د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
كانت مقررات السنة الثالثة في قسم الجغرافيا في كلية الآداب في الجامعة السورية، مكرسة للعلوم الجغرافية الطبيعية، وعلى رأسها مقرر علم أشكال الأرض (الجيومورفولوجيا)، الذي استهواني ورسم معالم مستقبلي العلمي حتى يوم استقالتي من الجامعة في شباط 2019. ولما كان أساتذتنا رحمهم الله خريجي المدرسة الجغرافية الفرنسية فإن معارفنا الجغرافية عن فرنسا كانت طاغية حتى على معارفنا عن سورية، لاسيما وأننا كنا نفتقر إلى المراجع والكتب العربية. وبشكل خاص عن جغرافية وجيومورفولجية بلدنا. وأمام هذا الوضع حاول بعض الأساتذة تعويض هذا الخلل بتنظيم رحلات يومية إلى جهات مختلفة، لكنها كانت في أغلب الحالات ذات صبغة اطلاعية سياحية نظرية، دون قياسات أو تعامل بحثي مع الظواهر الطبيعية عملياً. كا لم تفلح بعض المحاولات لإقامة معسكر جغرافي ميداني لعدم توفر مقوماته وبشكل خاص عدم وجود مخصصات مالية لمثل معسكر كهذا…حتى أننا كنا نمول رحلاتنا اليومية من ميزانيات الطلاب المشاركين لي. لذا لم تُجد رغبة طلبة في هذه السنة بتنظيم رحلة إلى جبل الشيخ أذنا صاغية…فقررت مع زميلين القيام بها ولمدة يومين، لكنهما عدلا عن ذلك في اللحظات الأخيرة ، الأمر الذي جعلني أقوم بهذه الرحلة بمفردي مع أحد أبناء قرية بيت جن (أبو أحمد) الذي رافقني بتوصية من مختار قطنا أبو اسماعيل المقطرن.
يعرف جبل الشيخ أو (حرمون) بـ (جبل الثلج) في المصادر التراثية (ر. ياقوت). وهو كتلة جبلية جليلة تظهر على شكل جدار ضخم في أقصى جنوب غربي سورية، ويشكل تتمة سلسلة جبال لبنان الشرقية ونهايتها الجنوبية الشرقية. ويمتد من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي بزاوية تنحرف عن الشمال الجغرافي مقدار (38) درجة. وهو كتلة جبلية مقببة عالية تتجاوز قممها (2200 م) على العموم. لكن القبة غير كاملة، بل تشوهها حفرة ، تشبه حدوة الفرس المفتوحة في الشمال الشرقي، هي حوضة عرنة الواقعة على ارتفاع (1400- 1500 م)، بينما يرتفع الجبل في أعلى قمة في سورية إلى (2814م). وإلى الشمال الشرقي من حوضة عرنة، تظهر حفرة صغيرة مغلقة، هي منخفض المرج المستوي وذو الارتفاع البالغ (1560م) فوق مستوى سطح البحر.
قمت بعد هذه الرحلة إلى الجبل بعدة رحلات وزيارات ومنطلقاً من حوضة عرنة، أهمها زيارتي الميدانية سنة 1962، والتي تحققت من نتائجها من صحة الراي القائل بتعرض الجبل لفترة ساد فيها العمل الجليدي، حتاً وتعرية، ونقلاً، وترسيباً في الحقب الرباعي.
سفوح كتلة جبل الشيخ متناظرة الانحدارات نسبياً على صفحتي الجبل، إذا أهملنا وجود حوضة عرنة. ومع ذلك فإن السفوح الجنوبية الشرقية المتجهة نحوحوران، تكون في العديد من الأماكن أشد انحداراً من السفوح المقابلة باتجاه لبنان. لكن الملاحظ أن سفوح الجبل خالية تقريباً من انقطاعات الميل. فالانحدارات فيه مستمرة مهما اشتدت، ولا يؤثر فيها ظهور بعض الجروف القليلة الأهمية والعدد، كتلك التي تشاهد قرب بلدة عرنة، وعلى جانبي بعض أقسام الأودية والأنهار كنهر بيت جن (الجناني) ونهر بحيران، وخاصة في خانقه. وباستثناء هذين النهرين اللذين يشكلان المجاري العليا لنهر الأعوج، لا نجد أودية هامة في جبل الشيخ، إذ جلها مؤلف من شعاب سيلية تتفق في اتجاهها مع الانحدارات الطبوغرافية، وعلى العموم فإن اتجاه الشعاب والسيول متعامد مع محور الجبل في الأقسام الشمالية والوسطى وحتى في أجزاء من أقسام الجبل الجنوبية، باستثناء نهاية الجبل الجنوبية، حيث تتجه خطوط الأودية والسيول نحو الجنوب الغربي لتنتهي في شمالي سهل الحولة، وأهمها وادي العسل المساير لمحور الجبل الرئيسي.
