمات الصعبة والملمات الإنسانية
د. عادل عبد السلام (لاش): الضائقة المالية وقرار طردي من معهد غوتة
د. عادل عبد السلام (لاش) – حسن يلبرد
د. عادل عبدالسلام (لاش) : شكري القوتلي في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام لاش- مراحل رسم الحدود السياسية لسورية منذ زوال الإمبراطورية العثمانية
د. عادل عبد السلام (لاش) : من رجالات الشركس .. الفريق الركن أنور باشا أبزاخ
د. عادل عبد السلام (لاش) : صورة….. واعتقال