You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

نورالدين عقيل: مغارة “فتنه” في وادي قرينا في يبرود

نورالدين عقيل – التاريخ السوري المعاصر

جبال يبرود غنية بعدد من الكهوف والمغاور ، منها مغاور وكهوف طبيعية ومنها ما تم حفرها بيد الانسان في صخور هذه الجبال الصلبة وذلك منذ عصور قديمة وغالبا منذ العصرين اليوناني والروماني ، وقد عرفت إحدى هذه المغاور والتي تقع في اسفل الجرف الصخري الشمالي – الغربي لوادي قرينا، والتي تعلو منحدر مرتفع عن الطريق الذي يمر في اسفل المنحدر ويدعى طريق العريض بحوالي 100 متر تقريبا، هذه المغارة معروفه للأهالي بأسم (مغارة فتنه)، وهي عبارة عن كهف طبيعي متوسط الحجم سقفه مرتفع بحوالي ستة امتار، وعلى ارتفاع حوالي اربعة متر من ارض الكهف تقريبا نقرت بأيدي البشر منذ عهد طويل نافذة مربعة اضلاعها حوالي النصف متر تقريبا تطل على المنطقة وتشرف على كامل الوادي تقريبا ، ويمكن الصعود اليها ، وبجوار المغارة وعلى المنحدر اسفل منها بحوالي عشرة متر تتربع صخرة ضخمة غريبه إذ انها مجوفة تحوي كهفا طوله حوالي عشرة أمتار بعرض اربعة الى خمسة امتار تقريبا وكأنها صالون كبير تتسع لحوالي خمسين شخصا او اكثر ، يدخل اليها من باب متوسط الارتفاع ، هذه المغارة باردة صيفا دافئة شتاء ، وقد جرى الاعتداء عليها من قبل أحد مربي المواشي وقد جعل منها زريبة لمواشيه .

ترى ما سبب هذه التسمية (مغارة فتنه)؟

لهذه المغارة قصة سمعتها منذ وقت طويل من عدة رجال كبار في السن توفوا جميعا الى رحمة الله ، وقد تباينت الروايات في التفاصيل واختلفت قليلا بعض الشيء في الاحداث ، ولكن اغلب هذه الروايات تجمع على مايلي :

أنه اثناء الحرب العالمية الاولى الذي تسميها العامة بحرب التجمع او حرب الترعة فرضت الدولة العثمانية التجنيد الاجباري على كل من كان قادرا على حمل السلاح من العرب وجمعت الشبان العرب في معسكرات للتدريب ثم ارسلت بعضهم الى جبهات القتال في القوقاز و البلقان و اليمن ، والاغلبية منهم ساقتهم الى حرب ترعة السويس في مصر ، وكانت ظروف هؤلاء المجندين سيئة للغاية نتيجة المعاملة السيئة والمتعالية من قبل الضباط والقادة الأتراك ونقص الغذاء والاسفار البعيدة سيرا على الاقدام الى جبهات القتال ، هذه الظروف الصعبة والقاسية جعلت الكثيرين من هؤلاء الجنود يقومون بالفرار واللجوء الى اماكن بعيدة عن أعين السلطة العثمانية وخاصة في المناطق الجبلية المنعزلة ، وكان نصيب جبال يبرود ثلاثة منهم اثنان من اهالي يبرود يلقب الاول (داحول) والآخر (العبدة) وثالثهم والذي يترأسهم من قرية عكوبر في منطقة القلمون الاوسط ويلقب ب( فتنه ) وهو الذي تسمت المغارة باسمه فيما بعد ولاتزال حتى الآن .

هؤلاء الفرارية الثلاثة الذين جمعتهم الظروف التعيسة الواحده، شكلوا عصابة تعيش في مغاور الجبال بعيدة عن اعين السلطة وجواسيسها في ذلك الحين، ولم يجدوا عملا إلا التشليح والسطو على المارة والمسافرين لتأمين لقمة عيشهم ، وقد عرف عن هؤلاء الثلاثة القوة والشدة والجرأة وخاصة زعيمهم المسمى (فتنه) .

وقد أجمع رواة قصتهم على أنهم كانوا لا يمدون يد الأذى للفقراء من الفلاحين أو غيرهم من أبناء المنطقة .