وأخيراً نلاحظ في أعلى ذرى وقمم جبل الشيخ وجود حفرصغيرة منتهية بشعاب قصيرة قليلة العمق، لها شكل ملاعق تقع فوق ارتفاع (2100- 2200 م) تقريباً، وتنتشر مطلة على حوضة عرنة. وهي أشكال لها علاقة بالمناخات السابقة. وتعد من الشواهد الموروثة على انتشار جليديات جبلية في شرقي البحر المتوسط، والتي تعد من المشكلات العلمية الجدلية. إذ مازالت مسألة وجود جليديات صغيرة المساحة، ومحدودة الانتشار في الجبال السورية، في فترة االزمن الرابع الأعلى و ما قبلها، بين أخذ ورد بين الباحثين الذين عملوا في سورية واهتموا بهذه المشكلة. فمن المؤيدين لوجودها وتكوينها تضاريس خاصة بالجليديات الرباعية نجد بورتون وتيرويت- دريك (1873)، وفراس (1878)، ودينر (1886)، وذلك في دراساتهم لجبال لبنان الغربية العالية و لبنان الشرقية (منطقة بلودان). ومن الباحثين الحديثين المؤيدين نجد ك. كايزر (1961- 1965)، و ي، هوفرمان، وميسرلي (1966-1976)، وعبد السلام (1966). ومن المعارضين لهذا الرأي فندلين كلير (1957- 1960) بشكل خاص. ويتخذ دوفوماس موقفاً متحفظاً،. ومهما يكن من أمر، فإن الجليديات وإن وجدت لا يمكن لها أن تكون قد انتشرت على مساحات واسعة كما يرى كايزر (كتلة جبل الشيخ وكامل حوضة عرنة كانت مغطاة بالجليديات في الفورم). كما لا يمكن لها أن تكون اقتصرت على جليديتين صغيرتين جداً في قمة جبل الشيخ كما يرى ميسرلي (1966). وعلى مساحات متوسطة بين تقديرات كايزر وميسرلي، وحسب عبد السلام. وترتبط هذه الآراء بوضع حدود للثلج الدائم في الفورم في الحقب الرابع (البلايستوسين) ، فإذا استعرضنا هذا الحد لدى المهتمين وجدنا الجدول التالي :
1 – كايزر: 2100- 2250م / 2 – عبد السلام : 2350 م / 3 – ميسرلي: 2700 م/
4 – لوي : 2300 م- 2600 م / 5- بوتزر: 2800 م
وفي بعض الآراء تطرف حسب اعتقادنا، لأن المظاهر التضريسية الموروثة عن أشكال سابقة في أعالى جبل الشيخ، والظاهرة على شكل حلبات صغيرة من النوع الملعقي، تقع مخارجها على ارتفاع يحوم حول (2400- 2450 م).
ومع ذلك فإن القول أنحوضة عرنة أنها نتاج أعمال بنائية، فإن شكلها التضريسي الشبيه بحدوة الفرس (الصورة الجوية المرفقة) يدفع لتفسيرها بشكل موروث عن إسهام عمل جليدي أقدم من الجليديات المعلقية المذكورة…لكن التحقق من صحة التفسير هذا يتطلب أبحاثا جيومورفولجية ومناخية قديمة . لعل الظروف تسمح للجيومورفولوجيين بدراستها في قادم الزمن.
1-جبل الشيخ عند الغسق، كما يُرى من مرج السلطان
2- أثنا صعودي إلى قمة الجبل سنة 1953
3 – صورة جوية للجبل وحوضة عرنة (شبه الحدوة)
انظر:
د.عادل عبدالسلام (لاش): مصطلح (ساكن) في دفتر نفوس مرج السلطان
د.عادل عبدالسلام (لاش): نكبة 1967 وأمانة جمارك بانياس الجولان
د.عادل عبدالسلام (لاش): من مذكرات طالب شركسي في جامعة برلين
د.عادل عبدالسلام (لاش): رفع العلم الشركسي مع العلم السوري في سورية
د.عادل عبدالسلام (لاش): شارع جواد أنزور أم جبران خليل جبران؟
د.عادل عبدالسلام (لاش): أحمد حسن الخطيب رئيس الجمهورية العربية السورية وصداقة 38 سنة
د.عادل عبدالسلام (لاش): في ذكرى استقالة أقدم أستاذ جامعي
د.عادل عبدالسلام (لاش): رقصة الخنجر (القاما) والأمير أحمد شوقي
د.عادل عبدالسلام (لاش): لعبة الـ: ( تشِن) الشتوية
د.عادل عبدالسلام (لاش): من أحداث نزوح شركس الجولان
د.عادل عبدالسلام (لاش): الألقاب عند الشركس
د.عادل عبدالسلام (لاش): ولادة الجمعية الجغرافية السورية
د.عادل عبدالسلام (لاش): ورقة من سيرتي الذاتية في الجولان
د.عادل عبدالسلام (لاش): لعبة الصمت عند الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): هاجس مزمن .. وواقع معاش
د. عادل عبدالسلام (لاش): مع عمر بهاء الدين الأميري .. الشاعر الإنسان
د. عادل عبدالسلام (لاش): خروج فرنسا من القنيطرة ووالدي يرفع العلم السوري
د. عادل عبدالسلام (لاش): السفر برلك .. سنوات المجاعة والهلاك
د. عادل عبدالسلام (لاش): كوشباي أسعد .. مجاجة الأسطورة
د. عادل عبدالسلام (لاش): صفحة وطنية مشرفة للقائد الشركسي ناظم بيك سنجر
د. عادل عبدالسلام (لاش): أحكام إعدام فرنسية لجنود شراكسة في سورية 1945
د. عادل عبدالسلام (لاش): معسكر جغرافي في الجزيرة العليا – شمال شرقي سورية 1981
د. عادل عبدالسلام (لاش): المواقيت والأزمنة عند الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): العرس الأديغي (الشركسي) التقليدي في سورية
د. عادل عبد السلام (لاش) : تهجير الشركس إلى سورية وتوطينهم في شريط الليمس الشركسي
د. عادل عبد السلام: من جعبة الذاكرة.. المظاهرات الطلابية السورية
د. عادل عبد السلام: ظاهرة لغوية اجتماعية أديغية (شركسية)
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بدايات كرة القدم في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام : آداب الطعام و قواعد المائدة الشركسية
د. عادل عبد السلام : الحاتيون أسلاف الشركس
د. عادل عبد السلام : حول الأمير الأديغي ينال الكبير، والسلطان الأديغي (الجركسي) الأشرف ينال العلائي
د. عادل عبد السلام (لاش) : على هامش أحداث الجزائر
د. عادل عبد السلام : أول مسجد في مرج السلطان
د. عادل عبدالسلام (لاش) : بين الجامعة والكلية الحربية وقاسم الخليل
د. عادل عبدالسلام (لاش) :مرج السلطان وعيد الأضحى
د. عادل عبدالسلام (لاش): في ذكرى إبادة الشركس
د. عادل عبدالسلام (لاش): نزوح الشراكسة من الجولان في صيف 1967
د. عادل عبدالسلام (لاش): رحلة مجانية أحن إلى مثلها
د. عادل عبد السلام (لاش) : يوم الحداد الشركسي
د. عادل عبد السلام (لاش) : رحلة شتوية إلى جبال صلنفة
د. عادل عبد السلام (لاش) – مسيرة تربوية تعليمية.. زرعنا فحصدنا
عادل عبد السلام (لاش): حكمت شريف حلمي شاشأه في ذكرى رحيله
د. عادل عبد السلام (لاش): غياض الحَور في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام (لاش): اللواء محمد سعيد برتار رجل المهمات الصعبة والملمات الإنسانية
د. عادل عبد السلام (لاش): الضائقة المالية وقرار طردي من معهد غوتة
د. عادل عبد السلام (لاش) – حسن يلبرد
د. عادل عبدالسلام (لاش) : شكري القوتلي في مرج السلطان
د. عادل عبد السلام لاش- مراحل رسم الحدود السياسية لسورية منذ زوال الإمبراطورية العثمانية
د. عادل عبد السلام (لاش) : من رجالات الشركس .. الفريق الركن أنور باشا أبزاخ
د. عادل عبد السلام (لاش) : صورة….. واعتقال