امتد نشاطهم في قطع الطرق والتشليح من طلوع الثنايا الى جبال يبرود الغنية بالكهوف والمغاور، وأثناء فصول البرد كانوا يلجؤون إلى هذه المغارة المرتفعة والمطلة على مساحة واسعة خوفاً من غادر يغدر بهم، واستمر هؤلاء في الإختباء والتخفي عن أعين السلطة حتى بعد انسحاب الاتراك وحلول الانتداب الفرنسي في البلاد لأنهم انضموا الى الثوار ضد فرنسا وكانوا ملاحقين ومطلوبين من قبل السلطة الفرنسية بتهمة العصيان وقطع الطرق حسب فرنسا وعملاء فرنسا آنذاك وخاضوا معارك الى جانب الثوار، وكعادتهم لم يمدوا يد الأذى لاحداً من ابناء المنطقة ابدا، ولكنهم فرضوا الهلع والرعب لدى الأهالي بسبب سمعتهم كمشلحين وعصابة قاطعي طرق وفرارية.

في تلك الايام قرر بعض وجهاء البلدة الذين كانوا على صلة بالفرنسيين ان يقضوا على هذه العصبة فسلحوا بعض اعوانهم بالاسلحة النارية وانتظروا الفرصة المناسبة التي حانت عندما وصل الخبر في إحدى الليالي ان هذه العصبة تبيت في المغارة فتم تطويق المنطقة ومحاصرة العصابة في المغارة، ثم طلبوا من فتنه وصحبه تسليم انفسهم، عندها صعد فتنه الى النافذة المحفورة في اعلى المغارة والمشرفة على المكان واخذ يطلق النار من بندقيته لإبعاد المهاجمين وتخويفهم وابعادهم عن المكان حتى يتمكن ورفاقه من الفرار، ولكنه لم يصب أحد بأذى رغم انه كان قناصاً بارعاً، وبقي داحول والعبدة داخل المغارة.

هنا بادر المهاجمون بإطلاق بنادقهم باتجاهه واتجاه رفاقه الذي أخذوا يطلقون النار من بنادقهم للتخويف وغايتهم عدم أذية احد من المهاجمين ولو كان غير ذلك لقتل العديد من المهاجمين، بعدها أصيب فتنه بطلق ناري من شخص تسلل الى اسفل الجرف الصخري بشكل غير مكشوف عن أنظار فتنه مما أدى الى مقتله، بعدها هاجمت المجموعة المغارة مطلقة نيران بنادقهم مما أدى لقتل العبدة بعد أن أصيب بطلق ناري، وبقي داحول على قيد الحياة وكان بإمكانه قتل العديد ولكنه لم يفعل بل فضل الاستسلام بعد أن طولب بذلك حتى لا يهرق دم أحد من ابناء بلدته وسلم بندقيته بعد أن تعهد له احد الوجهاء بأنه في ذمته وحمايته وأنه لن يصاب بأذى، فتم توثيقه وقادته الجماعة نحو البلده، في هذه الأثناء حضر احدهم الى المكان وقال للمجموعة التي تقتاده بالحرف الواحد : لساكم تاركين هذا الكلب عايش ثم قام باطلاق النار عليه من الخلف فأخترقت الرصاصة القاتلة جسده، هنا التفت العبده الى القاتل وقبل ان يقع على الأرض ويلفظ انفاسه قال له : مو هيك تكون المرجلة يا ،،،،،، ثم مالبث ان فارق الحياة رحمه الله

وهكذا طويت اعمال هذه العصابة وبقيت ذكرى فتنه الذي تسمت المغاره باسمه ولا زالت حتى الوقت الحاضر ، ، ،

البروفيسور رالف سوليكي رئيس البعثة الامريكية للتنقيب في وادي اسكفتا في منطقة يبرود ، زار المغاره لإجراء كشف عنها وعن ما يجاورها لأنها برأيه كانت صالحة لسكن الانسان القديم، وكنت حينها برفقته، وبعد الكشف عن المغاره وتصويرها ومايجاورها، وقد ذكرت له اسمها بعد ان سألني عن ذلك، ولكن سوليكي في تقريره عن أعمال البعثة في الاعوام 1987 – 1989 م الذي قدمه الى جامعة كولومبيا عن نتائج ابحاثه في المنطقة خلال ثلاثة مواسم من التنقيب والمحفوظ نسخة من هذا التقرير في مكتبتي باللغة الانكليزية أطلق اسما آخر على هذه المغارة.

 

 

 


انظر:

نورالدين عقيل:الأعياد الدينية في يبرود في الماضي الجميل

نورالدين عقيل: نظام الري القديم في يبرود

نورالدين عقيل: رمضان في ماضي يبرود

نورالدين عقيل: أشهر الحلويات الشعبية في يبرود

نورالدين عقيل : خميس الأموات ونوبات المشايخ في ماضي يبرود

نورالدين عقيل: نبذه عن التعليم التقليدي في مدينة يبرود

 



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى